أخبار من أمريكا
إقبال قياسي على التصويت المبكر في انتخابات أمريكا.. هل هذا في صالح ترامب أم بايدن؟
أدلى أكثر من 14 مليون أمريكي بأصواتهم في الانتخابات المقرر لها 3 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما يُعرف بالتصويت المبكر، فلماذا هذا الإقبال القياسي؟ وهل هو في صالح أي من المرشحين للرئاسة؟
إقبال قياسي على التصويت المبكر
حتى مساء الأربعاء 14 أكتوبر/تشرين الأول، أدلى أكثر من 14 مليون أمريكي بأصواتهم في الانتخابات التي تشهد سباقاً شرساً بين سعي الرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترامب للفوز بفترة ثانية من جهة، وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن من جهة أخرى، إضافة لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس، والتي تشهد أيضاً منافسة حامية بين الحزب الجمهوري الساعي للاحتفاظ بأغلبيته الضئيلة في مجلس الشيوخ والحزب الديمقراطي الساعي للسيطرة على المجلس.
والتصويت المبكر في الانتخابات الأمريكية ليس اختراعاً جديداً، وإنما هو إجراء معمول به طوال الوقت، لكن خصوصية هذه الانتخابات التي تجرى في أجواء يغلب عليها تفشي وباء كورونا في البلاد من جهة والانقسام المجتمعي الحاد الذي تشهده البلاد، منذ مايو/أيار الماضي، بعد مقتل المواطن من أصل إفريقي جورج فلويد، وما نتجت عنه الجريمة من احتجاجات ضخمة ضد العنصرية؛ هذه العوامل وغيرها جعلت التصويت المبكر يتصدر الأخبار، لأنه مؤشر هام على حظوظ الطرفين.
وبحسب تحليل للمعلومات الانتخابية من جانب مشروع الانتخابات الأمريكية -جهة مستقلة- أدلى 14 مليون أمريكي بأصواتهم بالفعل، منهم 2 مليون في واحدة من أكثر الولايات أهمية للطرفين وهي فلوريدا، وعن ذلك قال ستيف شيل، خبير استراتيجي ديمقراطي في فلوريدا لمجلة Politico الأمريكية، إن “الأرقام مذهلة بالفعل بالنسبة لنا، ومستويات الإقبال والتصويت تبدو جيدة جداً، لكن يظل هناك كثير من الأمور نجهلها حتى الآن”.
عراقيل متنوعة لم تؤثر على الإقبال
وتميّز التصويت المبكر حتى الآن، بجانب الإقبال غير المسبوق، بوجود طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع وانتظر بعض الناخبين طويلاً، وصلت الانتظار أحياناً إلى 8 ساعات ليتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم، وسط بعض المشاكل التقنية والكثير من محاولات عرقلة التصويت المبكر، من خلال قضايا ترفعها الحملات لأسباب متنوعة.
ولا تمثل الطوابير الطويلة الصعوبة الوحيدة التي يواجهها من قرروا التصويت مبكراً، حيث واجه الناخبون عوائق تمنعهم من الوصول لبطاقات الاقتراع الخاصة بهم مثل مشاكل تكنولوجية في بعض مراكز الاقتراع، إضافة إلى تحديات قانونية في أماكن أخرى، خصوصاً في الجنوب، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ففي جورجيا، التي تواجه إدارتها الجمهورية اتهامات بقمع الناخبين أو منعهم من التصويت، أبلغ البعض عن وجود مشاكل تقنية تسببت في إبطاء عملية التصويت كما حدث في أحد المراكز في أطلنطا، في الوقت الذي يصر الديمقراطيون على التمسك بحظوظهم في الولاية الحمراء بصورة تقليدية (أي أنها ولاية تميل للجمهوريين)، وقد أدلى نحو 750 ألف مواطن بأصواتهم حتى الآن.
وفي فيرجينيا تحقق السلطات في توقف أحد مراكز تسجيل الناخبين عن العمل، الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول، وتوصلوا إلى أن أحد الكابلات تم قطعه وصنفوا الواقعة كحادث، لكن الحادث أدى لتعطل السيستم طوال اليوم، الذي صادف آخر يوم لتسجيل الناخبين، فأصدرت محكمة في فيرجينيا حكماً بمد مهلة التسجيل حتى الخميس 15 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم أن مسؤولي حملة بايدن وحملة ترامب يشجعون الناخبين على التصويت المبكر أو التصويت عبر البريد بسبب القفزة في أعداد المصابين بالوباء على مستوى البلاد مؤخراً، وخصوصاً في ولايات متأرجحة بشدة مثل ويسكونسون وميشيغان وبنسلفانيا، فإن إقبال الديمقراطيين على التصويت المبكر والتصويت عبر البريد أعلى كثيراً من المستويات بين الجمهوريين.
