أخبار من أمريكا
بسبب محاولته التفوق على ترامب.. كيف ساهمت إدارة بايدن في تأجيج التضخم في أمريكا والعالم؟ – تقرير وكالة بلومبرج
مع أن التضخم الهائل الذي يشهده العالم تعود جذوره بشكل أساسي إلى فترة ما قبل تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة، إلا أنه لا يمكن إنكار مسؤولية سياسات بايدن الاقتصادية عن التضخم، أو على الأقل تأجيجه أمريكياً، وما تبع ذلك من انتقاله لبقية العالم.
فلم تكن سياسات إدارة بايدن هي السبب الذي أطلق شرارة التضخم أو أزمة الطاقة، لكنها قوضت أي أمل في الديناميكية والنمو، وفاقمت الأزمات القائمة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
يُحسب للرئيس جو بايدن أن سياساته لم تسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية التي نواجهها اليوم، لأن جذور التضخم الحالي تعود للسياسات المالية التوسعية التي اتبعتها دول العالم في مواجهة جائحة كورونا، ثم تزامن انتهاء إغلاقات كورونا مع الحرب الأوكرانية، حسب التقرير.
لكن بايدن وإدارته ساعدوا في جعل الأوضاع الاقتصادية أسوأ، خاصة فيما يتعلق بالتضخم، حسب تعبيرها، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن سياساته قد تقلل النمو في المستقبل وتجعل الاقتصاد الأمريكي أقل مساواة ومرونة.
بايدن اتخذ قرارات اقتصادية كثيرة، وأغلبها سيئة
عادة لا يكون للرئيس تأثير كبير على الاقتصاد الحالي، وبالفعل لم يكن بايدن المتسبب في صعود أسعار الطاقة أو الأصول. لكن هذه الإدارة ردت على التحديات بقرارات اقتصادية كثيرة، وكانت معظم هذه السياسات والقرارات سيئة للاقتصاد.
فالوضع الأفضل هو اقتصاد سليم ينمو؛ لديه تضخم منخفض ومستقر؛ مع مقاومة الصدمات. قادر على خلق التكنولوجيا الجديدة والتكيف معها؛ ولديه درجة معينة من الإنصاف بين مكوناته. سياسات بايدن تقوض كل هذه الأشياء.
يصرّ بايدن على أن الاقتصاد الأمريكي قوي، وهذا صحيح إلى حد ما: البطالة منخفضة وميزانيات الأسرة لا تزال في حالة جيدة. لكن التضخم مرتفع، وأرقام الناتج المحلي الإجمالي ضعيفة، والركود يلوح في الأفق ، والقيمة الفعلية للأجور بعد التضخم تنخفض وكذلك سوق الأسهم.
كيف ساهم في تفاقم التضخم؟ البداية بمحاولته منافسة منحة ترامب المالية للأمريكيين
لم يتسبب بايدن في التضخم – كان ذلك نتيجة لقيود العرض من الوباء والسياسة النقدية المتساهلة وأوراق التحفيز من عهد ترامب. ولكن بعد ذلك، بمجرد أن بدأ الاقتصاد في التعافي، جاءت خطة الإنقاذ الأمريكية لعام 2021 وجعلت التضخم أسوأ.
يقدّر الاقتصاديون أن خطة التعافي التي طرحها بايدن لمواجهة جائحة كورونا، أدت لمفاقمة التضخم بشكل كبير جداً، وربما أضافت من 2 إلى 4 نقاط مئوية للتضخم. بالإضافة إلى تريليونات الدولارات من الإنفاق في مواجهة إغلاقات جائحة التي قدمت من قبل إدارة ترامب السابقة. كانت خطة الإنقاذ الأمريكية التي طرحها بايدن مفرطة، جزئياً، لأنها أعطت مزايا سخية للعائلات التي لم تكن بحاجة إليها – أسر الطبقة المتوسطة والعليا التي حصلت على شيكات الدعم النقدي من إدارة بايدن.
ورغم أن ترامب قدّم خطة مماثلة قبل بايدن، ولكن خطة الأخير، كانت مفرطة في الكرم وفي موعد غير مناسب، أو بمعنى أدق دون داعٍ يُذكر، عكس خطة ترامب، التي كان فيها الإغلاقات تهدد دخول الأسر الأمريكية بالفعل.
ولكن خطة بايدن جاءت بعد إطلاق اللقاحات وانتهاء الإغلاقات، وبدء عودة دورة العمل والاستهلاك بشكل كبير، وهو ما يعني أن الأمريكيين لم يعدوا يعانون من ضائقة مالية، بل على العكس، كانت في أيديهم أموال خطة ترامب، ثم أضيف إليها الأموال الناتجة من عودة التشغيل، ولديهم نهم استهلاكي بعد الإغلاقات الطويلة، في وقت لم يكن فيه الإنتاج في أمريكا والعالم قد عاد بنفس قوة الاستهلاك، الأمر الذي خلق أزمة سلاسل التوريد التي فاقمت التضخم.
