مركز الدراسات
ميت رومني: أضواء على رئيس الولايات المتحدة المحتمل – محمود حمد
يشير سجل رومني في الأعمال والسياسة إلى قدرته على الحسم وعدم تردده في اتخاذ القرارات الصعبة، وإذا ما تلاقى ذلك مع تقاليد الحزب الجمهوري والانتقادات المتوالية ضد سياسة أوباما الخارجية وبالذات فيما يتعلق بالشرق الأوسط فإنه يمكن توقع تحول في السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة يرأسها رومني.
“طلب الصعاب يقوي الرجال”
“The pursuit of the difficult makes men strong”
من مقولات ميت رومني المفضلة نقلا عن والده (1)
لا يعتبر ويلارد ميت رومني المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية من الشخصيات المعروفة خارج الولايات المتحدة، وبالذات في الوطن العربي. ومن ثم فان طبيعة شخصية رومني، وبالتالي سياسياته المتوقعة -إذا قدر له الجلوس على سدة الرئاسة في المكتب البيضاوي- تعد لغزا كبيرا للمتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء. ويمكن القول بوجود ثلاثة مفاتيح لسبر أغوار شخصية المرشح الجمهوري الذي قد يكون في أشهر قليلة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة: المفتاح الأول لفهم شخصية رومني هو خلفيته الدينية المختلفة عن كل رؤساء أميركا السابقين، أما المفتاح الثاني فيركز على أصول رومني العائلية، وسنيّ النشأة الأولى، ومشواره الدراسي، وأخيرا، فان المفتاح الثالث هو تجاربه المهنية والسياسية.
أولا: الخلفية الدينية
ينتمي رومني لكنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر المعروفة إعلاميا بطائفة المورمون، وهو في ذلك يختلف عن كل رؤساء الولايات المتحدة السابقين. فباستثناء جون فيتزجيرالد كيندى الكاثوليكي، انتمى كل رؤساء الولايات المتحدة إلى طائفة المسيحيين الإنجيليين وهى ديانة الأغلبية تاريخيا. والمورمون إحدى الأقليات الدينية الصغيرة في الولايات المتحدة، فهم يشكلون نحو 1.7% من السكان وهى نسبة تقارب عدد اليهود وتفوق عدد المسلمين والبوذيين. ويقدم المورمون أنفسهم باعتبارهم مسيحيين، ولكن الكثير من المسيحيين وبخاصة الأصوليون منهم يشككون في ذلك (2).
وتعتبر المورمون ديانة أميركية بامتياز؛ فقد تأسست الطائفة في ولاية نيويورك على يد جوزيف سميث الذي نادى بنفسه نبيا مرسلا (3). وفي إبريل/نيسان 1840 وبعد نشر كتاب المورمون أسس سميث مع خمسة من أتباعه كنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر في ولاية ميسوري، ولكن أهل الولاية تصدوا لهم وقاموا بطردهم، فهاجروا إلى ولاية إلينوي. وقد حققت الدعوة نجاحا لافتا في الفترة الأولى، ولكن الكثيرين وصموا سميث وأتباعه بالهرطقة، ولذلك أمر حاكم الولاية بإيداعه السجن هو واثنين من أتباعه لحين محاكمتهم، وفي 1844 ادعى جوزيف سميث بأنه قد تلقى إعلانا إلهيا بتعدد الزوجات، فثار عليه أهل المدينة، وهاجموا السجن، وحدثت معركة قتل فيها جوزيف وله من العمر 39 عاما. وعقب قتل جوزيف سميث تولى القيادة بعده بريجهام ينج، فقاد المئات من أتباعه إلى ما يعرف الآن بولاية يوتاUtah هربا من الاضطهاد، حيث عملوا بالزراعة، وقاموا ببناء حاضرة كبيرة في الصحراء “سولت ليك سيتي”. وتاريخيا استمر تعرض أبناء الطائفة للاضطهاد، الأمر الذي دفع الكثيرين من أبناء الطائفة وبينهم جد رومني للهجرة إلى المكسيك حيث ولد جورج رومني. ولكن الأسرة اضطرت للعودة للولايات المتحدة بعد اندلاع الثورة في المكسيك وقيام الثوار بتهديد الرعايا الأميركيين.
