مركز الدراسات
القصة الكاملة لجماعات الضغط السعودية في واشنطن .. نفقاتها وتأثيرها
أنفقت السعودية ملايين الدولارات في حملات للتأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة، فما الذي تحاول شراءه بهذه الأموال، وما نتائج السياسة التي تحاول المملكة تحقيقها؟».
هكذا كانت تسأل نفسها ليديا دينيت Lydia Dennett المحققة في مرصد «مشروع مراقبة الحكومة» Project on Government Oversight.
بقدر ما كانت الإجابة صعبة، توصلت الباحثة إلى التفاصيل بعد دراسة المستندات المودعة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أو FARA.
القانون الصادر عام 1938، يجبر المواطنين والهيئات الأمريكية على تسجيل أية أطراف أجنبية تعمل هذه الهيئات بمثابة وكلاء لها على التراب الأمريكي، في غضون 10 أيام من الموافقة على تمثيل الكيان الأجنبي.
تقول دينيت: بناءً على ما هو موجود في وثائق التسجيل، هناك مجالات عديدة يحاول السعوديون التأثير فيها بطريقتين:
الاتصال الشخصي بالمسؤولين ورجال السياسة والإعلام
وحملات العلاقات العامة
في حملات الاتصال الشخصي على سبيل المثال، وفي عام واحد هو 2017، اتصل «مندوبو” السعودية بكل عضو في مجلس الشيوخ، وكذلك أولئك الذين يشاركون في لجان المخصصات، ولجان الشؤون الخارجية ولجان الخدمات المسلحة عدة مرات – أولئك الذين يتخذون القرارات مباشرة بشأن صفقات الأسلحة والمواقف السياسية.
وفي حملات العلاقات العامة نشر «ممثلو” المملكة مواد إعلامية وإعلانية ضخمة، تتحدث عن الإصلاح في السعودية، وتصورها كحليف ثمين في الشرق الأوسط، وتؤكد أن ما تفعله في اليمن ليس فقط لصالح الولايات المتحدة، ولكن أيضاً لصالح اليمن نفسها.
هناك الكثير من الصعوبات لتعقب المال السعودي الذي يشتري المواقف والقرارات السياسية.
فقانون تسجيل الوكلاء الأجانب لا يتم تنفيذه بشكل جيد من قبل وزارة العدل الأمريكية، والإفصاحات لا تتطرق إلى تفاصيل الأنشطة التي يقوم بها وكلاء السعودية في واشنطن.
رغم ذلك يقدم هذا التقرير تاريخ جماعات الضغط السعودية في الولايات المتحدة.
ونشاطها الداعم لسياسات المملكة، وصورة ولي العهد.
وما يتقاضاه وكلاء الأمير محمد بن سلمان في عاصمة العالم السياسية، مقابل إقناع صناع القرار والرأي العام بمصالح ولي العهد، وقبوله كحاكم مقبل للمملكة.
عناق النفط والدولار..
كان بينهما هذا التاريخ الطويل
اتبعت الولايات المتحدة سياسة عامة مؤيدة للسعودية في الشرق الأوسط، وهي إرث من الحرب الباردة عندما اعتمدت الولايات المتحدة بشدة على السعوديين للرد على النفوذ السوفييتي.
إن الأهمية الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية -وموقعها كمنتج بديل للنفط في العالم- دفعت صُناع السياسة في الولايات المتحدة في كثير من الأحيان إلى تقليل توجيه الانتقادات إلى المملكة.
لكن الرياض انتبهت إلى أهمية جماعات الضغط في أعقاب حرب 1973. وبدأت تنفيذ الفكرة بعد 1981 وإبان حكم ريغان.
كانت المملكة قد تعاقدت على صفقة طائرات أواكس بـ 8.5 مليار دولار، تنتظر موافقة الكونغرس. ودخلت الرياض معركة استخدمت فيها جميع الأسلحة لأجل تمرير الصفقة: اتصالات وزيارات لأعضاء الكونغرس، لقاءات ومقالات صحفية حول أهمية المملكة لحفظ أمن الشرق الأوسط.
انتهى الأمر بتمرير الصفقة بالأغلبية.
