تحليلات سياسية
قوة لا أخلاقية متوحشة.. كيف أسس ترامب لقرن أميركي قادم وغير ليبرالي؟
هذه المقالة مترجمة عن Foreign Affairs
بتحليل اقتصادي اجتماعي، تستشرف المقالة التالية من مجلة “فورين أفّيرز” الأميركية مستقبلا لا ليبراليّا للولايات المتحدة. ثمة عاملان أساسيان سيرسمان معالم هذا المستقبل، وهما الأتمتة المتسارعة للوظائف والقطاعات الأمنية والعسكرية داخل الولايات المتحدة، والتشيّخ المتزايد للشرائح السكّانية خارجها في مناطق مثل الصين وأوروبا وروسيا. ستؤدي الأتمتة بالولايات المتّحدة إلى إنشاء سلاسل إمداد موازية مرنة ضمن تحالفاتٍ جديدة تنعزل عن السوق الآسيوية إلى غير رجعة، ومنها التحالف مع كندا وأميركا اللاتينية، وهي أجندة تحالفات عبَّر عنها بالفعل الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، بينما ستؤدّي الشيخوخة المتزايدة في أوروبا إلى انهيار الاتّحاد الأوروبي وحلف الناتو على المدى البعيد. أما في آسيا وروسيا، فإنّها ستؤدي إلى إضعاف القوّات العسكريّة التي تعتمد على قوّات شابّة في صفوفها.
تولّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة واعدا بإصلاحات في السياسة الخارجية الأميركية، ومنذ ذلك الحين وهو يهينُ الحلفاء، ويفضُّ التزامَ الولايات المتحدة باتفاقات دوليّة، ويفرض تعريفات جمركيّة على الأعداء والحلفاء سواء. يرثي العديد من الخبراء للضرر الذي ألحقته سياسة “أميركا أولا” بما يُسمّى النظام الليبرالي الدوليّ، آملين أن تستعيد الولايات المتّحدة دورها في ريادة العالم الحر ما إن يغادر ترامب المكتب البيضاوي. لكن علينا ألّا نُعلِّق كثيرا من الآمال على هذا الأمر، فما عصرُ الهيمنة الليبرالية للولايات المتّحدة إلا إحدى التبعات الفوريّة للحرب الباردة، وعلى العكس منه، فقد كان نهج ترامب من معاملة المثل بالمثل في السياسة الخارجيّة عُرفا سائدا على معظم فترات التاريخ الأميركي، ما يعني أن بصمة ترامب ستدوم إلى وقت طويل بعد رحيله.
يلقى نهج ترامب قبولَ كثير من الأميركيين اليوم، وسوف يتعاظم هذا القبول في السنوات التي تلوح أمامنا مع تسارع اثنين من الاتّجاهات العالميّة؛ التشيُّخ المتزايد للسكّان، وصعودُ الأتمتة، مما سيعيدُ خلق ديناميكيّات القوّة العالميّة بأساليبَ تكون في صالح الولايات المتّحدة. بحلول العام 2040، ستكونُ الولاياتُ المتّحدة هي البلد الوحيد الذي يمتلك سوقا ضخمة متنامية وقدرة ماليّة تُمكِّنها من الحفاظ على حضور عسكريّ عالميّ. خلال هذه الفترة، ستعمل التكنولوجيّات الجديدةُ على خفض اعتمادِ الولايات المتّحدة على العمالة والمواردِ الأجنبيّة وتزويدِ الجيش الأميركيّ بأدوات جديدة لاحتواءِ التوسّع المناطقيّ للقوى العظمى المنافسة. وما لم تُبدِّد الولايات المتّحدة تلك الأفضليّات فإنّها ستظل قوّة اقتصاديّة عسكريّة مُهيمنة.
منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، كانت الولايات المتّحدة ترى نفسها المدافعَ الرئيسَ عن أسلوب الحياة الديمقراطي الرأسماليّ والمُناصِرَ لنظام دوليّ منظّم مبنيّ على القيم الليبراليّة. لقد زوّدت واشنطن عشرات من الدّول بالحماية العسكريّة، وأمَّنت معابر الشَّحن البحريّ، والعبورَ السهلَ إلى الدولارات والأسواق الأميركيّة على حدٍّ سواء. وبالمقابل، قدَّمت تلك البلدان قرابينَ الولاء ومضَت في بعضِ الحالات إلى لبرلة اقتصاداتها وحكوماتها.