ويؤمن أتباع الطائفة بالإنجيل، وإن كانوا يعتقدون أنه قد أصابه التحريف، ولذلك، فإن كتاب “مورمون” هو كلمة الله غير المحرفة. ويدعي المورمون أنهم قد أحيوا الكنيسة الحقيقية التي أسسها السيد المسيح، وأن المسيحية قد عاشت في الارتداد والوثنية لمدة 18 قرنا حتى جاء سميث فأعلن الحق وأعاد الإنجيل الصحيح الذي فُقد (إنجيل المورمون). ويؤمن المورمون كذلك بأن السيد المسيح سيبعث في القدس، ولكنه سيؤسس دولته في القارة الأميركية، وتحديدا في ولاية ميسوري. ويمتنع المورمون عن المسكرات وشرب الشاي والقهوة، ويحرصون على زيادة عدد أعضاء الكنيسة، ولذلك يتزوجون مبكرا وينجبون العديد من الأبناء كما يحرصون على التبشير بديانتهم في الولايات المتحدة وخارجها (4). وتعتبر الأسرة من الركائز المقدسة في المجتمع المورموني ويمتنع أبناء الطائفة عن إقامة علاقات خارج إطار الزواج، كما تقف الكنيسة موقفا صلبا ضد الإجهاض ومثلي الجنس.
وقد سببت الاختلافات العقائدية وبخاصة تعداد الزوجات الكثير من الإشكالات السياسية تاريخيا للكنيسة. فقد منع الكونجرس الاعتراف بيوتاه كولاية مستقلة، ووضعت “مقاطعة الصحراء” كما كانت تعرف تحت الحكم الفيدرالي المباشر من واشنطون. وبهدف الحصول على الاعتراف بمقاطعتهم كولاية أصدرت الكنيسة بيان 1890 الذي حظر تعداد الزوجات، وتم النص على هذا الحظر في دستور الولاية كشرط من شروط الانضمام إلى الولايات المتحدة.
وتعمل الكنيسة على زيادة النفوذ السياسي للطائفة، حيث يعتبر المرمون من الأقليات الفاعلة في الساحة السياسية الأميركية، ولا يفوقهم في حجم تمثيلهم السياسي بين الأقليات على المستوى الفيدرالي غير اليهود. فعلى الرغم من أن المورمون يشكلون 1.7% من المجتمع، ولأن أغلب هذه النسبة من الأطفال دون الثامنة عشرة الذين لا يحق لهم التصويت، فإن عدد أعضاء الكونجرس من أبناء الطائفة يبلغ العشرة بنسبة تبلغ 2.3%، وتزيد النسبة إلى 5% في مجلس الشيوخ بمن فيهم زعيم الأغلبية الحالي السيد هارى ريد.
شكل 1: النسبة المئوية لتمثيل الأديان المختلفة في المجتمع ومجلسي النواب والشيوخ (2011-2013) |
وعلى الرغم من هذا النفوذ السياسي، وتحسن النظرة المجتمعية نسبيا في السنوات الأخيرة، فإن رجل الشارع لا يعرف الكثير عن هذه الطائفة التي تُبقى طقوسها وعقائدها سرا لا يطلع عليه الغرباء من غير أبناء الطائفة (5). ولذلك، فقد حرص ميت رومني على عدم لفت الأنظار لانتمائه الديني، وبخاصة خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري حيث تنتمي كتلة كبيرة من الناخبين لليمين الديني المحافظ. ومن الملاحظ أن الفيلم الدعائي الرسمي الذي أصدرته حملته الانتخابية ومدته أكثر من عشر دقائق يخلو من أى ذكر عن الدين، وهو أمر شديد الغرابة لمرشح ينتمي للحزب الجمهوري حيث أغلب مناصري الحزب من المتدينين (6). كما يخلو التقديم الرسمي من أية إشارة للفترة التي قضاها رومني في فرنسا للتبشير بديانته. وربما تكون هذه الخلفية أهم الأسباب التي دفعت رومني لاختيار بول راين كشريك في التذكرة الانتخابية الرئاسية. فراين الكاثوليكي المعروف بانتمائه الديني المحافظ يعد من الشخصيات السياسية المفضلة لدى قطاعات عريضة من الناخبين المتدينين الذين مافتئوا يساورهم الشك في معتقدات رومني الدينية.