وتعلمت السعودية الدرس جيداً.
بندر بن سلطان..
عراب اللوبي السعودي وصفقات الرأي العام
في نهاية فبراير/شباط 2019، عينت المملكة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة السعودية في واشنطن، وعلى الفور تداعت إلى الأذهان ذكرى والدها، عراب جماعات الضغط السعودية في واشنطن منذ عقود طويلة.
في 27 سبتمبر/أيلول 1983، وصل الأمير بندر إلى واشنطن سفيراً لخادم الحرمين، ولم يغادرها إلا في 2005.
بدأت المهمة الطويلة في عهد رونالد ريغان، واستمرت إلى عصر جورج بوش الابن، والصديق المقرب مع والده بوش الأب.
عندما ذهب بندر بن سلطان إلى واشنطن مطلع الثمانينيات، كانت جهات مختلفة في السعودية توظف 46 مجموعة ضغط في واشنطن كما يشير أرشيف بيانات وزارة العدل الأمريكية.
وفي كل العصور ظل بندر يتمتع بالنفوذ الأكبر لدى إدارة بوش في واشنطن، حتى بعد مغادرته موقع السفير السعودي رسمياً عام 2005، ما جعله حامل أختام الرسائل بين بلاده والإدارة الأمريكية، وهي علاقة استثمر فيها بندر الكثير من الجهد والمال أيضاً.
معركة بندر الكبرى كانت في مواجهة لوبي يهودي يستند إلى مجتمع يهودي قوي ومتشعب، يشكل قاعدة كبيرة للضغط على المسؤولين الأمريكيين، باستخدام الرأي العام. وكان بندر يفضل بناء علاقات أكثر شخصية ومتانة في دائرة صُناع القرار.
في عام 2002 استعان بندر بخدمات مجموعة كورفيس Qorvis بعقد بلغت قيمته آنذاك 3.2 مليون دولار، لتخفيف الهجمة الإعلامية على المملكة بعد هجمات 2001.
ومع مطلع عام 2003 كانت السعودية توظف 37 مجموعة ضغط في واشنطن، بينها العديد من مجموعات الاتصال، تم توظيف معظمها عبر السفارة.
بعد رحيله عن واشنطن انهارت شبكة العلاقات القوية التي أقامها بندر هناك، وازدادت قوة التيار المناهض للرياض في السياسة الأمريكية، لدرجة سيطرته الواضحة على خطاب إدارة أوباما في ولايته الثانية.
في فترة ما بعد هجمات سبتمبر/أيلول شهدت شبكة جماعات الضغط السعودية في واشنطن طفرة كبيرة.
كان الرأي العام الأمريكي ثائراً لأن 15 من أصل 19 خاطفاً من الانتحاريين كانوا سعوديين، ورداً على ذلك، أنفق الأمراء السعوديون نحو 100 مليون دولار على مدار العقد التالي لتحسين تصوُّرات الرأي العام تلك، والحفاظ على نفوذهم في العاصمة الأمريكية.
عصر ترامب..
الصداقة القوية مع الرئيس وصهره كوشنير
عاش السعوديون سنوات من عدم الرضا عن سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، لعدة أسباب على رأسها اتفاقه النووي مع إيران، لكن بمجرد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، رأى السعوديون فرصة لا مثيل لها وأطلقوا ما يشبه استراتيجية «الضغط بطول الملعب» في كرة السلة، فأطلقوا حملةً قوية لاستمالة كلٍّ من الرئيس المنتخب حديثاً والكونغرس الذي يقوده الجمهوريون، وهو بالطبع ما يقتضي إنفاق أموال طائلة.
مع ترامب اعتقد أنهم رأوا الفرصة لإعادة ضبط مهمة للغاية في العلاقات الأمريكية السعودية، لا يكفي فيها وجود رئيس يدعمهم، بل يجب التسلح بكل أدوات الإقناع لصانعي القرار والرأي العام.
