كتب العديد من الأبحاث والمقالات والكتب وأذيع الكثير من الأنباء بالاستناد إلى معطيات ملموسة في الواقع عن أن هناك جملة مخاطر تهدد الأمن المائي المصري… سد النهضة الأثيوبي، كارثة حقيقية على مصر، الأمن القومي المصري في خطر، والسد يؤدي إلى جفاف مصر، ويشرد أكثر من ثمانية ملايين مصري… هذه بعض صرخات وتحذيرات أبناء مصر، سواء من المسؤولين السابقين، أو من الخبراء والمستشارين في شؤون الزراعة والري وبحوث المياه، ومن خلال الصحافة المصرية، وهي تحذيرات موجهة إلى القيادة المصرية، منذ مهدت أثيوبيا الطريق لبناء ”سد النهضة” وفق خطة مدروسة بدأتها بإعداد وطرح وتبنّي الاتفاقية الإطارية لدول المنابع ”منابع النيل والأنهر الأخرى”، وقادت الصراع لإنجازها منذ عام 1995.
ولكيلا نطيل الحديث في المبهم لابد من الإشارة إلى لب الموضوع في أزمة سد النهضة الإثيوبي. حيث توترت العلاقات السودانية ـ المصرية ـ الإثيوبية بسبب الخلاف بخصوص موضوع السد الذي تبنيه إثيوبيا على الروافد الرئيسة لنهر النيل في منطقة ”بني شنقول” قرب الحدود السودانية، وعلى بعد نحو 900 كيلو متر شمال غرب أديس أبابا، وتتخوف مصر من أن يؤثر هذا المشروع في حصتها المائية من نهر النيل.
وللتاريخ، فجمهورية مصر العربية كانت ترفض حتى فكرة إقامة مثل هذا السد على منابع النيل من الأساس، ولكن أصبح الحديث عن سد النهضة واقعا قائما، وقد حاولت مصر تغليب لغة الدبلوماسية في هذا الملف، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أكتوبر الماضي خلال قمة سوتشي الإفريقية الروسية، كما كانت للجهود الدبلوماسية جولات ولقاءات ومؤتمرات لخبراء المياه من أجل العمل على تنظيم وتقنين عملية ملء وتشغيل السد بما يجنب مصر والسودان كارثة مائية في المستقبل، وهذه السياسة البراجماتية التي تعاملت بها مصر والسودان لم تؤتي ثمارها ! وأعلنت مصر في وقت سابق من 2019 وصول مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وأثيوبيا إلى طريق مسدود، داعية إلى الاستعانة بالولايات المتحدة كوسيط، والتي دعت بدورها لاجتماع في واشنطن في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، واتفق خلاله على عقد أربع اجتماعات بحضور أميركي وتمثيل للبنك الدولي بهدف الوصل لاتفاق بين الدول الثلاث.
وفي هذا السياق، فقد استضافت واشنطن عدة جولات من المحادثات شارك فيها وزراء من مصر والسودان وإثيوبيا والبنك الدولي بعد فشل مفاوضات ثلاثية استمرت سنوات. وقال وزراء من مصر وإثيوبيا والسودان إنهم سيوقعون اتفاقا نهائيا بحلول نهاية شهر فبراير 2020 بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي أثار أزمة دبلوماسية امتدت لسنوات بين القاهرة وأديس أبابا. وثار خلاف بين البلدان الثلاثة على ملء وتشغيل سد النهضة الذي يتكلف أربعة مليارات دولار ويجري تشييده قرب حدود إثيوبيا مع السودان على النيل الأزرق الذي يصب في نهر النيل. وفي بيان مشترك مع الولايات المتحدة والبنك الدولي عقب المحادثات، قالت الدول الثلاث إنها اتفقت على مراحل ملء خزان السد وآليات التخفيف وضبط الملء والتشغيل أثناء فترات الجفاف. وذكر البيان أن الدول المعنية لم تنته بعد من الاتفاق على جوانب أخرى منها سلامة السد وآلية فض المنازعات لكنه أضاف أنها ستوقع على اتفاق نهائي بنهاية فبراير.
