أخبار من أمريكا
ما حصل في الكونغرس هو تتويج لـ4 سنوات من الخطاب المتطرف.. كيف أدت الترامبية إلى حصار “الكابيتول هيل”؟
جاء اقتحام متظاهرين من أنصار ترامب لمبنى الكونغرس الأمريكي، الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني 2021، تتويجاً لفترة رئاسية شهدت زيادة مطردة في الترامبية والقومية البيضاء والشعوبية والعنف المناهض للديمقراطية، وتحريضاً مباشراً من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
تتطور الفوضى التي صنعتها الترامبية
في فبراير/شباط الماضي، أصدر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، تحذيراً مباشراً للكونغرس من أنَّ “المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية أصبحوا المصدر الرئيسي للتهديدات الإرهابية المحلية وجرائم القتل”. وقد تفاقمت مخاوفه مع مرور عام 2020 بسبب تزامن الوباء مع الأفعال الفجة لدونالد ترامب، الذي استغل القلق العام بشأن القوانين الخاصة بارتداء الأقنعة وعمليات الإغلاق الخاصة كورونا لإثارة “جنون” قاعدة مؤيديه، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
وصاح ترامب في أبريل/نيسان، “حرروا ميشيغان”، بعدما فرضت حاكمة الولاية، الديمقراطية غريتشين روبين، أوامر ببقاء المواطنين في منازلهم لمواجهة الارتفاع الحاد في معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
واستجاب أتباعه بإخلاص؛ إذ اقتحم مشاغبون يحملون شعار ترامب وبنادق نصف آلية واقتحموا مبنى الكونغرس في لانسينغ، عاصمة ولاية ميشيغان، في مشاهد تبدو الآن وكأنها كانت اختباراً مصغراً للفوضى التي اندلعت الأربعاء في واشنطن العاصمة.
ويبدو أن تمكين ترامب من تنظيم “عروض جماعية” للاحتجاج المسلح في شوارع المدن الأمريكية لم يكن غائباً عن ذهن الجماعات المتطرفة اليمينية المتطرفة التي حذر منها راي. فقد سارعت الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض، بما في ذلك Proud Boys، وThree Percenters، وPatriot Prayer، إلى تلبية الرسالة المناهضة للإغلاق التي أثارها الرئيس.
صعود التطرف والعنف اليميني الأمريكي
وعندما اندلعت احتجاجات “حياة السود مهمة” في جميع أنحاء الولايات المتحدة في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مايو/أيار، حوَّلت الجماعات المتطرفة انتباهها في هذا الاتجاه. تلا ذلك احتجاجات مضادة، بلغت ذروتها في بعض الحالات بإراقة الدماء.
وفي أغسطس/آب، قُتِل اثنان من المتظاهرين وأصيب ثالث على يد كايل ريتنهاوس، البالغ من العمر 17 عاماً، والذي رد على نداء للاقتصاص نُشِر على فيسبوك، وذهب إلى كينوشا بولاية ويسكونسن، وهو يحمل بندقية من طراز “إيه آر-15”. ولم يمضِ كثيرٌ من الوقت حتى أصبح المراهق، المتهم بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى، نجماً في وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة، بينما لم يستطع ترامب حمل نفسه على إدانة عمليات القتل.
واستمر هذا النمط من الترامبية والتغاضي الضمني عن صعود التطرف والعنف اليميني بسهولة حتى موسم انتخابات 2020. واستئنافاً لما قاله ترامب في عام 2017 من أنَّ هناك “أشخاصاً طيبين للغاية على كلا الجانبين” عن مسيرة شارلوتسفيل التي نظمها القوميون البيض، والتي انتهت بمقتل شخص واحد وإصابة 19 آخرين، لم تصدر عن الرئيس الأمريكي أية إدانة للمنظمة الفاشية الجديدة Proud Boys، خلال مناظرته الرئاسية مع جو بايدن في سبتمبر/أيلول.
وهذا الامتناع عن الإدانة له صدى مخيف الآن في أعقاب مشاهد الفوضى التي وقعت في الكونغرس.