ويقول بين فريمان Ben Freeman مدير مبادرة الشفافية في التأثير الأجنبي، بمركز السياسات العالمية، إن المصالح التجارية لشركة ترامب هي التي دفعت الحكومة السعودية إلى زيادة جهودها في مجال الضغط بمجرد أن يصبح رئيساً. «كان لديه هذه الروابط التجارية الشخصية التي أعتقد أن السعوديين كانوا على استعداد للاستفادة منها”.
على الرغم من أن منظمة ترامب ليس لديها عقارات في السعودية، فإن ترامب نفسه قال إن مشترياتهم العقارية تفيده. «أنا أتماشى مع كل منهم. يشترون الشقق مني وينفقون 40 مليون دولار و50 مليون دولار. هل من المفترض أن أكرههم؟»، وقال عن السعوديين في تجمع حاشد في ألاباما عام 2015: «أحبهم كثيراً”.
For the record, I have no financial interests in Saudi Arabia (or Russia, for that matter). Any suggestion that I have is just more FAKE NEWS (of which there is plenty)!
تغريدة ترامب في أكتوبر 2018: للعلم لا مصالح مالية لي مع السعودية، (ولا مع روسيا بالمناسبة). أي ادعاء بأن لي مصالح هو مجرد أخبار مزيفة، (التي يوجد الكثير منها).
لكن ترامب لا يقول الحقيقة كاملة، فلديه سجل من التعاملات المالية مع السعوديين. ففي عام 1991 باع ترامب يختاً اسمه «الأميرة ترامب» إلى الأمير السعودي الوليد بن طلال.
وفي عام 2001 اشترت الحكومة السعودية طابقاً كاملاً من برج ترامب وورلد في نيويورك.
وفي عام 2016 اشترى رجال أعمال سعوديون فندق ترامب في شيكاغو، وساعدت الصفقة في تعويض الخسائر بسبب انخفاض الحجوزات.
وكذلك دفعت جماعات الضغط السعودية أموالاً نظير حجز نحو 500 غرفةٍ في فندق ترامب بواشنطن بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية مباشرةً.
لكن المال ليس الشيء الوحيد الذي يربط إدارة ترامب بالسعودية.
أعطى السعوديون ترامب معاملة السجادة الحمراء خلال رحلته إلى الرياض العام الماضي، وأقام كوشنر، صهر الرئيس، علاقة صداقة قوية مع محمد بن سلمان.
كما دعم الرئيس المصالح السعودية بشكل خاص خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي التي اندلعت عام 2017. وبينما حاصرت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة دولة قطر، أظهر ترامب دعمه القوي لهما رغم معارضة مسؤولين في إدارته.
وأبدت إدارة ترامب دعماً ثابتاً للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وهي كارثة إنسانية مستمرة.
مبيعات الأسلحة هي مجال آخر استفادت فيه دول الخليج خلال إدارة ترامب.
وعلى الرغم من أن الرئيس نفسه يحب تصوير هذه المبيعات على أنها حيوية لاقتصاد أمريكا، فإن المزايا المالية والوظائف الفعلية صغيرة. بدلاً من ذلك، فإن هذه المبيعات مفيدة بشكل كبير للحكومة السعودية.
محمد بن سلمان..
«الصديق» الأمريكي يرتب صعود ولي العهد
في مارس/آذار 2018 استدعى السفير السعودي في واشنطن مجموعة من قيادات جماعات الضغط باهظة الثمن لتتولى تحدياً دقيقاً ومزدوجاً: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستعد لأول زيارة رسمية للولايات المتحدة.
كانت قد مرت 4 أشهر من توطيد حكمه، بالقبض على أفراد من العائلة الحاكمة وبعض رجال الأعمال، وفي الوقت نفسه كان الكونغرس قد واجه تصويتاً مؤيداً من الحزبين بوقف الدعم الأمريكي للحملة السعودية في اليمن التي تسببت في مقتل عشرات آلاف المدنيين منذ عام 2015.
كان السفير محاطاً بمستشاريه ومن بينهم نورم كولمان عضو مجلس الشيوخ السابق عن مينيسوتا، ومارك لامبكين مستشار كابيتول هيل المخضرم الذي عمل في الفريق الانتقالي للرئيس ترامب، والخبير الاستراتيجي الديمقراطي ألفريد موتور.
