مركز الدراسات
القصة الكاملة لسد النهضة الذي يهدد بإشعال الحرب بين مصر وإثيوبيا
في سيناريو مُكرَّر ومُتوقَّع، انهارت الجولة الأخيرة من المحادثات حول سد النهضة في العاصمة الكونغولية كينشاسا، لتُصدِر مصر بيانا رسميا جديدا يُلقي باللوم على تعنُّت إثيوبيا ورفضها لجميع المقترحات المطروحة على طاولة التفاوض، وإصرارها على المُضي قُدما في خطط الملء الثاني للسد دون مبالاة باعتراضات القاهرة والخرطوم، في الوقت الذي صعَّد فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من نبرة خطابه في هذا الملف مُنتقِدا “سياسة الأمر الواقع” الإثيوبية، ومُؤكِّدا أن جميع الخيارات مفتوحة حال المساس بحقوق مصر المائية.
يُدرك المتابع لأزمة سد النهضة بين كلٍّ من السودان ومصر وإثيوبيا أنها ليست وليدةَ السنوات القليلة الماضية، لكنّ أحدا لم يكن يدري على وجه الدقة متى زُرعت بذور هذه الأزمة لتخوض الدول الثلاثة في خضم معاركها السياسية الآن، باستثناء “أسياس أفورقي” الرئيس الإريتري الذي حضر جلسة المؤتمر السنوي لقمة “منظمة الوحدة الأفريقية” التي عُقدت بالقاهرة عام 1993، ومنها وإليها نَسب المرحلة الأولى من الصراع في لقاء أجراه (1) مع التليفزيون الإريتري في يناير/كانون الثاني من عام 2016.
كانت القمة المعقودة في القاهرة أواخر يونيو/حزيران برئاسة مصرية وبحضور قادة القارة السمراء وبينهم “ميليس زيناوي”، زعيم “الجبهة الشعبية الديمقراطية الإثيوبية” ورجلها القوي حينها، قد شهدت وفقا لأفورقي حوارا حادا بين زيناوي وعمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية في ذلك الوقت، حاول فيه الأول طرح خططه لتنمية إثيوبيا الخارجةِ بالكاد مما يقارب ربع قرن من حروب أهلية ومجاعات أودت بحياة أكثر من مليون شخص، وبما يشمل خططا للتنمية في مجالات الطاقة والمياه على نهر النيل، لينتهي طرحه بسؤال حاد ومفاجئ من سليمان: مَن تظن نفسك؟
لم يُجِب زيناوي مباشرة، وإن كان قد أجاب إجابة خاصة لراوي الحكاية أفورقي قائلا إنه سوف “يُري العرب” مَن يكون، وعمليا ستنطلق، بعد عام من تلك الواقعة، مجموعةٌ واسعةٌ (2) من مشروعات تنمية موارد المياه والطاقة بإثيوبيا بدأت بمحطات طاقة صغيرة وانتهت بمشروع السد العظيم، وبما سيجعل أفورقي يُصرِّح بأن سد النهضة ما هو إلا مشروع “عاطفي” و”سياسي” أكثر منه تنموي يهدف للنهوض باحتياجات الإثيوبيين.
على الرغم من هذا فإن الخلاف حول نهر النيل لم يكن وليد هذه الحادثة وحدها، بل إنه يرجع لعهد أطول منها بقرن تقريبا من الزمن، وإبان الاستعمار الأوروبي للقارة الذي ترى إثيوبيا أنه سلب دول المنبع حقها في المياه لصالح دولتَيْ المصب، مصر والسودان “التي كانت بدورها جزءا من مصر”، وكان الاستعمار البريطاني محتلا ونائبا عن كلتيهما في الهيمنة على مياه النيل لخدمة مصالحه في القارة.
كانت الهيمنة التاريخية (3) لدولتَيْ المصب على الحصة الكبرى من مياه النهر، وكما تراها أديس أبابا، تنبع بالأساس من قوة بريطانيا العظمى، حيث كانت مصر وقتها تحظى بأهمية إستراتيجية لإنجلترا دفعت الأخيرة للضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاقية عام 1902 التي تنص بنودها على عدم قيام إثيوبيا بأي مشاريع على النهر قد تُؤثِّر على حصة مصر من المياه، والبالغة حينها (84 كم³)، أي ما يعادل المياه المتدفقة كافة في نهر النيل.
تُشكِّل هذه الاتفاقية واحدة من اتفاقيتين لا تعترف بهما أديس أبابا في شأن المياه، وبينما تزعم إثيوبيا بأنها لم تُوقِّع اتفاقية 1902، وإن أُلزمت ببنودها بعد ذلك التاريخ بوقت طويل، فإن الاتفاقية الأخرى التي لا تعترف بها كذلك تخص كلًّا من مصر والسودان فقط، وعنهما حكومة الاحتلال البريطاني التي وقَّعت عام 1929 اتفاقا ألزم الخرطوم بالحفاظ على التدفُّق المنتظم للمياه عبرها إلى مصر، وإن خصَّصت الاتفاقية الجديدة لمصر حصة سنوية من المياه بلغت (48 كم³) وجعلت للسودان (4 كم³) بينما تُرك (32 كم³) أخرى غير مُخصَّصة.
