أخبار من أمريكاتحليلات سياسية
تحليل … إحصاء لتغريداته يكشف حقائق صادمة عن تعامله مع خصومه وأفراد إدارته
أرقام وحقائق صادمة تتكشف في علاقة ترامب مع تويتر.
فداخل البيت الأبيض، أنهى الرئيس ترامب الغاضب جدالاً كان جارياً مع مُساعديه. ومدَّ يده إلى أحد الأدراج ليُخرج هاتف آيفون الخاص به ويُلقيه على مكتب ريزولوت التاريخي:
«هل تريدونني أن أُنهِيَ هذا الجدال الآن؟».
وتذكَّر المُساعدون ذلك اليوم أوائل عام 2017، قائلين إنَّ تهديد ترامب لم يكُن مُبهماً. إذ يُمكنه بتغريدةٍ أن يبعث بتوجيهاته إلى العالم، ولم يكُن هناك شيءٌ يستطيعون فعله حيال الأمر، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
تويتر وسيلته لإدارة سلطته الرئاسية
حين وصل ترامب إلى البيت الأبيض، كان تويتر مُجرَّد أداةٍ سياسية ساعدت في انتخابه، ومدفع هاوتزر رقمي كان يتلذَّذ بإطلاقه. وعلى مدار الأعوام التالية، أدمج تويتر بالكامل داخل نسيج إدارته، ليُعيد تشكيل طبيعة الرئاسة والسلطة الرئاسية.
وبعد أن تدخلت تركيا عسكرياً في شمالي سوريا الشهر الماضي، صاغ ردّه في صورة اجتماعات البيت الأبيض وسلسلةٍ من التغريدات المُتضاربة أيضاً.
وفي الصيف، أعلن زيادة التعريفات الجمركية المفروضة على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار بتغريدةٍ زادت حدة التوتُّرات بين البلدين.
ضرب 50 عاماً من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عبر تغريدة
وفي مارس/آذار، ضرب ترامب بـ50 عاماً من السياسة الأمريكية عرض الحائط، حين غرَّد مُعترفاً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. وأعرب عن سعادته برد الفعل الذي أثارته تلك التغريدة.
إذ استرجع ترامب تلك الذكريات بعد أشهر، خلال مؤتمرٍ حضرته شخصياتٌ مُحافظةٌ على الشبكات الاجتماعية داخل البيت الأبيض: «بوووم. أضغط على الزر، وفي غضون ثوانٍ تصير لدينا أخبارٌ عاجلة».
وفي وقتٍ مُبكِّر من رئاسته، حاول كبار مُساعديه كبح جماح عادة الرئيس التغريدية، لدرجة أنَّهم فكَّروا في مُطالبة الشركة بفرض حظرٍ على التغريد لمدة 15 دقيقة بين تغريدات ترامب. لكن، وبعد 11,390 تغريدة حتى وقت نشر هذا التقرير، اعتنق العديد من المُشرِّعين ومسؤولي الإدارة هوسه بتويتر، وتوافدوا على مسؤول الشبكات الاجتماعية في إدارته حاملين مُقترحاتهم.
وتنشغل اجتماعات السياسة حين ينزل الإلهام على ترامب بفكرة تغريدة، إذ يطلب من أعضاء حكومته وغيرهم نصائحاً لنسج كلماتها. وبصفته رئيساً يخوض حرباً مع بيروقراطية حكومته؛ فهو يستغل تويتر لاجتياز الطرق المسدودة وتجاوز أو إهانة مُستشاريه المُتمرِّدين واستباق موظفيه.
وقالت كيليان كونواي، مستشارته في البيت الأبيض، خلال مقابلة: «يحتاج إلى التغريد كما نحتاج نحن إلى تناول الطعام».
وفي رئاسةٍ تختلف عن غيرها، حيث يستيقظ ترامب في الصباح على تويتر ويخلد للنوم في المساء معه، ويشعر بالراحة لأن عالم تويتر يدور حوله؛ فإنَّ أكثر شخصٍ أثنى عليه ترامب كان هو ترامب نفسه، إذ مدح نفسه أكثر من ألفي مرة بحسب التحليل الذي أجرته صحيفة New York Times.
وصار ترامب يُغرِّد الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى. إذ كان الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول أكثر أسابيعه انشغالاً، حين نشر 271 تغريدة.
وهو معتادٌ على استغلال تويتر في انتقاد أعدائه المُفترضين. بل في الواقع، يُهاجم ترامب شيئاً أو شخصاً في أكثر من نصف تغريداته.
وتأتي غالبية تلك الهجمات في الصباح الباكر أو أواخر المساء، حين يكون ترامب مُنفرداً بنفسه بعيداً عن مُستشاريه على الأرجح.
وفحصت الصحيفة الأمريكية استخدام ترامب لتويتر منذ تنصيبه، وراجعت كل تغريدة وإعادة تغريدة ومُتابع، وأجرت مقابلاتٍ مع قرابة الـ50 من مسؤولي إدارته والمُشرِّعين ومسؤولي تويتر وموظفيه الحاليين والسابقين.
وخرجت الصحيفة بتقريرٍ غني، وتحليلٍ جديد، ووقائع لم ترد في السابق، وتفاصيل جديدة حول كيفية استغلال الرئيس للمنصة في ممارسة سلطته.
