أخبار العالم
مُتنمرة مُتبلِّدة الشعور.. لماذا فشلت منى الشاذلي في أن تصبح أوبرا وينفري العرب؟
من الممكن القول بثقة، إنَّ الإعلام المصري يشهد أحلك مراحله؛ فلا نكاد نملك شخصية إعلامية تستحق المُتابعة. هم في الغالب يكتسبون شهرتهم فقط من كونهم حاضرين على الشاشة منذ أمدٍ طويل، وليس لأنَّهم يستحقون التقدير.
لا تفتقر منى الشاذلي، واحدة من أشهر مقدمي البرامج، فقط إلى المهارة والجاذبية اللازمتين للظهور على الشاشة، بل هي أيضاً مُتبلِّدة الشعور، لدرجة تجعلها تبدو مصدراً للإحراج بالنسبة لضيوفها ومشاهديها على حدٍّ سواء. والمقابلات التي تُجريها هي دوماً بمثابة مهزلة لا يمكنك أن تشيح بنظرك عنها.
نتفهَّم نوايا مني الشاذلي، فهي تعتقد نفسها أوبرا وينفري الشرق الأوسط، إذ تستضيف أُناساً يسردون حكاياتهم ويُلهِمون آخرين. لكنَّ الفارق يَكمن هنا في أنَّ ضيوف أوبرا وينفري غالباً يبكون بدافع الفخر.
في المقابل، تدفع الشاذلي ضيوفها للبكاء، فقط من أجل نسب المشاهدة. فهي تتنمر على ضيوفها باستمرار وتجعلهم يشعرون بالأسى على أنفسهم حتى تدمع أعينهم، ثم تستخدم تلك اللقطة في الإعلان الترويجي للبرنامج وفي الشبكات الاجتماعية وتحصل على أرباح لقاء ارتفاع نسب المشاهدة.
وبإمكاننا أن نورد لكم لائحة طويلة من المقابلات المُحرِجة التي أجرتها الشاذلي، لكنَّ إعداد مثل هذه القائمة قد يستغرق منا على الأقل ثلاثة أيام عمل، وذلك لكثرتها. سنستعرض فقط آخر مقابلة أجرتها مع فريق عمل برنامج SNL، والتي يمكن القول بثقة، إنَّها أكثر ما شاهدناه تبلداً على الإطلاق.
استضافت الشاذلي طاقم عمل برنامج SNL، وحاولت استخراج الكلمات منهم، لدرجةٍ جعلت اثنين من فريق العمل يتعرَّضان لانهيار عصبي كامل على المسرح، وانتاب بقيةَ الحضور إحساسٌ بعدم الارتياح، سواء في الاستوديو أو بالمنزل.
لنبدأ بمقابلتها مع نانسي صلاح، الممثلة المبتهجة صاحبة الشَّعر المجعد، التي لديها قصة درامية مثيرة.
وإيجازاً لقصة نانسي، فإنَّ أبويها انفصلا وهي صغيرة، وأمضت حياتها كاملةً دون أن ترى أمها. قرَّرت نانسي أن تعمل في مجال الإعلام كي تظهر على شاشة التلفاز، ومن ثَمَّ تستطيع أمها رؤيتها والتواصل معها. وهو ما حدث بالفعل عند عملها ببرنامج SNL في سن السابعة والعشرين.
ومع أنَّ قصة نانسي مُلهمة وتنتهي نهاية سعيدة، فإنَّ الشاذلي نجحت في أن تُخرِج الكلمات من فمها وتُشعِرها بالخزي، فظلت تُردد أنَّ حكاية نانسي «مؤلمة» بدل أن تقول إنَّها «مُلهِمة».
بالتأكيد أبكت هذه التعليقات نانسي، ولم تُكلِّف الشاذلي نفسها عناء أن ترفع معنوياتها. لكنَّ سلطان، أحد أفراد طاقم التمثيل، حاول أن يُلطِّف المزاج العام ويُضحِك نانسي. وكان كل ما عرضته الشاذلي هو كوب ماء، ولسنا متأكدين كيف لذلك أن يُساعد في تحسين الحالة المزاجية لنانسي.
بعدها صفق الجمهور لنانسي، وهذا ما جعلها تشعر بالتحسن، لكنَّ الشاذلي أبت إلا أن تُشعِرها بالإحباط، قائلةً قصة «غريبة جداً»، وهذه ليست ترجمة، بل هذا ما قالته حرفياً.
