في أوائل يناير كانون الثاني الماضي نشر الناشط العمالي إسماعيل بخشي رسالة على انستجرام قال فيها إنه تعرض للتعذيب في السجن واجتذب بذلك تأييد عشرات الآلاف من الإيرانيين على الإنترنت.
كما تحدى بخشي، الذي يقول إنه مازال يتألم، وزير المخابرات وهو من رجال الدين أن يشارك في نقاش عام عن المبرر الديني للتعذيب. وفي أواخر الشهر الماضي أعادت السلطات اعتقاله.
كذلك أعيد اعتقال زبيدة قليان الصحفية التي تغطي القضايا العمالية في منطقة الأهواز في اليوم نفسه بعد أن قالت على وسائل التواصل الاجتماعي إنها تعرضت لإساءات في السجن.
ودفعت ادعاءات بخشي بما تعرض له من تعذيب والضجة التي أعقبتها على وسائل التواصل الاجتماعي الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الدعوة لإجراء تحقيق والتقى وزير المخابرات فيما بعد مع لجنة برلمانية لبحث المسألة فيما يعد مثالا نادرا على دفع كبار المسؤولين للتحرك بفعل استياء شعبي على الإنترنت.
وقال مستخدم باسم أتيش على تويتر بالفارسية في 11 فبراير شباط ”يجب أن تظل كل جملة ووصف للتعذيب من فم زبيدة قليان واسماعيل بخشي في الذاكرة وألا يطويها النسيان لأنهما الآن وحدهما مع الجلادين تحت ضغط وبلا حول ولا قوة. دعونا لا ننسى“.
وقال هادي غائمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران الذي يتخذ من نيويورك مقرا ”عندما يتناقله الألوف على وسائل التواصل الاجتماعي يرتفع الضغط من أجل المحاسبة. ولن يسكته التحقيق الزائف. من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى ساحة عامة كبرى رئيسية في إيران“.
وقال المدعي العام لطهران عباس جعفري دولت أبادي الشهر الماضي دون ذكر اسم بخشي إن إطلاق ادعاءات بالتعذيب على الإنترنت يعد جريمة.
وتأتي تعليقاته في أعقاب ضغوط متنامية من جانب مسؤولين لإغلاق إنستجرام الذي يبلغ عدد مستخدميه نحو 24 مليونا في إيران. وفي العام الماضي أغلقت إيران تطبيق تلجرام للتراسل الذي بلغ عدد مستخدميه حوالي 40 مليونا وذلك استنادا لدواع أمنية.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن دولت أبادي قوله ”اليوم ترون في الفضاء السيبراني أن الوضع في البلد يمكن أن يتداعى بنشر فيلم أو كذبة أو شائعة“.
وأضاف ”شهدتم في الأيام الأخيرة أنهم نشروا شائعة وأعلنوا اغتصابا أو زعموا انتحارا بل إنكم شهدتم مؤخرا مزاعم عن حدوث تعذيب وكل القوى في البلد تستدرج إليه. اليوم تحول الفضاء السيبراني إلى منصة عريضة جدا لارتكاب الجرائم“.
السكان العرب
يمثل القبض على بخشي وقليان جزءا من حملة تضييق في الأهواز حيث يتركز السكان الإيرانيون من ذوي الأصول العربية. واعتقلت السلطات في الأسابيع الأخيرة مئات الناشطين المطالبين بحقوق للعمال والأقليات وهما من أكثر القضايا إثارة للخلاف في إيران.
وتقول الأقلية العربية في جنوب غرب إيران منذ فترة طويلة إنها تواجه تمييزا من الحكومة المركزية. ومن حين لآخر يتحول الشعور بالإحباط إلى العنف. ففي 2005 وقعت في المدينة تفجيرات حملت الحكومة مسؤوليتها لجماعات انفصالية عربية.
وفي الخريف الماضي قتل مسلحون 25 شخصا منهم 12 من أفراد الحرس الثوري في الأهواز. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة انفصالية عربية مسؤوليتهما عن الهجوم. وتوعد المسؤولون بالثأر وألقت السلطات القبض على المئات.
ويوم الأربعاء قتل انتحاري 27 من أفراد الحرس الثوري في جنوب شرق إيران حيث لأقلية البلوخ مظالم مشابهة لمظالم الأقلية العربية وتتمثل في التجاهل الحكومي والتمييز.
وقالت منصورة ميلز الباحثة في الشأن الإيراني بمنظمة العفو الدولية ”الوضع العام فيما يتعلق بحقوق الإنسان في إيران بدأ يصل إلى نقطة الأزمة. فهذه الموجة من الاعتقالات لعرب الأهواز جزء واحد من حملة تشنها السلطات الإيرانية منذ عام لسحق المعارضة بالكامل“.