وتعليقاً على هذا الاتفاق، فقد انتقد نتقد وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، الاتفاق المبدئي الذي أعلنت القاهرة عن التوصل إليه مع السودان وأثيوبيا بشأن سد النهضة في 31/01/2020 . وقال علام: “بدلًا من التوصل إلى اتفاق نهائي، تم التوصل إلى اتفاق جزئي حول سياسة ملء السد، وهي ضرورة بالنسبة للجانب الأثيوبي لبدء تخزين المياه مع الفيضان القادم بعد 6 أشهر”. وأضاف الوزير الأسبق: ”أما بالنسبة لتشغيل السد، فهي القضية الأهم لمصر، والتي شهدت خلافًا كبيراً لرغبة أثيوبيا في الهيمنة على مياه النيل الأزرق والتحكم في دولتي المصب، كما لم يتم الاتفاق حول آليتي المراقبة وفض المنازعات، ما يدل على أزمة ثقة بين الأطراف الثلاثة”.
لقد ظهرت مشكلة سد النهضة، حين استغلت إثيوبيا (التي يرد منها 80 في المائة من مياه النيل) انشغال مصر باضطرابات ”ثورة 25 يناير 2011 ”، وشرعت في بناء السد الذي طالما رفضت مصر السماح لها ببنائه، ولم تجرؤ شركة عالمية التقدم لبنائه خوفاً من رد الفعل المصري الذي وصل لحد التلويح بالعمل العسكري، ووجدتها إثيوبيا فرصة لدعوة الشركات وجهات التمويل الدولية للمشاركة في بناء السد، الذي يحتاج إلى تخزين 70مليار متر مكعب من المياه لاستخدامها في توليد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية تكفي استخدامات إثيوبيا وتبيع الفائض لمن يريد من دول الجوار، وهو الأمر الذي سيؤثر قطعاً على حصة مصر من المياه التي لا تكفي احتياجاتها بعد أن تجاوز عدد سكانها الـ 100مليون.
وكانت أثيوبيا قد لجأت إلى طرق خبيثة، خططت لها مسبقاً، لإلغاء حقوق الدول المستفيدة من مجرى نهر النيل، والمنظمة بموجب اتفاقيات سابقة، وتبنت الاتفاقية الإطارية لدول المنابع، وقادت الصراع لإنجازها عام 1995، ورفضت الربط بين هذه الاتفاقية والاتفاقيات السابقة، مؤكدة أحقية وأولوية الأمن المائي لدول المنبع ”النيل والأنهار الأخرى”، من دون دول المصب ومنها مصر. وانتهت بتوقيع بوروندي على الاتفاقية الإطارية في أول شهر آذار من العام 2011، الأمر الذي وفر المجال والظروف لاستمرار أثيوبيا في تحقيق أهدافها، من تفريغ اتفاقيات دول المصب وبخاصة مصر من مضمونها، وعدم الالتزام بأي اتفاقية سابقة تضمن حصة وحقوق دول المصب، ما وفر الحرية اللازمة لإنشاء سد ”النهضة”. وبذلك تحقق الهدف الرئيسي لأثيوبيا من تجريد مصر بالدرجة الأولى من حقوقها التاريخية والقانونية في ملف نهر النيل، ”اتفاقيات دول حوض النيل منذ عام 1894 ـ 1902 ـ 1929 وآخرها عام 1959.
إضافة إلى ذلك فقد استغلت أثيوبيا ضعف مستوى التفاوض مع مصر وغياب الردع القسري بعد ”ثورة 25 كانون الثاني 2011”، غير عابئة بالاعتراضات المصرية، انطلاقاً من انعدام التوافق والتشرذم السياسي في ذلك الوقت، الذي أدى إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي… ومن ثم استغلت جميع الظروف وكسبت الوقت لإنجاز بناء السد من دون أي تعديل، لفرض الأمر الواقع، لأن بناء السد ينطلق ويستند إلى صراع سياسي واقتصادي غير معلن مع مصر، وبتخطيط أمريكي ـ إسرائيلي، ولن تعبأ بالاعتراضات المصرية…
إن الجغرافيا تستبد الآن بمصر، بحاضرها ومستقبلها، فالنيل (الذي مصر هِبَته) يرفده نهران هما: ”النيل الأبيض”، الذي تنبع معظم مياهه من بحيرة فيكتوريا، التي تتقاسَم حدودها أوغندا وتنزانيا وكينيا، و”النيل الأزرق”، الذي تنبع مياهه من بحيرة تانا في أثيوبيا، وهو الرافد الأهم للنيل، فإن نحو 85 في المائة من المياه المغذية للنيل يأتي من ”النيل الأزرق”. والتأثيرات السلبية لقواعد ملء وتشغيل ”سد النهضة” متعددة بين مخاطر وإضرار بحصة مصر، حيث يؤكد المتخصصون، وبحسب خبراء، فإن الاقتراح الذي قدمته مصر بملء البحيرة على مدار سبع سنوات، والقبول خلالها بحصة 40 مليار متر مكعب، سوف يكبدها خسارة أكثر من ربع حصتها في مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب، كما سيؤدي إلى تدمير نحو ثلث رقعتها الزراعية المقدرة بـ10 مليون فدان، نظراً لأن الفدان الواحد يحتاج من 5 إلى 6 آلاف متر مكعب مياه، وعلى المستوى المباشر، سوف تفقد مصر نحو مليون وظيفة وأكثر من 1.8 مليار دولار، منهم 300 مليون دولار عوائد إنتاج الكهرباء وبيعها.