وبينما بدأت نانسي تُنهي حكايتها، راحت الشاذلي تقاطعها عدة مرات، محاوِلةً إعادة استعراض القصة مرة أخرى، مُضيفة إليها وقائع مغلوطة، ما يُظهِر أنَّها حتى لا تُولي المرأة التي تُخبرها بمكنون ذاتها أيَّ انتباه.
إن كنت تظن أنَّ هذا كان سيئاً بما يكفي، فالأمر ازداد سوءاً عند محاورتها محمود الليثي. كان الليثي مهندساً ناجحاً قبل أن يعمل بالتمثيل، وقد تخلّى عن مهنته كي يحترف التمثيل. سرد الليثي قصته التي امتلأت بالمصاعب، وقال إنَّه يرويها كي يُلهِم المشاهدين.
بدأ محمود حكايته بقوله إنَّه كان يسافر ما بين محافظات، الإسماعيلية مسقط رأسه، وبورسعيد التي كانت مقراً لعمله، والقاهرة حيث كان يتلقى دروساً في التمثيل. قلَّلت الشاذلي من شأن تجربته بوصفها تجربة عادية. وحاول أن يُدافع عن نفسه، لكنَّه بعد ذلك يتهكم كي يحفظ ماء وجهه.
بعدها ذكر الليثي أنَّه كان عاطلاً عن العمل عندما غادر الإسماعيلية وجاء الى القاهرة كي يحترف التمثيل. وكان مفلساً، لدرجة أنه كان يقضي أياماً بلا طعام، لأنه كان بلا عمل وبلا دخل.
بدأت منى الشاذلي تسأل كل هذه الأسئلة السخيفة وتُعرب عن دهشتها من عدم استطاعته أن يوفر لنفسه طعاماً. حاول أن يخبرها بأنَّه لم يكن لديه دخل، لكنَّها أبت أن تستوعب. وبدأت الشاذلي في التباهي بامتيازاتها، وجعلت الأمر يبدو كأنه خارج عن المألوف، لو أنَّ أحداً لا يملك دخلاً.
شرح الليثي أنَّه كان يتناول عبوة واحدة من شعيرية الإندومي كل يومين، وجعلت منى هذه القصة تبدو كقصة غير قابلة للتصديق، بدل أن تصفها بالمُلهِمة؛ ما دفع الممثل إلى البكاء على المسرح. أخذ زملاؤه في مواساته، في حين ظلَّت منى متمسكة بموقفها في أنَّها «لا أزال غير مستوعبة كيف يمكن أن تكون هذه القصة حقيقية!»، ولم تُحاول أن تخفف عنه.
قرَّرت بعدها أن تخرج في فاصل إعلاني، وطلبت من فريق العمل أن يحتضنوا الليثي، وكأن هذا كان كل ما يحتاجه ليشعر بالتحسن.
كانت القصتان مُلهمتين، وأحزنني أن أرى الشاذلي وهي تقلل من قدرهما. إنَّنا كمشاهدين في غنى عن أن نرى أُناساً يُحَطُّ من قدرهم كي تخرج قصصهم للعلن، ولا نودُّ لهم أن يشعروا بأنهم ضعفاء كي نتسلى.
ويجدر بالشاذلي، كمقدمة برامج محترفة لديها باع طويل في العمل بالمجال، أن تكون أكثر وعياً بهذا.
لكن المشكلة لا تتمثل في أنَّها تفعل ذلك، بل في حقيقة أنَّها تتكسَّب من وراء تقليلها من شأن الناس من أجل رفع نسب المشاهدة.
ينبغي لهذا أن يتوقف.. فلا يُفتَرَض أن نستخدم مآسي الآخرين لأغراضٍ ترفيهية.
ربما يقول البعض إنَّنا فعلنا الشيء ذاته عندما أوردنا قصة نانسي ومحمود في هذا المقال. أوافقكم الرأي إلى حدٍّ ما. لكنَّ هاتين القصتين تستحقان أن تتم مشاركتهما، وكذلك هذه المقابلة.
كان يمكن أن تكون هذه المقابلة أكثر الحلقات التي نشاهدها في أيامنا هذه إلهاماً، لكنَّها تحوَّلت إلى أكثر المقابلات بلادة. ويرجع ذلك إلى حقيقة ألا أحد يرى المشاهير باعتبارهم بشراً، ولا أحد يُحاسب أولئك الذين يستغلون مشاعر الناس من أجل تحقيق مجدٍ شخصي.
إنَّنا متيقنون أنَّ منى الشاذلي تستطيع أن تبرع في عدة مهن أخرى، لكن أن تصبح أوبرا وينفري العرب، حتماً ليست واحدة من تلك المهن. رجاءً توقفي.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Identity Magazine المصرية.