كان من الواضح أن خطة دعم الأسر الأمريكية، التي قدمها بايدن، غير ضرورية، وأنها جاءت لأسباب شعبية وانتخابية، لتنافس خطة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي تباهي بمنح شيكات مالية للأمريكيين تحمل توقيعه.
قد يكون هذا التنافس الشعبوي مفهوم سياسياً، لكن التضخم الذي تسبب فيه كان أصعب على أصحاب الدخل المنخفض، الذين هم أكثر حساسية للأسعار، وسيتعرضون لمزيد من الضرر أثناء أي ركود ناجم عن جهود مكافحة التضخم.
كيف فاقم بايدن أزمة الطاقة؟
لم يكن بايدن بالتأكيد مسؤولاً عن ارتفاع أسعار الطاقة، التي بدأت في الارتفاع مع خروجنا من الوباء، ثم تفاقمت بعد ذلك بسبب الحرب في أوكرانيا.
لكن سياسته ضد شركات النفط الأمريكية المدفوعة بأجندة الديمقراطيين البيئية التي تزداد حدة- مثل تعليق عقود الإيجار على الأراضي العامة، والوعد بالقضاء على استخدام الوقود الأحفوري، ومطالبة شركات النفط بدفع المزيد من أجل رأس المال – قلل من حافزهم للاستثمار في إنتاج النفط الجديد، والولايات المتحدة دولة مهمة للغاية في مجال إنتاج النفط والغاز على المستوى العالمي برمته.
كما أن الرئيس الأمريكي ألغى خط أنابيب Keystone XL من كندا، والذي كان من المقرر الانتهاء منه في أوائل عام 2023، يضاف لذلك توتر علاقته مع السعودية وتوسيعه العقوبات ضد الطاقة الروسية.
كل هذا أدى إلى مصادر أقل للطاقة الآن، ومرونة أقل لصدمات الأسعار الدولية.
قانون البنية التحتية سيؤدي لتوسع هائل في الإنفاق
كان الإنجاز التشريعي التالي لبايدن، والذي يُفترض أنه الأفضل، هو مشروع قانون البنية التحتية لعام 2021 بقيمة 550 مليار دولار. وهناك جوانب منها مفيدة للاقتصاد: تحسينات في الموانئ والطرق، وخلق مرونة في مواجهة تغير المناخ، وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، كلها خطط مهمة.
لكن كيف سيتم تنفيذ هذه الأهداف هو مصدر قلق رئيسي. على سبيل المثال، يضمن مشروع القانون أن يذهب أكبر عدد ممكن من الوظائف إلى عمال النقابات.
من حيث المبدأ، لا حرج في توظيف العمال النقابيين. ولكن عندما تمنح المشاريع الحكومية النقابات احتكاراً، فإنها ترفع التكاليف وتطيل الجداول الزمنية بمعدل سنوات.
كان من شأن عملية تقديم عطاءات أكثر تنافسية للعمالة أن تزيد من احتمالات نجاح المشاريع بشكل جيد، ولن تكلف دافعي الضرائب أموالاً إضافية.
بشكل عام، كان هناك القليل من الاهتمام، إن وجد، للتحكم في التكاليف في مشروع قانون البنية التحتية.
ويحتوي مشروع القانون أيضاً على الكثير من الأموال للمشاريع المفضلة سياسياً، مثل افتتان إدارته بخطوط السكك الحديدية للركاب والسيارات الكهربائية، حسب تقرير الوكالة الأمريكية.
يمكن للاستثمارات في الاقتصاد أن تؤتي ثمارها، ولكن مثل أي استثمار يجب أن تكون جيدة الاستهداف وليست باهظة التكلفة، وإلا فإنها تزيد العجز فقط دون توليد الكثير من النمو.
المزيد من الديون يجعل الاقتصاد أقل مرونة لأن أسعار الفائدة المرتفعة تعني أنه سيكون هناك مجال أقل للإنفاق في المستقبل، عندما تكون هناك حاجة إليه فعلاً.
كيف ستؤدي محاولة أمريكا توطين صناعة الرقائق لزيادة التضخم؟
يعاني قانون الرقائق الأمريكي (CHIPS) لهذا العام، والذي تبلغ قيمته 280 مليار دولار، من العديد من المشكلات نفسها التي يعاني منها فاتورة البنية التحتية.
يهدف القانون إلى زيادة إنتاج رقائق الذاكرة الأمريكية التي تعتبر بالغة الأهمية للاقتصاد. ويعتبر تمويل البحث العلمي أمرًا رائعاً، ومن الناحية النظرية، يهدف مشروع القانون إلى جعل الاقتصاد أكثر مرونة من خلال إعادة إنتاج سلعة مهمة. لكن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوة العاملة الماهرة لصنع الرقائق التي تحتاجها. والأكثر إثارة للقلق هو غريزة حماية السياسة الصناعية التي تميل إلى جعل الصناعة المحلية أقل قدرة على المنافسة، وتحرم المنتجين المحليين من المدخلات عالية الجودة من الخارج وتجعل السلع أكثر تكلفة.