عدد تغريدات ترامب وفقاً لأهدافه منها
هاجم فيها شيئاً أو شخصاً : 5,889
مدح فيها شيئاً أو شخصاً : 4,876
هاجم فيها الديمقراطيين : 2,405
هاجم فيها التحقيقات : 2,065
مدح فيها الرئيس ترامب : 2,026
روَّج فيها لنظريات المؤامرة : 1,710
هاجم فيها مؤسّساتٍ إعلامية : 1,308
هاجم فيها الأقليات : 851
مدح أو روَّج فيها لشبكة Fox News وغيرها من وسائل الإعلام المُحافِظة : 758
هاجم فيها المُهاجرين : 570
هاجم فيها الإدارات الرئاسية السابقة : 453
أجرى فيها المهام الرئاسية عبر تويتر : 417
هاجم فيها هيلاري كلينتون : 256
هاجم فيها دولةً حليفة : 233
تباهى فيها بحجم الجماهير والتصفيق : 183
مدح فيها حاكماً دكتاتورياً : 132
أشار فيها إلى إحدى أعماله التجارية : 95
روَّج فيها لنظريات المؤامرة التي تدور حول التلاعب الانتخابي : 40
وصف فيها وسائل الإعلام الإخبارية بـ»عدو الشعب» : 36
أشار فيها إلى نفسه بوصفه الرئيس «المُفضَّل» لدى الجميع : 16
التغريدات من يوم 20 يناير/كانون الثاني عام 2017 وحتى 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019
ويفعل ترامب ذلك عادةً من خلال آلية التكرار البوهيمية نفسها. إذ استغل تويتر في المطالبة بالتحرُّك ضد المُهاجرين ومن أجل بناء جداره الحدودي 1,159 مرة، وهي أولويةٌ قُصوى لإدارته، في حين طالب بالتحرُّك في ما يتعلَّق بالتعريفات الجمركية 521 مرة، وهي عنصرٌ رئيسيٌ آخر على أجندته.
ويُعَدُّ تويتر أيضاً إحدى أدوات سياسته الخارجية: إذ أثنى على الحُكَّام الدكتاتوريين أكثر من مائة مرة، إلى جانب شكواه أكثر من مائتي مرة من حُلفاء أمريكا التقليديين. وصار تويتر يُؤدِّي دور إدارة شؤون الموظفين بالحكومة الأمريكية فعلياً: إذ أعلن الرئيس مغادرة أكثر من عشرين مسؤولاً كبيراً من خلاله، وبعضهم أُقيل بتغريدة.
وجاءت أكثر من نصف تغريدات الرئيس في صورة هجوم على شيءٍ أو شخص، بـ5,889 تغريدة، ولا يقترب أيّ تصنيفٍ آخر من هذا الرقم.
وشملت قائمة المُستهدفين التحقيقات في التدخُّل الروسي، والاحتياطي الفيدرالي الذي لا ينصاع لرغباته، والإدارات السابقة، ومُدناً كاملة يرأسها الديمقراطيون، وخصومه من الرياضيين ووصولاً إلى كبار المديرين التنفيذيين الذين يُزعجونه. وبعكس أيّ رئيسٍ مُعاصر، هاجم ترامب الأعمال التجارية علناً لتعزيز أهدافه السياسية وإسكات المُنتقدين، بالحديث عن التدخُّل الحكومي عادةً. فباستخدام تويتر؛ هدَّد ترامب برنامج Saturday Night Live بتحقيقٍ تُجريه لجنة الاتصالات الفيدرالية، واتَّهم شركة Amazon -بقيادة جيف بيزوس مالك صحيفة Washington Post- بالاحتيال على خدمة البريد الأمريكية.
ويُعَدُّ تويتر بمثابة شبكة البث الرسمية لواقع ترامب السياسي الموازي، أو «الحقائق البديلة»، والتي يستخدمها لنشر نظريات المؤامرة والمعلومات الزائفة والمُحتوى المُتشدِّد، ويشمل ذلك بعض المواد التي تُثير نشاط قاعدته الانتخابية.
وتسارع استخدام ترامب لتويتر بمُعدَّلٍ حاد منذ انتهاء تحقيق المستشار الخاص في التدخُّل، وبلغ أعلى مُعدَّلاته بالتزامن مع بدء الديمقراطيين في إجراءات عزله بحسب التحليل.
إذ غرَّد أكثر من 500 مرة خلال الأسبوعين الأوَّلين من أكتوبر/تشرين الأول، وهو مُعدَّل وضعه على الطريق إلى مضاعفة مُتوسِّطه الشهري ثلاث مرات.
11 ألف تغريدة
وحلَّلت New York Times تغريدات ترامب حتى الـ15 من أكتوبر/تشرين الأول، لتجد أنَّ عدد تغريداته بنهاية الشهر وصل إلى 11,887 تغريدة.
وتحوَّل مُتابعوه على تويتر (66 مليون متابع) إلى خدمة اقتراعٍ خاصةٍ به، حيث يعرض ما يراه تصديقاً على أدائه في الرئاسة. لكن مُتابعيه من الأمريكيين في سن الاقتراع لا يتجاوزون خُمس العدد الإجمالي، بحسب تحليل الصحيفة الأمريكية للمسوحات الوطنية التي أجرتها شركة Pew Research على البالغين الذين يستخدمون تويتر.
ورفض المكتب الصحفي بالبيت الأبيض التعليق على هذا التقرير، ورفض طلب مقابلةٍ مع الرئيس. إذ يتوقَّع ترامب معركة إعادة انتخابٍ ضارية، ويُواجه إجراءات عزله من جانب الديمقراطيين؛ لذا صارت الرهانات الآن أخطر من أيّ وقتٍ مضى، وصار تويتر أكثر محوريةً بالنسبة لرئاسته.
ونشر ترامب تغريدته الهجومية الأولى وهو رئيس في اليوم الثالث من تنصيبه. وأطلق أكثر من 1,100 هجوم على مدار العام التالي. وأكثر المُستهدفين بسخرية ترامب هم الديمقراطيون، والمؤسسات الإخبارية، والتحقيقات -خاصةً التحقيق الروسي وإجراءات العزل.
وحظي هجوم ترامب على أربع عضوات كونغرس ديمقراطيات مُلوَّنات في يوليو/تموز بالكثير من الاهتمام، وردود الأفعال أيضاً. إذ لم تكُن تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الرئيس تويتر للهجوم على الأقليات، ولن تكون الأخيرة.
ونشر الرئيس تغريدات هجومية هذا العام -حتى الآن- أكثر من عاميه السابقين مُجتمعين. وإجمالاً، فقد هاجم 630 شخصاً و5,889 شيئاً، منذ تنصيبه.
ورغم اعتراف المُحيطين بترامب بأنَّ تغريداته يُمكن أن تُسبِّب ضرراً سياسياً، لكن الرئيس واثقٌ من براعته في تويتر.