لم تُواجِه مصر بعد ذلك مشكلة تتعلَّق بالمياه إلا حين استقلَّت السودان عن بريطانيا -ومصر بالتبعية- عام 1956، لتبدأ الخرطوم مرحلة التمرُّد على الهيمنة المصرية، ليس فقط بشأن حصتها من المياه، ولكن كذلك فيما يخص قدرة القاهرة على إقامة مشاريع تنموية خاصة بالمياه كإقامة سد أسوان على النيل (الذي بدأ عمله فعليا عام 1902)، ثم مضاعفةِ سعة خزانه مرة بعد أخرى عامَيْ 1908 و1933، دون أن تستطيع الخرطوم إقامة سد مماثل أو أقل سعة لتوليد الكهرباء داخل حدودها.
انتهى الأمر بالقاهرة عام 1959 لتعديل الاتفاقية السابقة مع الخرطوم بشكل أعاد توزيع حصص المياه السنوية بينهما، لتحصل الأولى على (55.5 كم³)، والثانية على (18.5 كم³)، وتُركت (10 كم³) المتبقية لاحتمالات تبخُّر المياه أو تسرُّبها من خزان السد أو غير ذلك من العوامل، لكن بإرضائها السودان كانت مصر تفتح على نفسها بابا لن يُغلق من مطالبة كل دول حوض النيل المُتبقية بحصة خاصة من مياه النهر، وإن كان استمرار الاستعمار والفقر الشديد لغالبية دول الجنوب الأفريقي حينها لا يزال حائلا دون إعلان هذه المطالب.
لم يخفَ أمر الصراع الناشئ حول المياه في الشرق الأفريقي على الدول الأوروبية المنسحبة حديثا، التي كانت لا تزال حاضرة بصور أخرى لرعاية مصالحها، لذا فقد كان التدخُّل السريع تحت مظلة الرعاية الدولية مُمثَّلة في الأمم المتحدة شيئا لا بد منه لحسم الصراع في مهده، لتبدأ منتصف الستينيات مرحلة ستستمر لأكثر من ثلاثين عاما من التعاون الدبلوماسي بشأن المياه، دون أن تشارك إثيوبيا في رُبع القرن الأول منها على أقل تقدير.
انطلقت المرحلة الأولى من تعاونات النيل المائية (4) الأفريقية تحت اسم “Hydromet Project” أو مشروع هيدروميت (اختصارا لـ “Hydrology” و”Meteorology” أو عِلمَيْ المياه والطقس)، ويهدف إلى تحسين خدمات الطقس والمياه في أفريقيا من خلال تعاون المؤسسات المسؤولة في المجال، وفي حين أن كلًّا من مصر والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا قد شاركت في أعمال المشروع بداية، قبل أن تنضمَّ إليهم لاحقا دولَتَا رواندا وبروندي، فإن 25 عاما من عُمر المشروع في الفترة ما بين (1967-1992) قد فشلت في تحقيق أهدافها بسبب امتناع إثيوبيا عن المشاركة، وبما حدَّ من قدرة المسؤولين والمشاركين في المشروع على العمل في نطاق “بحيرة تانا” الإثيوبية التي يتدفَّق (5) منها سنويا ما يعادل 80% من مياه نهر النيل، وفيما تأتي بقية المياه (20%) من “بحيرة فيكتوريا” في أوغندا وتنزانيا، فإن دراسة المياه والطقس الخاص بالأخيرة لن يُشكِّل فارقا كبيرا.
تزامنت نهاية المشروع في 1992 مع بداية لمشروع آخر مختص بالمياه شاركت فيه دول الحوض العشرة كاملة هذه المرة، تحت عنوان ‘اللجنة الفنية لتعزيز التنمية وحماية البيئة لحوض النيل” أو (TECCONILE) اختصارا، وفي حين لم تُشكِّل أعمال المشروع الجديد فارقا يُذكَر في تنمية المشاركة أو التعاون بين دول الحوض، فقد شكَّل عام 1993 نقطة فاصلة لكلٍّ من مصر وإثيوبيا، خاصة فيما يتعلَّق باتفاقيات المياه، عندما قرَّر الرئيس المصري (6) مبارك حينها توقيع اتفاقية ثنائية مع زيناوي يمكن في إطارها تحقيق تعاون مُثمر بين الدولتين في هذا الشأن، وفي إطار من مراعاة حقوق المياه والالتزام بالقوانين الدولية دون ضرر أو إضرار لكلتيهما.
لم تصمد هذه الوثيقة لفترة طويلة أمام التصلُّب المصري في رفضِ أيِّ مشاريعَ تنمويةٍ قد تُقام على النهر، وهو ما ظهر جليا في حادثة سليمان-زيناوي سابقة الذكر، لكنّ الأمور قد تعقَّدت أكثر بعد حادثة محاولة الاغتيال الشهيرة للرئيس المصري مبارك في أديس أبابا عام 1995، التي قطعت بسببها القاهرة علاقاتها الدبلوماسية كافة مع أديس أبابا، تاركة للأخيرة مجالا مفتوحا لتنفيذ مشروعاتها على النهر وسواه دون التفكير مرتين في العودة إلى القاهرة أو انتظار مباركتها.
