أخبار من أمريكا
3 طرق يمكن أن تؤثر بها البيئة في مستوى ذكائك
يُجري الباحثون كل بضعة أعوام، اختبارات معدل الذكاء على عينة من الأشخاص، ويأخذون متوسط نتائجهم، معلنين عن متوسط معدل الذكاء الجديد أو الـ «100» درجة الجديدة، وهي الدرجة التي تعني أنك تتمتع بمتوسط معدل ذكاء مثالي.
ويثير هذا الأمر تساؤلاً يقول: لماذا يحتاجون تحديث متوسط معدل الذكاء كل مدة؟ الإجابة ببساطةٍ، هي أننا نصبح أكثر ذكاءً. ففي كل مرة يعاد فيها إجراء الاختبار، يرتفع متوسط نتيجة الاختبار دائماً.
وفي واقع الأمر، إذا أجرينا اختبار معدل الذكاء الحالي على أشخاصٍ من 100 عام، فسيسجلون معدلاً بنحو 70 درجةً فقط. ويقدر الباحثون أن معدل ذكائنا يرتفع بمقدار 3 نقاط كل عقد. إذ تُعرف هذه الظاهرة بتأثير فلين، نسبةً إلى الباحث الذي اكتشفها.
هناك عدة أسباب مقترحة تفسر ظاهرة تأثير فلين. ربما يتعلق الأمر بأن هناك عدداً أكبر من الأشخاص يذهبون إلى المدرسة مقارنةً بما سبق، أو ربما أصبحنا نؤدي مهمتنا بشكلٍ أفضل في تعليم الطلاب المهارات المرتبطة باختبارات معدل الذكاء.
بينما يختص علم تحسين النسل بتحسين سلالة البشر عبر الانتقاء من مجموعة من الأشخاص «الأسمى» لتزويجهم -وهي فكرةٌ أثارت خلافاً كبيراً ولا تسهم في تحسين ظروف البشر- يركز علم الرفاهية على تحسين معيشة الإنسان عبر تحسين ظروفنا البيئية.
إليكم ثلاثة نماذج حول مدى تأثير تغيير ظروفنا البيئية في جعلنا أذكى، وفقاً لما نشره موقع Big Think الأمريكي.
ملح الطعام لتحسين الظروف الصحية
في أوائل القرن العشرين، كان الأشخاص الذين يعيشون في منطقة البحيرات العظمى وفي شمالي غرب المحيط الهادئ أكثر عرضةً للتأثر بمرض تضخم الغدة الدرقية، وهو عبارة عن تورم في الرقبة مرتبط باختلال وظائف الغدة الدرقية.
أدرك ديفيد موراي كوي، أستاذ طب الأطفال، أن هذا الأمر كان بسبب نقص اليود في أجسامهم، وهو نوعٌ من المغذيات الضرورية التي تحتاجها الغدة الدرقية كي تؤدي وظائفها بشكلٍ سليم. علِم كوي أيضاً أن السويسريين باتوا يضيفون يود الصوديوم في ملح الطعام لمنع هذا المرض، لذا أقنع الحكومة الأمريكية بتنفيذ هذا الأمر أيضاً.
في خريف عام 1924، بدأت شركة Morton Salt توزيع ملح اليود على مستوى البلاد. ومثلما كان متوقعاً، انخفض معدل الإصابة بمرض تضخم الغدة الدرقية بنحوٍ كبير.
وبعدها بـ100 عام تقريباً، اكتشف الباحثون أن تقديم ملح اليود كانت له أيضاً فوائد إضافية. ففي المناطق التي كانت تعاني نقص اليود، ارتفع معدل الذكاء بنحو 15 نقطة، وارتفع بنحو 3 نقاط على مستوى البلاد.
الأكثر من هذا أن معدل الدخل ارتفع في المناطق التي تعاني نقص اليود بنحو 11%. فكيف حدث هذا؟
يمكن الحصول على اليود بسهولةٍ من الأطعمة والأعشاب البحرية، ولكن يمكن الحصول عليه أيضاً من النباتات والحيوانات ما دامت هذه النباتات والحيوانات تعيش في تربةٍ غنية باليود.
بمنطقة البحيرات العظمى وفي شمال غربي المحيط الهادئ، تسببت الفيضانات والأنهار الجليدية القديمة في إزالة كل اليود الموجود بالتربة.
أدى هذا إلى انتشار مرض تضخُّم الغدة الدرقية، بل حمل أيضاً تأثيراً كبيراً على النساء الحوامل.
فإذا كانت المرأة الحامل تعاني نقصٍ اليود في جسدها (ومن ثم تعاني تضخم الغدة الدرقية)، فسيُضعف هذا من القدرات العقلية لطفلها. وُلد قطاع كبير من سكان الولايات المتحدة من أمهات عانين نقص اليود في أجسامهن، وهو ما حمل تأثيراً سلبياً على قدراتهم العقلية.
جعل البنزين أكثر سُميةً
في عام 1922، اكتشفت شركة General Motors أن هناك مادة كيميائية تسمى رباعي إيثيل الرصاص، تعمل بشكلٍ رائع باعتبارها مركباً مانعاً للطَرق في محركات الاشتعال الداخلي بالسيارات، وتسهم هذه المادة بشكلٍ رئيسي في منع الاحتراق المبكر للوقود.