إذ أنَّه في الأسبوع الماضي، حين أعلن أنَّ القوات الخاصة الأمريكية قتلت أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؛ أشار ترامب إلى البراعة الرقمية للجماعة الإرهابية قائلاً: «يستخدمون الإنترنت أفضل من أيّ شخصٍ آخر في العالم تقريباً، باستثناء دونالد ترامب».
أوامر مذهلة للجيش الأمريكي عبر تويتر
أدخل ترامب إدارته في حالةٍ من الفوضى الخريف الماضي بتغريدةٍ واحدة. إذ كتب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، غضباً على قافلة المُهاجرين القادمة من أمريكا الوسطى: «يجب أن أطلب من المكسيك، بأشد العبارات، أن تُوقف هذا الهجوم. وفي حال عجزت عن فعل ذلك، فسوف أستدعي الجيش الأمريكي وأُغلق حدودنا الجنوبية».
وحاول مُساعدو ترامب طوال أسابيعٍ إثناءه عن إغلاق الحدود، لأنَّ الخدمات اللوجستية ستتعطَّل بالكامل ولأنَّ الاقتصاد سيتضرّر بشدة. ودفعت التغريدة إلى إجراء اجتماعٍ طارئ على الجانب الآخر من المكتب البيضاوي، حيث سارع المُساعدون لعكس آثار اندفاع ترامب، بحسب أشخاصٍ مُطَّلعين على المشهد الساخن. ولكنَّهم تحدَّثوا شريطةً عدم الكشف عن هويتهم، على غرار العديدين في هذا المقال، مخافة إغضاب الرئيس.
ونجح المُساعدون في تأخيره مُؤقتاً، لكن التغريدة بلورت رغبته تحديداً للبيروقراطيين الحذرين: أن يمنعوا الناس من دخول البلاد.
وفي الأشهر التالية، ساعد تهديد ترامب في إطلاق جهودٍ داخل الحكومة من أجل العثور على أساليب أكثر تقييداً لمنع دخول المُهاجرين. وبعد ستة أشهرٍ تقريباً، كانت كيرستشن نيلسن، وزيرة الأمن الداخلي، لا تزال تُحاول الحيلولة دون إغلاق الحدود، حين أجهز الرئيس على مقاومتها.
إذ غرَّد ترامب: «كيرستشن نيلسن ستترك منصبها».
هذه هي الحوكمة في عصر ترامب. فبالنسبة للرئيس باراك أوباما، كانت التغريدة حول مُقترحٍ رئاسي تُشير إلى ختام عملية تداولٍ طويل. أما بالنسبة لترامب، فإنَّ تويتر هو عادة بداية طريقة تشكيل السياسة.
إذ قال النائب بيتر كينغ، الجمهوري من ولاية نيويورك: «فجأةً تظهر تغريدة، وتنقلب الأمور رأساً على عقب، ثم تقضي الأسبوع في محاولة الدفاع عن شيءٍ آخر. هذا الشخص يتغذى على الفوضى. والأمور التي نجدها مُربكةً أو مزعجةً وما إلى ذلك، هي في الواقع ما يُبقيه مُستمراً».
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، كان ريكس تيلرسون، أول وزراء خارجية ترامب، في الصين مع فريقٍ دبلوماسي في محاولةٍ للتفاوض حول العقوبات المفروضة على كيم جونغ أون، الزعيم الكوري الشمالي؛ حين تدخَّل ترامب عبر تويتر. إذ قال الرئيس إنَّ تيلرسون «يُضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير. احتفظ ببطاقتك يا ريكس، سنفعل ما يتوجَّب علينا فعله».
وأشار عنوانٌ إخباري في شبكة Reuters بعد شهرين إلى أنَّ ميك مولفيني، الذي كان ترامب قد عيَّنه مؤخراً رئيساً لمكتب حماية المستهلك المالي، قرَّر «تجميد» العقوبات المفروضة على بنك Wells Fargo بسبب انتهاكها المستهلكين. ولا عجب في ذلك لأنَّ مولفيني كان حليفاً للصناعة المالية، لكن ترامب كانت له أفكارٌ أخرى.
إذ غرَّد ترامب: «لن تُسقَط الغرامات والعقوبات المفروضة على بنك Wells Fargo بسبب سلوكياته السيئة ضد مُستهلكيه وغيرهم، كما زعمت بعض التقارير خطأً، ولكنها ستستمر وربما تزيد».
وبمرور الوقت، حوَّل ترامب تويتر إلى أداةٍ للتواصل الرئاسي، بأهميةٍ حيوية تُساوي أهمية منصب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض وخطابات المكتب البيضاوي. إذ لم تعقد السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض أيّ مؤتمراتٍ صحفية يومية مُصوَّرة منذ مارس/آذار، وهو الطقس الذي كان مُعتمداً في الرسائل الرئاسية منذ عقود. وبدلاً من ذلك، يمضي اليوم حسب نشاط ترامب على تويتر.
وأزال ترامب أيّ شكٍ في أهمية تغريداته بعد أن استغلها في إصدار المزيد من التصريحات الرسمية.
وفي صيف عام 2018، حاول مُساعدوه مراراً طمأنة المُشرِّعين الجمهوريين بأنَّ الرئيس يدعم مشروع قانون الهجرة المُتشدِّد الذي تقدَّموا به، رغم التصريحات التي تُشير إلى خلاف ذلك. ولكن ترامب قال للعديد من أعضاء الكونغرس سراً إنَّ هناك دليلاً واحداً مُؤكَّداً على دعمه.
إذ نقل اثنان من كبار مُستشاريه السابقين عن لسانه قوله: «إذا لم أكتب دعمي في تغريدة، فلا تستمعوا إلى فريقي».
مساعدوه حاولوا تأخير تغريداته
حين وصل ترامب إلى المكتب البيضاوي، كان مُساعدوه قد عقدوا العزم على كبح جماح أصابعه التي لا تتوقَّف عن التغريد على تويتر.