والقصة هنا تتعلق بالأساس بترامب نفسه؛ فالرئيس يشكك في التصويت عبر البريد ويصفه بالتزوير، كما أنه يقلل من خطورة الوباء منذ البداية، ولم يتغير ذلك بعد أن أصيب هو شخصياً به، بل إنه زاد من الاستهانة به وقال “لا تخافوا منه”، وبالتالي فإن الغالبية من أنصار ترامب يفضلون الانتظار ليوم التصويت، أي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، والإدلاء بأصواتهم بطريقة تقليدية.
وفي هذا السياق، يحاول حكام الولايات ومشرعوها من الجمهوريين عرقلة التصويت المبكر عن طريق رفع قضايا أمام المحاكم بخصوص كل شيء تقريباً، من أماكن صناديق البريد المخصصة لاستقبال بطاقات الاقتراع إلى عدد تلك الصناديق، وصولاً إلى تحديد مواعيد نهائية لفرز الأصوات.
وقد أيدت محكمة استئناف في تكساس، يوم الإثنين 12 أكتوبر/تشرين الأول، قراراً تنفيذياً أصدره حاكم الولاية غريج أبوت، بقصر صناديق البريد المخصصة لاستقبال بطاقات الاقتراع على صندوق واحد لكل مقاطعة، وهو ما يعني أن مقاطعة هاريس التي يبلغ عدد سكانها 4.7 مليون نسمة، وبها مدينة ضخمة كهيوستن لا يوجد بها سوى موقع واحد لاستقبال بطاقات الاقتراع عبر البريد، ورغم ذلك أظهرت البيانات أن 50 ألف مواطن قد صوتوا بالفعل من خلال 122 مركزاً للتصويت المبكر، وهذا مؤشر يراه الديمقراطيون جيداً وفي صالحهم.
وانطلق الخميس التصويت المبكر في واحدة من الويلات المهمة وهي نورث كارولينا، بينما أجبر حكم محكمة في كاليفورنيا مسؤولي الحزب الجمهوري في الولاية على إزالة صناديق بريد غير رسمية نشروها في أنحاء الولاية لاستقبال بطاقات الاقتراع، لأن مسؤولي الانتخابات قالوا إنها لا تتوفر فيها المتطلبات الأمنية ولا ضمان النزاهة في عمليات نقلها لمراكز الفرز.
التصويت المبكر لصالح بايدن
قصة التصويت المبكر تصب في صالح جو بايدن بصورة واضحة، ربما يكون أبرزها هو التغطية المكثفة للإقبال من جانب شبكة CNN المعروفة بموقفها الرافض لترامب، في مقابل شبه تجاهل للقصة من جانب شبكة Fox News اليمينية الداعمة للرئيس، وقد نشرت CNN تقريراً يتم تحديثه باستمرار عن التصويت المبكر وعنوانه “الناخبون المصممون يتحدون الطوابير الطويلة للتصويت في الانتخابات التاريخية”.
وقد انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي تجارب التصويت من جانب من أدلوا بأصواتهم بالفعل، وبكى المحلل السياسي رونالد مارتين تأثراً بمشهد الطوابير الطويلة أمام أحد مراكز الاقتراع في تكساس: “أنا رجل ناضج، لكن لا مشكلة لدي في إظهار هذا النوع من العواطف لأنني أدرك المخاطر بالنسبة لشعبنا”، بحسب فيديو له نشره على حسابه على إنستغرام.
كما أن الإقبال القياسي على التصويت المبكر في جورجيا وتكساس بالتحديد مؤشر إيجابي للديمقراطيين، على أساس أنهما ولايتان جمهوريتان بالأساس، وقياساً على الإقبال التاريخي على التصويت المبكر بشكل عام حتى الآن يتوقع المراقبون أن تتخطى نسبة الإقبال في الانتخابات الحالية نظيرتها في الانتخابات الماضية، التي أدلى فيها نحو 130 مليون أمريكي بأصواتهم.
وتظهر توقعات النتائج بالنسبة للتصويت المبكر حتى الآن تقدماً واضحاً للديمقراطيين، رغم أن غالبية الديمقراطيين يفضلون التصويت عبر البريد مقارنة بالجمهوريين، وهو ما يمثل توتراً بين مسؤولي حملة ترامب الذين يعولون الآن على الرئيس نفسه وقدرته على إثارة حماس قاعدته الانتخابية، على أمل تكرار مفاجأة الانتخابات الماضية التي كانت كل استطلاعات الرأي تظهر منافسته هيلاري كلينتون فائزة لا محالة.