لكن خلال العقود القادمة، سوفَ يؤدّي التشيّخ المتسارع للشرائح السكّانيّة وصعود الأتمتة إلى زعزعة الإيمان بالديمقراطيّة الرأسماليةّ وتصدُّع ما يُسمّى بالعالم الحرّ من نواتِه. إنَّ أعباءَ الاعتناءِ بالشرائحِ السكّانيّة المتشيّخة وفقدان الوظائفِ الناجم عن التكنولوجيّات الجديدة سيؤجّجان التنافس من أجل الموارد والأسواق، ويُعرّيانِ عيوبَ المؤسسات الدوليّة التي تعتمد عليها الحكومات من أجل التصدّي للمشكلاتِ المشتركة، مما سيدفع الأميركيّين إلى الشعورِ بحاجة أقلَّ إلى الاعتمادِ على الشركاء الخارجيين مما فعلوا طيلةَ أجيال. في استجابة لذلك، قد تصبحُ الولايات المتّحدة قوَّة عُظمى مارقة. كما حدث في القرنِ العشرين، ستُهيمنُ على القرن الحادي والعشرين الولايات المتّحدة أيضا، إنمّا إن كانَ “القرن الأميركيّ” السابق مبنيّا على رؤية ليبراليّة لدور الولايات المتّحدة في العالم، فإنَّ ما قد نشهده اليوم هو فجر أميركي لا ليبراليّ.
إن جذورَ نهجِ “أميركا أوّلا” الذي أدخله ترامب على السياسة الخارجيّة الأميركية ضاربة بعمق في التّاريخ. قبل عام 1945، كانت الولايات المتّحدة تُحدِّد مصالحها ضمن نطاق ضيّق، لا سيّما فيما يخصّ النقدَ والأمن الماديّ، وسعت إليهما بقوّة وقليلِ اعتبار لآثارِهما على بقيّة دول العالم. صحيح أنّها تبنَّت القيم الليبراليّة مثل الحريّة والتحرر، لكنّها طبّقتها انتقائيّا، في الدّاخل والخارج على حدٍّ سواء، ولم تُشكِّل تحالفات بخلاف الحلفِ الذي أقامته مع فرنسا خلال الحرب الثوريّة. لقد صُنِّفت تعريفاتها الجمركيّة من بين الأعلى في العالم، وكانت تتجنّب المؤسسات الدوليّة. لا نقول إنَّ الولايات المتّحدة كانت دولة انعزاليّة، وفي الواقع فإنَّ توسُّعها المناطقيّ المتزايدَ قد أثار حسد أدولف هتلر، لكنّها كانت متحفّظة غالبا.
بحلول ثمانينيات القرن التّاسع عشر، كانت الولايات المتّحدة أغنى دولة في العالم، ولديها أكبرُ سوق استهلاكيّ فيه، وكانت في صدارةِ الدول المصنّعة والمُنتجة للطاقة، بجانبِ شبكة واسعة من الموارد الطبيعيّة وبلا أي تهديدات كبرى تواجهها. مع استتبابِ الأمور داخل البلاد، لم تكن الولايات المتّحدة مهتمّة للغاية بتأسيس تحالفات خارجيّة.
تبدَّل الحالُ خلال الحرب الباردة، عندما احتلَّ الاتّحاد السوفيتيّ مساحات واسعة من أوراسيا وأخذت الشيوعيّة تجذب إليها مئات الملايين من الأتباع حول العالم، وكانت الولايات المتّحدة بحاجة إلى شركاء أقوياء لاحتواءِ تلك التهديدات، فمَوَّلت أحد التّحالفات، وزوَّدت عشرات من البلدان بالضمانات الأمنيّة والعبور السهل إلى الأسواق الأميركية.
لكن مع انتهاء الحرب الباردة، توقف الأميركيّون تدريجيا عن رؤية فائدة في القيادة العالميّة، وباتوا أكثرَ سأما إزاءَ التعالقاتِ الخارجيّة. في العقودِ التالية، غلبَ على رؤساء الولايات المتّحدة التعهّد بخفضِ المجهوداتِ في الخارج وزيادتها في الدّاخل. برغم هذه الوعود، شهد عصر ما بعد الحرب الباردة إقدَام واشنطن على شنّ تدخُّلات عسكريّة عديدة (في البلقان وأفغانستان ثم العراق وليبيا)، وشهدَ ذلك العصر توسُّعا أكبر في النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتّحدة، ومع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالميّة، ازداد تماسك الاتّحاد الأوروبي، وتوسَّع حلف الناتو، وأخذ الاقتصادُ العالمي يعتمد على مؤسسات الولايات المتحدة أكثر من ذي قبل.