ففي سلسلةٍ من المُحادثات غير الرسمية التي جرت أوائل عام 2017، ناقش كبار مسؤولي البيت الأبيض إمكانية فرض حظرٍ لمدة 15 دقيقة على التغريدات الصادرة من حساب الرئيس، وهو تعديلٌ تقني يختلف عن نظام الخمس ثوانٍ المعمول به في الشبكات التلفزيونية ضد الألفاظ الخارجة. لكن أحد كبار المسؤولين السابقين قال إنَّهم تخلَّوا عن الفكرة سريعاً حين أدركوا المخاطر السياسية التي ستقع حال تسرُّب الأخبار إلى الصحافة -أو إلى رئيسهم.
وبعد بضعة أسابيع، تقدَّم ثلاثةٌ من المُستشارين المُقرَّبين بفكرةٍ أخرى إلى ترامب. إذ جادل غاري كوهن، كبير المستشارين الاقتصاديين، وهوب هيكس، مديرة الاتصالات الاستراتيجية، وروب بورتر، سكرتير موظفي البيت الأبيض؛ بأنَّهم يجب أن يطَّلعوا على التغريدات قبل أن ينشرها الرئيس.
ولكن ترامب كان مُتشكِّكاً، وقلقاً من أنَّ تأخير التغريدات سيُخرجها من السياق، بحسب مسؤولٍ سابقٍ في البيت الأبيض. ولكنَّه وافق على تجربة الفكرة لمدة أسبوع، وفي غضون 72 ساعة، واصل الرئيس التغريد من نادي الغولف الخاص به في بيدمنستر بولاية نيوجيرسي.
وتويتر حائر بشأن طريقة التعامل معه، ولكنه يشكل فرصة ذهبية بالنسبة له
وعلى بعد ثلاثة آلاف ميلٍ داخل وادي السيليكون، بدأت تتكشَّف مُحادثاتٌ شبيهة في مكاتب شركة Twitter، حيث واجه مُديرو الشركة نفس المُعضلة التي واجهتها دائرة ترامب الداخلية: هل يُمكن كبح جماحه؟ وكيف؟
وكان تويتر مُتخلِّفاً عن مُنافسيه، مثل فيسبوك، آنذاك. فرغم أنَّه كان يتمتَّع بشعبيةٍ بين الساسة والصُحفيين، لكنَّ الشركة كان تُعاني مالياً. وجاءت تغريدات الرئيس المُتواصلة لتمنح الشركة رواجاً أكبر.
إذ أنَّ حسابه على تويتر جذب المزيد من «الانطباعات» إلى المنصة -وهو المقياس الرئيسي بالنسبة للشركة-، أكثر من أيّ شيءٍ آخر في العالم. لكن بعض رسائله عبر تويتر بدت وكأنَّها تنتهك سياسات الشركة المُناهضة للإساءة والتحريض.
وروَّجت الكثير من تغريدات الرئيس لنظريات المؤامرة، أو حاولت تقويض إيمان الناس بالمؤسسات الديمقراطية.
وفي اليوم السادس من تنصيبه، تقدَّم بالادعاء الكاذب القائل إنَّ ملايين الناس صوَّتوا بطريقٍ غير قانوني خلال انتخابات عام 2016، مما حرمه من الفوز بأغلبية الأصوات الشعبية.
وغرَّد 40 مرة عن التلاعب الانتخابي والنظام الانتخابي «المُزوّر».
وبعد أقل من شهرٍ على رئاسته، غرَّد ترامب قائلاً إنَّ الديمقراطيين هم من اختلقوا التدخُّل الروسي في انتخابات عام 2016 لتبرير خسارة هيلاري كلينتون. ثم اتَّهم أوباما بالتنصُّت غير القانوني على برج ترامب خلال الحملة.
وزرع منذ ذلك الحين الشك في التدخُّل الروسي، والتحقيق اللاحق، عبر أكثر من 1,400 تغريدة.
واستغل ترامب تويتر أيضاً للهجوم على مصداقية الصُحفيين، والوكالات الاستخباراتية، والنظام القضائي. وتحدَّث عن «دولةٍ عميقة» شائنة تُقوِّض دعائم رئاسته، ونظامٍ قضائي يضع البلاد في «خطر»، ووسائل إعلامٍ إخبارية وصفها بـ»عدو الشعب» -وهي الجملة التي يستخدمها الحُكَّام المُستبدّون عادةً.
ودفع الرئيس أيضاً بمزاعم لا أساس لها من الصحة حول أنَّ الشركات التقنية الكُبرى مُنحازةٌ ضد المُحافظين (102 تغريدة)، وكرَّس المخاوف من أنَّ قوافل المُهاجرين سوف «تحتل» الولايات المتحدة (43 تغريدة)، وشكَّك في أعداد ضحايا إعصار ماريا في بورتوريكو (خمس تغريدات). وإجمالاً، غرَّد ترامب بلهجة المؤامرة أكثر من 1,700 مرة.
حتى أن بعض الموظفين فكروا في حظر حساب الرئيس
وقال موظَّفٌ سابق في Twitter، تحدَّث شريطة السرية، إنَّ بعض الموظفين الذين يميلون إلى اليسار أعربوا عن تفضيلهم فكرة حظر الرئيس، وذلك عبر مُنتدى مراسلةٍ داخلي للشركة -توقَّف العمل به- يحمل اسم Twitter Buzz.
إذ برزت سلوكيات ترامب في كل تجمُّعٍ كبير واجتماعٍ صغير لمُديري الشركة. لدرجة أنَّ بعضهم فعَّل زر التنبيهات على هاتفه ليصله إشعارٌ متى غرَّد الرئيس.
وقالت ديانا كولاسوردو، رئيسة حسابٍ سابقة في فريق مبيعات التسويق السياسي بـTwitter: «ما شهدته كان شركةً تُواجه موقفاً جديداً كلياً، ومستوىً جديداً من التدقيق والنقد. وكانت الشركة تعمل على تبنِّي سياساتها في ذلك الوقت لمواكبة الموقف».
إلى أن هدد بمحو هذه الدولة
وجاءت نقطة التحوُّل في خريف عام 2017، حين بلغت التوتُّرات مع كوريا الشمالية ذروتها، بعد أنَّ غرَّد ترامب قائلاً إنَّ الدولة المارقة قد لا «يكون لها وجودٌ بعد الآن!».