شهد العام السابق لمحاولة الاغتيال إصدار أديس أبابا “السياسة القومية للطاقة” الأولى الخاصة بها مُتضمِّنة مجموعة واسعة من خطط بناء السدود ومشاريع الطاقة على أنهارها المختلفة، وفي حين أن المشاريع التي عملت على تنفيذها بالفعل في تلك الفترة كانت محدودة وصغيرة نسبيا، فإنها استغلَّت الخصومة مع مصر عام 1995 لتبدأ من فورها عمليات تحديث شاملة لمسوحات وأبحاث المياه والطاقة، ولتُطلقَ العِنانَ لسياستها القومية كي تتجاوز كونها حبرا على ورق، مانحة الضوء الأخضر لبناء سلسلة من مشاريع الطاقة المستهدفة على أنهارها، في وقت ستبدأ فيه حملة أخرى، دبلوماسية هذه المرة، متزعمة دول منبع حوض النيل لرفض الاعتراف وإعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات كافة الخاصة بتوزيع مياه النهر.
كانت حجة إثيوبيا في معارضة هذه الاتفاقيات أنها وُضِعت في فترة الاستعمار، وبما لم يَمْنَحْ دُوَلَ المنبعِ الحقَّ في توزيع عادل للمياه، فضلا عن إقامة المشاريع الخاصة بها على النهر، في وقت يُسمح فيه لدول المصب القيامُ بما تريده من مشاريع تنموية دون العودة لدول المنبع، وساعدها في التأسيس لحُجتها في تلك الفترة توجُّه مصر عام 1997 للقيام بمشروع “الوادي الجديد” الضخم، ودون إخطار دول المنبع، في وقت لم تتوقَّف فيه الشائعات عن خطط مصرية مُحتمَلة لتحويل مجرى مياه النيل إلى سيناء بهدف بيعها لإسرائيل.
لم تحتج إثيوبيا بعد ذلك إلى كثير من الجهد لتجذب إليها دول المنبع الثمانية في مواجهة دولتَيْ المصب لإعادة التفاوض على اتفاقيات جديدة تخص حصص المياه ومشاريع التنمية على النهر، وبينما كانت القاهرة لا تزال تُصِرُّ على قطيعتها مع أديس أبابا، فقد كان التفاف باقي دول الحوض حول الأخيرة، ورعاية البنك الدولي بمباركة القوى العظمى للمناقشات حول المياه، مُحفِّزا للوصول إلى اتفاقية وقَّعتها (7) عام 1999 تسع من أصل عشر حينها من دول الحوض تحت عنوان “مبادرة حوض النيل“، التي اضطرت مصر للانضمام إليها بضغط من المجتمع الدولي، بعد رفض مبدئي.
كان الإطار العام للمبادرة يدور حول خلق مؤسسة تُنظَّم من خلالها الرؤية والمشاركة والتعاون حول مياه النيل، وباعتبارها “أول اتفاق مؤسس” لحق عادل في المياه ومشاريع التنمية على النهر لدول الحوض كافة، فقد وضعت هذه الاتفاقية نهر النيل على الخارطة بوصفه مصدرا للسلام المائي، بدلا من كونه مصدرا للحروب في أدبيات المياه العالمية.
على الرغم من هذا؛ فإن الاجتماعات الدورية لوزراء مياه الدول التسعة لم تتجاوز كونها مساحة للاختلاف حول توزيع الحصص ومدى أحقية كلِّ دولة في إقامة مشاريعها الخاصة على النهر دون الالتفات لأثر التوزيع أو المشاريع على الدول الأخرى، الأمر الذي كان كفيلا بإنهاء المبادرة بعد أقل من عقد على تدشينها، وحتى بعد أن حلَّت اتفاقية أخرى محلها عام 2010، فإن الأخيرة كذلك لم تُفلح في إصلاح ما فسد بين دول النيل، لتبدأ كلُّ واحدةٍ منها باتخاذ طريقها الخاص للحصول على نصيبها من المياه فرديا، وعلى رأسها كانت إثيوبيا.
استطاعت أديس أبابا في تلك الأثناء، فرديا، تطوير خطتها الشاملة للتنمية الخاصة بالمياه والطاقة، والهادفة في المقام الأول إلى تحويل نفسها إلى أحد أكبر مُصدِّري الطاقة في القارة، وبحلول عام 2010 وانهيار المحادثات حول اتفاق يخص المياه، وجدت الفرصة سانحة للإعلان عن تدشين مشروعها القومي الأكبر منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1991، الذي يهدف لتحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء أكبر سد لتوليد الطاقة في أفريقيا على النيل الأزرق، وهو المشروع الذي سيعرفه العالم الآن باسم “سد الألفية العظيم” أو “سد النهضة”.
يحظى النيل بنصيب الأسد من اهتمامات السياسة الخارجية المصرية منذ نشأة الجمهورية خاصة، وبما جعل “إعلانَ الحرب” هو الردَّ الرسمي المصري الوحيد في كثير من الأحيان على أية محاولة من الجنوب الأفريقي للعمل على النهر بمشاريع قد تُهدِّد حصة مصر من المياه، ومنذ عهد جمال عبد الناصر ووصولا للسيسي، فإن حجة مصر في ذلك هي استئثار دول المنبع بنصيب الأسد من الأمطار المنهمرة التي تُشكِّل لهم المصدر الرئيس للمياه والزراعة، بينما تعتمد مصر في أكثرَ من 85% من احتياجاتها إلى المياه وتوليد الطاقة على النيل فقط.
جعل هذا من استخدام ورقة الحرب، إلى جانب الضغط الغربي المرافق لكونِها ذاتَ أهمية إستراتيجية بالشمال الأفريقي، وسيلةَ القاهرة لربح معركة المياه لعقود، وإن لم ينفعها هذا مع خروج الاستعمار نهائيا من القارة السمراء مطلع التسعينيات ورغبة الدول -المستعمِرة سابقا- في رعاية مصالحها التي لا تزال قائمة هناك، وبهذا بدأت العُملة الصعبة للاستثمارات الغربية الضخمة تتدفَّق على دول حوض النيل، وإثيوبيا من بينها، وتمنحها هي الأخرى ثقلا موازيا بعض الشيء لمصر.
منحت أموال الاستثمارات الأجنبية فرصة لأديس أبابا كي تستعيد عملها النشط في بناء السدود الصغيرة والمتوسطة ومحطات الطاقة، وبحلول عام 2005 استبدلت (8) إثيوبيا سياستها القومية للطاقة (1994) بخطة الـ “25 عاما” أو خطة التنمية الشاملة التي ستُحَدَّث كل خمس سنوات بعد ذلك بهدف تحويل إثيوبيا من دولة فقيرة إلى أخرى متوسطة الدخل ورائدة في مجال تصدير الطاقة بأفريقيا، ومن خلال بناء شبكة واسعة من محطات توليد الطاقة والسدود الكبيرة والضخمة على أنهارها المختلفة، وبما يشمل النيل الأزرق.
كانت مشاريع (Gilgel Gibe 1, 2, 3) التي بدأت عملها في 2004 هي الخطوة الأولى على طريق تنفيذ السياسات الجديدة للطاقة، فقد دخلت السدود الثلاثة ضمن أهم مشاريع إثيوبيا الجديدة لتوليد الطاقة حينها؛ بسعة (184 ميغا وات) للأول و(428 ميغا وات) و(1870 ميغا وات) للثاني والثالث على التوالي، وإن استمدت هذه المشاريع أهمية خاصة أخرى أتت من كونها انطلقت بتمويل دولي مُتعدِّد ما بين البنك الدولي وكلٍّ من الحكومتين الإيطالية والصينية، وبنك الاستثمار الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي، وبالتعاقد مع شركة البناء الإيطالية “ساليني امبرجيلو” التي تعمل واسعا في عدة مشاريع أفريقية خاصة بالطاقة.
تشرح تلك المشاريع الحالة العامة وقتها من التدافع الدولي للمشاركة في مشاريع النهضة الأفريقية عامة والإثيوبية خاصة من ناحية، ومن ناحية أخرى تُوضِّح مدى سعي أديس أبابا للوصول بسرعة فائقة للهدف من خطة التنمية الإثيوبية الشاملة؛ ألا وهو التحوُّل بإنتاج الطاقة في إثيوبيا من سعة (473 ميغا وات) في 2005 إلى (981 ميغا وات) في 2012، وبتوقُّع أن تصل هذه القيمة إلى أكثر من ألفَيْ ميغا وات بحلول عام 2025 وفقا للخطة الأصلية التي كانت قد أعدَّتها شركة كندية خاصة للحكومة الإثيوبية، وإن ارتأت الأخيرة تعديلها ذاتيا ومضاعفة سعة الإنتاج المطلوبة بحلول عام 2010 لتتجاوز ثلاثة آلاف ميغا وات، في خطة جديدة اعتبرها البنك الدولي حينها “غير واقعية” و”غير مسؤولة”، نظرا لكونها تتجاوز بكثير احتياجات إثيوبيا من الطاقة، ولا تلتفت لموازنة خطتها مع قدرتها الاقتصادية والمالية، ولا مع بنيتها التحتية غير القادرة على استيعاب مثل هذه المشاريع الكبيرة.
لم تنتظر أديس أبابا موافقة أو مباركة أحد بأي حال على متابعة العمل في خطتها الطموحة، بل إنها تجاوزت ذلك في 2006 لتبدأ سريا العمل على ما يسمى بـ “المشروع إكس” (Project X) (9) الذي تضمَّن تحديث المسوح كافة الخاصة بمواقع الطاقة في إثيوبيا، وبما يشمل دراسة كان قد أعدَّها “مكتب الاستصلاح الأميركي” منتصف الستينيات لتحديد أفضل المواقع المُمكنة لبناء سدود كبيرة على أنهار إثيوبيا، وحدَّد حينها أربعة مواقع مثالية مُحتمَلة يقع أحدها على النيل الأزرق.
لم يكن “المشروع إكس” المزعوم الذي استنفرت له أديس أبابا قوَّتها منذ اليوم الأول ووصولا لإعلان بداية العمل عليه في 2010 سوى خطتها القادمة لبناء “سد الألفية” على النيل، باعتباره المشروعَ القادمَ من حقبة الحرب الباردة لإعادة إثيوبيا إلى مكانتها القديمة بوصفها قوة إقليمية مؤثرة أفريقيًّا وعالميًّا من خلال خطة غير مُتقنة للوصول بإنتاج الطاقة الخاصة بها إلى ما يقارب ستة آلاف ميغا وات بحلول عام 2018 كما كان مُتوقَّعا حينها، وبما يكفي لتصدير الكم الكبير من الطاقة الفائضة والحصول على العُملة الصعبة اللازمة لإعادة بناء إثيوبيا الجديدة.
بدأت إثيوبيا إذن الترويج للمشروع باعتباره مَعْبَرَها القادمَ تجاه التطوُّر والتقدُّم المستحقَيْن للشعب الإثيوبي، ولم يكن مُتوقَّعا بحال أن تمر الأمور بسلام دون مقاومة قادمة من الشمال الأفريقي للحفاظ على شريان الحياة الوحيد للقاهرة والخرطوم، ولتبدأَ من حينِها احتماليةٌ قائمةٌ للآن باندلاع حرب غير مسبوقة على المياه في حوض النيل.
استبقت إثيوبيا إعلان بناء السد في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2010 بتوقيع “اتفاقية الإطار التعاوني” (10) في الرابع عشر من مايو/أيار من العام نفسه بمدينة عنتيبي-أوغندا مع ثلاث من دول المنبع هي أوغندا وتنزانيا ورواندا، قبل أن تنضم إليهم بعد ذلك كينيا وبوروندي، وإن بدت في ظاهرها تعديلا جديدا للصورة القديمة من مبادرة 1999، فإن الاتفاق الجديد لم يكن سوى إقرار من دول المنبع بوقف العمل بالاتفاقيات كافة (الموقَّعة في ظل الاستعمار) والخاصة بالمياه والنهر واتخاذ الوثيقة الجديدة أساسا للتعاملات المائية القادمة.
رفضت كلٌّ من مصر والسودان الإطار التعاوني الجديد، كما رفضت كلتاهما إعلان السد على الرغم من طمأنة إثيوبيا بأن الهدف الوحيد من إنشائه هو توليد الطاقة وليس تخزين المياه أو الري، وتدخَّلت ثورات الربيع العربي المُندلِعة مطلع 2011 لمنع الأطراف كافة من اتخاذ خطوة فعلية تجاه التفاوض أو غيره، فيما استغلَّت إثيوبيا فرصة انشغال مصر لتُطلِق أعمال المشروع فعليا في الثاني من إبريل/نيسان 2011، واضعةً دولتَيْ المصب أمام الأمر الواقع، لتجد مصر نفسها في مايو/أيار، وبعد أن أُطيح بحكم مبارك وتولَّت حكومة انتقالية تسيير الأعمال في البلاد برئاسة عصام شرف، ساعيةً لإقامة حوار مع إثيوبيا، حوار انطلق في الشهر ذاته وأصبح الأول في جولات مكوكية (11) لن تتوقف لسنوات تالية بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم.
اتُّفِق مبدئيا على تشكيل “لجنة الخبراء” في سبتمبر/أيلول 2011 (2 من كل دولة و4 دوليين من خارج دول حوض النيل) ليكون أول انفراجة في المحادثات التي خيَّم عليها سابقا الخلافُ والتحيُّزُ بين الدول الثلاث، وإن لم يمنع هذا استمرار عمليات البناء على قدم وساق رغم مطالبات القاهرة-الخرطوم بوقفها حتى صدور تقرير الخبراء، وحتى يتسنى للمناقشات أن تتم في إطار من المعرفة بآثار السد المُحتمَلة على كلتيهما، مطالبات تجاهلتها أديس أبابا قبل أن تستبق الاجتماع النهائي للجنة الخبراء (12) الخاص بإصدار التقرير الختامي للجنة المُقرر في الحادي والثلاثين من الشهر ذاته، لتقوم في السادس والعشرين من مايو/أيار 2013 بإجراء تحويل في مجرى مياه النيل الأزرق بهدف استكمال أعمال بناء أساسات السد.
دخلت مصر بعد ذلك مرحلة حرجة من المفاوضات، نتجت عن الخلافات الداخلية التي حدثت بعد تولّي الرئيس الراحل محمد مرسي للسلطة في يونيو/حزيران 2013 والصراع السياسي الذي نشأ حينها بين حكومة الإخوان والدولة العميقة وعنه خرج تسريبان؛ أولهما كان لاجتماع حكومة مرسي مع بعض من قادة المعارضة لمناقشة سد النهضة، وهو الاجتماع الشهير الذي بُثَّ على الهواء باقتراحات بعض الحاضرين بعمل عسكري مصري ضد السد وإثيوبيا، أما الآخر فكان تسريبَ ويكيليكس لإحدى مراسلات البريد الإلكتروني لمسؤولين مصريين يتحدَّث عن طلب القاهرة من الخرطوم السماح للقوات المصرية الخاصة ببناء قاعدة عسكرية على حدود الأخيرة مع أديس أبابا، وموافقة الخرطوم؛ على أن تكون هذه القاعدة التي قد تنطلق منها القوات المصرية لضرب السد إذا ما وصلت المفاوضات لطريق مسدود.
بعد ذلك، كان إعلان الخرطوم في الرابع من ديسمبر/كانون الأول لعام 2013 على لسان الرئيس حينها “عمر البشير” دعمها لسد النهضة ضربة قاصمة للمساعي المصرية، وفي وقت لم تصل فيه الاجتماعات المستمرة لوزراء المياه والري للدول الثلاثة (التي بدأت في الخرطوم في نوفمبر/تشرين الثاني 2013) لاتفاق ما، فإن قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في يونيو/حزيران 2014 بمدينة مالابو-غينيا الاستوائية قد شهدت أول انفراجة ممكنة للمفاوضات نتجت عن اللقاء المباشر الأول، ودون وسيط، للرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي “هايلي مريام ديسالين” الذي تولّى الحكم بالإنابة عام 2012 بعد وفاة ميليس زيناوي المفاجئة.
شهدت المفاوضات بعد ذلك حالة من التسوية المتبادلة بين مصر وإثيوبيا خاصة؛ ففي حين تنازلت الأولى عن طلبها المستمر بوقف أعمال البناء حتى الوصول إلى اتفاق ما، وافقت الثانية في المقابل على استكمال الدراسات الخاصة بالتأثيرات المُحتمَلة للسد على دولتَيْ المصب من قِبَل خبراء دوليين وبإشراف إثيوبي، وهي التوصية التي كان قد اقترحها من قبل تقرير “لجنة الخبراء” الذي اعترف وقتها بالتأثير السلبي للسد على الدولتَيْن، وإن ظلَّ التقرير ذاته سرًّا حتى سُرِّب للصحافة في 2014.
استمر ذلك الانفتاح في التفاوض وصولا للاجتماع الذي تم في الخرطوم ما بين 3-5 مارس/آذار 2015 بحضور وزراء كلٍّ من المياه والري والشؤون الخارجية للدول الثلاثة الذين أعلنوا للمرة الأولى منذ بدء التفاوض في 2011 التوصُّل إلى اتفاق حول السد يُراجَع من قِبَل رؤساء الدول ورؤساء الوزراء، وهو الاتفاق الذي وُقِّع بالفعل في الثامن والعشرين من الشهر نفسه تحت عنوان “اتفاق إعلان المبادئ” (13)، واعتُبر أول اعتراف مصري بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة على نهر النيل، تلاه اعترافٌ آخرُ في التاسع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه بتوقيع الدول الثلاثة لـ “وثيقة الخرطوم” (14) التي أكَّدت إعلان المبادئ ووضعت الخطوط العريضة لاستكمال الدراسات بشأن السد.
رسمت الاتفاقيتان السابقتان علامات استفهام عدة حول الطريقة التي تتعامل بها القاهرة مع ملف المياه كاملا، فالتوقيع عليهما مَثَّل اعترافا بحق أديس أبابا في إقامة سد قد يعوق وصول المياه إلى مصر دون حصول الأخيرة على التأكيدات الرسمية اللازمة لحقوقها المائية، لكن ذلك لم يكن المأخذ الوحيد على القاهرة في هذا الشأن، فقد كانت سنوات القطيعة ما بينها وأديس أبابا (1995-2011) قد وضعت حاجزا أمام قدرة البلدين على التعاون في الشأن الأمني والمخابراتي خاصة، وهو تعاون كان ضروريا طوال فترة المفاوضات، إذ أصبحت اجتماعات وزراء المياه والري الثلاثية مصحوبة -إلى جانب حضور وزراء الخارجية- بحضور مسؤولين من أجهزة مخابرات الدول الثلاثة.
بالتزامن مع ذلك، بدأت إثيوبيا تفرض جدارا مُتعمَّدا من السرية حول أعمال السد؛ بداية من سرية الدراسات الخاصة به وخطط بنائه، ومرورا بمنع الخبراء الدوليين والصحافيين من الوصول إلى السد، وليس انتهاء بإعلان المنطقة المحيطة به منطقة حظر طيران وإقامةِ قاعدة جوية للجيش بالقرب منه لحمايته من أية هجمات عدائية مُحتمَلة، سواء من الفرقاء المحليين أو الدوليين، وهي جهود أثبتت كفاءتها نسبيا عندما أوقفت الهجوم المُسلَّح (15) على السد في الأول من مارس/آذار 2017 من قِبَل مجموعة معارضة تابعة لحركة 7 مايو (أو قنبوت سبات)، وإن لم يخفَ على أحدٍ كونُ هذه الحماية العالية للسد هي نتيجة طبيعية لكون شركة المعادن والهندسة الإثيوبية التابعة للجيش “ميتيك” (METEC) هي واحدة من شركتين فقط مسؤولتين عن أعمال المشروع، بينما الثانية لم تكن سوى الشركة الإيطالية “ساليني امبرجيلو”.