ومما يدعو إلى دق ناقوس الخطر، أن سد النهضة إسمنتي بالكامل وليس سداً ركامياً مثل السد العالي، ما يجعل معامل أمانه منخفضاً واحتمالات انهياره مرتفعة، وانطلاق 74 مليار متر مكعب من المياه في توقيت واحد، تعني إبادة مدينة الخرطوم بالكامل وجميع المدن شمالها وتغطيتها بالمياه بعمق تسعة أمتار، ما يهدد السد العالي في مصر بالانهيار إذا كانت البحيرة خلف السد ممتلئة وذلك يعني اجتياح جميع المحافظات المصرية بالكامل حتى مدينة الجيزة. و في نفس السياق، أكد خبراء ومسؤولون مطلعون بأن مصر ستتكلف سنوياً 50 مليار جنيه (7 مليارات دولار) لتحلية مياه البحر وتعويض النقص الذي سيسببه السد الإثيوبي في حصة مصر من مياه النيل، أي بواقع 12 في المائة من ميزانية الدولة ستخصص لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد.
ويكشف تقرير حكومي مصري، عن سد النهضة الأثيوبي أنه في حالة ”الملء والتشغيل” للسد سيتم انخفاض توليد الكهرباء من السد العالي ليصل إلى 4500 ميغاوات، أي بنقص قدره 37 في المائة، مع حدوث عجز كلي في توليد الطاقة الكهربائية ليصل إلى 41 عاماً. وأكد التقرير الذي أعدته لجنة شكلتها الحكومة المصرية من 20 خبيراً ومسؤولاً من وزارات الري والكهرباء والبيئة وأساتذة الجامعات أن ”هناك خطورة من سد النهضة على الأمن المائي لمصر، لأنه سيحدث عجزاً مائياً في إيرادات النهر أمام السد العالي تصل إلى 44.7 مليار متر مكعب خلال 4 سنوات”.
وبناء ”سد النهضة”، الذي لا ريب في إضراره بالأمن المائي لمصر، وبأمنها القومي والاستراتيجي، لا يمكن إدراجه إلاَّ في سياق سعي استراتيجي لإضعاف مصر، ولإعلاء بنيان ”إسرائيل العظمى”، فيد إسرائيل، التي ستحْكِم قبضتها على كهرباء السَّد، إنتاجاً وتوزيعاً، في بناء هذا السَّد مرئية لكل من له عينان تُبصران. ولتأكيد المؤكد، فعدة مصادر تتحدث عن وجود قواعد للصواريخ الإسرائيلية بسد النهضة لحمايته من أي اعتداء في إطار العلاقات والمصالح بين إثيوبيا وإسرائيل والتي أخذت أبعادا أسرع وأقوى منذ تولى أبي أحمد منصب رئيس الوزراء (الحائز على جائزة نوبل والتي قد يكون لإسرائيل الفضل في الفوز بها)، صاحبها حلم إسرائيلي قديم بتوصيل مياه النيل إلى تل أبيب.
ورغم توقيع ”معاهدة السلام” بين مصر وإسرائيل قبل أكثر من أربعين عاماً، أفادت وسائل إعلام تابعة لإسرائيل بوجود حالة توتر كبيرة بين مصر وكيان الاحتلال على خلفية إكمال الاحتلال نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية Spyder-MR حول سد النهضة الذي بنته إثيوبيا. وقال موقع ”ديبكا” الاستخباراتي التابع لإسرائيل، أنّ الدولة العبرية بدأت ببناء النظام الدفاعي حول السد العملاق في أوائل شهر أيار وانتهى بعد شهرين ونصف، وذلك عقب قرار إثيوبيا شراء ”النظام الإسرائيلي المضاد للطائرات” بعد تتبع أدائه خلال الاشتباكات العسكرية التي وقعت مؤخراً أثناء الأزمة بين الهند وباكستان في كشمير. وحسب موقع ”ديبكا” فإن نظام Spyder-MR المضاد للطائرات هو ”الوحيد في العالم القادر على إطلاق نوعين مختلفين من الصواريخ من قاذفة واحدة” والتي يتراوح مداها ما بين 5 و50 كم.