ووصف وزير خارجية البلاد ذلك بأنَّه إعلان حرب. وعلى تويتر، تساءل المستخدمون حول ما إذا كانت الشركة ستسمح لترامب بنشر التغريدات التي ستُؤدِّي إلى اندلاع حربٍ نووية.
وجاء الرد في اليوم التالي. إذ أعلنت شركة Twitter في تغريدةٍ أنَّها تأخذ «أهمية الخبر» بعين الاعتبار حين تُقيِّم ما إذا كان عليها محو منشورٍ ينتهك سياساتها، وذلك في إشارةٍ إلى إعلان ترامب عبر الإنترنت.
وفي إحدى المُقابلات، قال مُديرو Twitter إنَّ أهمية الخبر هي جزءٌ قديم العهد من الإرشادات الداخلية النافذة للشركة، وأضافوا أنَّ المسؤولين بالشركة كانوا يصيغون هذا الإعلان بشأن أخمية الخبر -المعمول به حول العالم- قبل أشهرٍ طويلة من تغريدة ترامب عن كوريا الشمالية.
لكن الموظفين السابقين قالوا إنَّهم أدركوا أنَّ ترامب هو السبب في ذلك الإعلان. إذ إنَّ الشركة لا ترغب في أن تدخل مجال فرض رقابةٍ على الرئيس.
وأواخر صيف عام 2018، حاول العاملون في البيت الأبيض مرةً أخرى الحد من استخدام ترامب للشبكات الاجتماعية، بحسب اثنين من مُساعديه السابقين. فبعد سلسلة من أسابيع التغريد التي تجاوزت كل الحدود -بما فيها وصفه لمُساعدته السابقة أوماروزا مانيغو نيومان بـ»الحمقاء» و»الوضيعة»-؛ اقترح عددٌ من مُستشاريه أن يُمضي يومين فقط دون استخدام تويتر ويرى ما سيحدث. فأومأ ترامب برأسه، ثم تجاهل النصيحة على الفور.
وقال كينغ إنَّ غالبية زملائه الجمهوريين تمنوا لو أنَّ الرئيس ينشر تغريداتٍ أقل، مُضيفاً إنَّه كلما أثار القضية مع موظفي البيت الأبيض؛ يهزون أكتافهم بلا حولٍ ولا قوة.
وتذكَّر أنَّهم قالوا لها ذات مرة: «لن يتوقَّف الأمر. عليك أن تنسى ذلك، فقد حاولنا جميعاً».
وبعد مرور فترةٍ وجيزة، صار إنتاج ترامب من التغريدات أكثر غزارةً من أيّ وقتٍ مضى.
ففي الـ13 من سبتمبر/أيلول، سخر ترامب من جيمي ديمون، المدير التنفيذي لمصرف JPMorgan Chase، لأنَّ الأخير زعم أنَّ باستطاعته هزيمة ترامب في الانتخابات.
إذ غرَّد الرئيس قائلاً: «لا يمتلك الكفاءة أو «الذكاءات»، وهو متحدِّثٌ جماهيريٌ ضعيف، وفوضويٌ عصبي».
وعلى مدار الـ12 ساعةٍ التالية؛ هاجم ترامب اثنين من المسؤولين السابقين في مكتب التحقيقات الفيدرالي، واتَّهم صحيفة Wall Street Journal بنشرٍ خبرٍ خاطئ عن التعريفات الجمركية، وانتقد وزير الخارجية السابق جون كيري بعقد «اجتماعاتٍ غير قانونية» مع إيران.
وكتب: «هذا سيئ!».
لقد امتدح هذه الشبكة التليفزيونية 750 مرة
وتشتد عادة ترامب التغريدية في الصباح، حين يكون داخل مقر إقامته في البيت الأبيض، وهو يُشاهد Fox News، ويتنقَّل بين التغريدات التي أشارت إلى اسمه عبر تويتر، ويُحوَّل منصات الشبكات الاجتماعية إلى ما وصفه أحد المُساعدين بأنَّه «سلاح النشر الشامل المُطلق».
ومن بين التغريدات الهجومية التي رصدها تحليل New York Times الأمريكية؛ تبيَّن أن نصفها تقريباً نُشِرَ بين الساعة السادسة صباحاً والعاشرة صباحاً، وهي الساعات التي يقضى ترامب غالبيتها بدون مُستشاريه.
وبعد أن يستيقظ مُبكَّراً، يُشاهد ترامب عادةً البرامج الإخبارية المُسجَّلة من الليلة السابقة على جهاز Super TiVo، وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من مُسجِّلات الفيديو المُتربطة بجهاز تحكُّمٍ واحد. وجرى ضبط تلك الأجهزة لتسجيل البرامج التالية: Lou Dobbs Tonight على قناة Fox Business، وHannity وTucker Carlson Tonight وThe Story With Martha MacCallum على شبكة Fox News، وAnderson Cooper 360 على شبكة CNN.
وبعد مشاهدة تلك البرامج، إلى جانب برنامج Fox & Friends الصباحي؛ يبدأ في نشر التعليقات عبر هاتفه. ثم يُواصل المشاهدة إبان نقل تغريداته على القنوات والمواقع الإخبارية.
وتتجلَّى العلاقة التكافلية بين ترامب وFox News عبر تغريدات الرئيس. وفي الواقع، أثنى الرئيس على الشبكة في أول تغريدة له، خلال أول صباحٍ يقضيه بعد استيقاظه داخل البيت الأبيض.
ومنذ ذلك الحين، أثنى ترامب على الشبكة وروَّج لها، ولبرامجها، ولشخصيات الإعلام الإخباري المُحافظة أكثر من 750 مرة.
وإجمالاً، يبدو أنَّ 15% على الأقل من مُحتوى تغريدات ترامب يأتي مُباشرة من Fox News وغيرها من المنافذ الإعلامية المُحافِظة.
وفي وقتٍ مُبكِّر من صباح الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي -الذي شهد بدء أسبوعٍ غرَّد خلاله 198 مرة-، نشر الرئيس عدداً من التغريدات اللطيفة، ثم شنّ هجوماً على بول كروغمان بوصفه «كاتب أعمدة New York Times الفاشل الذي لم يفهم الأمر مُطلقاً».
