أخبار العالمأخبار من أمريكاتحليلات سياسيةعاجل
رغم انشغاله بروسيا والصين.. بايدن سيعود للشرق الأوسط.. إليك قضيتين قد تشعلان حرباً قريبة بالمنطقة
وكالات
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن محظوظاً بشدة خلال معظم عاميه الأولين في المنصب لأنَّه تجنَّب التورط المستمر في الشرق الأوسط، المكان الذي غالباً ما تنطفئ فيه أفكار السياسة الخارجية الأمريكية، الجيدة والسيئة، ولكن أزمات الشرق الأوسط تطارد بايدن وقد يجد نفسه طرفاً في حرب بين إسرائيل وإيران.
فبايدن قد يواجه صعوبة أكبر في تجنُّب أزمات الشرق الأوسط خلال عام 2023 وما بعده، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
أزمات الشرق الأوسط قد تعود للواجهة من جديد
ورغم أن أكبر أولويتين للإدارة في السياسة الخارجية هما الحرب الروسية على أوكرانيا وصعود الصين، مع ذلك، قد ينشغل بايدن تماماً بقوى إقليمية أصغر لكنَّها مصممة وحريصة على تعزيز مصالحها وغير مستعدة للعب وفق القواعد الأمريكية.
وفي ظل وجود خمس دول، سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، في مراحل مختلفة من الخلل الوظيفي، سيظل العالم العربي مصدراً لعدم الاستقرار، باستثناء دول الخليج العربي الثرية (السعودية والإمارات) التي تتحرك باستقلالية أكبر عن واشنطن وتُصِرُّ في الوقت نفسه على الدعم الأمريكي.
لكنَّ القوتين غير العربيتين، إيران وإسرائيل – إحداهما هي الخصم الإقليمي الأول للولايات المتحدة، والأخرى هي أوثق أصدقائها الإقليميين- هما فعلاً مَن يمكن أن يحددا جدول الأعمال للعامين المقبلين. وتداعيات ذلك لا تبعث على الارتياح كثيراً.
حكومة نتنياهو قد تفجر أزمة مع الفلسطينيين تشعل صراعاً جديداً
فمع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى منصبه، تواجه إدارة بايدن الآن أكثر الحكومات اليمينية تطرُّفاً في تاريخ إسرائيل، حكومة على الأرجح ستتسبب في تصاعد – إن لم يكن انفجار- التوترات حول القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني. وإذا ما صدَّقتم خطاب أكثر وزرائها المتطرفين –وما من سبب لئلا نُصدِّقه- فإنَّ هذه الحكومة الائتلافية عازمة على تغيير النظام الديمقراطي الإسرائيلي، وتحويل المجتمع على أساس خطوط إقصائية يهودية، وإقامة شاهد قبر على الأمل المدفون لإقامة دولة فلسطينية، من خلال ربط معظم الضفة الغربية والقدس بإسرائيل بصفة دائمة.
ويمكن أن يصبح مدى سوء الوضع في الضفة الغربية مرتبطاً بالدرجة التي يمكن لنتنياهو ممارسة النفوذ بها على شركاء الائتلاف الذين يحتاج إليهم بشدة لتمرير تشريع سيؤجل، إن لم يلغ، محاكمته المستمرة. وبالتالي، لا يمكنه التخلي عن المتطرفين، وسيتعين عليه في الوقت الراهن إدارتهم.
سيفعل نتنياهو ما بوسعه لإخماد أو حرف سياساتهم الأكثر فظاعة، لكن من الصعب تصوُّر كيف يمكنه السيطرة تماماً عليهم، ومن السهل أن نرى كيف يمكن للإقطاعيات التي اقتطعوها لمناصبهم الحكومية أن تعيث فساداً في العلاقات مع عرب 48 وكذلك الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس.
فقد ترشَّح إيتمار بن غفير، وهو الآن وزير لوزارة الأمن القومي التي أُنشِئَت حديثاً، وفق برنامج “يشيطن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل”، وسيكون له قدر كبير من السلطة على حرس الحدود، وألفين آخرين من القوات التي أخذها من الجيش الإسرائيلي، وقوة الشرطة الوطنية الإسرائيلية. وسيكون حراً في إعادة تحديد قواعد الاشتباك والأساليب المسموحة لهم، خصوصاً في المدن المختلطة، حيث يتفاعل العرب واليهود. وسيكون قادراً على إعادة توجيه القوات من الضفة الغربية إلى النقب أو الجليل، وهو ما لن يمنحه فقط قوة قهرية غير مسبوقة داخل الخط الأخضر، بل أيضاً سيمحو عملياً هذا الخط من خلال إنشاء ولاية قضائية موحدة لإنفاذ القانون الإسرائيلي.
