أخبار الجالياتالجالية المصرية في أمريكا
ورحل أحد فرسان النضال العربي الاصیل – الشیخ/ طارق یوسف
بعد عمر مدید من العطاء القومي العربي رحل الاستاذ عبد الرحمن البصیر في مدینة نیویورك الأسبوع
الماضي والذي كان علما من أعلام الكفاح والنضال ضد المستعمر الفرنسي وأحد مؤسسي حزب البعث
العربي الاشتراكي بسوریا وأحد مناضلي الدفاع عن حقوق العمال والكادحین في منطقة الجزیرة ومدینة
الرقة التي ولد فیها من فخذ عساف الذین ینتسبون الى جدهم الصحابي الجلیل عدي بن حاتم الطائي الذي
تزعم قبیلة طي بعد والده حاتم الطائي حیث تنتشر قبیلة طي بمكانتها وعراقتها في سوریا والعراق حیث خلد
التاریخ العربي اسم القبیلة من خلال ابنها الأكرم حاتم لكرمه حیث صار یقال مثلا في الكرم فلان أكرم من
حاتم، وخلد التاریخ الاسلامي ابنه عدي بن حاتم الطائي الذي أسلم في العام السابع من الهجرة بعد أخته سفانة
بنت حاتم والتي وقعت اسیرة ففك النبي أسارها بعد ان علم انها ابنة حاتم الطائي، وكان الأستاذ عبد الرحمن
البصیر رحمه االله یفخر بجدته سفانة وموقف النبي منها، و یفخر بجده عدي و بقبیلته طي التي هي عنوان
الكرم، مهما كانت ظروفهم المادیة، حیث كان رحمه االله معروفا بنزاهته ونظافة یده، فلم یخرج من الدنیا
بمال ولا أرض ولا عقار الا الشقة التي أسسها كجزء من مبنى في مدینة القامشلي، حیث كان مسؤولا كبیرا
بحزب البعث في منطقة الجزیرة بسوریا ومع هذا لم یستخدم نفوذه لیفید نفسه او اهله او عشیرته على حساب
الناس، ولم یكن له إلا مرتبه ومعاشه حیث كان یقطن مدینة القامشلي التي أسس فیها فرع حزب البعث العربي
الاشتراكي بتكلیف من الحزب، وكان ممن أعان واشرف على تأمین هروب صدام حسین من العراق الى
مصر عبر القامشلي لما فر من العراق . بعد المحاولة الفاشلة لاغتیال رئیس العراق عبد الكریم قاسم عام
١٩٥٩ .ومما عرف به الأستاذ عبد الرحمن البصیر أنه لما توفي أحد إخوته في مدینة الرقة، وذهب أهل
مدینة القامشلي للعزاء بحافلة كبیرة، والعزاء قائم في مدینة الرقة أمر بذبح كل الاغنام الموجودة حتى یقدم
الطعام الى القادمین للعزاء من مسافات بعیدة حیث كان یتراس نقابة العمال ومن الطبیعي أن یسافروا اكثر
من ٢٦٠ كیلو متر لتقدیم واجب العزاء لدرجة ان علق أحد أقاربه البعداء ان عبد الرحمن البصیر سوف
یخرب بیوتكم بكرمه!!! حقا انه ابن حاتم كما كان یحب أن ینادى حیث یتصدر المجالس بحكم كونه احد
عمداء قبیلة طي وشیوخها. ومن شجاعته في لقاء حزبي مع الرئیس السوري السابق حافظ الأسد، أنه خاطبه
ناقلا له معاناة الناس أمام أعضاء حزب البعث المجتمعین حیث قال للأسد: في الحقیقة إنني اصفق لك
(مجاملة) لان الناس في الواقع تعاني وغیر راضیة. ولم یغضب حافظ الأسد من كلماته الصادقة المعبرة
الناصحة الامینة، وهو بهذا یبین المعدن الأصیل لأبناء الصحابي الجلیل عدي بن حاتم والذي كان من خلص
رجال الامام علي وشیعته حیث حشد للامام علي كل قبیلة طي للقتال معه ضد خصومه وحضر مع الإمام