وأطلق 10 تغريداتٍ أخرى على مدار الـ44 دقيقة التالية. إذ حطّ من قدر ريتشارد ترومكا، رئيس اتحاد نقابات العمال، قائلاً إنَّه «يظل مُعجباً بما نفعله حتى يظهر أمام الكاميرات». ووصف جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، و»مجموعة أصدقائه المُتناقصة» بالكاذبين والخونة. وانتقد صحيفة Washington Post، وأربع نساءٍ ملوَّنات في الكونغرس وصفن أنفسهن بـ»الفرقة».
وفي كل صباحٍ من ذلك الأسبوع تقريباً، كان ترامب يبدأ يومه بالهجوم على أحد المُنتقدين، ومنهم: «عمدة لندن غير الكفء»، أو «الممثلة السيئة الفوضوية ديبرا ميسينغ» -التي اتَّهمها بالعنصرية، أو «وسائل الإعلام الكاذبة». واستشهد بالمنافذ الإعلامية المُحافِظة 45 مرة، وانتقد وسائل الإعلام الرائجة 32 مرة، وغرَّد عن نظريات المؤامرة 12 مرة.
إنه يتعمد استفزاز خصومه
وقال العديد من مُساعدي الرئيس المُقرَّبين إنَّ غضبه الواضح على تويتر يكون مقصوداً أحياناً لاستفزاز مُنتقديه وإثارة غضبهم. لكنَّهم يُجهِّزون أنفسهم على كل حالٍ لعلمهم أنَّهم سيُفاجأون بواحدةٍ من تغريداته على الأرجح.
وقال المُساعدون، الذين يحتشدون لحضور اجتماعات الفريق في الصباح الباكر داخل الجناح الغربي، إنَّ أجندة أعمالهم تنهار باستمرارٍ حين تبدأ هواتفهم الرنين في وقتٍ واحد بتغريدةٍ من الرئيس.
إذ يتسلَّم دان سكافينو، مُدير الشبكات الاجتماعية بالبيت الأبيض، إدارة حساب @realDonaldTrump بمجرد وصول ترامب إلى الجناح الغربي -بعد الـ10 صباحاً عادةً، ويبدأ التغريد نيابةً عن الرئيس من هاتفه الشخصي أو حاسوبه. ونادراً ما يُغرِّد ترامب أمام الآخرين، بحسب المُقرَّبين منه، لأنَّه لا يُحب ارتداء نظارات القراءة التي يحتاجها لرؤية الشاشة.
وبدلاً من ذلك، يُملي الرئيس التغريدات على سكافينو، الذي يجلس داخل غرفةٍ بحجم خزانة الملابس بجوار المكتب البيضاوي في انتظار أن يُناديه ترامب. ويطبع عادةً التغريدات المُقترحة بخطوطٍ كبيرةٍ للغاية من أجل أن يُوقِّع الرئيس بموافقته عليها. لدرجة أنَّ مقالةً من صفحةٍ واحدة، طبعها له سكافينو مُؤخراً، وصلت إلى ست صفحاتٍ إثر تكبير الخط بحسب شخصٍ اطّلع على المقالة.
أصبح لديه سمسار تغريدات
وبفضل دور سكافينو في آلة ترامب التغريدية؛ تحوَّل إلى سمسار سلطةٍ غير مُتوقَّع داخل البيت الأبيض، وصار مقصداً للمُساعدين ومُديري الشركات والأصدقاء والمُشرعين الذين يُريدون من الرئيس التغريد عن شيءٍ بعينه.
وأشارت كيليان إلى ما وصفته بنفاق العديد من الجمهوريين الذين توسَّلوا إليها لجعل ترامب يتوقَّف عن التغريد خلال حملته الانتخابية عام 2016، ويأتون الآن إلى سكافينو بمقترحات لتويتر. ورفض سكافينو إجراء مُقابلةٍ بخصوص هذا التقرير.
ويُؤدِّي أحياناً دور من يكبح جماح ترامب عند نشر التغريدات -أو يُحاول ذلك. فحين بدأ ترامب التغريد بغضبٍ عن «الفرقة»؛ أخبره سكافينو أنَّها فكرةٌ سيئة، بحسب مُساعدٍ شهد المُحادثة.
وكان سكافينو يُقدّم بعض التغريدات إلى الرئيس مُعنونةً حسب درجة الغضب: «شديد» أو «متوسط» أو «مُعتدل»، وذلك بالتعاون مع مايكل دوبك الذي شغل منصب مدير الاتصالات بالبيت الأبيض لعدة شهورٍ عام 2017.
وقال مسؤولٌ سابق، اطّلع على التغريدات المُقترحة، إنَّ ترامب اعتاد اختيار أكثر الخيارات تحريضاً وكان يرغب أحياناً في جعلها أكثر استفزازاً.
وفي حين أنَّ الكثير من تغريدات ترامب هي هجماتٌ تتّسم بالرعونة، لكنه يتحلَّى بالصبر لأيامٍ أو حتى أسابيع مع بعض الهجمات الأخرى، إذ يتريّث حتى تأتي اللحظة المُناسبة لزيادة رد الفعل إلى الحد الأقصى بحسب مُساعديه.
إذ خطَّط لأيامٍ من أجل التغريد عن ميكا بريجينسكي، الليبرالية ومُقدِّمة البرنامج الصباحي بشبكة MSNBC، بحسب مسؤولين سابقين بالبيت الأبيض. وانتهى إلى نشر التغريدة بنهاية المطاف في صباح أحد أيام شهر يونيو/حزيران عام 2017، ووصفها بـ»ميكا المجنونة ذات نسبة الذكاء المُنخفضة»، وكتب أنَّها كانت «تنزف بشدةٍ من عملية شد الوجه التجميلية» خلال إحدى حفلات رأس السنة.
وفكر في الهجوم على الممثلة الجنسية التي زعمت أنها على علاقة غرامية معه
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بدأ الرئيس في إخبار مُساعديه أنَّه يُخطِّط للتشهير بستورمي دانيالز، ممثلة الأفلام الجنسية التي زعمت أنَّها كانت على علاقةٍ غراميةٍ معه قبل أكثر من 10 سنوات. وقال إنَّه يرغب في وصفها بـ»وجه الحصان».
وتذكَّر العديد من المُساعدين الحاليين والسابقين أنَّهم أخبروا ترامب بأنَّها فكرةٌ مُريعة، وستُعيد إحياء اتهامات كراهية النساء ضده. لكنَّه تمسَّك برأيه.
وفي النهاية بعد أيام، قرَّر الرئيس نشر التغريدة إثر مُشاهدة تقرير Fox News حول كيفية رفض قاضٍ فيدرالي لقضيةٍ رفعتها ستورمي.
وكتب حينها: «رائع، الآن يُمكنني أن أتعقَّب وجه الحصان ومُحاميها من الدرجة الثالثة في ولاية تكساس العظمى».
هوسٌ بـ»الإعجاب»
بالنسبة لترامب، فإنَّ تويتر يُعزِّز من غرائزه حول أدائه الرئاسي.
إذ أعدّ مُساعدو ترامب مطبوعاً كبيراً بالتغريدات التي فاضت بعواطف الإعجاب حول خطابٍ ألقاه خلال تجمُّعٍ في دالاس منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول. وشملت التغريدات كلماتٍ كتبها تومي لاهرين، مُعلِّق ومُضيف برنامجٍ على خدمة Fox Nation للبث، مما دفع ترامب إلى تدوين رسالة شكرٍ على نسخةٍ من المطبوع وإرسالها إلى لاهرين -الذي نشر تغريدةً تحمل صورةً من خطاب الرئيس لاحقاً.
وقال المُساعدون إنَّهم يجمعون عادةً ردود الفعل الإيجابية لترامب. إذ يستمتع بسيل المديح من أكثر مُتابعيه ولاءً، سواءً على الورق أو إبان جولته على هاتفه في الصباح الباكر وأواخر الليل.
ويعتبر قائمة مُتابعيه أشبه بمُشاهدات البرامج التلفزيونية، وأفضل من أي استطلاعاتٍ شعبية. إذ قال الرئيس لسارة هاكابي ساندرز، مُتحدثته الرسمية آنذاك، إنَّه توقَع أن تحصد تغريدةٌ بعينها -كان فخوراً بها للغاية- ردود أفعالٍ أكبر، وذلك بعد نهاية أحد الأسابيع التي شهدت جولةً تغريديةً ثرية بحسب مسؤولٍ سابقٍ في الإدارة. وأجابت ساندرز قائلةً إنَّ الناس لن يُولوه نفس القدر من الاهتمام في حال كتب 60 تغريدة.
والرئيس على وعيٍ شديد بعدد مُتابعيه، ويُحجم عن الاعتراف بأنَّ أياً منهم ليس حقيقياً. إذ اتَّهم الرئيس شركة Twitter بالتحيُّز السياسي نتيجة حملات التطهير الدورية لإزالة حسابات بوتات الإنترنت على المنصة، والتي كبَّدته -وغيره من المُستخدمين البارزين- مئات الآلاف من المُتابعين. وحين التقى جاك دورسي، المدير التنفيذي للشركة، في أبريل/نيسان؛ أشارت التقارير إلى أنَّ ترامب ضغط عليه مُطوَّلاً بشأن مُتابعيه المفقودين.
نسبة كبيرة من المتابعين الوهميين
وهناك الكثير من الأدلة التي تُشير إلى أنَّ عدد مُتابعي ترامب على تويتر قد لا يُمثِّلون دليلاً موثوقاً على رأي الشعب الأمريكي في أدائه الوظيفي.
فمن الصعب، إن لم يكُن مستحيلاً، تحديد عدد المُتابعين الوهميين لترامب على تويتر بالتأكيد، من بين أكثر من 66 مليون مُتابع. إذ قدَّرت بعض الدراسات، التي أُجريت حول مُتابعيه، أنَّ نسبةً كبيرةً منهم هي حسابات بوتات أو وهمية أو غير نشطة على الأرجح. لدرجة أنَّ تحليلاً مُتحفِّظاً أجرته New York Times وجد أنَّ قرابة ثلث مُتابعيه، أي 22 مليوناً تقريباً، ليست لديهم أيّ معلوماتٍ شخصية ويستخدمون صورة الملف الشخصي الافتراضية للخدمة -وهي علامتان على أنَّ تلك الحسابات نادراً ما تُستخدم، أو أنَّها حساباتٌ غير نشطة. في حين أنَّ 14% من المُتابعين يمتلكون أسماء مُستخدمٍ مُختارةٍ تلقائياً، وهذا دليلٌ آخر على أنَّ تلك الحسابات قد لا تنتمي لأشخاصٍ حقيقيين.
وحتى في حال لم يكُن ترامب يصرخ في العدم على تويتر، فهو يُوجِّه دعوته عادةً إلى أنصاره فقط. إذ أظهرت بيانات شركة Stirista التحليلية أنَّ مُتابعيه يميلون لأن يكونوا من نوعية المُستخدمين الذين هم من أنصاره على الأرجح -فهم كبار في السن وبيضٌ وذكور على نحو غير مُتكافئ مُقارنةً بمُستخدمي تويتر عموماً.
ولا يُمثِّل هؤلاء سوى نسبةٍ بسيطة من الناخبين. فبحسب تحليل الصحيفة لبيانات شركة Pew Research؛ لا يُتابع ترامب على تويتر سوى 4% فقط من الأمريكيين البالغين، أي قرابة الـ11 مليون شخص. ويُمثِّل أولئك المُتابعون أقل من خُمس إجمالي الناخبين، بحسب ما أظهر التحليل.
ووفقاً لبيانات شركة YouGov، التي تُجري استطلاعات رأيٍ حول غالبية تغريدات الرئيس؛ فإنَّ بعض الموضوعات التي حصل ترامب فيها على أكبر عددٍ من الإعجابات وإعادة التغريد -مثل السخرية من الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية، وتغريداته عن تحقيقات المُحقِّق الخاص، والمزاعم التي لا أساس لها حول التلاعب الانتخابي واسع النطاق- لم تلقى قبولاً كبيراً بين عموم الجمهور.