ثانيا: النشأة والتعليم
ولد ميت رومني في ولاية ميتشجان في 12 مارس/آذار 1947، وهو ينتمي لذلك إلى جيل Baby Boomer الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد عودة المقاتلين من جبهات القتال. وقد ولد ميت لعائلة ميسورة وذات نفوذ سياسي كبير؛ فوالده جورج رومني كان من كبار رجال الأعمال والسياسة في ولاية ميتشجان؛ فرومني الأب شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة السيارات الأميركية American Motors Corporation بين عامي 1954-1962، ثم انتخب حاكما لولاية ميتشجان لثلاث دورات 1963-1969، وبعد ذلك شغل منصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية 1969-1973. وقد سعى السيد رومني للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 1968، ولكنه خسر بطاقة الترشيح إمام ريتشارد نيكسون الذي حظي بتأييد الحزب وانتخب رئيسا. أما والدة ميت، السيدة ليونور رومني، فقد انخرطت في الحياة السياسية، وترشحت دون توفيق عن الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية ميتشجان عام 1970. ويبدو أثر العائلة كبيرا في حياة ميت رومني، الذي تتبع خطوات والده ووالدته في مجال المال والأعمال ومن ثم الترشح للمناصب السياسية على مستوى الولاية والحكومة الفيدرالية.
وقد تلقى رومني تعليمه في مدرسة كرانبروك الخاصة في ضواحي ديترويت، وهى المدرسة المفضلة لأبناء النخبة في المدينة. وبعد انتهائه من دراسته الثانوية التحق رومني بجامعة ستانفورد المرموقة ولكنه ترك دراسته بعد عام واحد للقيام بخدمة الكنيسة. ومثله مثل والده، وكحال الكثير من أبناء طائفة المورمون، فقد تطوع ميت رومني للتبشير في الخارج حيث قضى في فرنسا 30 شهرا كاملة (7). وتمنح فترة التبشير في الخارج أبناء الطائفة فرصة الاحتكاك بالعالم الخارجي وتعلم اللغات الأجنبية. ولذلك، فإن أبناء الطائفة من أكثر الطوائف تمثيلا في بعثات الولايات المتحدة في الخارج.
وبعد عودته من بعثته التبشيرية التحق ميت رومني بجامعة بيرجهام ينج حيث حصل على درجته الجامعية الأولى. وتعتبر الجامعة المعروفة اختصارا بـ BYU من أفضل جامعات الولايات المتحدة، ويمتاز طلابها بالدأب والرغبة في التحصيل. ولكونها جامعة الكنيسة، ولإيلائها اهتماما خاصا بتدريس الديانة المورمونية، فإن الأغلبية الساحقة من طلابها من أبناء الطائفة، ومعظمهم قد قام بتأدية بعثته التبشيرية، ولذلك فهم أكبر سنا وأكثر نضجا من نظرائهم من طلاب الجامعات الأخرى. وعند تخرجه، التحق ميت بأحد أكثر البرامج تميزا بجامعة هارفارد العريقة، حيث حصل رومني على إجازة الحقوق وماجستير إدارة الأعمال في آن معا (8). ويبدو أن اختيار هذا الطريق المزدوج وليد تنازع الاهتمامات الشخصية والضغوط العائلية في تشكيل مستقبل السيد رومني، فبينما فضل ميت دراسة إدارة الأعمال بهدف العمل في القطاع الخاص، كان رومني الأب يدفع ابنه لدراسة الحقوق، وهى الباب الأبرز للولوج في عالم السياسة في الولايات المتحدة. وفى النهاية فقد اختط رومني طريقا جمع فيه بين الهدفين. وتشير قدرة رومني على الالتحاق بهذين البرنامجين الدراسيين إلى دأبه وتنوع مداركه وقدرته على التحصيل والإجادة (9).