هذا الاتّجاه هو أحد الأسباب التي جعلت العديد من النُّخَب الأميركيّة تُفجَع بانتخاب ترامب بناء على أجندة “أميركا أولا”. حينما تسأل استطلاعاتُ الرأي الأميركيين بشأن أي الأولويّات يجب أن يكونَ للسياسةِ الخارجيّة، قلّة يُشيرون إلى تعزيز الديمقراطيّة والتجارة وحقوق الإنسان، وثلاثَتُها أنشطة تقع في صلب القيادة الليبراليّة الدوليّة. وبدلا منها، فإنّهم يُشيرون إلى منع الهجمات الإرهابية، وحماية الوظائف الأميركيّة، والحدّ من الهجرة غير الشرعيّة. يقول نحو نصف أولئك المستجيبين إنّهم يعارضون إرسال القوات الأميركيّة للدفاع عن حلفاءَ يتعرّضون لهجوم، ويُفضِّلُ نحو 80% منهم استخدام التعريفات الجمركيّة لمنعِ فقدان الوظائف بسبب التّجارة. نهجُ ترامب ليس حالة شاذّة، بل إنّه يندرج تحت اتّجاه لطالمَا تغلغل في ثقافة السياسة الأميركيّة.
في السّنوات القادمة، قد يتراجع الدعم الأميركيّ للنظام الليبرالي أكثر من ذي قبل، وذلك بفضل التغييرات الديموغرافيّة والتكنولوجيّة التي ستُعاظِم من ريادةِ الولايات المتّحدة اقتصاديّا وعسكريا وتجعل البلاد أقلّ اعتمادا على غيرها.
كما أن الولايات المتّحدة أقل اعتمادا على التجارة والاستثمار الخارجيّ عن أي بلد آخر. مع انكماشِ الاقتصادات العظمى الأخرى، سوف تصبح الولايات المتّحدة أكثرَ مركزيّة في النموّ العالميّ وأقل اعتمادا على التّجارة الدوليّة وستقلّ حاجتها إلى حلفاءَ أوفياء بما أن التشيّخ المتسارع سيعرقلُ التوسّع العسكريّ لأقطابِ القوى العظمى. بحلول العام 2050، سوف يرتفع إنفاقُ روسيا على معاشات التقاعد والرعاية الطّبيّة للمُسنّين بنحو 50% كنسبة من إجمالي ناتجها القومي عمّا هو عليه الآن، وسوفَ تتضاعف نسبةُ الصّين بنحو ثلاث مرّات، أما إنفاقُ الولايات المتّحدة في هذه النّواحي فسوف يزداد بنسبة 35%. سوفَ تكونُ روسيا والصيّن أمام خيارات حادّة بينَ شراء السلاح لجيوشهِما وشراء العكاكيزِ للسكّان الآخذين بالتشيّخ على نطاق واسع، ويقول التّاريخ إنَّ الثاني سيكون أولويّة بهدف منع الاضطرابات الداخليّة. حتّى وإن لم تُخفِّض روسيا والصين إنفاقهما العسكري، فإنّهما ستواجهان صعوبات في تحديث الجيش بسبب التشيّخ المتزايدِ في أوساط القوّات العسكريّة. تستهلك القوّات العسكريّة سلفا 46% من الميزانيّة العسكريّة الروسيّة (مقارنة بـ 25% عن تلك التي نراها في ميزانيّة الجيش الأميركي)، ومن الأرجح أنّها سوفَ تُجاوز 50% خلال العقدِ الحاليّ في ظلّ موجة تقاعد للقوّات الأكبرِ سِنًّا وضخّ معاشات التّقاعد.
تقولُ الأرقام الرّسمية الصينيّة إنَّ نفقات القوّات العسكريّة تُشكِّل 31% من ميزانيتها العسكريّة، لكنّ تقديرات مستقلة تشير إلى أنّها تستهلك نحو نصف الإنفاق الدّفاعي للصّين وأن الرقمَ سيرتفعُ خلال السّنوات القادمة.
سوف يُسرِّع التشيّخ المتزايدُ حول العالم الريادة الأميركيّة اقتصاديّا وعسكريّا في صراع القوى العظمى، كما أنّه سيَحدُث بالتّرافق مع اتّجاه لا يقلّ أفضليّة وهو تنامي الأتمتة. إن الآلاتِ تزدادُ سرعة وتقلّ حجما وكلفة والأهم من هذا أنّها تُطوِّر قدرة على التكيّف مع المعلومات الجديدة؛ في عمليّة تُسمّى “تعلّم الآلة” وهو نوع من أنواع الذكاء الاصطناعيّ. نتيجة لذلك، سوفَ تجمع آلات جديدة بين قدرة الحواسيب على تحليل الأرقام والقوّة الغاشمة للآلات الصّناعية وبعض من الحدسِ والوعي الظَّرفيّ والحذاقةِ التي كانت يوما ذخيرةَ بني البشر. بفضلِ هذه الابتكارات، قد تدخُل نحو نصف الوظائف في اقتصادِ اليوم حيِّزَ الأتمتة بحلول العقدِ 2030.
كما هو حال التشيّخ العالميّ، سيُقلِّلُ انتشارُ تبنّي الآلاتِ الذكيّة اعتمادَ الولايات المتّحدة على بلدان أخرى. تتمتّع الولايات المتحدة سلفا بريادة لا يُستهان بها في الصناعات التي تتصدّر اتّجاهات الأتمتة. على سبيل المثال، لديها من شركات الذكاء الصّناعي وخبرائه ما يفوق الصين بخمس مرّات، البلد الذي يحلّ ثانيا، كما أنّ نصيبها من برمجيّات الذكاء الاصطناعيّ وأجهزته في السوق العالميّة أكبر بأضعاف من نصيب الصّين. بإمكانِ الشركات الأميركية استغلال هذه الريادة التكنولوجيّة باستخدام الأتمتة المتقدّمة لاستبدال سلاسل الإمداد العالميّة الممتدّة بمصانع مُتكاملة من القاعدةِ إلى القمّة في الولايات المتّحدة. أمّا صناعات قطاع الخدمات فسوف تحذو حذوها مع استيلاءِ الذكاء الاصطناعي على مزيد من المهامّ. وعلى سبيل المثال، بدأت مراكز الاتصالات بالعودةِ من البلدانِ الأجنبيّة إلى الولايات المتّحدة. وطيلة عقود، كانت الولايات المتّحدة تُطارد العمالة والموارد الرخيصة في الخارج، لكنّ تلك الأيام معدودة الآن، مع سماحِ الأتمتة للولايات المتّحدة بزيادةِ الاعتماد على نفسها.
ثم إن صعودَ الآلات الذكيّة سوف يساعد واشنطن في احتواءِ صعود خصومها. وبدلا من انتظار اندلاع أزمة، سوف تتمكّن الولايات المتّحدة من استباقِ نشرِ المُقاتلات الجويّة المسيّرة ومنصّات إطلاق الصواريخ في مناطق الصّراع المحتملة. سوف تعمل تلك المقاتلات والصواريخ بوصفها حقول ألغام ذكيّة، تتمكّن من إبادة القوات الغازية للعدوّ. كما أنَّ القضاء عليها أمر صعب، وتكلفتها الشرائية في المتناول. وعلى سبيل المثال، تستطيع الولايات المتحدة بسعرِ حاملة طائرات واحدة اقتناءَ 6500 من مقاتلات الشبح المسيّرة من طرازِ “XQ-58A” أو 8500 من صواريخ كروز المتريّثة. عبر نشر أسلحة من هذا النّوع، سوف تستفيدُ الولايات من تفاوتٍ جوهريّ في الأهداف الحربيّة؛ فبينما يستولي خصومُ الولايات المتّحدة من أمثال الصين وروسيا على أراضٍ مثل تايوان والبلطيق لتحقيق الهيمنة المناطقيّة، سيتعيّن على الولايات المتّحدة فقط أن تحرمهم السيطرة لتحقيق الأمر، وهي مهمّة صُمِّمت شبكة المُسيَّرات والصواريخ الذكيّة لتأديتها على أفضل وجه.
على الأغلب التشيّخ والأتمتة سيُضْفيان قوّة على الولايات المتحدة، لكن من المستبعد لهما إضفاء القوة نفسها على النظام الليبراليّ بقيادةِ الولايات المتّحدة. في الديمقراطيّات الليبراليّة حول العالم، لطالما ارتكز الدعم الجماهيريّ لذلك النظام على المداخيل المتصاعدة للطبقة العاملة، الذي كان بالمقابل نتيجة لتزايد السكّان والتكنولوجيّات المولّدة للوظائف. لقد أنتجت طفرةُ مواليدِ ما بعد الحرب معدّلات ضخمة من العمّال والمستهلكين الشباب الذين وفَّر لهم خطُّ تجميع السلع وظائف مستقرّة. لكنَّ الشرائح السكّانية في أرجاء العالم الديمقراطي آخذة بالتشيّخ والانكماش، كما أن الآلات باتت تُزيل الوظائف. لقد تفتَّتَت المقايضة الأساس القائلةُ إنّ العمل الجادّ ودعم النظام الليبراليّ والثقة سيُشكِّلون مَدًّا اقتصاديا متصاعدا يرفع كلّ القوارب، وقد بات التعصّب القوميّ ورهاب الأجانب يملآن الفراغ.