لكن المُقرَّبين من ترامب قالوا إنَّ لا شيء يُمكن أن يُثني الرئيس عن قناعته بأنَّ عدد «الإعجابات» التي حصلت عليها التغريدة يُمثِّل دليلاً على أنَّ القرار أو السياسة المُقترحة لاقت قبولاً حسناً.
الإعجابات دليل على صوابية القرارات
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أن أعلن ترامب خططه لسحب القوات الأمريكية من سوريا؛ حضر المُشرِّعون إلى البيت الأبيض لإبداء اعتراضهم على القرار. وبحسب صحيفة Politico الأمريكية، كان رد ترامب هو دعوة سكافينو.
إذ قال ترامب لسكافينو: «أخبرهم عن مدى شعبية سياستي»، فبدأ سكافينو يسرد للمُشرِّعين منشورات الشبكات الاجتماعية التي أثنت على قرار ترامب. وقال المُساعدون إنَّ ترامب يعتبر «الإعجابات» على تويتر دليلاً على أنَّه اتَّخذ القرار الصحيح.
لكن ردود الأفعال في العالم الخارجي كانت أقل شعبية. وفي غضون أسابيع، استقال وزير دفاع ترامب والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش بسبب القرار. وثار غضب حلفاء أمريكا. في حين صوَّت أكثر من ثُلثي مجلس الشيوخ على توبيخ ترامب، الذي وافق تحت الضغط على إبقاء القوات في سوريا.
وبعد عامٍ تقريباً، صعدت قضية القوات الأمريكية في سوريا إلى السطح مُجدَّداً، بعد أن تبيَّن أنَّ ترامب منح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الضوء الأخضر لدخول المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد في شمالي سوريا.
وأسفر ذلك عن توبيخ الكونغرس مرةً أخرى لترامب، وشكاوى من حلفائه الجمهوريين المُخلصين أنفسهم.
وفي الأيام التالية، سعى ترامب إلى الدفاع عن نفسه عبر تويتر. إذ تناوب التغريد بين إنكار تخلِّيه عن الأكراد، وبين اقتراح أنَّ الولايات المتحدة ليست مسؤولةً عن أمنهم، وبين تهديد أردوغان في حال استمرار التوغُّل، ومديح تركيا بوصفها شريكاً تجارياً مُهماً.
ولاحظ الكثيرون ذلك التضارب، ومن بينهم أردوغان الذي قال للمراسلين في سخريةٍ منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، بحسب صحيفة Hurriyet التركية: «حين نُلقي نظرةً على تغريدات ترامب، لا نستطيع تتبُّع خيطٍ واضح. ونضل طريقنا بين التصريحات المُتضاربة».
ولم يكُن ترامب سلبياً دائماً. إذ استخدم تويتر كذلك للتعبير عن إعجابه ببعض الأشخاص، ومنهم أريثا فرانكلين وريان زينك. ولكنه يُقرِن مديحه دائماً بالسخرية من شخصٍ آخر، والعكس صحيح.
أداةٌ للفوز بولايةٍ ثانية
خلال الأشهر المُقبلة، يأمل الرجل المُكلَّف بالفوز بولايةٍ ثانية لترامب أن يُركِّز عادة الرئيس التغريدية على غرضها الرئيسي: التواصل مع الناخبين.
إذ عمل براد بارسكال، الذي كان المُدير الرقمي لترامب عام 2016 وهو مُدير الحملة الجديدة الآن، عن قربٍ مع سكافينو لتشكيل التصوُّرات حول الرئيس من خلال الشبكات الاجتماعية. ويتحدَّث الرجلان أكثر من مرةٍ يومياً، بحسب أشخاصٍ مُطَّلعين على اتصالاتهما.
وانتقد بارسكال شركة Twitter بعد أن أعلنت يوم الأربعاء الماضي، 30 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّها لن تسمح بالإعلانات السياسة مدفوعة الأجر على المنصة بعد الآن. ووصف الإعلان بأنَّه «محاولةٌ أخرى لإسكات المُحافظين». لكن ذلك التعديل قد يصُب في مصلحة ترامب، إذ يمتلك حسابه على تويتر مُتابعين طبيعيين أكثر من أيٍ من مُنافسيه الديمقراطيين المُحتملين، لذا فهو ليس في حاجةٍ كبيرة إلى الاعتماد على الإعلانات مدفوعة الأجر لنشر رسائله عبر المنصة.
أخطاؤه الإملائية نقطة قوة
وفي حين يقول بعض مُساعدي ترامب في الحملة إنَّ تغريداته قد تُمثِّل مصدر إلهاء، لكنَّهم يرون في تويتر أيضاً أداةً حيوية لتقديمه بوصفه شخصاً قوياً ومُستعداً للوقوف في وجه النخب السياسية المزعومة، إلى جانب ما وصفه الرئيس مُؤخراً بـ»تحالف الشر بين الساسة الديمقراطيين الفاسدين، وبيروقراطيي الدولة العميقة، ووسائل الإعلام الكاذبة».
ويسعى المُساعدون إلى تكوين صورة رجلٍ يفهم «الأشخاص العاديين». إذ يُؤمن فريق ترامب بأنَّ كتابته غير المصقولة، وعلامات ترقيمه الرديئة، وألفاظه النابية المُتزايدة على تويتر تُشير إلى أصالته -بعكس الأسلوب المصقول والمُنمَّق والهادئ لغالبية المُرشَّحين على الشبكات الاجتماعية.
وقالت كيليان إنّ تويتر هو أقوى أسلحة الرئيس حين يتعلَّق الأمر بتجاوز الأشخاص النافذين، الذين يعتقد أنَّهم سيطروا على تدفُّق المعلومات لفترةٍ طويلة.
وأضافت: «هذا هو إضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات». إذ يستقبل الجميع تغريدات ترامب في الوقت ذاته -بدءاً من ربة المنزل، وعامل السباكة، ووصولاً إلى الملياردير، ومراسل البيت الأبيض.
وأردفت: «يسمعون جميعاً إشعار التغريدة الجديدة، في نفس اللحظة».