علي أمیرا في جیشه في موقعة الجمل وصفین والنهروان، وقد فقئت عین عدي حتى صار یعرف بالأعور،
وقتل ولده طریف مع الإمام علي. وكان الأستاذ عبد الرحمن البصیر محافظا على صحته نشیطا لهذا صار
من المعمرین، حتى أنه كان لا یتناول طعام العشاء إلا طبق سلطة مقطع بطریقة خاصة مجهدة للسیدة أم
فارس والتي كانت ترأس فرع الحزب النسوي بالقامشلي حیث كان یدقق في طبق السلطة جدا، وربما ذهبت
صبرها االله وعادت من المطبخ عدة مرات لتضبط له طبق السلطة على ذوقه!!!. وكان یحب أن یراقب عماله
ومطحنة الحبوب التي كان یرأسها لسنین طویلة ویذهب للتفتیش في غیر أوقات العمل ویطلب من سائقه ألا
یأتي ویفضل الذهاب سیرا على الأقدام لعمله حفاظا على صحته حیث كان یأخذ نفسه بالشدة فیما یتعلق
بصحته حیث توقف عن التدخین في الخمسینات من عمره رغم أنه كان مدخنا شرها، ولكن القراءة التي ما
كان یستطیع أن یتركها، حطمت عینه السلیمة حیث كان قد فقد احد عینیه في حادث سیارة على طریق دمشق،
وفقد الاخرى بسبب القراءة والمیاه الزرقاء وهي التي قضت علیه نفسیا بعد أن فقد كل النور فقرر أن ینزوي
حتى یوافیه أجله، وكأنه مثل جده عدي الذي فقد عینیه أیضا ولكن في میدان القتال مع الإمام علي والأخرى
ذهبت الثانیة لاحقا مع بصیص نور حتى ان عدي كان یعرف بالاعور سبحان ربي فمن شابه أباه فما ظلم.
حیث عمر عدي ١٢٠ سنة، وابنه الاستاذ عبد الرحمن مات في التسعین وهكذا معظم اسرة عدي من
.المعمرین
وكان الأستاذ عبد الرحمن ابو فارس رحمه االله عربي الطباع في جلده وحزمه الذي یصل لدرجة تصل أحیانا
كثیرة الى القسوة البدویة مع أهله وأولاده، حیث كان في دورة تثقیفیة في الجزائر ومرض ابنه الكبیر فارس
وأبلغ بالهاتف أن ابنه مریض، ویشرف على الوفاة، فلم یقطع الدورة وقال لو مات ادفنوه!!! وكان یحرض
أساتذة المدارس على أولاده أن یعاملوهم بشدة ودون مجاملة حتى لا یكونوا مستغلین لنفوذ ابیهم. وكان في
عروبته متشددا الى حد عدم قبول أن یقود أو یشمم برأسه فارسي أو كردي على العرب، معتبرا العرب لكون
رسول االله منهم ومن خلال طباعهم و أنفتهم وكرمهم لهم الأولویة على الاجناس الاخرى، وكان بیني وبینه
مساجلات و مجالسات حول هذا ،حیث كان دائم تردید الأبیات الشعریة لعمرو بن كلثوم في معلقته: ألا لا
، إذا
ً
ً وطینا
ً ویشرب غیرنا كدرا
یجهلن ٌ أحد علینا فنجهل فوق جهل الجاهلینا، ونشرب إن وردنا الماء صفوا
بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدینا
ومن عروبته القح المتمسك بها النادرة في هذا الزمان إلا من العرب الأقحاح، أنه كان یرفض قطعیا ان
یزوج بناته من بعض الكرد وان كانوا من علیة القوم، ورفض منهم الكثیر للزواج بابنتیه المهندسة الزراعیة
ندا البصیر وطبیبة الأسنان هدى البصیر، وكان یأبى إلا أن یكون الأزواج من بطون قبیلة طي الاصلاء
ولیسوا دون فخذ عساف أمراء طي مما سبب مشكلات عائلیة لاحقا حیث أتت بعض الریاح بما لا تشتهي
السفن!، وكان حریصا حازما في الآداب العامة والبروتوكول لدرجة أن رجلا ذا شأن من عائلة كبیرة خطب
