مقالات
فوبيا الرقم 13 – بقلم/ أمنية مرسي
01/05/2020
من منا يستطيع مقاومة جمال الجغرافيا من شباك الطائرة أو سحر التاريخ في صفحات كتاب قديم، أو رائحة عطر من وردة جميلة حتى وإن كانت ذابلة، بالطبع لا أحد. كذلك الأساطير مملوءة باللامعقول المختلط مع اللا منطق ومن ضمن هذه الأشياء تشاؤم الناس من الرقم ١٣، أما إذا صادف رقم ١٣ يوم جمعة يصبح لدى البعض هذا اليوم المبارك دائمًا، سببًا للتشاؤم. وفي الشهر الماضي ديسمبر ٢٠١٩ صادف يوم 13 يوم جمعة.
ولم يقتصر الأمر على مجرد تشاؤم بل وصل حد المرض حيث أصبح هناك حالة مرضية يطلق عليها أطباء علم النفس بالرهاب من الرقم 13 او Triskaidekaphobia وهو مرض يشبه الفوبيا التي تشتهر بحالة الفزع الشديد والخوف المرضي من أمور معينة، مثل فوبيا الأماكن المرتفعة وفوبيا الأماكن المغلقة، ونضيف إلى ذلك فوبيا الرقم 13!
هناك أسباب كثيرة للتشاؤم من هذا الرقم، ارتبطت جميعها بأحداث سيئة. فهناك اعتقادٌ سائد بأن لهذه الخرافة علاقة بالعشاء الأخير للسيد المسيح، حيث ارتبط هذا الرقم بيهوذا الخائن الذي خان المسيح عليه السلام في قصة العشاء الأخير إذ كان ترتيبه الثالث عشر من الأشخاص المدعوين. والبعض يعتقد أن مصدر التشاؤم من رقم “13” يعود إلى “السُريان”، وهم طائفة مسيحية بسوريا، كانوا يستعملون في بداية المسيحية القوى العددية للأرقام، وفي روما القديمة كانت تجتمع الساحرات في مجموعات تضم 12، أمّا الرقم 13 فهو الشيطان، والإسكندنافيون القدامى كانوا يعقدون حبل المشنقة 13 عقدة. بينما يعتقد آخرون أن هذا التشاؤم له علاقة بفرسان الهيكل، فقد أُلقِيَ القبض عليهم بتهمة الهرطقة يوم الجمعة، الموافق 13 أكتوبر 1307.
فلسطين، تلك الأرض المقدسة دائماً والتي كانت محورًا لصراعات العصور الوسطى، كانت محل ميلاد أحد أشهر التشكيلات العسكرية في التاريخ، “فرسان الهيكل”، بدأت بمجموعة من 8 فرسان ينتمون لعائلة واحدة فرنسية من أصل يهودي جاءت إلى القدس في الحملة الصليبية يقودهم الفارس “هيو بايون” الذي أقنع “بالدوين الثاني” ملك القدس أن يُّكون مجموعة خاصة من الفرسان لحماية المسيحيين. وتمت تسميتهم بهذا الاسم لأنهم اتخذوا مقرهم في جبل الهيكل على أنقاض هيكل سليمان بجانب المسجد الأقصى. ولم يفعل هؤلاء الفرسان سوى الحَفِر تحت الحرم القدسي نفسه. كان تشكيل تنظيم فرسان الهيكل أول حدث في التاريخ يطلب من تنظيم ديني أن يحمل سلاحاً، فيما كانوا تابعين فقط ومباشرة للبابا. وخلط التنظيم بين حياة الرهبنة وحياة الفرسان، هذا حسب كتاب «Trial of The Knights Templar».
فرسان الهيكل كانوا مهتمين بإخفاء نشاطاتهم، وبخاصة مصادر نفوذهم وثروتهم، ثراء فرسان الهيكل كان له عدد من الطرق. أولها التبرعات التي انهالت عليهم من مواطني أوروبا، ولكن التبرعات لم تكن المصدر الوحيد لثراء الفرسان، إذ كانوا أول من اخترع فكرة الشيكات البنكية، حيث قامت الفكرة على أن يدفع الحاج إلى الأرض المقدسة مبلغًا ماليًا في أقرب مقر للفرسان، وهناك يحصل على ما يشبه الشيك بالمبلغ الذي دفعه، وعند وصوله إلى الأرض المقدسة يسلم الشيك ويحصل على أمواله. هكذا يضمن الحاج أنه لن يتعرض للسرقة في الطريق.
كانت معركة حطين في مواجهة صلاح الدين، عام 1187، نقطة التحول في تاريخهم. إذ كانت هزيمة الصليبيين ومقتل 20 ألف مقاتل صليبي ضربة ساحقة. وبعد ثلاثة أشهر دخل صلاح الدين القدس وأضطر فرسان الهيكل للتخلي عن مقرهم بالحرم القدسي، لينتقلوا إلى عكا، ومنها حاولوا إنقاذ الحملات الصليبية التي خفت بريقها في الشرق، لكن بعد قرابة مئة عام، انتهى الأمر إلى الأبد. وفي عام 1291، غادر فرسان الهيكل الأرض المقدسة أخيرًا.
وفجأة استيقظت أوروبا على فضيحة مدوية بدون سابق إنذار أصدر الملك فيليب العادل أمراً باعتقال فرسان الهيكل كلهم وكانت هذه عملية سلسة ومنفَّذة بشكل جيد، ودون أي تحذيرات، وتقريبًا كان أغلب الفرسان في فرنسا حيث ألقي القبض عليهم وكان هذا حدثًا هامًا في أوروبا في الجمعة 13 من أكتوبر 1307 حيث نصبت منصات في باريس عليها أخشاب رُبطت فيها أجساد فرسان الهيكل أنبل نبلاء أوروبا في هذا الوقت وأشعلت فيهم النار وهم أحياء بتهمة ممارسة السحر الأسود والشعوذة وإنكار المسيح، لهذا صارت الجمعة 13 اليوم المبارك دائمًا مشؤومًا عند الأوروبيين.!! وقد يفسر هذا سبب كره الناس لوضع رقم ١٣ على البيوت في باريس إلى يومنا هذا.
ومن المثير للدهشة أن “جون جانثر” الصحفي وكاتب السيرة الذاتية للرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” الرئيس الثاني والثلاثين لأمريكا كان قد صرح بأن الرئيس روزفلت كان لديه رهاب الرقم ثلاثة عشر حيث كان لا يشرع في عمل مهم إذا صادف ذلك يوم جمعة 13 ولا يجلس إلى مائدة بها ثلاثة عشر شخصًا.
أما نحن كمسلمين فقد نهانا الرسول الكريم عن التشاؤم فقال “لا عدوى، ولا طيرة، ويُعجبني الفأل”. والفأل: هو الكلمة الطيبة يسمعها الرجل، يُقال لها: فأل. والتطير: هو التَّشاؤم بالمرئيات أو المسموعات. وأنا شخصياً لا أتشائم مما يتشائم منه الجميع بل على العكس تمامًا فقد قضيت يومًا رائع الشهر الماضي وكان يوم الجمعة ١٣ ديسمبر ٢٠١٩ كما تحققت من أخبار البورصة في نيويورك ووجدت بها أخبار جيدة عن بدء انفراجة المشكلة بين أمريكا والصين فيما يخص التعريفة الجمركية.
أُمنية مرسي
ولاية تينيسي، الولايات المتحدة