إن المشهد أشدُّ قتامة ممّا يُدرِك كثير من الناس. على مدار الـ 30 سنة القادمة، سوف تتقلّص الشرائح السكّانية في الفئات العمريّة العمّالية لدى حلفاء الولايات المتّحدة من دول ديمقراطيّة بنسبة 12% بالمعدّل، مما سيجعل النمو الاقتصادي المستدام ضربا من ضروب المستحيل. في أثناء ذلك، سوف تتسع رقعة الشرائح السكّانيّة المُسنّة في هذه البلدان بنسبة 57% بالمعدّل عمّا هي عليه الآن، في وقت سوف يتضاعف فيه إنفاق هذه الدول على معاشات التقاعد والرعاية الصحية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. لن تكون هذه الدول قادرة على شقّ طريقها في الخروج من الفوضى الماليّة الناجمة عن الأمر، لأنّها تحملُ سلفا من الديون ما يساوي 270% من ناتجها المحليّ بالمعدّل قبلَ أن تدفع الجائحة موازنتها الرسميّة إلى حافّة الهاوية. بدلا من ذلك، ستكونُ هذه الدول مضطرة لخفض امتيازات المُسنّين، وخفض الإنفاق الاجتماعيّ على فئات الشباب، ورفع الضرائب أو زيادة الهجرة، وهي جميعها إجراءات يُرجَّحُ أن تؤدي إلى صدامات سياسيّة.
إنَّ الأتمتة المتسارعة ستزيدُ من حِدَّة التأزّم الاقتصاديّ. وقد بيَّن التاريخ أن الثورات التكنولوجيّة تخلق الرخاء على المدى الطّويل، لكنّها تُحيل بعض الفئات العاملة إلى وظائف ذات مداخيلَ أقلّ أو إلى البطالة على المدى القصير، وهذا المدى القصير يمكن أن يستمرّ لأجيال. خلال السنوات الـ 70 الأولى من الثورة الصّناعية في بريطانيا العظمى، بين عامَيْ 1770-1840، ركدت معدّلات الأجور، وتراجعت معايير العيش، مع أنَّ الإنتاجَ الذي يُوفّره العامل الواحد قد تزايدَ بنسبة نحو 50%. وقد شُخِّصت مكاسب المكننة الشاملة في أماكن العمل خلال هذه الفترة بالتّجار الكبار الذين تصاعدت معدّلات أرباحهم. على امتدادِ رقعة العالم المتقدّم اليوم، تُزيلُ الآلات مجددا الوظائف بمعدّلات أسرع من معدّلات تدريب العاملينَ على الوظائف الجديدة، كما أن أجور العمالة متدنية ومتوسّطة المهارة راكدة من جديد، والملايين من النّاس -لا سيما الرّجال بدون شهادة جامعيّة- يتركون القوة العاملة. يتوقّع العديد من الاقتصاديين أن تستمر هذه الاتّجاهات لبضعة عقود مع تبنّي التكنولوجيّات الجديدة بدلا من اليدِ العاملة على نطاق واسع، مثل السيارات والمخازن والمتاجر والمطابخ الذّاتية كلّها.
من المُتوقَّع أن يؤدّي النمو البطيء والدَّيْن المتضخّم والأجور الراكدة والبطالة المزمنة واللا مساواة المفرطة إلى التعصّب القومي والتطرف. في ثلاثينيات القرن الماضي، أدّت الإحباطات الاقتصادية التي نزلت بالكثيرِ من الناس إلى رفض الديمقراطية والتعاون الدّولي واعتناق الفاشية أو الشيوعية. واليوم، يتصاعدُ القوميّون المتطرّفون في أنحاء العالم الديمقراطي، وليس فقط في الديمقراطيّات الناشئة شرق أوروبا. وعلى سبيل المثال، يمتلك حزب “البديل من أجل ألمانيا”، وهو حزب يمينيّ قوميّ، ثالث أكبرِ المقاعدِ في البرلمان الألمانيّ كما أن حالات تغلغلِ النّازيّة الجديدة في صفوف الجيش والشرطة قد تضاعفت على نحو مُقلِق. سوف تصبح مهمّة الولايات المتّحدة في قيادة العالم الليبرالي أصعب من ذي قبل مع تقلُّد القوميين للسلطة، وزيادة التعريفات الجمركية، وإغلاق الحدود، والتخلّي عن المؤسسات الدوليّة.
في مواجهة حلفاء مُتخبّطين وجماهيرَ منقسمة لا تُبالي بغيرها، قد تبدأ الولايات المتّحدة في التصرُّف بشكل أقل بوصفها رأسا لتحالف ضخم وبشكل أكثر بوصفها قوة عظمى مارقة، أي بوصفها عِملاقا اقتصاديا وعسكريّا ليست لديه التزامات أخلاقية، ليسَ انعزاليا ولا مُنفتحا على العالم، وإنما عدوانيّ مسلّح بقوّة يسعى كليّا وراء مصلحته. في الحقيقة، تحت حُكم ترامب، كان يبدو أنَّ الأمور تسلُك فعلا ذلك الاتّجاه. خلال فترة ترامب في الرئاسة، بدأتْ بعض الضمانات الأمنيّة الأميركية تبدو أشبه بإتاوات مقابل الحماية، وبدأت إدارة ترامب تفرض التعريفات الجمركيّة على الصفقات التجاريّة بدلا من العمل عبر منظمة التّجارة العالميّة. الجيش الأميركي يتغير أيضا، وعلى نحو متزايد، باتَ قوّة مُعدَّة لإنزال العقوبات بدلا من الحماية. لقد خفّضت إدارة ترامب الانتشار العسكريّ الدائم على أراضي الحلفاء واستبدلته بوحدات تدخُّل متنقّلة يمكنها التوغّل في الخارج وتدمير الأهداف لكي تتلاشى من جديد في الأُفق.
يستنكر العديد من نُقّاد ترامب هذه التغييرات بالقولِ إنها ليست طائشة فحسب ولكنّها بطريقة ما منافيّة لأميركا. لكنّ نهج ترامب يلقى استحسان العديد من الأميركيين اليوم ويتلاءم مع ميولهم فيما يخص دور الولايات المتّحدة في العالم. وإن استمرّت هذه الظروف، فإن أفضل السيناريوهات الممكنة للقيادةِ الأميركية سيتضمّن تبنّي واشنطن مزيدا من النسخة القوميّة من الليبراليّة الدوليّة، حيث يكون بوسع الولايات المتّحدة الحفاظ على حلفائها لكن مقابل دفع المزيدِ من المال لقاء الحماية. بإمكانها توقيع اتّفاقيّات تجاريّة، لكن فقط في حال تبنّت تلك الدول المعايير التنظيمية للولايات المتّحدة، بإمكانها المشاركة في المؤسسات الدوليّة لكن مع التلويح بتركها عندما تتصرّف ضد مصالح الولايات المتّحدة، وتعزيز الديمقراطيّة وحقوق الإنسان مع شلّ قدرات الخصوم على امتداد الجغرافيا السياسيّة.
بدلا من ذلك، قد تخرج الولايات المتحدة من نظام النظام العالمي تماما. بدلا من محاولة طمأنة الدول الأضعف من خلال دعم القواعد والمؤسسات الدولية، ستستخدم الولايات المتحدة كل أداة في ترسانتها الإكراهيّة -التعريفات الجمركيّة والعقوبات المالية وقيود التأشيرات والتجسس الإلكتروني وضربات الطائرات المسيَّرة- لانتزاع أفضل صفقة ممكنة من الحلفاء والخصوم بالدَّرجة نفسها. لن تكون هناك شراكات دائمة قائمة على القيم المشتركة، بل محض معاملات فحسب. سيحكم قادة الولايات المتحدة على الدول الأخرى ليس من خلال استعدادهم للمساعدة في حل المشكلات العالمية أو من منطلق ديمقراطيّتها أو استبداديتّها، ولكن فقط من خلال قدرتهم على خلق وظائف أميركية أو القضاء على التهديدات التي تحيق بالوطن الأميركي. وفقا لهذه المعايير، ستكونُ معظم البلدان غير مهمّة.
يمكن أن تتّجه التجارة الأميركية طردا إلى نصف الكرة الغربي وخاصة إلى أميركا الشمالية، التي تُمثِّل بالفعل ثلث التجارة الأميركية وثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في الوقت الذي تواجه فيه مناطق أخرى انتكاسات بسبب تشيّخ السكان وزيادة الأتمتة، فإن أميركا الشمالية هي المنطقة الوحيدة التي تحتوي على جميع المكونات اللازمة المستدامة للنمو الاقتصادي: سوق ضخمة ومتزايدة من المستهلكين الأثرياء، ووفرة من المواد الخام، ومزيج من المهارات العالية والعمالة منخفضة التكلفة والتكنولوجيا المتقدمة والعلاقات الدولية السلمية.
بخلافِ هذه الشراكات، ستكونُ جميع تحالفات واشنطن وعلاقاتها -بما في ذلك حلف الناتو وعلاقاته مع الحلفاء القدامى مثل كوريا الجنوبية- قابلة للتفاوض. لم تعد الولايات المتحدة تتودّد إلى الدول للمشاركة في تحالفات متعددة الأطراف. بدلا من ذلك، سيتعيّن على الدول الأخرى المساومة على ورقتين هُما حماية الولايات المتحدة والوصول إلى أسواقها. سوف يتعيّن على البلدان التي ليس لديها الكثير لتُقدِّمه أن تجد شركاء جددا أو تدافع عن نفسها بنفسها.
ماذا سيحدث للعالم إذا تبنّت الولايات المتحدة بالكامل هذا النوع من رؤية “أميركا أولا”؟ يرسم بعض المحللين صورا كارثية، فيتوقَّع روبرت كاجان عودة الاستبداد والحمائية والصراع في ثلاثينيات القرن الماضي، مع إعادةِ الصين وروسيا تأدية دور اليابان الإمبراطورية وألمانيا النازية، بينما يتوقّع بيتر زيهان صراعا عنيفا على الأمن والموارد، حيث تغزو روسيا جيرانها وينحدر شرق آسيا إلى حرب بحرية. قد تكون هذه التوقُّعات متطرفة، لكنها تعكس حقيقة أساسية: نظام ما بعد الحرب رغم أنه مَعيب وغير مكتمل من عدّة نواحٍ، فإنّه عزَّز أكثر فترات السلم والازدهار في تاريخ البشرية، وغيابه سيجعل العالم مكانا أخطر من ذي قبل.
بفضل النظام الذي ظلّت تقوده الولايات المتحدة لعقود من الزمان لم تكن معظم دول العالم مضطرة للقتال من أجل الوصول إلى الأسواق، أو حماية سلاسل الإمداد الخاصة بها، أو حتى الدفاع عن حدودها بجدية. لقد أبقت البحرية الأميركية الممرات المائية الدولية مفتوحة، وقدّمت السوقُ الأميركية عروضا قويّة للمستهلكين ورأس المال لعشرات البلدان، وغطّت الضمانات الأمنية الأميركية ما يقرب من 70 دولة. استفاد الجميع من مثل هذه التطمينات، ليس فقط حلفاء واشنطن وشركاؤها ولكن خصومها أيضا. كان للضمانات الأمنية الأميركية أن حيّدت ألمانيا واليابان، الخصمين الإقليميين الرئيسيين لروسيا والصين تواليا. في المقابل، يمكن لموسكو وبكين التركيز على إقامة علاقات مع بقية العالم بدلا من محاربة أعدائهم التاريخيين. بدون رعاية الولايات المتحدة وحمايتها، سوف يتعيّن على الدول أن تعود إلى مجال تأمين نفسها وشرايين حياتها الاقتصادية.
مع تنافس القوى العظمى على المجالات الاقتصادية، سوف تتآكل الحوكمة العالمية. من شأن الصراع الجيوسياسي أن يشلّ الأمم المتحدة كما كان الحال خلال الحرب الباردة. قد ينتهي الناتو بوصفه شريكا تُفضِّله الولايات المتحدة، وانهيار الغطاء الأمني الأميركي على أوروبا قد يعني نهاية الاتحاد الأوروبي أيضا الذي يُعاني بالفعل من انقسامات عميقة. قد تسقط معاهدات الحد من انتشار الأسلحة القليلة التي لا تزال سارية المفعول اليوم مع تسليح الدول للدفاع عن نفسها. الجهود المبذولة لمكافحة المشكلات العابرة للحدود -مثل تغير المناخ أو الأزمات المالية أو الأوبئة- قد تحاكي استجابة العالم المخزية لـ “كوفيد-19″، عندما قامت الدول بتخزين الإمدادات، ورفضت منظمة الصحة العالمية اتهامات التضليل الصيني، وانغلقت الولايات المتحدة على نفسها.
الاضطراب الناتج من شأنه أن يُعرِّض بقاء بعض الدول للخطر. منذ عام 1945، تضاعف عدد دول العالم ثلاث مرات من 46 إلى نحو 200. ومع ذلك، فإن معظم هذه الدول الجديدة ضعيفة وتفتقر إلى الطاقة أو الموارد أو الغذاء أو الأسواق المحلية أو التكنولوجيا المتقدمة أو القوة العسكرية أو حدود يمكن الدفاع عنها. وفقا لبحث أجراه العالم السياسي أرجون شودري، فإن ثلثي البلدان اليوم لا تستطيع توفير الخدمات الأساسية لشعوبها دون مساعدة دولية. باختصار، تعتمد معظم الدول اعتمادا حاسما على نظام ما بعد الحرب الذي قدَّم وصولا غير مسبوق تاريخيا إلى المساعدات الدولية والأسواق والشحن والحماية. بدون هذا الدعم، ستنهار بعض الدول وتتعرّض للاحتلال. الدول الهشّة التي تعتمد على المساعدات مثل أفغانستان وهايتي وليبيريا ليست إلا بعض الحالات الأكثر وضوحا عالية الخطورة. أما الدول الأقل وضوحا، فلديها الإمكانات، لكنها تعتمد على التجارة مثل المملكة العربية السعودية وسنغافورة وكوريا الجنوبية، التي ستُكافح أنظمتها الاقتصادية لتعمل في عالم من الأسواق المغلقة والممرات البحرية المعسكرة.
لا مفرّ من أيٍّ من هذه النتائج المُروّعة، وعلى المدى الطويل يمكن أن يجعل السكان المُسنّون والأتمتة العالمَ أكثر سلاما وازدهارا مما كان عليه في أي وقت مضى. في النهاية، تميل المجتمعات الأكبر سِنًّا إلى أن تكون أقل عدوانية من المجتمعات الأصغر سِنًّا، وعادة ما تُعزِّز الثورات التكنولوجية الإنتاجية وتُحرِّر العمال من الكدح.