ثالثا: الحياة العملية
وبعد تخرجه من هارفارد بدأ رومني حياته العملية في مجال المال والأعمال وبصفة خاصة تقديم الاستشارات الإدارية للشركات. واستطاع رومني في 1977 الحصول على وظيفة مرموقة في “باين وشركاؤهBain & Company” التي ترقى فيها سريعا ليشغل منصب الرئيس التنفيذي. وفى عام 1984 أسس رومني مع بعض من زملائه شركة أخرى هي باين للاستثمارات Bain Capital التي حققت نجاحا مدويا ومكنت رومني من تكوين ثروة كبيرة ساعدته على الانخراط في الحياة السياسية. وعندما تعرضت باين وشركاؤه لمصاعب جمة في بداية التسعينات من القرن الماضي استُدعي رومني لإنقاذ الشركة فاتخذ إجراءات حازمة، فقلص حصة مؤسسي الشركة بمقدار النصف، وأجرى اقتطاعات كبيرة على المرتبات والمكافآت، وفصل نصف الموظفين، وتفاوض بضراوة مع المقرضين. وقد مكنت هذه الإجراءات الحازمة الشركة على تخطى مصاعبها (10).
وعادة ما يشير رومني ومناصروه إلى نجاحه في قطاع الأعمال الخاص كأحد مصادر تفوقه على الرئيس باراك أوباما الذي قضى معظم حياته العملية في المجالين الأكاديمي والسياسي. ويركز رومني على قدرته على خلق الوظائف وإيجاد الظروف الملائمة للقطاع الخاص للانطلاق. ويكتسب هذا أهمية كبيرة في السباق الرئاسي 2012 بسبب عدم تعافي الاقتصاد الأميركي حتى الآن من آثار الأزمة الاقتصادية، وبسبب معدلات البطالة المرتفعة التي لم تستطع سنوات حكم الرئيس أوباما تخفيضها بشكل ملموس. ولكن أوباما ومناصريه يشيرون إلى أن نجاحات رومني تحققت على حطام الكثير من الشركات التي أغلقت، والعديد من العاملين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إقامة مصانع خارج الولايات المتحدة وبالذات في الصين للاستفادة من رخص الأيدي العاملة المدربة.
ويعد الدور الذي لعبه رومني في تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سولت لايك سيتي إحدى المحطات الهامة التي يركز عليها الخطاب الانتخابي للمرشح الجمهورى؛ فمدينة سولت لايك سيتي عاصمة ولاية يوتا حاضرة المرمون في الولايات المتحدة كانت على موعد مع تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية بعد أشهر قليلة من الحادي عشر من سبتمبر 2011. ونظر الكثير إلى ذلك باعتباره مؤشرا على تعافي الولايات المتحدة من هذه الضربة المؤلمة. ولكن عملية التنظيم شابتها فضائح عدة شملت قضية رشوة دولية، وتحقيقات قضائية فيدرالية، واستقالة أعضاء اللجنة المنظمة، وانسحاب الراعيين الرئيسيين (11). وعرض رئيس اللجنة العليا على رومني تولى إدارة اللجنة المنظمة في ظل هذه الظروف لمحاولة إنقاذها من الفشل المتوقع، وهو التحدي الذي قبله رومني ونجح في تحويل الدفة في خلال أشهر قليلة. وأصبح هذا الإنجاز محطة انطلاق لرومني في مجال السياسة كقائد قادر على تخطى الصعاب، ومدير ناجح في حشد الكفاءات في مجال العمل العام كحاله في قطاع المال والأعمال. وقد أبرز رومني هذا الإنجاز في كتيب ألفه حول تجربته في الألعاب الأوليمبية (12). ويعكس قرار رومني بالموافقة على الانخراط في هذا التحدي بعضا من طبيعة شخصيته المغامرة من جهة، وارتباطه الشديد بالكنيسة من جهة أخرى. حيث اعتبر الكثيرون أن الفشل الذي كان متوقعا للألعاب الأوليمبية في حاضرة المورمون فشلا للكنيسة وقيادتها بسبب الدور المسيطر الذي تلعبه الكنيسة في إدارة المدينة والولاية.
