بقلم: مصطفى قطبي
قال تعالى في سورة آل عمران في الآية 140 (وَتِلكَ الأيَّامُ ندَاوِلهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَه الَذِينَ آمَنوا وَيَتَخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَه لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
دارت الأيام، فبينما الشيخ ”يوسف القرضاوي”، الذي كان يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كان فاعلا، و بينما كان يستصرخ لضرب المسلمين في ليبيا و سوريا ومصر واليمن وتونس… أصبح اليوم القيادي الإخواني، بين يدي الله عزوجل، فقد توفي في قطر، الاثنين 26/09/2022، عن عمر ناهز 97 عاما.
أنا من الذين لا يشمتون بالموت، لأننا كلنا سنموت يوماً ما، ولكني من الذين يعتقدون أن موت ”القرضاوي” لن تترك في نفس أي ليبي أو سوري أو مصري أو تونسي أو غيره… أي أثر، وبخاصة أنه كان يحرض على الجهاد والقتل في معارك خاطئة. في كل الأحوال فإن ”القرضاوي” مات، وليس من حقنا أن نترحم أو لا نترحم فالرحمة من الله، ولكن من حق الشعوب أن تتساءل اليوم، وهي تشهد موت أحد رؤوس شيوخ الفتنة وتجار الدم العربي: أي أثر كان سيترك القرضاوي لو جند فتاواه لتحرير المسجد الأقصى من الغاصب الإسرائيلي، وأي مكانة كان يحقق عند الله والعباد لو أنه وجه دفة المتظاهرين على مساحة الوطن العربي إلى الهدف الأسمى، والجهاد الأكبر، الذي يوحد أمة الإسلام ويمجدها…
للأسف الشديد، فقد استغل ”القرضاوي” منصبه كرئيس لاتحاد علماء المسلمين من أجل التحريض بشكل فج وغير مقبول ضد دول لا يرضى عنها الغرب وإسرائيل… والحقيقة الثابتة والمؤكدة عندنا، أنّ شيوخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لا يمثلون وجهة نظر شرعية مؤيدة بحكم شرعي، بل يؤدّون دوراً مطلوباً منهم نحو الإسلام والأمّة الإسلاميّة. فمهمتهم التي أوكلت إليهم من قبل دول الغرب، هي بث الفرقة بين المسلمين وإثارة عوامل الفتنة والصراع الدموي بين أبناء الأمّة، وقد نجحوا في أداء تلك المهمة في ليبيا بشكل باهر، حيث إنهم أشعلوا حرباً أهلية طاحنة في ليبيا، قضت على الاستقرار والقانون وعلى العدالة فيها، فالدول الغربيّة التي ساهمت في إنهاء حكم ”معمّر القذافي”، هي الآن من تتمتع بخيرات وثروات ليبيا وليس الشعب الليبي.
و”القرضاوي” وشيوخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هم شركاء حقيقيّون للصهيوني ”برنارد هنري ليفي” في تدمير ليبيا، التي غدا دوره فيها معلوماً للقاصي والدّاني، ولم يقتصر دور ”القرضاوي” وشيوخه فقط على ليبيا، بل تعدّاه إلى معظم الدّول العربية.
”يوسف القرضاوي” لم يكتف بالدعوة إلى الخروج على النظام الليبي السابق وقتل رئيسه، وإصدار ”فتاوى الجهاد” بل حرض على النظام السياسي والدولة السورية، لا بل دعا الغرب إلى غزو بلاد الشام ”نصرة لله والخير والحق” بعد طمأنتها بألا يذهب ”الجهاديون” للقتال في إسرائيل بعد ما يسميه ”النصر في سورية”، وإنما وصل به الأمر إلى دعوة الناتو و”المسلمين” إلى التدخل و”الجهاد” في بلاده مصر التي انتفض شعبها على ”الإخوان المسلمين” وحكمهم، وبأعداد تفوق الثلاثين مليوناً، فيما يشبه الاستفتاء الكاسح. نعم حرض ضد أبناء بلده، وأصدر فتاوى عديدة وظّفها في خدمة تنظيم ”الإخوان المسلمين” الذي ينتمي إليه، قد تكون أشهرها فتوى قال فيها: ”حرام على مصر أن تفعل هذا… لا يمكن أن يحدث بعد هذا سوى غضب الله وعقابه”. كما أصدر فتوى أخرى يدعو فيها المسلمين من مختلف أنحاء العالم أن يصبحوا شهداء في مصر.
وفيما لم ينتفع الراحل ”مرسي” من هذه الفتوى في شيء، فقد كان ”القرضاوي” أشد تطرّفا في دعمه لـ أردوغان المنتمي هو الآخر لتنظيم ‘الإخوان المسلمين” العالمي، فقد كان دائم الثناء على الرئيس التركي في جميع تصريحاته، لافتاً للنظر وقائلا ”إن الله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة يساندون أردوغان… وأن إسطنبول هي ”عاصمة الخلافة الإسلامية”، معتبرا أن إسطنبول هي عاصمة لكل عمل إسلامي في العالم العربي والغربي.
قال القرضاوي في أحد أشهر فتاويه: ”إن ”محمدا” عليه السلام لو كان موجودا لتحالف مع الناتو”، وأضاف مشبها من ينتقد الإخوان المسلمين بأنه من قوم لوط… وفي فتوى شاذة قال: ”إنّه لا ضير في أن يُقتل ثلث الشعب ليَسعَدَ الثلثان… وأنّ للحاكم وولي الأمر الحق على الشارع أن يُجيز له قتل ثلث الشعب”! فهل يقبل عقلُ بشر أن يسنّ إله أو بشر شرائع وقوانين تُجيز القتل والإرهاب، وتُوجب على الناس منح الحاكم رخصة ممارسته على ثلث الشعب، مهما كانت الأسباب والغايات؟!. لقد لعب ”القرضاوي” وتلاعب بالدين الإسلامي وتم إقحامه في معركة القتل والذبح في مسعى واضح لتزويره وإفراغه من مضمونه ولتقديمه للعالم كله على أنه منبع لا يضخ إلا سفك الدم ونكاح الجهاد والارتماء بأحضان الأجنبي، كما تم تصوير الأمر على أنه ربيع عربي يندمج في خطة الربيع العربي التي كلف بقيادتها وتمويلها من هم الفساد بعينه والتخلف بعينه والذاكرة الخواء بعينها. وتابع ”القرضاوي” وإخوانه مهمتهم في عسكرة الدين وتطييفه إلى الحد الأقصى، دون إيلاء أدنى اهتمام لواقع تنامي عودة الوعي لدى الجمهور العربي الأوسع، وازدياد قدرته على التصدي لهذه الحرب الوحشية القذرة التي تستهدف حاضر ومستقبل الأمة العربية برمتها.
لم تكن فتاوى ”القرضاوي” التكفيرية مع عدد من جوقة الدعاة الظلاميين إلا تحريضاً على قتل وإبادة العرب في وطنهم لصالح الغرب والإرهاب الإسلاموي وتنظيم القاعدة والدواعش، واستهدفت هذه الفتاوى التكفيرية المدفوع ثمنها مسبقاً لمثل هؤلاء في استهدفت ليبيا وسورية ومصر وتونس…
إن القرضاوي في مسيرة عمره لم يدع إلى الجهاد ضد ”إسرائيل” أو الغرب بل جند نفسه وغيره من دعاة التكفير إلى قتل وإبادة الشعب الليبي وقبلها الشعب السوري، ووقف ضد الشعب العراقي وانتصر لصالح احتلال العراق عام 2003، لقد أباح القرضاوي بفتاويه لكل قوى العدوان بذبح الشعوب العربية الأبية والشريفة. والذي يهمنا اليوم ما سيسأل عنه عند الحساب بين يدي الله عزوجل، سيسأله ـ يسأل القرضاوي ـ عن كل نقطة دم أهدرت في ليبيا وسوريا ومصر واليمن وتونس وغيرها كثير… بفعل فتاويه التدميرية، وسيأتي به يوم القيامة ليحاسبه عن إزهاق أرواح كل الشهداء من عسكريين ومدنيين وعلماء وجاهلين، وسيسأله عن دم كل طفل وشيخ وامرأة، كما سيسأل أمة اعتلى ظهرها مشايخ من شاكلته مارسوا القتل الجماعي بحق من يخالف منهجهم…
كاتب صحفي من المغرب.