لكن الطريق إلى مستقبل أقدم وأكثر آلية سيكون مضطربا. للحفاظ على النظام الليبرالي الحاليّ موحّدا، ستحتاج الولايات المتحدة إلى اعتناقِ وجهة نظر سخية فوقَ العادة إزاء مصالحها، وسوف تحتاج إلى كبح السعي وراء الثروة والسلطة القوميّة من أجل التطلع المشترك للنظام الدولي، وستحتاج أيضا إلى إعادة توزيع الثروة محليا للحفاظ على الدعم السياسي للقيادة الليبرالية في الخارج.
ومع دخول العالم فترة من الاضطراب الديموغرافي والتكنولوجي، سيصعُب أكثر فأكثر اتباع هذا المسار. نتيجة لذلك، قد يكون ثمة أمل قليل في أن تحمي الولاياتُ المتحدة شركاءها، أو أن تُرسل دوريات في الممرات البحرية، أو أن تُعزِّز الديمقراطية والتجارة الحرة وتطلبَ القليل في المقابل. لقد استأثر المزاج القومي بالولايات المتحدة، وفي المستقبل المنظور سيكونُ هو الشكل الذي ستأخذه الأمورُ القادمة. إنها ليست حالة شاذة تُنتجها إدارة ترامب، بل هو اتجاه متجذر بعمق يُهدِّد ولادة جديدة لنهج قديم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو النهج الذي ساد خلال أحلك العقود خلال القرن الماضي.
يَتمثَّل أفضل أمل للنظام العالمي الليبرالي في أن تجد الإدارات الأميركية المستقبلية طرقا لتوجيه الدوافع القومية المتنامية في اتجاهات دولية. قامت الولايات المتحدة من حين لآخر بحملات ليبرالية لأسباب أنانية، وعلى سبيل المثال، فقد حدث أن عارضت الاستعمار الأوروبي جزئيا لفتح أسواق للبضائع الأميركية، ورعت وحمت كتلة من الديمقراطيات الرأسمالية لسحق الشيوعية السوفيتية وإثبات هيمنتها العالمية. حصلت هذه الحملات على دعم عام لأنها ربطت المُثُل الليبرالية بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة، ويمكنُ لنهج مماثل أن يقومَ اليوم.
قد لا يرغب الأميركيون في القتال والموت للدفاع عن حلفاء بلادهم النائين، لكنهم يريدون منع القوى الاستبدادية، مثل الصين وروسيا، من اكتسابِ هيمنة إقليمية. لذلك يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل بعض قواعدها الأكثر ضعفا على أراضي الحلفاء بشبكات منتشرة من قاذفات الصواريخ والطائرات المسيَّرة، وبالتالي احتواء التوسُّع الصيني والروسي مع تقليل عدد الأرواح الأميركية على الخط. سوف يدافع الأميركيون أيضا عن حماية العمال والشركات الأميركية. رغم أن الرأي العام الأميركي يُعارِض الصفقات التجارية التي تُحفِّز الاستعانة بمصادر خارجية، فإن هناك دعما قويا للصفقات التي تخلق مجالا متكافئا للشركات الأميركية. لذلك يمكن للولايات المتحدة استخدام نفوذها الاقتصادي الهائل لإجبار الشركاء التجاريين على تبنّي المعايير الأميركية بشأن العمل والبيئة وحماية الملكية الفكرية. الأميركيون غير مُتحمّسين لتعزيز الديمقراطية في الخارج، ولكنهم على استعداد للدخول في شراكة مع الحلفاء للدفاع عن المؤسسات الأميركية من التدخُّل الأجنبي. وبالتالي، يمكن للولايات المتحدة تشكيل تحالف من الديمقراطيات لتنسيق العقوبات الجماعية ضد القوى الأجنبية التي تتدخّل في الانتخابات الديمقراطية. في نهاية المطاف، يمكن أن يُصبح التحالف كتلة ليبرالية تستثني البلدان التي لا تحترم التجارة المفتوحة وحرية التعبير والملاحة.
بالمقارنة مع قيادة نظام ليبرالي عالمي، قد تبدو هذه النسخة الأكثر قومية من مشاركة الولايات المتحدة بخيلة وغير مُلهمة، لكنها ستكون أكثر واقعية، وفي نهاية المطاف أكثر فعالية في الحفاظ على تماسك العالم الحر خلال فترة من التغيير الديموغرافي والتكنولوجيّ غير المسبوق.
——————————————————————————————-
هذه المقالة مترجمة عن Foreign Affairs