مقالات
الشرق الأوسط بين التحديات والتطلعات – عبد الله الزبيدي المستشار السياسي لشئون الشرق الأوسط بمجلس الأمن
شهد القرن الاخير من الزمان تحولات دراماتيكية في واقع الدول لم يشهدها التاريخ من قبل، وتحديدا في اعقاب الحرب العالمية، حيث تم رسم خريطة جديدة للعالم بها فيها منطقة الشرق الاوسط التي ساهم ظهور النفط فيها بالتزامن مع سقوط الدولة العثمانية، الى تركيز انظار الغرب عليها بعد تلك المرحلة. فجاء الاستعمار ورحل مخلفا واقعا غير سابقه.. فبزغت دول وبدأت أخرى في الأفول حتى وصلنا للعصر الحديث الذي شهد الثورة الصناعية الثالثة والتي ألقت بظلالها على المشهد السياسي فبدأت التكنولوجيا تلعب دورا اساسيا تغيير مفهوم الاستعمار التقليدي الى السيطرة على الدول عن بعد بأقل التكاليف والمخاطر.
ونجحت الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في فرض الهيمنة من خلال ادواتها التقنيه اضافة الى ثقلها الاقتصادي والعسكري، إلا أن نمو التنين الصيني والتي لم يقرر مناطحة الولايات المتحدة بعد الا على المستوى التجاري وفي العقد الاخير فقط إلا أنها خطوة اولى للصدام الصيني الامريكي، يضاف إليها عودة الحياة للدب الروسي، والذي يبدو اكثر انخراطا في المشهد السياسي باحثا عن دور مؤثر ابتداء بتوسعه الجيوسياسي في أوكرانيا وغيرها من ما يعتبره ساحتة الخلفية، انتهاء بدخوله الشرق الأوسط مع نواياه الواضحة لكبح جماح الهيمنة الأمريكية. كل ذلك ينذر بتراجع ملحوظ للدور الأمريكي والعودة لظروف مشابهة لتلك التي أدت لتأسيس حركة عدم الانحياز ..لكن مع توسع القطبين ليشملا الولايات المتحدة واوروبا من ناحية ومن ناحية أخرى روسيا والصين بشكل أساسي مع انضمام بعض القوى المتمردة على الهيمنة الأمريكية..
ومن المتوقع أن يطغى التحالف الروسي الصيني في قوته الاقتصادية والعسكرية على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين خلال العقدين القادمين.. وهو ما بدأت آثاره تظهر على الأرض بعد أن وجدت روسيا موطأ قدم لها في سوريا بعد الفشل الامريكي الاوروبي في ادارة الملف السوري، ولا يستبعد أبدا تكرار نفس السيناريو في ليبيا خاصة اذا ما نجح الجيش الوطني الليبي في مساعيه الانقلابيه على طرابلس. ليبدأ الدور الروسي في التمدد مع انحسار الدور الأمريكي في منطقة الخليج التي تربطها بها علاقات مميزة واستراتيجية وهو التواجد الذي يرجح كفة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام وهو مايعيه الأمريكان جيدا، ويتعين عليهم أن يدركوا أنه إذا ما أدار الخليج ظهره للولايات المتحدة باحثا عن حليف جديد فستكون بداية نهاية الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة في منطقة تعد الأهم تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا ويستتبع ذلك بداية سقوطها السياسي اذ أن من يكسب منطقة الشرق الأوسط يمتلك مفاتيح الريادة اقليميا وعالميا..
لذا يتوقع أن تشهد الفترة القادمة بحث روسي عن فرص للتوسع في الشرق الاوسط، في المقابل يدرك الأمريكان ذلك جيدا وهو ماسيدفعهم لتعزيز التواجد وخلق بؤر توتر ونزاعات عسكرية لشرعنة تواجدهم بحجة حماية المصالح العربية والنفطية.. الا أن وعي الشارع العربي والنهضة التي تشهدها عدد من دول المنطقة،، مع زيادة النضج السياسي يتعين استخدامها في مواجه الأطماع الغربية و الاستفادة من الصراع الامريكي الاوروبي من جانب والروسي الصيني من جانب آخر للخروج بأكبر قدر من المكاسب..
وختاما وفي اطار التنبؤ بما تحمله الأيام القادمة بناء على المعطيات الحالية أختلف مع من يروا المستقبل العربي مظلما، فأجدني متفائلا بانجلاء هذه الغمة ومستشرفا مستقبلا مشرقا لدول المنطقة، فبعضها تمكن من تجاوز احلك الظروف كالعراق الذي نجح مؤخرا في دحر الارهاب وتنظيم انتخابات ناجحة والبدء في مرحلة اعادة الاعمار. وعلى نفس الخطى لا محالة ستسير كل من ليبيا وسوريا واليمن طال الوقت أو قصر.. أما دول الخليج تستمر في تحقيق مستويات جيدة من النمو الاقتصادي وتسير بخطى ثابته نحو مستقبل أفضل في ظل القيادات الشابة الطموحة الجديدة في منطقة الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي بدأت بالفعل في المضي قدما لتحقيق رؤية 2030.. والتي ستتحقق بشكل أكثر استدامة اذا تم القضاء على العقبات السياسية أهمها اجادة التعامل مع مواجهة خطر التمدد الايراني وحل الخلافات بين الاشقاء داخل مجلس التعاون الخليجي..
أما مصر فبالرغم مما شهدته منذ سبعينات القرن الماضي الا ان تاريخها العظيم يحتم أن تحظى بمستقبل مماثل، وبدأت بالفعل تخطو اولى خطواتها في البناء عام 2014..وتعد العلاقة المتميزة التي تربطها الحالية بدول الخليج احد العوامل التي تدعو للتفاؤل والتي تصب في مصلحة الطرفين.. ويظل تعزيز دور جامعة الدول العربية محوريا في ربط الشركاء المهمين في المنطقة؛ مصر ودول الخليج ودول المشرق العربي وشمال افريقيا. من أجل التنمية ومواجهة أعداء الأمة وصد أية محاولات للتدخلات الخارجية والأطماع الدنيئة الهادفة للنيل من مقدرات هذا الوطن الغالي وثرواته بكافة أشكالها.
عبد الله الزبيدي
المستشار السياسي لشئون الشرق الأوسط بمجلس الأمن
الوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة
مقالة تعبر عن واقع العالم العربي والظروف المحيطة بة…. وتبشر بمزيد من التعاون والتكامل بين الدول العربية… كل التحية والتقدير د. عبدالله الزبيدي وفي انتظار مزيد من الكتابات الملهمة لدولنا وشعوبنا العربية.