تحليلات سياسية
جو بايدن و السيناتور كامالا هاريس/ لن يكون نسخة من أوباما ولن يقلد ترامب – رويترز – فورين بوليسي
هكذا سيتعامل بايدن مع الشرق الأوسط إذا وصل للبيت الأبيض..
أصبح الشرق الأوسط “أقل أهمية بكثير” للولايات المتحدة مما كان عليه في السابق، وفقاً لمقال كتبته تمارا كوفمان ومارا كارلين، مسؤولتان سابقتان في إدارة أوباما، في 2019. وخلُص المقال إلى أنَّ الوقت قد حان “لوضع حد للآمال” حول قدرة واشنطن على التأثير في الديناميات الداخلية أو الحسابات الخارجية للفاعلين في تلك المنطقة.
هذه هي المهمة الشرق أوسطية التي سيرثها المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن إذا فاز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. لكنه سيكون في موقف أفضل بكثير لاتباع اقتراح تمارا ومارا بتحويل تركيز واشنطن بعيداً عن الهوس بتلك المنطقة المستعصية، أكثر من أوباما الذي اضطر للعودة إلى المنطقة مرة أخرى بسبب الحرب الأهلية في ليبيا وسوريا وتأسيس ما يُسمى بـ”دولة الخلافة الإسلامية” أو “داعش” في العراق وسوريا. ويُرجَّح أنَّ بايدن سيستغل تلك الفرصة، ومع ذلك ليس بالدرجة التي ترضي الواقعيين والتقدميين الذين يأملون أن تنهي الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ماذا سيفعل بايدن؟
ويبدو أنَّ طبيعة بايدن تجعله حصيناً ضد تبني رؤى متعالية بالقدر الذي كان عليه الرئيس جورج بوش (الأب)؛ فبخصوص السؤال الأبرز الذي حدَّد معالم السياسة الخارجية للرئيس السابق أوباما -وهو استخدام القوة في الشرق الأوسط- ساهم بايدن، نائب الرئيس آنذاك، بدور تحذيري، بل وأحياناً معارض.
فقد عارض بايدن التدخل في ليبيا في 2011. وفي هذا السياق، قال دانيال بنعيم، الذي عَمِل مستشاراً لبايدن لشؤون الشرق الأوسط وكاتب خطابات السياسة الخارجية خلال فترة ولايته الثانية نائباً للرئيس: “لقد كان متشككاً في بعض الأفكار الكبرى للتحول في المنطقة، بما في ذلك قدرتنا على توجيه نتائج الثورات العربية”. فيما قال مساعد سابق لبايدن إنه في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران، “كان هناك تدرجٌ في المثالية” حول ما إذا كان يمكن دفع إيران إلى موقف أقل عدائية تجاه الغرب.
وأضاف أنَّ بايدن “لم يضع آمالاً كبيرة” على هذا الأمر. وفي حالة عودة الربيع العربي إلى الحياة في ظل إدارة بايدن، فإنَّ الإصلاحيين الليبراليين الشجعان سيحصلون بالتأكيد على دعم أكثر مما حظوا به على مدى السنوات الأربع الماضية في عهد الرئيس دونالد ترامب، لكن بايدن سيرحب بهم بحذر أكثر مما فعل أوباما، أو مما كان ليفعل المرشحان بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن لو فازا في الانتخابات.
باختصار، شَغَل بايدن الجناح الواقعي لإدارة أوباما فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. وقد يدعي ترامب أنه من يشغل هذا الجناح، لكن إذا كان “الشخص الواقعي” يسترشد بالمصالح الموضوعية بدلاً من القيم الوقتية، فإنَّ النزعة التجارية الفظة والخالية من القيمة التي يتبعها ترامب في المنطقة قد أفرغت هذا المصطلح من كل معانيه. إذ خَنَعَ للحكام المستبدين المتوحشين، بمن فيهم عبدالفتاح السيسي في مصر، ومحمد بن سلمان في السعودية، حتى في الوقت الذي تدخلوا فيه في حروب أهلية في ليبيا واليمن بطريقة ألحقت ضرراً واضحاً بالمصالح الأمريكية. لكن بايدن لن يتردد في انتقاد سلوكهم في الداخل والخارج؛ فقد صرّح: “أود أن أنهي دعم الولايات المتحدة للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن وأطلب إعادة تقييم علاقتنا مع المملكة”. وحذّر من أنَّ الكرة في ملعب السعودية “لتغيير نهجها”، بحسب المجلة الأمريكية.
وينطبق المبدأ نفسه على الإمارات العربية المتحدة، التي انسحبت، مع ذلك، من حرب اليمن، ومدت سراً يداً مُبادِرة إلى إيران، ووافقت على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ومن شأن إدارة بايدن تحقيق توازن جديد وأبعد نطاقاً. ففي هذا الصدد، أعرب المساعد السابق لبايدن عن توقعاته بأنَّ المرشح الرئاسي الديمقراطي سيتمكن من “مقاومة الضغط من التقدميين لمعاقبة” تلك الأنظمة القمعية، وسيواصل العمل معها حتى في ظل سعيه إلى ردعها عن تأجيج النزاعات المحلية.