أثارت تلك الثنائية شكوكا عدة محلية ودولية، خاصة بعد وفاة ميليس زيناوي في 2012 وعودة الاضطرابات إلى الشارع الإثيوبي مصحوبة بالتحقيقات بقضايا سوء الإدارة والفساد الحكومي، وبما شمل حينها “قطاع الأمن” المسؤول شبه كليا عن عمليات بناء السد، وتحديدا شركةَ “ميتيك” التي باتت في قلب هذه القضايا، وإن لم تتخذ خطوة تجاهها إلا بوصول رئيس الوزراء “آبي أحمد” للحكم في إبريل/نيسان 2018 وقيامه بمجموعة ضخمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية شملت الإطاحة بشركة “ميتيك” من أعمال السد وتوجيه تُهَمِ الفساد لـ 63 فردا من مسؤوليها.
لم تكن “ميتيك” الوحيدة هي موضع الشكوك في قضايا الفساد، فقد كانت “ساليني” الإيطالية نفسها في المكان ذاته عام 2006، وبتحقيق فتحته الحكومة الإيطالية نفسها يتعلَّق بمشاريع جليجل الثلاثة بإثيوبيا التي تولَّتها “ساليني” بالشراكة مع شركة الكهرباء الإثيوبية المملوكة للدولة المعروفة اختصارا بـ “EEPCO”، وارتبط التحقيق الإيطالي بأكبر “ائتمان للمعونة” بقيمة 220 مليونَ يورو منحه صندوقُ التنميةِ الإيطاليُّ منذ نشأته لمشاريع جليجل، واختارت الحكومة الإثيوبية في تلك الفترة التعامل مباشرة مع “ساليني” دون إجراء مناقصة عامة للشركات المحلية والدولية للمنافسة لإقامة المشروع.
تسبَّبت تلك القضايا بتأخُّر أعمال السد مرة بعد أخرى، آخرها كان عام 2019 لاستبدال بعض أعمال البناء التي كانت قد قامت بها شركة “ميتيك” في أساسات السد، ووصفتها الحكومة الإثيوبية بأنها دون المستوى ووجب تعديلها، وبما أضاف إلى تكلفة السد المُقدَّرة بالأساس بخمسة مليارات دولار كانت إثيوبيا قد قرَّرت جمعها ذاتيا ودون طلب قرض أو مساهمة دولية -لم تكن لتحصل عليها- مع رفض دولتَيْ المصب لوجود السد، وامتناع المؤسسات المالية والشركات الدولية عن إقحام نفسها في النزاع بين الدولتين، وهو الأمر الذي استمر حتى توقيع إعلان المبادئ بين الدول الثلاثة في 2015 الذي مهَّد الطريق لتدفُّق الشركات العالمية الصينية خاصة والأوروبية معها لنيل قطعة من كعكة إثيوبيا التنموية ومشاريعها العملاقة.
كانت المرحلة التالية لتوقيع وثيقة الخرطوم في نهاية 2015 سلسلة من المفاوضات المُتعثِّرة والخلافات حول الآثار الفنية للسد، وبشكل أهم حول المدة المُقترَحة لملء خزان السد الذي تبلغ سعته (74 كم³)، أي ما يعادل تقريبا حصتَيْ مصر والسودان من المياه، ففي حين ترغب مصر في مدة زمنية تصل إلى عشر سنوات لملء الخزان، ومع الوضع في الاعتبار سنوات الجفاف، فإن إثيوبيا ترغب في حصر هذه المدة بين 4-6 أو 7 سنوات فقط، مُعتبرةً أنها تنازلت عن رغبتها في ملئه خلال سنتين إلى ثلاث فقط كما كانت تريد.
ازدادت الأمور تعقيدا مع نهايات أكتوبر/تشرين الأول 2019 مع تلويح (16) رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالحرب ضد مصر لحماية السد إذا ما استدعى الأمر، ما اعتبرته القاهرة “غير ملائم” بل و”مخالفا لنصوص ومبادئ وروح القانون الأساسي للاتحاد الأفريقي”، وردت عليه بقبول دعوة الولايات المتحدة (17) إلى النقاش في واشنطن حول السد، بعد أن فشلت روسيا في المهمة ذاتها قبل ذلك بأيام قليلة (18).
تطلَّب الأمر أربعة أشهر من المفاوضات برعاية واشنطن، وجولات مكوكية من سفر وزراءِ الخارجية ووزراءِ المياه والري للدول الثلاثِ ما بينَ القاهرة والخرطوم وأديس أبابا وواشنطن للوصول إلى نسخة نهائية من مسودة اتفاق (19) كان من المفترض أن يُوَقَّع عليها نهاية فبراير/شباط 2020، قبل أن تُفاجئ إثيوبيا الجميع بالانسحاب (20) قبل التوقيع بحجة الانحياز الأميركي لمصر في المفاوضات، والزعم بأن الصيغة النهائية للاتفاق لم تكن ما تفاوضوا عليه.
وضع الانسحاب الإثيوبي نهاية عقد تقريبا من التفاوض الذي تُوِّج للمرة الأولى في واشنطن بصيغة نهائية شملت خارطة طريق تتَّفق عليها الدول الثلاثة حول خطة ملء السد والإجراءات الخاصة بتشغيله خلال السنوات العادية وسنوات الجفاف، ومنذ ذلك الحين عادت المفاوضات مجددا إلى مظلة الاتحاد الأفريقي في جولات تفاوضية قصيرة وغير مُجدية، وغالبا ما كانت تنتهي دون اتفاق، ومع اتهامات مُتبادَلة حول أسباب الفشل كما حدث في مفاوضات كينشاسا الأخيرة قبل أيام، في حين تتمسَّك إثيوبيا بموقفها المُتعنِّت مُصِرَّة على بدء الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المُقبِل بغض النظر عن موقف القاهرة والخرطوم.