سَّد النهضة، وبما يتمتع به من أهمية كهربائية وزراعية ومائية، وبما يتسبب به من إضعاف لمكانة مصر الاستراتيجية، سيكون نقطة انطلاق لمزيدٍ من النفوذ الإسرائيلي في القارة الإفريقية التي أهملها العرب بما جعلها تطلب مزيداً من هذا النفوذ. وإنه لَمِنَ الوهم القاتل للحكومة المصرية، أنْ ينظر إلى الصلة الاستراتيجية المتنامية بين إسرائيل وأثيوبيا على أنها أمر عابر مؤقت، فأثيوبيا لديها من المصالح والأهداف الإقليمية ما يشدد لديها الميل إلى تحالف استراتيجي دائم مع إسرائيل، التي لن أتفاجأ بتأسيسها لوجود عسكري في أثيوبيا، وحَول ”سدِّ النهضة” على وجه الخصوص، يدرأ عن أثيوبيا وسدها هذا مخاطر عسكرية خارجية، مَصدرها المتضرر الأكبر من بناء هذا السد، وهو مصر.
واليوم تأتي الخطوة الأخيرة في مضمار التآمر الإسرائيلي على مياه نهر النيل عبر (سد النهضة) في أثيوبيا. ويرجع اقتراح بناء هذا السد إلى 1964 عندما طلبت إسرائيل من أثيوبيا بناء على نهر النيل وعندها كان الاعتراض المصري في عهد الرئيس الراحل ”جمال عبد الناصر” على إقامة مثل هذا السد الذي سوف يجعل أرض مصر جرداء ويتسبب في هلاك الزرع والضرع، وفي خطابه الذي ألقاه يوم 6/6/1964 في القاهرة (أن مصر لم ولن تسمح ببناء سدود تحجب مياه النيل عن مصر). لكن الفرصة أصبحت مناسبة لإسرائيل لتمويل بناء هذا السد.
أولاً: للضغط على مصر بإضعافها اقتصادياً نتيجة حجب المياه عن أراضيها وبذلك يمكن لها أن تنحني لأوامر إسرائيل وسيطرتها على المنطقة العربية.
ثانياً: لاستغناء عن تصفية مياه البحر الذي يكلفها أسعاراً باهظة، فقد قدم رئيس جامعة حيفا بن ”جوريون بارتمان”، و”نحميا حسين” آنذاك دراسة سابقة عن وضع المياه في إسرائيل عرضت على البنك الدولي أكدا فيها، أن الزيادة الديموغرافية في منطقة الشرق الأوسط هي المسؤولة عن نقص المياه بواسطة التحلية سيتكلف 75 سنتاً في حين أن الحصول عليه من مياه النيل لن يزيد على 45 إلى 50 سنتاً، ما يكشف عن جذر المسألة الحقيقي بأن إسرائيل طامعة في بناء هذا السد الأثيوبي الذي سوف يدمر حياة 35 مليون فلاح يمارسون الزراعة ويسبب عطشاً لشعب مصر المتنامي ويخلق أوضاعاً سلبية في السياحة النهرية في حوض النيل ويوقف الطاقة الكهربائية التي تعمل بواسطة( توربينات) في السد العالي، مع موت وهلاك الثروة السمكية وكل ما هو حي في هذا النهر.
وهذا ما يذكرنا باقتراح رئيس جامعة تل أبيب الأسبق ”حاييم بن شاهار”، في ندوة التعامل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط التي عقد في لوزان عام 1989، (أن تقوم مصر بمنح إسرائيل حصة من مياه النيل مع فتح ترعة سيناء)…
ورغم نفي الإسرائيليين قيامهم بتأجيج الحرب المائية ضد مصر و أثيوبيا، إلا أن المراقبين يرون أن إسرائيل تعمل بقوة على استخدام أثيوبيا كورقة ضغط على مصر، غير مخفية أطماعها في مياه النيل المصرية، حيث وضعت إسرائيل استراتيجية محددة من أجل الوصول لمنابع النيل كورقة ضغط على السودان ومصر، ما ينعكس سلباً على التنمية في السودان ومصر، ويشكل تهديداً للأمن السوداني والمصري، والملاحظ أن الاستراتيجية الإسرائيلية في منطقة القرن الأفريقي تحظى بدعم الولايات المتحدة بخاصة، والدول الغربية بعامة.