واتخذ رومني من هذا النجاح محطة للانطلاق في عالم السياسة، حيث ترشح لمنصب حاكم ولاية ماساتشوستس بعد شهر واحد من انتهاء الألعاب الأوليمبية. فبعد عامين من الفشل في الفوز بعضوية مجلس الشيوخ عن الولاية نجح رومني في الفوز بمنصب حاكم ماساتشوستس. وعادة ما يشير رومني إلى نجاحه في القضاء على عجز كبير في موازنة الولاية قدر ب 1.5 بليون دولار كدليل على قدرته على محاربة العجز الهائل للحكومة الفيدرالية ومكافحة التضخم الكبير في حجم الدين العام للولايات المتحدة (13). ولكن رومني حرص على عدم لفت الأنظار خلال الانتخابات التمهيدية بالذات إلى إنجازه الأبرز خلال ولايته المتمثل في قانون ماساتشوستس للرعاية الصحية، الذي شمل تغطية تأمينية طبية للغالبية الأعظم من ساكني الولاية للمرة الأولى في تاريخ أى ولاية أميركية. ويشبه هذا القانون إلى حد كبير قانون أوباما للرعاية الصحية الذى يلقى معارضة عاتية من الحزب الجمهوري واليمين المحافظ. وقد حرص رومني مثله مثل أى سياسي متمرس على تبيان الفوارق بين قانونه وقانون أوباما بهدف التأكيد على اتجاهه لتقليص دور الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد والمجتمع.
وبعد انتهاء ولايته كحاكم، سعى رومني لتحقيق الحلم الذي عجز رومني الأب عن تحقيقه. فقبيل يوم واحد من انتهاء ولايته في 4 يناير/كانون الثاني 2007 أعلن رومني عن انخراطه في المنافسة بهدف الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2008. ورغم تقدمه المبدئي فان الحملة الانتخابية سرعان ما تراجعت ليفوز جون ماكين بترشيح الحزب. لكن رومني المعروف بدأبه استمر خلال الأعوام الأربعة الماضية في بناء قاعدة تأييد داخل الحزب وفى جمع المال اللازم لخوض غمار حملة انتخابات تمهيدية ممتدة ومكلفة. وقد مكن ذلك ميت رومني من أن ينال شرف الترشح عن الحزب الجمهوري كأول مرشح من المورمون.
ماذا نستطيع أن نستنتج من ذلك؟
يشير سجل رومني في مجال الأعمال والسياسة إلى قدرته على الحسم وعدم تردده في اتخاذ القرارات الصعبة، وإذا ما تلاقى ذلك مع تقاليد الحزب الجمهوري في السياسة الخارجية والانتقادات المتوالية ضد سياسة أوباما الخارجية وبالذات فيما يتعلق بالشرق الأوسط (الصراع العربي- الإسرائيلي وتطورات الربيع العربي) فإنه يمكن توقع تحول في السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة يرأسها رومني. ومن المنطقي أن يثير ذلك قدرا من التوجس في العواصم العربية وبالذات دول الربيع العربي التي تولت فيها أحزاب تنتمي للتيار الإسلامي السلطة. وهناك الكثير من مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية القريبة من الحزب الجمهوري تريد للولايات المتحدة أن تمارس قدرا أكبر من التأثير في تشكيل البنية السياسية والدستورية للدول العربية التي تتحول إلى الديمقراطية. وعلى العكس من أوباما الذي لا يربطه ود كبير برئيس الوزراء الإسرائيلي نتينياهو فإن رومني لا يخفى تأييده الكامل لإسرائيل وساستها، وقد حرص المرشح الجمهوري على أن تكون إسرائيل إحدى الدول القلائل التي قام بزيارتها منذ فوزه بترشيح حزبه للرئاسة. كما حرص على تأكيد دعمه الكامل للدولة العبرية وسياستها. وقد أثار رومني كثيرا من الاستهجان عندما ألمح خلال زيارته للقدس إلى أن اختلاف الثقافة تفسر تخلف الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية عن نظيره الإسرائيلي (14). ولم يحمل هذا إعجابا مطلقا بإسرائيل فحسب وإنما نظرة استعلائية تجاه الثقافة العربية والإسلامية تماثل كثيرا مما يردده كتاب اليمين المحافظ في الولايات المتحدة. ويشير ذلك إلى احتمالية سياسة خارجية أميركية أقل تفهما للمصالح العربية وأكثر اقترابا من سياسية إسرائيل في المنطقة إذا ما قدر لرومني الجلوس في المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني القادم.
_____________________________________
محمود حمد – أستاذ مساعد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعتي القاهرة (مصر) ودراك (الولايات المتحدة)