وإذا كان هناك أي شك في أي وقت مضى حول خطر تحريض ترامب المستمر للعناصر المتطرفة بين قاعدته المؤيدة، فقد أُحبِط هذا الشك في أكتوبر/تشرين الأول عندما اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي 13 شخصاً وأدان 6 بزعم التخطيط لاختطاف غريتشين ويتمر. إذ أصبحت حاكمة ولاية ميشيغان هدفاً مفضلاً لشتائم ترامب، بدءاً من تغريدته المتعلقة بتحرير ميشيغان، وتزايد التهديد من هناك.
تتويج الترامبية بأحداث اقتحام الكونغرس
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية تحوَّل تركيز خطاب الرئيس التحريضي من القضايا المتعلقة بالوباء إلى ادعائه الذي لا أساس له بأنَّ فترة ولايته الثانية في البيت الأبيض قد سُرِقَت منه. وحتى قبل يوم الانتخابات، أشار إلى أنه قد لا يقبل نتائج الفرز، وهو الموقف الذي ظل متشبثاً به حتى أثناء محاولة مثيري الشغب المسلحين اقتحام غرفة مجلس النواب يوم الأربعاء، 6 يناير/كانون الثاني.
وفي عرض للدعوة والرد، صار مألوفاً الآن، استجاب مؤيدو ترامب والجماعات المتعصبة من تيار اليمين المتطرف لهجمات الرئيس التي تزداد حدة على مسؤولي الانتخابات في الولايات المتأرجحة الرئيسية. واندلعت احتجاجات مسلحة خلال فرز نتائج الانتخابات الرئاسية في ولايتي أريزونا وميشيغان.
وتحملت جورجيا الجزء الأكبر من وطأة إعصار الغضب الذي أطلقه ترامب بشأن ما زعم، دون دليل، أنها كانت انتخابات مزورة. وأصبحت التهديدات بالقتل منتشرة في كل مكان ضد مسؤولي الانتخابات في الولاية -حتى الجمهوريون منهم- لدرجة أنها أجبرتهم على مناشدة الرئيس لتهدئة أتباعه.
وقال غابرييل ستيرلنغ، مسؤول الانتخابات الجمهوري من جورجيا في تصريحات سرعان ما انتشرت على نطاق واسع: “سيدي الرئيس، يجب أن يتوقف هذا. توقفوا عن حث الناس على ارتكاب أعمال عنف محتملة. هذا سينتهي بإطلاق النار، ومقتل أحدهم، هذا ليس صحيحاً”.
لكن هذا لم يردع ترامب، وبالفعل، قتل 4 أشخاص، الأربعاء، داخل حرم الديمقراطية الأمريكية المُحاصَر.
هل تتعافى أمريكا من الترامبية بعد رحيل ترامب؟
كان انتخاب ترامب رئيساً قبل أربع سنوات قد مثل شرخاً أكثر عمقاً في الانقسام المجتمعي الذي كان موجوداً بالفعل، لكنه لم يكن بمثل هذا الوضوح والخطورة كما هو الآن.
وصحيح أن العنصرية والظلم وعدم المساواة كلها أمور لم يأتِ بها ترامب إلى أمريكا، لكن المؤكد أنه وظّف تلك العنصرية وامتطاها كحصان طروادة ليصل إلى البيت الأبيض، والمؤكد أيضاً أنه سعى -وما زال- لتعميق ذلك الانقسام من خلال إصراره على خطابه العنصري والشعبوي.
وفي النهاية، من الواضح أن بايدن سيكون أمام مهمة صعبة لمعالجة الانقسام الحاد بين الأمريكيين، إذ يجب ألا ننسى أن ما يقارب نصف الأمريكيين انتخبوا ترامب، وبالتالي، وحتى بعد رحيله، ستظل أمريكا تواجه تلك الأزمات الداخلية والانقسامات ما لم تعالج بجدية الترامبية وجماعات اليمين المتطرف من الجذور، وكذلك التقسيم العرقي العميق بين مواطنيها الذي لا يزال يمثل أعمق أزماتها الداخلية.