وتكمن الرؤية الإسرائيلية في النظر إلى القرن الأفريقي والبحر الأحمر ومنطقة البحيرات كامتداد للمنطقة العربية، وكمنطقة يمكن استخدامها لمحاصرة الأمن القومي العربي، ولاسيما في امتداده السوداني والمصري وفق استراتيجية (حلف المحيط)، بإقامة تحالفات مع الحدود والجماعات الإثنية المعادية للعنصر العربي الإسلامي من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة من وجودها في المنطقة للتلويح بورقة المياه، مستندة إلى الدور الأمريكي، خاصة وأن هناك سعياً أمريكياً حثيثاً لتأسيس مناطق نفوذ من دول منابع النيل ووسط أفريقيا، سواء في إطار السيطرة على وسط القارة أو الإمساك بأوراق رئيسية فيها، ونلاحظ أن مجموعة القادة الجدد الذين يحظون بدعم أمريكا وإسرائيل معظمهم يتركز في حوض النيل، ونلاحظ أيضاً أن إسرائيل قامت بدور رئيسي في التنافس الأمريكي الفرنسي في وسط القارة الأفريقية.
صحيح أن القيادة المصرية الحالية لا تتحمل وحدها كامل المسؤولية عن هذه الأزمة، بحكم أن للقضية جذوراً قديمة، ولها أبعاداً سياسية وإستراتيجية وحسابات خاطئة ودوائر أولويات للحركة الدبلوماسية غير منتجة، تبدأ منذ حقبة السادات واستفحلت في عهد مبارك، من إهدار للاستثمار السياسي والثقافي والاقتصادي المصري في عهد الزعيم ”عبد الناصر” في إفريقيا، وترك الفناء الخلفي لمصر وأمنها الوطني يعبث فيه الكيان الصهيوني، والتوجه نحو أمريكا والاتحاد الأوروبي، والاستعلاء على الأفارقة، فضلاً عن تقزيم دور مصر…
وعلى هذا فإن هذه القضية تمس مستقبل مصر وأمنها المائي، فمياه النيل تعتبر قضية أمن قومي بالنسبة لمصر، فقد قامت حضاراتها نظرا لوجود هذا النهر العظيم، ولا شك أن مصر تمثل الثقل المحوري العربي ولها تاريخ نضالي في سبيل الأمة العربية، كما أن جميع المعارك التي خاضتها مصر منذ حطين وعين جالوت والحملات الصليبية وارتباطها بمختلف قضايا الأمة، بالإضافة إلى وجود الكيان الصهيوني وتاريخ الصراع معه يضع مصر في دائرة الاستهداف، وأي قضية تمس مصر بلا شك هي تمس الأمن القومي العربي عموما. ويظهر أن أثيوبيا تتبع سياسة ”إسرائيل” في مفاوضاتها مع الفلسطينيين وغيرهم في التضليل وكسب الوقت، فكل المفاوضات الثنائية السابقة بين مصر وأثيوبيا لم تثمر عن أي نتائج ملموسة، أو اتفاق واضح يحفظ حصّة مصر من مياه النيل، أو تعدل في مواصفات السد ما يعني أن مستقبل مصر المائي بات مهدداً.
وتتقاطع الآراء حول آفاق الحل بالنسبة للأزمة بين دول حوض النيل، بضرورة استعادة مصر لدورها الإقليمي والدولي، وضرورة لجوئها للتحكيم الدولي لضمان حقها التاريخي في حصة المياه، لأن العلاقات الدولية المستقبلية بين دولة المنبع ودول المصب كفيلة بالإضرار بحياة أبناء الشعب المصري والسوداني، لذا ينبغي تنظيم آلية التشغيل والملء والتفريغ لسد النهضة، ووضع اتفاقية دولية جديدة تنظم العمل بهذا السد في المستقبل، وإلا فإن البديل المحتمل هو خلق مشكلة دائمة بين دول حوض النيل تتأرجح بين مد وجزر وقضية مؤرقة للأمن القومي بمصر والسودان ربما تتدخل من خلالها القوى الدولية للضغط على هذه الدول في قضايا أخرى، وخصوصا ما يتعلق بإسرائيل ومساومة مصر في أمنها القومي، كذلك لا يستبعد تطور الأحداث إذا ما شعرت مصر بخطورة هذا الملف على أمنها القومي، وعلى إثيوبيا تدارك تلك المعطيات وقراءة التاريخ جيدا.
باحث وكاتب صحافي من المغرب