كان اثنان من أشقاء عباس ظاهري بين كثيرين اعتقلوا في اليوم الذي وقع فيه هجوم الأهواز. وقال ظاهري إن شقيقيه اتهما بتصوير مقاطع بالفيديو على هاتفيهما قرب موقع الهجوم وإنهما الآن في السجن في حالة صحية سيئة.
وقال ظاهري (18 عاما) لرويترز من الأهواز ”هما يتعرضان لضغوط للاعتراف بوجود صلات تربطهما بمن نفذوا الهجوم“.
وفي الأسابيع الأخيرة صدرت أحكام بالإعدام على عدد من الناشطين في الأهواز في قضايا أمنية وذلك وفقا لما قالته أسرهم وجماعات حقوقية.
وقالت أمل مرمازي في مقابلة من لندن إن شقيقها عبدالله الناشط في المطالبة بحقوق العرب ألقي القبض عليه في الخريف الماضي باتهامات أمنية بعد هجوم الأهواز. ولم يسمح له برؤية محامية أو الاتصال بأسرته على مدى شهور. وفي الشهر الماضي حكم عليه بالإعدام.
وأضافت أن شقيقهما حاتم الناشط أيضا في المطالبة بحقوق العرب قتل في السجن بعد القبض عليه في الصيف الماضي. وتقول ”أسرتي ليس لديها أمل في رؤيته مرة أخرى. فهي تعتقد أنه مات“.
وقالت الإدارات القضائية في الأهواز وطهران إنه لا يوجد مسؤول للإدلاء بتعليق.
* حقوق الإنسان
قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق القبض في العام الماضي على أكثر من سبعة آلاف ”من المحتجين والطلبة والصحفيين والناشطين البيئيين والعمال والمدافعين عن حقوق الانسان بما في ذلك محامون وناشطون في مجال حقوق المرأة وناشطون في مجال حقوق الأقليات ونقابيون“.
كان بخشي وقليان قد اعتقلا في البداية في نوفمبر تشرين الثاني بعد حضور تجمع للعمال من مصنع هفت تبه لقصب السكر كانوا يطالبون بأجور لم تصرف لهم.
وفي الوقت نفسه كان مئات العمال من مصنع للصلب في الأهواز يحتجون للمطالبة بأجور تأخر صرفها.
وقال محللون وناشطون إن السلطات كانت تخشى أن تتشابك الاحتجاجات العمالية مع مظالم نشطاء حقوق الأقليات وتؤدي إلى مزيد من الاضطرابات.
وانطلق ناشطون عماليون في مناطق أخرى من البلاد لتأييد العمال المحتجين في الأهواز عبر الإنترنت.
واتجه بخشي وقليان إلى وسائل التواصل الاجتماعي بعد إطلاق سراحهما في ديسمبر كانون الأول لوصف تفاصيل ما لحق بهما من إساءات قالا إنهما واجهاها أثناء الحبس. وكتب بخشي في الرابع من يناير كانون الثاني على إنستجرام يقول إن أفرادا من أجهزة الأمن ضربوه حتى شارف على الموت.
وكتب يقول ”اليوم بعد مرور ما يقرب من شهرين من ذلك اليوم العسير ما زلت أشعر بالألم في ضلوعي المكسورة والكليتين والأذن اليسرى والخصيتين“. وتناقل الألوف هذه الرسالة على وسائل التواصل.
وبعد دعوة روحاني لإجراء تحقيق اجتمعت لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية بالبرلمان بوزير المخابرات محمود علوي في الثامن من يناير كانون الثاني. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن علي نجفي خوشرودي المتحدث باسم اللجنة البرلمانية قوله إن علوي نفى تعرض بخشي للتعذيب.
ولم تعلن الحكومة عن تحقيقات أخرى في اتهامات بخشي فيما قال محللون إنه مؤشر على أن الاجتماع كان رمزيا إلى حد بعيد.
وبث التلفزيون الإيراني تقريرا في 19 يناير كانون الثاني اعترف فيه بخشي وقليان بوجود صلات تربطهما بأفراد وجماعات خارج البلاد تخطط للإطاحة بالجمهورية الإسلامية. وتقول جماعات حقوقية إن هذين الاعترافين زائفان لأنهما سجلا تحت ضغط. وأعيد اعتقال بخشي وقليان في اليوم التالي.
ويبين القبض عليهما عجز روحاني عن تحجيم وزارة المخابرات التي يعد صاحب القول الفصل فيها الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
ويقول المحللون إن دور الوزارة في الاعتقالات التي تمت في الأهواز وغيرها أثر على سمعة روحاني كرئيس براجماتي.
وقال غائمي ”الناس لن تنظر لروحاني كبديل للعناصر الأكثر تشددا مثل الحرس الثوري أو من يسيطرون على القضاء. وهذا سيضع روحاني وإدارته بحق في مصاف المتشددين الذين حاول بشدة أن يميز نفسه عنهم“.