كم من فُرَص قد ضاعت ولَم نستطع ان نستفيد منها عندما كانت متاحة أمامنا؟ وظل البعض منا حزيناً باكياً على اللبن المسكوب بينما كان البعض الاخر أكثر إيجابية أو واقعية وتدارك الامر وشعر بأهمية الزمان والمكان؟ كانت ومازالت هناك محاولات كثيرة بذلت على مستويات فردية أو حتى جماعية وانطلقت فعاليات حملت تصورات أو وجهات نظر طَرَحَهَا أصحابها أملاً فى أن نغير بعض من واقعنا الذي توارثناه ولَم يعد مناسبا لروح العصر. وفى بعض الأحيان، وجدنا أن أصحاب النوايا الطيبة الذين بذلوا جهوداً فاقت طاقة آخرين وكانت لديهم آمال وطموحات أن ترى أفكارهم او مشاريعم النور، منهم من وُفِّقَ ومنهم من لم يحالفه التوفيق، حيث بقى السؤال الذى تردد كثيراً: “أروح لمين أو أكلم مين؟”
الدكتورة سهير السكرى، من الطيور التى هاجرت من مصر إلى أمريكا منذ نصف قرن. لها سجل حافل من النجاحات فى مجالات العمل بالأمم المتحدة والجامعات الأمريكية وبصمتها معروفه فى الوسط الدبلوماسى حيث أنها كانت سبباً قوياً فى إعتماد اللغة العربية بالأمم المتحدة. للدكتورة سهير رسالة قوية وواضحة ومازالت تعمل من أجل الحفاظ على لغتنا العربية وعلى هويتنا المصرية. لها باع طويل فى أبحاث تدور حول ذكاء الطفل وعن أساليب التربية، ولها دراسات عديدة وكتب منشورة حول تلك الأبحاث. وجدير بالذكر أنها قد وُجِّهَت لها الدعوة مرتين للحديث أمام مجموعة مختارة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام فى الصالون الثقافى العربي الأمريكي فى نيويورك. وهناك أشارت فى حديثها ومناقشاتها مع الأعضاء إلى أفكارها وجهودها فى مساعدة المسؤولين بمصر فى مجال محو الأمية، وأنها قد هالها أن تعلم عن بيانات صدرت حديثاً عن الجهاز المركزي للإحصاء عَبَّرت عن حجم مشكلة الأمية في مصر. تقول تلك البيانات أن هناك حوالي ١٩ مليون مواطن مصري لا يعرفون القراءة ولا الكتابة! لذلك عكفت على مؤلف بعنوان “الطريقة السكرية لمحو الأمية فى شهر واحد”، قارنت فيه بين نتائج التعامل بطريقتها والأسلوب المُتَّبَع الآن والذى يستغرق العمل به مدة ٩ أشهر، ولاحظت أنه لم يغير كثيراً من الواقع الأليم للمشكلة.
ثم جاء سؤالها الذي كان نفس سؤال غيرها: أروح لمين أعرض عليه مقترحي؟
أمثال الدكتورة سهير السكري من المصريين المهجرين كثيرين، ولديهم العديد من الأفكار الهامة التى يأملون أن يقدموها لبلدهم وكل ما يستطيعون من خبرات وتجارب لأن مصر بلدنا تستحق الأفضل دائماً. ولكن يظل السؤال لديهم حائراً يبحث عن إجابة: “نروح لمين؟”
عندما يقول: «علينا أن نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». هل هناك إشارة مباشرة لتفوق البيض؟ لا.
ولكن خلف هذه اللهجة، هناك قصة قوية للغاية عن التهديد العنصري والبيض كفئةٍ مهدَّدة.
إنها قصة تسمح لترامب بإثارة العنصرية ليأتي بعد ذلك ويقول: «أنا بريء، فأنا أقل شخص عنصري في العالم» إلى آخره من متاهات البلاغة الكلامية والخطب الرنانة.
أحاط ترامب نفسه بأشخاص مارسوا هذه الاستراتيجية لفترة طويلة: روجر آيلز، مؤسس Fox News، بول مانافورت، الذي بدأ بمثل هذا النوع من السياسة العنصرية في الجنوب.
يدرس دونالد ترامب كيفية تأجيج الكراهية العنصرية، ثم ينفذ ذلك عملياً.
ترامب يقول إنه يمثل العمال، ولكن سياساته تخدم الأثرياء
على سبيل المثال، يشير الرئيس إلى أن البطالة بين اللاتينيين أو السود قد وصلت إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة، ليس فقط كدليل على أنه ليس عنصرياً، ولكن ليظهر كأنه يحكم من أجل الأغلبية.
بالطبع. ماذا تتوقع منه أن يقول؟ ما يمثل مصالح الأغنياء، هذه ليست الطريقة التي تعمل بها السياسة.
هناك الكثير من أصحاب المليارات مثل دونالد ترامب الذين يقفون ويقولون: «أنا هنا لأمثل العمال، ثقوا بي» .
وعندما تثقون به، لا تجدون سوى تخفيضات ضريبية للمليارديرات وشبكة تأمين اجتماعي مدمَّرة، ومحاولات للحد من الرعاية الطبية والعنف ضد المجتمعات الملونة.
إذا نظرت إلى ما يفعله بدلاً مما يقوله، فإن دونالد ترامب يمثل حكومة من الأغنياء ويعمل من أجلهم.
وفقاً لاستطلاعات الرأي، فإنَّ الغالبية العظمى من الجمهوريين ينكرون أن ترامب عنصري، وحتى نصف اللاتينيين يعتقدون ذلك. كيف يمكن أن تكون كلها خاطئة حسبما تقول؟
لأن ما يُعتبر عنصرية هو في الواقع فكرة سياسية للغاية.
العنصرية كيان عمره 400 عام، اتّخذ العديد من الأشكال المختلفة. لقد شكّلت المجتمع الأمريكي وهو مجتمع منقسم تماماً حول ما هو عنصري وما هو غير ذلك.
لذلك عندما ينكر 90% من الجمهوريين أن ترامب عنصري، فذلك لأنهم يريدون إنكار أنهم هم أنفسهم عنصريون أيضاً.
من الخطأ محاولة إقناعهم بأنهم عنصريون. الأفضل بكثير أن نقنعهم بأن ترامب ليس سوى محتال يستخدم العنصرية ضدهم وضدنا.
المصدر: وكالات