ابنته الكبیرة غیر أنه قد جلس أمامه الشاب دون قصد واضعا قدما على أخرى مما تسبب في إلغاء الخطوبة
ٌي علیٌنا )
في نفس اللیلة. وكان الأستاذ عبد الرحمن البصیر رحمه االله یقول عن الامام علي بن أبي طالب (عل
حتى لا یساومه أحد على حبه لعلي ومكانته عنده، برغم حبه ودفاعه المستمیت عن عمر بن الخطاب باعتباره
قائد للنهضة العربیة والدولة العربیة الكبرى إلى الحد أنه حاول إیقافي شخصیا مرة، وانا القي خطبة الجمعة
في مسجد اولي الالباب ببروكلین نیویورك لما سمع بعض نقدي لمواقف عمر بن الخطاب، ولم یزل صوته
الجهوري وهو یقاطعني منادیا علي مسموعا في تسجیل احد الخطب على الیوتیوب، غیر أن ولده الكبیر
المهندس فارس البصیر رئیس مجلس إدارة مسجد أولي الألباب ومؤسسة المهدیین، نجح في احتواء الموقف
وخرج به لدقائق خارج المسجد، وعاد رحمه االله وأكمل سماع خطبة الجمعة وصلى الجمعة خلفي، وهذا
یبین شجاعته وقوته، ولما لا فهو ابن عدي ابن حاتم الطائي الشجاع الذي واجه معاویة، حیث كان رئیس
وفد مفاوضات الإمام علي مع معاویة لمحاولة اجتناب الصدام في صفین التي موقعها مدینة الرقة التي فیها
قبر عمار بن یاسر الذي قتلته الفئة الباغیة معاویة ومن معه یوم صفین إلا أن المفاوضات فشلت مع معاویة،
ولما أراد یوما معاویة بعد مقتل الامام علي ان یسئ الحدیث عن الإمام علي في حضرة جد الاستاذ عبد
الرحمن البصیر عدي بن حاتم الطائي قال له حسبما روى المسعودي أن معاویة قال ذات یوم لعدي «ما
ره عدي
تل وبقی ُت بعده»، ثم حذّ
، إذ قُ
تل أولادك وبقي أولاده»، فقال عدي: «ما أنصف ُت علیاً
أنصفك عليٌ، قُ
من الإساءة لعلي (ع) قائلا: واالله، إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وان أسیافنا التي قاتلناك بها لعلى
، وإ ّن َح َّز الحلقوم وحشرجة الحیزوم
ً
عواتقنا، ولئن أدنیت إلینا من الغدر فترا لندنی َّن إلیك من الش ّر شبرا
لأهون علینا من أن نسمع المساءة في علي).
ومن عجائب القدر في جنازة الأستاذ أبو فارس أن مكتب الدفن الذي تولى نقل جثمانه سني سلفي لباكستانیین
وتمت تغسیله و صلاة الجنازة الأولى علیه مع صلاة العشاء في أكبر مسجد للشیعة مسجد الإمام الخوئي في
نیویورك حیث كان هناك تجمع كبیر للشیعة بسبب أربعینیة الأمام الحسین ع ثم تمت الصلاة علیه مرة أخرى
في المقبرة في نیوجرسي حیث قمت بإمامة بالصلاة علیه ممثلا لآهل السنة أتباع أهل البیت لیصلي علیه من
لم یسعه الوقت للصلاة الأولى، وبهذا رحمه االله قد نال بركات وأدعیة أهل السنة الأقحاح والشیعة الأقحاح
وأهل الوسط من أهل السنة أتباع ومحبي أهل البیت. فرحم االله الاستاذ عبد الرحمن البصیر وعامله بفضله
ولطفه بقدر ما كان نزیها نظیف الید والجیب وغفر االله تقصیره وقصوره وألهم زوجته السیدة/ ام فارس
وولدیه المهندس فارس البصیر والاستاذ حازم وابنتیه وجمیع ال البصیر وعساف وقبیلة طي أجمعین الصبر
والسلوان
الشیخ طارق یوسف
داعیة إسلامي بالولایات المتحدة الأمریكیة