شهدت مدينة نيويورك يوم الأربعاء الماضى تجربة جديدة وفريدة تمثلت فى إجراء حوار بين مركز أبحاث مصرى هو المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ونظير له من الولايات المتحدة هو معهد الشرق الأوسط، حول القضايا الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط والرؤى المصرية والأمريكية لها.
العديد من القضايا الهامة أثيرت فى الحوار، ولا تتسع سطور هذا المقال للحديث عنها، ولكن أشير فقط لأربع منها:
نقطة البداية التى اتفق عليها الطرفان هى أن منطقة الشرق الأوسط فقدت جانبًا كبيرا من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن السياسة الأمريكية أصبحت أقل اهتماما بالمنطقة وأقل تأثرا بما يحدث فيها. أسباب ذلك كثيرة، ولكن أهمها ما أشار له الرئيس ترامب من أن الولايات المتحدة لم تعد تحتاج البترول أو الغاز من منطقة الشرق الأوسط، وهو تحول استراتيجى ضخم.
نقطة ثانية أشار لها على وجه التحديد أحد الباحثين الأمريكيين، وهى أنه حان الوقت للدول العربية لأن تكون أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا منطقتهم، وأن يتعاملوا بشكل مباشر مع هذه القضايا. على سبيل المثال لماذا ينتظر العرب قيام الولايات المتحدة بإطلاق ما يعرف بصفقة القرن لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، ولماذا لا يقومون بالحوار مباشرة مع إسرائيل، طالما أنه يمكنهم بلورة مبادرة للسلام بأنفسهم دون الحاجة لكوشنر، وهو صهر الرئيس الأمريكى والمسؤول عن هذا الملف. وبنفس المنطق لماذا ينتظر العرب دورًا أمريكيًا تجاه إيران، وفى إمكانهم أن يتحاوروا معها حول قضايا المنطقة محل الخلاف بين الطرفين، ونفس النهج ينطبق على القضايا العربية مع تركيا. أى باختصار أهمية الفطام العربى عن الولايات المتحدة بالنسبة للمبادرات المتعلقة بالقضايا الإقليمية.
فكرة أخرى أثيرت فى الحوار، وهى أن الرئيس ترامب يسعى للتوصل إلى اتفاق مع إيران بأى شكل قبل الانتخابات الأمريكية، كى يعزز فرص نجاحه، وأنه فى هذا الإطار قد يقبل بمجرد تعديلات شكلية وليس جوهرية فى الاتفاق السابق الذى وقعه سلفه أوباما، وانسحب منه ترامب، وأن إيران – حتى الآن- هى التى ترفض التفاوض معه، ولا تريد أن تقدم له هدية انتخابية.
وأخيرا ما كان يمكن أن ينتهى الحوار دون الإشارة إلى الأوضاع الداخلية فى الولايات المتحدة، خاصة أن المؤتمر تزامن مع بدء عملية قانونية لعزل الرئيس الأمريكى ترامب فى أعقاب ما أثير عن أنه قد تدخل لدى حكومة أوكرانيا للتحقيق بشأن مزاعم لاستغلال النفوذ لابن منافسه من الحزب الديمقراطى جون بايدن. طلب ترامب يعتبر بمثابة مساعدة من حكومة أجنبية فى الانتخابات الأمريكية، وهو أمر غير قانونى. وبالرغم من التشكك فى قدرة الكونجرس على عزل الرئيس ترامب، لأن الأمر يتطلب موافقة مجلسى النواب والشيوخ، والأخير يتمتع فيه حزب الرئيس (الجمهورى) بالأغلبية، والأرجح أنه لن يصوت ضده. والمثير للاهتمام أن البعض أشار لاحتمال استفادة ترامب من إجراءات العزل، لأنها ستركز الضوء أيضا على ممارسات خصمه الرئيسى بالحزب الديمقراطى جو بايدن، مما قد يؤدى إلى تعثره فى الحصول على ترشيح حزبه لانتخابات الرئاسة، وتفوز إليزابيث وارن بهذا الترشيح، وهى المرشح الأضعف، الذى يتمنى ترامب أن ينافسه. وأيا تكون التطورات، فإن نصيحة الباحثين الأمريكيين هى ألا يركز العرب فى علاقتهم مع الولايات المتحدة على شخص واحد أو حزب معين فى ظل التقلبات الحالية للسياسة الأمريكية.
*نشر بصحيفة “المصري اليوم”، بتاريخ ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩.