تحليلات سياسية
استراتيجية ترامب للفوز مجدداً: الاشتراكية هادمة الأمم وبايدن “حصان طروادة” فلا تنتخبوه!
يعتقد خصوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن استبداله مدير حملته الانتخابية قبل أسابيع من موعد الانتخابات دليل دامغ على سوء موقف الرئيس الجمهوري الباحث بأي ثمن عن الفوز بفترة ثانية، وقد يكونون محقين، لكن كشف مدير الحملة الجديد عن الاستراتيجية التي تستهدف المنافس الديمقراطي جو بايدن على أنه حصان طروادة بيد الاشتراكية أربك المشهد إلى حد ما، فما القصة؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: “استراتيجية ترامب لعام 2020: تصوير جو بايدن كدميةٍ لـ”اليسار المتطرف”، ألقى الضوء على محاولة حملة الرئيس الجمهوري التركيز على رسالة مختصرة تستهدف “بايدن الاشتراكي”.
أخيراً ظهرت ملامح استراتيجية انتخابية
بدأ مدير حملة دونالد ترامب الجديد عمله هذا الأسبوع بإعلانٍ نواياه واتجاهاته. قال بيل ستيبين في خطابه العام الأول: “إذا كسبنا أياماً أكثر من جو بايدن، سيُنتَخَب الرئيس ترامب مرةً أخرى”، وأضاف: “سوف نفضح جو بايدن باعتباره أداةً تعيسة في يد اليسار المُتطرِّف، وسوف نقارن إخفاقاته بنجاحات الرئيس ترامب التي لا تُنكَر”.
توقَّعوا أن تسمعوا الكثير من هذا خلال المئة يوم المقبلة أو نحو ذلك عن بايدن، نائب الرئيس السابق، كونه “أداةً تعيسة في يد اليسار المُتطرِّف”. إنها حجةٌ جمهوريةٌ كلاسيكية تسعى لضرب مصداقية المُعتدِلين والمستقلين من خلال ربط الديمقراطيين بالضرائب المرتفعة واشتراكية الحكومة. ومع فشل الهجمات الأخرى على بايدن، يبدو أن حملة ترامب استنتجت أن هذه هي فرصتهم الأفضل.
ويأتي ذلك بينما يبني بايدن تحالفاً يشمل جنرالاتٍ عسكريين ونشطاءً من حملة “حياة السود مهمة – Black Lives Matter”، وجمهوريين مُحبَطين، واشتراكيين ديمقراطيين. ووُصِفَت منصته بأنها الأكثر تقدُّمية من أيِّ مُرشَّحٍ رئاسيٍّ آخر في التاريخ، وتظهر في عامٍ شهدنا فيه جائحة فيروس كورونا المُستجَد واحتجاجاتٍ جماهيريةٍ ضد الظلم العنصري، وإذا سيطَرَ الديمقراطيون على البيت الأبيض وكلٍّ من مجلسي الكونغرس، سوف تشهد الولايات المتحدة تحوُّلاً كاملاً في تعريفات اليسار واليمين والوسط.
“الاشتراكية مدمرة المجتمعات”
كان مؤتمر العمل السياسي المُحافِظ، في الميناء الوطني في واشنطن في فبراير/شباط، آخر صيحات عصر ما قبل الجائحة، وكان موضوعه الرسمي هو “أمريكا ضد الاشتراكية”، وتضمَّنَ جدول أعماله جلساتٍ حملت عناوين مثل “الاشتراكية: هادمة الأمم ومُدمِّرة المجتمعات”، و”وصفةٌ للفشل”، وحذَّرَ ترامب، المُتحدِّث الرئيسي، بشدة من الديمقراطيين باعتبارهم “اشتراكيين يساريين متطرفين”.
جرت في النهر مياهٌ كثيرة مذاك الحين، وكافَحَ ترامب من أجل التفاعل باستراتيجيةٍ للانتخابات، وفي أواخر أبريل/نيسان، توجَّهَ إلى كراهية الأجانب بحظر الهجرة، وفي مايو/أيَّار تجاهَلَ جائحة فيروس كورونا المُستجَد من أجل التركيز على إعادة بناء الاقتصاد، ودَفَعَ بنظريةِ مؤامرةٍ حول دور بايدن في التحقيق بشأن روسيا، وفي يونيو/حزيران ردَّ على حركة “حياة السود مهمة” بوعدٍ بإنفاذ القانون والنظام بالقمع، وفي يوليو/تموز تبنَّى حرباً ثقافيةً حول الرموز الكونفيدرالية من زمن الحرب الأهلية.
خطة قابلة للتطبيق
في كلِّ مرةٍ، يردُّ ترامب على الأحداث ويحاول اللحاق بركبها، وتطرح استطلاعاتٌ للرأي أن أياً من ذلك لا يفلح، الأمر الذي تصاعَدَ إلى استبدال مدير حملته الانتخابية براد بارسكيل، الأربعاء الماضي، ويُعَدُّ خليفته، ستيبين، مستشاراً جمهورياً أكثر تقليدية يبدو أن يتَّجِه نحو خطةٍ أكثر محافظةً، وفي عام 2008، سَخَرَ الحزب من باراك أوباما لطرحه أنه من الجيد “توزيع الثروة”، والآن يحاول الحزب توجيه السخرية ذاتها لبايدن.
قال لانهي تشن، مدير السياسات السابق في حملة الجمهوري ميت رومني الرئاسية عام 2012: “إنها الاستراتيجية الممكِنة والأفضل التي بإمكانهم تطبيقها، نظراً إلى حقيقة أن اليسار المُتطرِّف كان بمثابة القطاع الصاعد في التحالف التقدُّمي، وباعتبار أنهم كان لهم صوتٌ عالٍ في عددٍ من المقترحات السياسية، التي أعتقد أن معظم الأمريكيين يبغضونها بالكامل”.
وأضافت تشن، الزميل بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا: “إن فكرة محاولة تصوير بايدن كشخصٍ لا يُعَد سوى ناقلٍ فارغ لليسار، أو في تعاونٍ وثيقٍ مع اليسار المُتطرِّف، تبدو فكرةً منطقيةً بالنسبة لي، سيكون علينا أن نرى مدى فاعلية هذا الهجوم، لكنني أعتقد أن هذه هي الخطوة الأفضل في الوصفة”.
الهجرة والاقتصاد
وعقد ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، مؤتمراً صحفياً من 63 دقيقة، كان بمثابة حشدٍ انتخابي غامض في حديقة البيت الأبيض، وفي خطابه المتذبذب، الذي دار ظاهرياً حول الصين وهونغ كونغ، ذَكَرَ الرئيس بايدن حوالي 30 مرة.
وتضمَّنَت هذه المرات: “إن حياة جو بايدن المهنية بأكملها كانت هديةً للحزب الشيوعي الصيني”، و”اليوم، ألقى جو بايدن خطاباً قال فيه إن أساس أجندته الاقتصادية هو حرب يسارية مُتطرِّفة ضد الطاقة الأمريكية”، و”بايدن يتَّجِه نحو اليسار المُتطرِّف”، و”إن أجندة بايدن وساندرز هي أكثر المنصات تطرُّفاً لأي مُرشِّحٍ من حزبٍ كبير في التاريخ الأمريكي حتى الآن”، في إشارةٍ إلى السيناتور بيرني ساندرز، الاشتراكي الديمقراطي الذي انتهى في المركز الثاني بعد بايدن في الانتخابات التمهيدية بالحزب الديمقراطي.
ووَرَدَ في إعلانٍ تلفزيوني: “ما هي الأجندة اليسارية المتطرفة؟ أن يستولوا على مدننا، ويسحبوا تمويل الشرطة، ويمارسوا الضغط على المزيد من البلدات من أجل تتبعهم، وجو بايدن ينحاز إليهم”، فيما وَصَفَ مايك بينس، نائب الرئيس، في حديثه بولاية ويسكونسن يوم الجمعة، بايدن بأنه “حصان طروادة يحمل أجندة مُتطرِّفة”، مضيفاً: “أعتقد أن بايدن فاز بالانتخابات التمهيدية بالحزب الديمقراطي، لكن بالنظر إلى أجندتهم، يبدو لي أن بيرني هو من فاز”.
تؤكِّد مثل هذه الهجمات أن بايدن سيكون ضعيفاً في ما يتعلَّق بالهجرة، والتضحية بمئات الآلاف من وظائف ذوي الياقات الزرقاء في مجال الطاقة، وزيادة الضرائب على عائلات الطبقة الوسطى، وإغلاق المدارس المُستأجرة، وخفض تمويل الشرطة، وترفض حملة بايدن مثل هذه الانتقادات مُعتبِرةً إياها خداعاً يائساً وكاذباً.
وفي الواقع، يُعَدُّ بايدن هدفاً بعيد الاحتمال للذُعر الأحمر، إذ قضى النائب السابق لأوباما أغلب الانتخابات التمهيدية بالحزب الديمقراطي في التصدي للتحديات من اليسار في كلِّ شيء، من صلاته بقطاع الخدمات المالية، إلى خطته للرعاية الصحية الإضافية، إلى عيوبه السابقة في المساواة العرقية، وحظى في النهاية بانتصارٍ شامل على ساندرز وإليزابيث وارن، الرمزين اليساريَّين المعروفين.
ومع ذلك، بدا بايدن حتى الآن قادراً على جلب اليسار معه، وأظهرت قوة العمل الخاصة ببايدن حول ستة مواضيع -المناخ والرعاية الصحية والهجرة والتعليم والاقتصاد وإصلاح العدالة الجنائية- تواضعاً يقول النقَّاد إن هيلاري كلينتون افتقرت إليه في عام 2016، وقد مَنَحَ ذلك ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وغيرها من التقدُّميين خطوةً إلى الأمام.
وفي الأسبوع الماضي، أطلَقَ بايدن خطةً تُقدَّر بـ700 مليار دولار لإنعاش الصناعة الأمريكية والقضاء على اللامساواة، وهي جزءٌ من خطةٍ طموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد قارنها البعض بـ”الصفقة الجديدة” لفرانكلين روزفلت في الثلاثينيات، وأضاف هذا الأسبوع طلباً باستثمار تريليوني دولار في البنية التحتية للطاقة وحلول التغيُّر المناخي.