بعد 8 أيام من اجتماعهم، كان قرار الكونغرس بتخليص الولايات المتحدة مما وصفته الأمم المتحدة بـ «أسوأ كارثة إنسانية في العالم» في طريقه للفشل، وبعد ذلك بساعات كان محمد بن سلمان يتلقى استقبالاً حاراً في البيت الأبيض قبل أن يبدأ جولته في البلاد.
لكن الصديق الأكبر للسعودية في عصر ترامب سيكون جاريد كوشنير صهر الرئيس وكبير مستشاريه، وصاحب الدور المهم في عملية تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد، وفي اختيار السعودية مقصداً أول للرئيس ترامب بعد تنصيبه.
وسجل الصحفي الأمريكي بوب وودوورد في كتابه «الخوف» أن كوشنير رأى أن زيارة مبكرة لترامب إلى السعودية «تتلاءم تماماً» مع ما تحاول الولايات المتحدة تحقيقه، فهي زيارة ستعود بالفائدة على إسرائيل، بسبب الخط المشترك لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والقيادة السعودية ضد إيران.
وكلاء السعودية في واشنطن
مارك لامبكين:
التحكم في تصويت الشيوخ
عندما بدأت ليديا دينيت بحثها عن أهم ممثلي السعودية في المشهدين السياسي والإعلامي، كانت في انتظارها قائمة لا تخلو من المفاجآت.
بدأت من مارك لامبكين، الشريك الإداري بمكتب شركة المحاماة وجماعة الضغط Brownstein Hyatt Farber Schreck في واشنطن، وهي الشركة التي حصدت نحو نصف مليون دولار من الحكومة السعودية في 2017.
في مايو/أيار 2017 كان مجلس الشيوخ بصدد مناقشة مشروع قانون لقطع المساعدة العسكرية، ووقف صفقة قذائف كبيرة أمريكية الصنع للسعودية، بسبب استهداف المدنيين في حملة السعودية على اليمن.
وتواصل لامبكين مع مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ أكثر من 20 مرة بشأن مشروع القانون ذاك.
على سبيل المثال تواصل مع رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ السيناتور تيم سكوت، جمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، ومنحه تبرعاً بقيمة ألفي دولار للجنة العمل السياسي التابعة للسيناتور في اليوم نفسه.
وفي 13 يونيو/حزيران، صوَّت سكوت إلى جانب أغلبية من زملائه أعضاء مجلس الشيوخ لصالح السماح للسعوديين بالحصول على قذائفهم.
وبعد عام، أُفِيد بأنَّ نوع القذائف الذي سُمِح ببيعه في تلك الصفقة قد استُخدِم في غارات جوية أسفرت عن مقتل مدنيين في اليمن.
هوارد ماكيون:
التأثير في انتخابات الكونغرس
أعلنت شركة الضغط، التي يديرها عضو الكونغرس السابق السابق هوارد ماكيون McKeon Group أنها تلقت نصف مليون دولار من السفارة السعودية في شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني 2018، لمواصلة الضغط نيابة عن مصالح المملكة في الولايات المتحدة، وفقاً لوثائق أفرجت عنها وزارة العدل الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2019.
وجاءت أكبر دفعتين (450 ألف دولار) بعد ثلاثة أيام من وفاة خاشقجي.
وقع ماكيون وشركته لتمثيل المصالح السياسية للحكومة السعودية بعد فترة وجيزة من مغادرته الكونغرس عام 2014، حيث كان يشغل منصب الرئيس المساعد للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب.
وتحدث ماكيون أيضاً مع مساعد رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جيم إينهوفي Jim Inhofe، ومنحه 3 آلاف دولار باسم السعودية مساهمات في حملته الانتخابية.
وصوّت إينهوفي لصالح القرار السعودي المعارض في 13 ديسمبر/كانون الأول إلى جانب 40 من الجمهوريين الآخرين.
في المجموع، تلقى ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري الذين رفضوا القرار مساهمة في الحملة الانتخابية من ماكيون في الفترة من 7 يونيو/حزيران إلى 14 نوفمبر/تشرين الثاني.