ومن شبه المؤكد أنَّ الشرق الأوسط ستتراجع أهميته في عهد الرئيس بايدن – لكن إلى أي مدى؟ يتوقع أحد كبار المستشارين -الذي طلب عدم ذكر اسمه للتحدث بصراحة عن الحملة الانتخابية لبايدن- أن يتأخر الشرق الأوسط إلى “المرتبة الرابعة” في ترتيب الأولويات، بعد أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأمريكا اللاتينية. ومع ذلك، يرتبط بايدن بعلاقات عميقة مع المنطقة، ومن غير المرجح أن يدير ظهره إذا أصبح رئيساً للقادة والدول التي عمل معها عن كثب لسنوات.
مستنقع أمريكا في الشرق
في حين أنَّ العراق بالنسبة لكلٍّ من التقدميين والواقعيين هو التعريف المثالي للمستنقع الذي تحتاج الولايات المتحدة إلى تخليص نفسها منه تماماً، يعتقد بايدن، وفقاً لمساعده السابق، أنَّ العراق “لديه فرصة لمنع اندلاع موجة إرهابية أخرى وقد يكون مبشراً على شرق أوسط أقل استقطاباً وأكثر تعددية، إذا تعاملوا معه تعاملاً صحيحاً”. وسيعمل بايدن أيضاً على تقوية العلاقات الأمريكية مع الدول المعتدلة مثل الأردن، التي تعرضت للدهس تقريباً تحت الأقدام في طريق اندفاع ترامب لاحتضان مشايخ الخليج الأثرياء، وخاصة السعودية والإمارات.
قوات أمريكية في العراق – رويترز
ويرى معظم خبراء الشرق الأوسط أنَّ قائمة المصالح الأمريكية الرئيسية المتبقية في المنطقة تتشكل من إحباط الإرهابيين، وضمان التدفق العالمي للنفط، واحتواء إيران. وقال بايدن إنه إذا وافقت إيران على العودة إلى الالتزام بشروط الاتفاق، فسيفعل أيضاً “ليكون ذلك نقطة الانطلاق للعمل جنباً إلى جنب مع حلفائنا في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق”. ولن يكون ذلك سهلاً على الإطلاق؛ فقد قالت إيران إنها لن تعود إلى الوضع السابق -ناهيك عن الموافقة على تمديد الشروط الحالية- من دون تنازلات كبيرة. وليس من الواضح نوع العرض الذي سيكون بايدن مستعداً لتقديمه، هذا إن كان هناك أي عرض من الأساس.
لا يوجد “شيك مفتوح”
ووضع ترامب كامل دعمه خلف إسرائيل دون النظر لأية اعتبارات أخرى، مثلما فعل أيضاً مع السعودية. وأوضح بايدن أنه سيسحب هذا “الشيك المفتوح” أيضاً. وفي خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام أمام اللوبي المؤيد لإسرائيل، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، قال بايدن إنَّ خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضم الضفة الغربية المحتلة -المُعلَّقة الآن- “تبعد إسرائيل أكثر عن قيمها الديمقراطية، وتُقوِّض الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، خاصة بين الشباب في كلا الحزبين السياسيين”.
وبالرغم من ذلك، لدى بايدن تاريخ طويل من الدعم القوي لإسرائيل، بما في ذلك أثناء شغله منصب نائب الرئيس. فهو لن يهدد إسرائيل، على سبيل المثال، بتقليص المساعدة العسكرية لردع المزيد من التوسع الاستيطاني. ولا يزال بايدن متمسكاً بحل الدولتين، غير أنَّ هذا الهدف الذي طال انتظاره قد انحسر إلى أفق بعيد للغاية. وقد يكون بايدن أول رئيس أمريكي منذ جيل يكرس القليل من الجهد أو لا يكرس أي جهد لهذا الاحتمال اللامع الذي لا نهاية له، ويكرس نفسه بدلاً من ذلك لتحسين ظروف الفلسطينيين وتخفيف التوترات مع إسرائيل.
ربما تكون أفضل طريقة للتفكير في تطلعات بايدن هي القول إنه سيسعى إلى تطبيع العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط. ولن ينتظر من المنطقة الكثير مثلما فعل أوباما، لكنه أيضاً لن يتساهل مع ما فعله ترامب. ومن ثم، فمن غير المرجح أن يرفع سقف التوقعات أو يحطمها بالكامل. فهو لن يسحب جميع القوات الأمريكية من العراق أو سوريا أو من شبكة القواعد الأمريكية حول المنطقة، لكنه سيكون حذراً جداً من نشرها في غمار أية حرب أهلية. وإن كان محظوظاً، فسيحقق حُلم العديد من أسلافه بعدم إيلاء المنطقة اهتماماً أكثر مما تستحق.