كما أنه يخلق مزيداً من التشوهات في الاقتصاد من خلال الإنفاق على الصناعات المفضلة سياسياً، رغم أنها قد لا تكون مواتية من الناحية الاقتصادية.
ومرة أخرى، يفضل مشروع القانون العمال النقابيين الأغلى ثمناً، الذين ليس لديهم سجل حافل في احتضان التكنولوجيا الجديدة. فالابتكار والقدرة على التكيف مع التكنولوجيا الجديدة من الأمور بالغة الأهمية لاقتصاد سليم.
السياسة الصناعية مغرية، لأنه يمكنك توجيه الأموال إلى الأماكن التي يبدو أنها تبشر بالنمو. ولكن حتى لو لم تفسد هذه العملية (وهو ما يحدث غالباً)، فإن اختيار الأطراف الأجدر بالاستفادة من الخطط أمر صعب للغاية دون انضباط تنافسية السوق.
والقيود على التجارة الخارجية تؤدي لمزيد من الغلاء
علاوة على ذلك، يهدف تعزيز بايدن لتوجه “اشترِ المنتجات الأمريكية” والعقوبات التجارية الجديدة على منافسي أمريكا مثل الصين إلى تقليص التجارة. ومع ذلك، كانت التجارة واحدة من أكبر القوى المضادة للتضخم في الثلاثين عاماً الماضية.
لا تأتي المرونة من الإنتاج المحلي، بل تأتي من التنويع، وكما هو الحال في العديد من مصادر رقائق الكمبيوتر من سوق تنافسي عالمياً.
ادعى قانون خفض التضخم لعام 2022 على الأقل أنه يعالج التضخم، على الرغم من أن الكثير من مشروع القانون مخصص للإنفاق، وهو أمر سيئ للتضخم. الأمل هو أن يقلل التضخم في المستقبل عن طريق خفض العجز على مدى العقد المقبل. ولكن في غضون أسابيع من إقراره، تم التراجع عن أي تخفيض محتمل للعجز، من خلال الأمر التنفيذي التنازلي للإعفاء من قرض الطلاب.
ولم يسارع برفع قيود ترامب على الهجرة ما يؤدي لنقص العمالة
تزداد الأمور سوءاً. تسعى وزارة العمل في إدارة بايدن إلى زيادة صعوبة توظيف عمال الوظائف المؤقتة. تعد هذه الوظائف مصدراً مهماً للدخل الإضافي والمرونة للعديد من العائلات.
وعد بايدن أيضاً بالحفاظ على استحقاقات مثل الضمان الاجتماعي على مسار غير مستدام، واحتفظ بالتعريفات الجمركية التي فُرضت في عهد ترامب، ولم يجعل تخفيف القيود على الهجرة أولوية، رغم أن سبب جزء كبير من نقص العمالة أولوية.
الأمر الإيجابي بالنسبة لاستراتيجية بايدن الاقتصادية هو أن الجمهوريين ليست لديهم أفكار أفضل بكثير. بغض النظر عما يحدث في انتخابات التجديد النصفي.
وقالت الكاتبة الأمريكية نحن بحاجة إلى سياسات تعيد الديناميكية والنمو للاقتصاد بدلاً من جرف الأموال في مشاريع الحيوانات الأليفة والناخبين المفضلين سياسياً.
كيف انعكست سياسات بايدن الاقتصادية على بقية العالم؟
إذ كان تفاقم التضخم الأمريكي يعود إلى سياسات بايدن الاقتصادية، فإن أمريكا تحاول معالجة الأمر على حساب بقية العالم.
أصبح هدف بايدن الاقتصادي الأهم وشاغله الرئيسي هو تخفيض التضخم الأمريكي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
من جانبه، انخرط مجلس الاحتياط الفيدرالي في موجة رفع لأسعار الفائدة لمواجهة التضخم الذي فاقمته سياسة بايدن الاقتصادية، بشكل غير مسبوق منذ سنوات.
وتسبب ذلك في هروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، بل حتى الأسواق الناضجة، ما أدى إلى تراجع لافت لأغلب العملات الرئيسية في العالم، حتى أن الجنيه الإسترليني سجل أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 200 عام، وازدادت الأزمة في أوروبا نظراً لاعتمادها على استيراد الغاز والنفط من الخارج، عكس الولايات المتحدة التي تصدرهما، كما أن أوروبا أكثر عرضة لأزمة الغاز من بقية العالم.
أما الدول النامية فهي في الأصل تكتوي بنار ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب جراء الحرب الأوكرانية، ثم بدأت تكتوي بنار الدولار الأمريكي المرتفع.
والجميع مضطر لرفع أسعار الفائدة على عملاته لمجاراة الدولار الأمريكي وتقليل هروب الأموال لأمريكا، وهو ما سيؤدي لارتفاع تكلفة الديون، وتقليل النمو الاقتصادي.
بالتأكيد أزمة التضخم العالمية ليس بايدن هو مسؤول عنها وحده، ولكنه له دور كبير في تفاقمها.