في أكتوبر/تشرين الأول، ذكر موقع Open Secrets أن جماعات الضغط السعودية والوكلاء الأجانب قدموا أكثر من 1.6 مليون دولار للمرشحين الفيدراليين في انتخابات 2018 وحدها.
إليوت برويدي:
الترويج للسعودية والإمارات
رجل أعمال أمريكي مقرّب من الرئيس دونالد ترامب، ومن أشهر جامعي التبرعات للحزب الجمهوري. متورط في الترويج لسياستي الإمارات والسعودية بمنطقة الخليج مقابل تسهيل جورج نادر، مستشار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، عقود عمل له مع دولة الإمارات.
برويدي مولود في 1957، وهو أمريكي يهودي. أسس عام 1991 شركة استثمار برويدي كابيتال مانجمنت Broidy Capital وشغل منصب رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي.
أسس برويدي عام 2002 شركة ماركستون كابيتالMarkstone Capital Partners، وهي شركة أسهم خاصة استثمرت في إسرائيل.
يمتلك برويدي شركة الأمن الخاصة سيركينوس Circinusالتي تنشط في مجال الدفاع ومقرها ولاية فيرجينيا، ولها مئات الملايين من الدولارات في عقود مع دولة الإمارات.
شارك برويدي في حملة ترامب، وبعدها حصل على مشاريع مجزية في مناطق عديدة من العالم، بما في ذلك عقود تجاوزت قيمتها الإجمالية 200 مليون دولار لإنجاز أعمال ذات طابع دفاعي لدولة الإمارات.
جورج نادر:
مايسترو الحرب على قطر والإخوان
في يناير/كانون الثاني 2018 كشفت صحيفة New York Times عن دور مستشار ولي عهد أبوظبي، جورج نادر، في تحويل الأموال إلى إيليوت برويدي، أحد كبار ممولي الرئيس ترامب؛ ليصبح أداة للتأثير على البيت الأبيض لصالح الإمارات والسعودية، بحسب مقابلات ووثائق لم تكشف سابقاً.
ومن الأدلة التي تحتويها الوثائق، والتي لم يكشف عنها النقاب من قبل، أن نادر قدم نفسه للمسؤولين على أنه يمثل عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
نادر، البالغ من العمر 58 عاماً، وهو مولود في لبنان، بدأ فور لقائه مع برويدي في الترتيب لتنظيم حملات ضغط لصالح السعودية في واشنطن، بهدف التأثير على صانعي القرار، مثل إقناع حكومة الولايات المتحدة باتخاذ إجراء ضد الإخوان المسلمين، أو ممارسة الضغوط على حليفها الإقليمي دولة قطر.
قدم نادر لبرويدي دفعة قدرها 2.7 مليون دولار مقابل «استشارات وتسويق وغير ذلك من الخدمات الاستشارية التي تم تقديمها»، والتي اعتبرت فيما يبدو مساهمة في دفع تكاليف تنظيم مؤتمرات عقدت في مركزين من مراكز الأبحاث في واشنطن، هما معهد هدسون Hudson.orgومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FFD، وهما اللتان طغى على نشاطاتهما خلال الفترة الأخيرة الانتقادات اللاذعة لكل من قطر وجماعة الإخوان المسلمين، خصوم السعودية والإمارات.
ويحمل نادر صحيفة جنائية كسجين سابق.
في عام 1991 كان نادر يهبط من طائرته في مطار دالاس الدولي بواشنطن، عندما أخضعت السلطات حقائبه للتفتيش، وكانت الصدمة.
عثرت الشرطة في أمتعته على أشرطة فيديو محظورة، تتضمن أفلاماً تصور ممارسات جنسية مع الأطفال. وأمضى على إثر ذلك ستة شهور في السجن.
وفي عام 2003 صدر بحقه حكم بالسجن لسنة واحدة في جمهورية التشيك، بعد إدانته بـ10 تهم تتعلق بالاعتداء الجنسي على القصّر، بحسب ما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد بريس نقلاً عن متحدثة باسم المحكمة.