على كل حال، فإن العناوين الرئيسية للخلاف مثل مدة ملء الخزان وسنوات الجفاف لن تكون هي أكبر مشكلات القاهرة والخرطوم مستقبلا بأي حال، فغياب المصارحة الإثيوبية فيما يتعلَّق بإنشاءات السد، والشكوك التي صاحبت دراسات عدة من مشكلات مُحتمَلة في بنيته التحتية إلى جانب تورُّط كلتا الشركتين المسؤولتين عنه في أعمال فساد وسوء إدارة؛ كل هذا يدع احتمالية كبيرة قائمة لتصدُّع أو انهيار السد نفسه عند التوجُّه نحو ملء خزانه، وهو ما يُشكِّل خطرا مُحتمَلا على الدول الثلاثة إذا ما حدث، وبإضافة النقص المُحتمَل لحصة مصر من المياه وغياب التنسيق بينها وبين إثيوبيا في عمل كلٍّ من سد النهضة والسد العالي بأسوان على النيل، وما قد يُسبِّبه ذلك من مشكلات لمصر في تدفُّق المياه وتوليد الكهرباء، فإن أزمة المياه في مصر على وشك أن تتجاوز مجرد الوصول إلى مرحلة الفقر المائي التي أعلنتها القاهرة بالفعل.
أما ما يتعلَّق بالصورة الكبرى حول أزمة السد، فإن أفريقيا تختبر الآن مرحلة من توازنات القوى التي تلعب فيها دول الجنوب الفقيرة قديما دور القوى الصاعدة بقوة على ساحة التأثير؛ إما لثرواتها الجاذبة لرؤوس الأموال الكبرى، وإما لمواقعها الإستراتيجية في مواطن الصراعات القادمة عالميا التي وُضعت منطقة القرن الأفريقي رغما عنها في الوسط منها، وبما يمنح إثيوبيا فرصة لاستعادة دورها التاريخي المؤثر هناك، دور يبدو أنه على وشك إزاحة القاهرة من مكانتها القديمة على رأس القوى الأفريقية الكبرى.
وعلى الرغم من أن سنوات عدة قادمة قد تلزم دول الجنوب الأفريقي للاستقرار والخروج من عنق الزجاجة سواء سياسيا أو اقتصاديا، فإنه يجب على القاهرة الانتباهُ لهذا في محاولتها الخروج بأقل خسائر مُمكنة في نزاعها على المياه مع أديس أبابا التي تبدو وكأنها لا تُبالي بالتهديدات وليس لديها ما تخسره، على عكس مصر التي قد تجد نفسها خلال العقد القادم في مواجهة نقص حاد في مياه الشرب والزراعة اللتين تُشكِّلان عصب الحياة ومصدرها الأول للغالبية العظمى من الشعب، وهو ما سيضع الحكومة في القاهرة حينها في مواجهة صراع داخلي على تقاسم موارد المياه بالشكل الذي يُهدِّد مستقبل مصر التي عرفها العالم منذ آلاف السنين بوصفها هبة النيل.
______________________________________
المصادر
- Meles Zenawi’s Decision to Build Renaissance Dam was Out of Emotion: President Isaias
- Scaling – Up Renewable Energy Program Ethiopia Investment Plan (Draft Final)
- Ethiopia’s Challenge to Egyptian Hegemony in the Nile River Basin: The Case of the Grand Ethiopian Renaissance Dam
- Challenges for water sharing in the Nile basin: changing geo-politics and changing climate
- The River Nile and Ethiopia’s Grand Renaissance Dam: challenges to Egypt’s security approach
- Desecuritization, Domestic Struggles, and Egypt’s Conflict with Ethiopia over the Nile River
- Dispute over Water in the Nile Basin
- THE GILGEL GIBE AFFAIR
- Bridging the Gap in the Nile Waters Dispute
- Cooperative Framework Agreement
- The Grand Ethiopian Renaissance Dam: the road to the declaration of principles and the Khartoum document
- International Panel of Experts Report on Grand Ethiopian Renaissance Dam Project
- نص إعلان المبادئ حول مشروع سد النهضة
- وثيقة الخرطوم بشأن سد النهضة
- مصادر إثيوبية: إحباط هجوم مسلح على “سد النهضة”
- مصر ترفض تلويح آبي أحمد بـ”الحرب” لحماية سد النهضة
- أزمة سد النهضة.. عروض أميركية وروسية للوساطة
- موسكو تقترح الوساطة.. آبي والسيسي يتفقان بسوتشي على الحوار لحل أزمة سد النهضة
- سد النهضة.. التوافق على 3 أمور بين مصر وإثيوبيا والسودان
- رغم الخلافات الإقليمية.. اكتمال الإنشاءات في سد النهضة بما يسمح بتعبئة أولية