ألقى الجيش بثقله في عملية تغيير القيادة السياسية في الجزائر، لكنه سيحرص على تعزيز نفوذه السياسي الهائل وهو يعمل من خلف الكواليس لعزل الرئيس المريض وسط أصوات المحتجين المطالبين بالديمقراطية.
وعلى مدى الأسابيع الستة الماضية نظم الجزائريون احتجاجات لا تهدف فقط للإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لكن بكل النخبة الحاكمة المؤلفة من محاربين خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا، إلى جانب حلفائهم في الجيش وقطاع الأعمال والبرلمان والنقابات.
ويتساءل بعض الجزائريين هل الجيش، الذي تتركز خبرته في المحافظة على الأوضاع السياسية وليس في تغييرها، هو المؤسسة المناسبة لإدارة الإصلاح السياسي والاقتصادي الجذري الذي يطالب به كثير من الجزائريين.
ولكن أيا كان النظام الذي ستتمخض عنه الاحتجاجات في نهاية المطاف يلمح الجيش إلى أنه يريد الاحتفاظ بالدور الحاسم الذي يلعبه في الشأن الوطني منذ الاستقلال عام 1962.
ويتأكد نفوذ الجيش يوما تلو الآخر.
فبينما يقاوم بوتفليقة الضغط الشعبي الهائل لحمله على التنحي بشكل فوري، تدخل قائد الجيش لكسر الجمود في 22 مارس آذار بدعوة المجلس الدستوري لإعلان أن الرئيس المخضرم البالغ من العمر 82 عاما غير لائق للحكم.
وأثارت هذه الخطوة صدمة في أوساط المؤسسة السياسية ورسمت علامة استفهام كبيرة على خطة بوتفليقة للبقاء في المنصب لفترة مؤقتة من أجل الإشراف على عملية انتقال السلطة.
وفي الأيام التالية أطلق حزبان سياسيان كبيران وأكبر اتحاد عمالي في البلاد، وهما من أنصار الرئيس منذ زمن طويل، دعوة مماثلة لما أطلقه الجيش.
وقال قائد عسكري متقاعد ”اللعبة بين الرئاسة والمحتجين. والجيش هو الحكم. يمكنك أن تستبعد لاعبا لكن لا يمكنك أن تستبعد الحكم“.
ويقول ضباط كبار سابقون في الجيش إن السيناريو المثالي بالنسبة للجيش هو مرشح توافقي لمنصب الرئيس يلبي بعض مطالب المحتجين وفي نفس الوقت يمكن الجنرالات من المساعدة في رسم مستقبل البلاد.
* الإصلاح السياسي
يقول ضابط متقاعد من المخابرات العسكرية ”بوسعي أن أتصور مزيدا من التنازلات من جانب الجيش من بينها قبول مرشحين من المحتجين للتعامل مع المرحلة الانتقالية“.
وحتى الآن، كان رد زعماء الاحتجاجات على تدخل الجيش مزيجا من الحذر والبراجماتية. ويريد بعض زعماء الاحتجاجات إصلاحا سياسيا شاملا يقضي على أي نفوذ للجيش في الحياة السياسية.
وقال المحامي والناشط مصطفى بوشاشي وهو من أبرز قادة الاحتجاجات ”أظهر الجيش أنه في صف الناس أثناء الاحتجاجات.
”أتمنى أن يظل مع الناس… نعم أتمنى أن يساعد في ضمان عملية انتقال“.
ومثل كل المتظاهرين يريد بوشاشي جيلا جديدا من القادة لإصلاح المشهد السياسي الراكد في البلاد وإنعاش اقتصاد متعثر يقول الجزائريون إنه يعاني من المحسوبية.
لكنه يقول إن من السابق لأوانه مناقشة من سيخلف بوتفليقة.
ويرى بعض من هم على استعداد للتكهن أن السياسي المعارض أحمد بن بيتور منافس محتمل. وكان بن بيتور قد استقال من منصب رئيس الوزراء في عهد بوتفليقة بسبب خلافات حول الهيمنة الاقتصادية للنخبة الحاكمة والافتقار إلى الشفافية.
ومن الأسماء الأخرى المطروحة وزير الاتصالات السابق عبد العزيز رحابي والرئيس السابق اليمين زروال.
لكن أيا كان من سيصبح الرئيس المؤقت فلابد أن يحظى بقبول قادة الجيش.
ورغم أن الانتخابات المحلية والبرلمانية في الجزائر يمكن أن تشهد منافسات حقيقية، حتى وإن كانت مفتوحة فقط أمام الأحزاب التي توافق عليها السلطات، فإن الانتخابات الرئاسية تخضع لضوابط مشددة ويكون فوز المرشح المفضل للجيش في حكم المؤكد.
* الجيش يريد الاستقرار
بما أن الجيش فضل دائما البقاء وراء كواليس المشهد السياسي، فمن المستبعد أن تحذو الجزائر حذو مصر بعد انتفاضة عام 2011. فقد أطاح قائد الجيش المصري في عام 2013 عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإسلامي محمد مرسي قبل أن يُنتخب رئيسا في نهاية المطاف، لينضم إلى قائمة طويلة من رجال الجيش الذين حكموا البلاد.
لكن في الوقت نفسه، من المستبعد أن يتنازل الجيش الجزائري عن قدر كبير من السلطة لأي رئيس مدني في المستقبل.
وبوتفليقة، المناضل السياسي الصلب، مثال على ذلك. فقد عمل لسنوات من أجل تقليص نفوذ قادة الجيش وترسيخ قوة مؤسسة الرئاسة من خلال عزل العشرات من كبار الضباط.
لكنه وجد صعوبة في تحجيم نفوذ الجيش حتى بعد إقالة رئيس المخابرات محمد مدين لأن كثيرين اعتبروه صاحب السلطة الحقيقية في البلاد.
وفي الاضطرابات الحالية، يمكن للجيش أن يدرس استخدام القوة إذا تفاقم الأمر. لكن هذا يبدو احتمالا بعيدا. فقد احتفظت المظاهرات بالطابع السلمي حتى الآن بل وتخللتها أجواء احتفالية. واختار الجيش البقاء على الهامش، في تناقض حاد مع أوائل التسعينيات عندما أثار إسلاميون ملتحون قلق القادة بتجمعات جماهيرية للمتشددين.
ولا يريد أي جزائري العودة إلى تلك الأيام، عندما ألغى الجيش الانتخابات التي كان الإسلاميون بصدد الفوز فيها، مما أشعل حربا أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 200 ألف شخص. لكن لا يمكن استبعاد العودة إلى الاضطرابات المدنية التي هزت البلاد بين عامي 2001 و2002 إذا تزايدت الاحتجاجات.
ما تتفق عليه جميع الأطراف هو الحاجة إلى زعيم يضع إصلاح الاقتصاد القائم على النمط السوفيتي على رأس أولوياته.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير إنها تتوقع أن يلقي استمرار الضبابية لفترة طويلة بظلاله على الآفاق الاقتصادية للبلاد.
وقال القائد العسكري المتقاعد ”الجيش يريد الاستقرار والقادة يعرفون أن هذا لن يتحقق إلا إذا كان لديك رجل يملك رؤية اقتصادية تحمل مقومات البقاء لإقناع الجزائريين بأن الإصلاحات الاقتصادية هي السبيل الوحيد للمضي قدما“.