توماس باراك:
صديق السعودية من السبعينيات
الملياردير Thomas J. Barrack لبناني الأصل، هاجرت عائلته إلى لوس أنجلوس قبل نحو 100 عام.
ذهب باراك السعودية عام 1972 كمحامٍ لمعرفته بالعربية، ولعب الأسكواش مع أحد أبناء الملك فيصل، فتعرف على العائلة الملكية وبدأ يلمع في مجال الأعمال بالسعودية.
تعرف باراك على ترامب عام 1987، وعملا معاً في مجال العقارات، وأصبح من وقتها صديقه النصوح.
خلال الحملة الانتخابية رتب باراك لقاء بين يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن، وجاريد كوشنر صهر ترامب، كما نظم اجتماعاً سرياً بين مدير حملة ترمب، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بعد أسبوعين من قمة الرياض، بدأ ترامب ينحاز إلى جانب السعودية والإمارات، وألقى بثقله معهما في بداية الأزمة مع قطر.
ذهب توم باراك إلى السعودية ليلعب الأسكواش مع نجل الملك، ثم ذهب إلى الإمارات محامياً شاباً يتفاوض على حقوق التنقيب لصالح إحدى الشركات، وهو الآن ملياردير عقارات، تتوسع أعماله بسرعة غير عادية، بفضل علاقاته بالسعودية، والإمارات، وصديقه دونالد ترمب.
إد روجرز:
المتحدث باسم المملكة ضد إيران
في أيلول/سبتمبر 2015، انتقد إد روجرز Ed Rogers، الناشط السياسي والجمهوري الجمهوري، صفقة الرئيس باراك أوباما النووية مع إيران في عمود «واشنطن بوست»، وبعد أسبوع، انتقد روجرز الرئيس مرة أخرى، حيث كتب أن الصفقة تحتوي على «تسويات مذهلة لا يمكن تصديقها لإيران».
لم يذكر روجرز أن شركته، BGR Government Affairs، وقعت اتفاقاً للتعامل مع «العلاقات العامة وإدارة وسائل الإعلام» للمملكة العربية السعودية، وأنه يعارض الصفقة النووية الإيرانية من موقعه كمتعاقد مع الرياض، مقابل 500 ألف دولار سنوياً.
في التقرير التكميلي الذي قدمته شركة BGR في ديسمبر/كانون الأول 2015، أنكرت الشركة أنها قد «اكتسبت أي مديرين أجنبيين جدد» في الأشهر الستة السابقة، على الرغم من توقيع عقدها مع المحكمة الملكية السعودية في أغسطس/آب 2015.
لا تظهر ملفات وزارة العدل أي سجل بأن BGR قد كشفت عن العلاقة مع الحكومة الأمريكية حتى الآن.
شركة كورفيس:
توزيع مقالات وزير الخارجية
تدفع السعودية مبلغ 14 مليون دولار سنوياً لشركة Qorvisلتبييض سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، وتعمل لصالح الرياض في هذا المجال منذ 2006.
وقالت صحيفة Independent إن الشركة الأمريكية التابعة لمجموعة Publicis Group، وتضم وسائل إعلام وشركات إعلانات من بينها «ساتشي آند ساتشي»، قامت بتوزيع مقالة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي حاول من خلالها تبرير أحكام الإعدام بحق 47 شخصاً من بينهم الشيخ نمر النمر، عام 2016.
«الإندبندنت» لفتت إلى أن الشركة عادت وسحبت المقال من موقعها بعد رسالة وجهتها لها منظمة حقوقية بريطانية.
شركة بوديستا:
كتيبة الدفاع الصحفي عن أخطاء الحرب
«إذا أخبرتك أن توني بوديستا Podesta عضو جماعة ضغط الحزب الديمقراطي، الذي يرأس شقيقه جون بوديستا الحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون، هو وكيل أجنبي مسجل على كشوف المرتبات من الحكومة السعودية، فمن المحتمل أنك تعتقد أنني أكره ترامب، وأصدق المؤامرات.
لكنها الحقيقة».