كان من الممكن أن تؤدي مادة الإيثانول الغرض نفسه، لكن الشركة الأمريكية لم تكن ستجني أرباحاً من حقوق تسجيل براءة اختراع مادة رباعي إيثيل الرصاص، رغم أن الإيثانول أقل سُميةً منها.
لذا، عملت شركة General Motors مع شركات النفط الأخرى لتقديم الرصاص إلى البنزين بدلاً من الإيثانول الأكثر أماناً، لكنه أقل ربحاً. كانت شركتا General Motors و DU pont، والجمهور يعلمون جميعاً أن رباعي إيثيل الرصاص مادةٌ سامة.
وبدلاً من الإشارة إلى هذه المادة الإضافية باسمها الحقيقي، أطلقوا عليها اسم إيثيل.
وللأسف، ظل البنزين الممزوج بالرصاص أمراً واقعاً وقتاً طويل حتى بعد أن علِم المستهلكون بطبيعة هذه المادة. ولم يُحظر استخدام هذه المادة حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما مُرِّر قانون الهواء النظيف. وبمجرد إزالة الرصاص من البنزين، باتت الآثار المرعبة لهذه المادة، التي استُخدمت عقوداً طويلة، جليةً.
ارتفع معدل ذكاء الجيل الذي وُلد بعد تطبيق قانون الهواء النظيف بنحو 6 نقاط. والأكثر من هذا أن الباحثين يجادلون بأن الأطفال الذين نشأوا خلال الفترة التي أُضيف فيها الرصاص إلى البنزين في العشرينيات إلى أن أُلغي في السبعينات، أسهموا في ارتفاع معدل جرائم العنف إلى 90%.
ووصلت معدلات الجريمة بمدن مثل لوس أنجلوس ونيويورك إلى مستويات مرتفعة للغاية في الثمانينيات والتسعينيات، ثم ظلت تنخفض بوتيرة مستمرة مع وفاة آخر جيل شهد مزج الرصاص بالبنزين، وسجن بعضهم، وتخلي بعضهم عن سلوكهم الإجرامي.
كان السياسيون متحمسين لنسب سبب تراجع مستوى الجريمة، إلى ممارسات الشرطة مثل «نظرية النوافذ المحطمة» المتعلقة بإنفاذ القانون، لكن بعض الباحثين يؤكدون أن السبب يرجع إلى وجود أجيالٍ جديدة من المواطنين أكثر ذكاءً وصحةً وتربيةً، نشأوا في بيئةٍ خالية من الرصاص.
العلاقة بين الدخان وتشوش الدماغ
رغم أن العناصر السابقة في هذه القائمة ناقشت الأشياء التي نفذناها، ما زال أمام البشر طريق قبل تقليص مستويات التلوث بشكلٍ كبير. يصدر مشروع State of Global Air (حالة الهواء على مستوى العالم) تقريراً كل عامٍ، يقدر فيه درجة تلوث الهواء حول العالم.
وجد أحدث تقرير للمشروع أن 92% من سكان العالم يعيشون في مناطق يتجاوز فيها معدل الجسيمات الصغيرة الملوثة للهواء المستوى الآمن الذي حددته منظمة الصحة العالمية.
ولا يقتصر الضرر الناتج على الأنظمة البيئية المحلية والتغيير المناخي وجسم الإنسان، بل يرتبط تلوث الهواء بالتراجع الكبير في معدل ذكاء الأشخاص.
حللت دراسةٌ، على سبيل المثال، قاعدة بيانات مكونة من نحو 32 ألف ملحوظة تتعلق بدرجات اختبارات الذكاء والمؤشر اليومي لتلوث الهواء في الصين.
ووجد الباحثون أنه كلما تعرض المشارك في الدراسة لمستويات تلوث مرتفعة وقتاً طويل، تراجع معدل ذكائه. كانت القدرة اللغوية على وجه الخصوص الأكثر تأثراً، وكان الرجال أكثر تأثراً من النساء.
وبشكلٍ عام، أسهم متوسط تأثير التلوث في تقليص معدل ذكاء المشاركين في الدراسة بنسبة مشابهة لتأثير فقدان عامٍ دراسي على مستوى ذكاء الفرد، وهي نسبة تعادل نحو 5 نقاط.
تدخل الجزيئات الصغيرة لملوثات الهواء إلى الجسم عبر الرئة، وتنتقل من هناك عبر الجسم كله، ومن ضمنه الدماغ.
يتكهن الباحثون في هذه الدراسة بأن هذه الجزيئات تتسبب في التهاب الدماغ؛ ومن ثم تتلف المادة البيضاء الموجودة فيه بوتيرة سريعة.
نحب اعتقاد أن ذكاءنا موردٌ نولد به، موردٌ ننميه أو نضيّعه. لكن هذه ليست الحقيقة بالضبط؛ فالذكاء ظاهرة ديناميكية تعتمد على جودة البيئة التي نعيش فيها إلى حدٍ كبير.
لهذا السبب، تحمل السياسات والتشريعات الحكيمة أهمية كبيرة. فمن دونها، ربما لن نكون أذكياء بشكلٍ كاف لتطبيقها في المقام الأول.