هكذا كتبت المحللة الأمريكية Medea Benjamin عن شركة اللوبي التي أنشأها كل من توني وجون بوديستا في عام 1988، وتتلقى 140 ألف دولار شهرياً من الحكومة السعودية، التي تصفها في المقال بأنها «حكومة تقطع رأس المنشقين المسالمين، وتستخدم التعذيب لانتزاع اعترافات قسرية، وتقصف المدارس والمستشفيات والسكنية الأحياء في اليمن المجاورة».
استأجر السعوديون مجموعة Podesta Group في عام 2015 للرد على حملة صحفية ضد المملكة؛ لأنها توقع الخسائر في أرواح المدنيين من غاراتها الجوية في اليمن، وتقمع المعارضين السياسيين في الداخل.
وعندما أعدمت المملكة العربية السعودية المنشق الشيعي البارز الشيخ نمر النمر، ما تسبب في احتجاجات في جميع أنحاء العالم الشيعي واشتعال الانقسامات الطائفية، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن مجموعة بوديستا زودت الصحيفة بمعلق سعودي دافع عن الإعدام.
معهد هدسون ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية:
نقبل التبرعات السعودية
ويزعم معهد هدسون Hudson Institute ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطية أنهما يرفضان أي تمويل أجنبي. لكن ما يصدر عن الهيئتين ينفي هذه المزاعم. وتحظر سياسات معهد هدسون تلقي التبرعات من حكومات أجنبية ليست ديمقراطية، أما مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، فتمنع تلقي التبرعات من جميع الحكومات الأجنبية؛ الأمر الذي يثير القلق بشأن الدور الذي يقوم به نادر؛ بوصفه مستشاراً لدولة الإمارات، فيما لو ثبت أنه تبرع لأي من المركزين بشكل مباشر.
وقد بدأت تحولات مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في عام 2016، ما دعا موقع Lobelog للإعراب عن دهشته من تحول المدافعين عن الديمقراطية إلى وجهة غريبة: السعودية!
وتوالت دراسات وإسهامات الموقع المدافعة عن المملكة.
معهد هدسون الأمريكي يشيد بالإمارات في محاربة التطرف.
رئيس معهد هدسون لصحيفة الرياض: زيارة ولي العهد الأكثر تأثيراً في أمريكا منذ 1979.
وهكذا أصبح معهد هدسون ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FFD، بوقَين للمستبدين العرب أكثر من أي وقت مضى، كما يلاحظ الكاتب الأمريكي Jeet Heer.
لم تتوقف الدعاية عند تلك الحملات والإعلانات البسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الخريف الماضي، ظهر فيلم يتم تسويقه باعتباره وثائقياً تعليمياً يحمل عنوان «قطر: تحالف خطير» على الإنترنت كما جرى توزيعه
ضمن إحدى الفعاليات التي استضافها معهد هدسون ذو الاتجاه المحافظ وحضره ستيف بانون، وهو مستشار سابق لدونالد ترامب.
وفي غرفة الانتظار:
مغامرون يغازلون دولارات السعودية
ومع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة في مارس 2018، خرجت مجلة The National Enquirer تحمل صورته على صفحتها الأولى في أكثر من 200 ألف منفذ عبر أنحاء الولايات المتحدة. أنكرت السفارة السعودية علمها بالأمر، كما أنكرت الشركة الناشرة للمجلة حصولها على أي توجيه سعودي لنشر الصورة.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن ما نشرته المجلة كان محاولة من مديرها التنفيذي لجذب بعض الأعمال مع السعودية، بالإضافة لوجود بعض الدلائل التي تؤكد أن مسؤولي السفارة السعودية ومستشاري العائلة الملكية السعودية قد حصلوا على نسخ من المجلة قبل صدورها.
هذه المحاولات لجذب الرأي العام الأمريكي تأتي بالرغم من وصول السعوديين والإماراتيين إلى أعلى مراحل قوتهم داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قدرتهم على التأثير في سياسات واشنطن في الخليج، بدليل أنه خلال الـ7 أسابيع السابقة لزيارة ولي العهد والتصويت على قرار اليمن، أجرت جماعات الضغط 759 اتصالاً بأعضاء الكونغرس والأكاديميين والصحفيين نيابة عن الحكومة السعودية.