وسيكون لبتسلئيل سموتريتش وزير المالية الجديد، وهو ربما الأخطر بين الوزيرين، الذي كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، عن أن نتنياهو تنازل عن معظم صلاحياته المتعلقة بإقرار المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية لزعيم حركة “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش، سلطة شبه تامة لإدارة حياة سكان المنطقة “ج” (أكثر من 60% من الضفة الغربية) – حيث يتواجد نحو 400 ألف إسرائيلي و280 ألف فلسطيني- ولديه مسؤوليات تخص كل السلطات المرتبطة بالبنية التحتية والتخطيط والبناء والطاقة وإمدادات الكهرباء وحماية البيئة وغيرها. ويتمثَّل هدف سموتريتش الاستراتيجي في إضعاف نفوذ وزارة الدفاع والعمل على تطبيق القانون المدني الإسرائيلي على تلك المناطق، بما يعني عملياً تسريع عملية الضم.
ولا يتطلَّب الأمر مخيِّلة واسعة لنرى كيف يمكن لأي عدد من الاستفزازات أن يشعل اضطرابات أوسع نطاقاً، خاصة إذا ردت الحركات الفلسطينية عليها، وستفعل، وقد فقدت السلطة الفلسطينية القدرة، وربما الرغبة، للمساعدة في السيطرة عليها.
ولن يؤدي ذلك إلا لتوسيع رقعة العنف.
عليه أن يختار بين إدانة إسرائيل وتأييدها وهذا سيفجر خلافاً أمريكياً داخلياً
وعاجلاً، وليس آجلاً، سيصبح الانفجار مشكلة بايدن. وبحسب مدى السوء الذي سيكون عليه الوضع، سيواجه على الأرجح تحرُّكاً في مجلس الأمن الدولي، ما يجبره على الدفاع عن إسرائيل أو انتقادها. وليس من مصلحة بايدن السياسية أن يقف عالقاً بين الجمهوريين، الذين سيطالبونه بدعم إسرائيل، والعدد متزايد من التقدميين داخل الحزب الديمقراطي الذين يريدونه أن ينتقد أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين. وسيضغط الحلفاء الأوروبيون عليه لكبح جماح نتنياهو، وكذلك الحال بالنسبة لبلدان اتفاقيات أبراهام. وسيحوم فوق كل ذلك اضطرابات وعنف خطيران.
فكما رأينا في مايو/أيار 2021، ردت حركة حماس على التصرفات الإسرائيلية في القدس، مما أدى لإشعال تصعيد خطير مع إسرائيل استمر لأسبوعين، وأجبر بايدن على التشفُّع شخصياً لنتنياهو ومصر للضغط من أجل وقف لإطلاق النار. ويمكن بسهولة أن تكون المواجهة المقبلة أسوأ بكثير.
لماذا أصبح قيام حرب بين إسرائيل وإيران محتملاً أكثر من أي وقت مضى؟
وإذا ما كانت عودة نتنياهو تُنذِر بزيادة التوترات على الجبهة الفلسطينية، فإنَّها أيضاً قد تسهم في زيادة إلحاح المسألة النووية الإيرانية. إذ جعل نتنياهو التهديد النووي الإيراني موضوعه المُميِّز. والظروف الآن أكثر ملاءمة لوجهة نظر نتنياهو تجاه التحدي الإيراني أكثر من أي وقتٍ مضى.
فاحتمالات العودة إلى الاتفاق النووي تبدو بعيدة في هذه المرحلة، حتى إنَّ بايدن اعترف الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، بأنَّ الاتفاق قد انتهى، ولو أنَّه لم يرغب في قول ذلك علانيةً. وأدَّى قمع إيران للتظاهرات المنادية بإنهاء النظام، مقترناً بإمداد طهران للحرب الروسية في أوكرانيا بالطائرات المسيرة، إلى زيادة المشاعر المعادية لإيران في واشنطن. وبالنظر إلى معارضة الكونغرس، يمكن الجدال بشأن ما إن كان بإمكان الإدارة حتى أن تتوصل إلى اتفاق بشأن المسألة النووية مع إيران، لأنَّ ذلك من شأنه أن يمنح طهران تخفيفاً للعقوبات في وقتٍ تعتبر واشنطن أن طهران تقتل مواطنيها وتساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قتل الأوكرانيين.
ويزداد قلق إسرائيل بشأن المخزونات النووية الإيرانية، التي ساعدت هي في إطلاق العنان لها، من خلال حض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إلغاء الاتفاق النووي. وبدءاً من الصيف الماضي، سافر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي آنذاك إيال حولاتا، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، إلى واشنطن لحث إدارة بايدن على التخطيط لشن هجوم على إيران وإجراء جولة أخرى من المناورات المشتركة لاختبار الخطط وتحسين التنسيق الثنائي. وقد أُطلِعَ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في 25 أكتوبر/تشرين الأول على تحديثات الخطط العسكرية الأمريكية وتمت جدولة المناورات المُقتَرَحة.
وبينما كان غانتس يستعد لمغادرة منصبه مع مجيء حكومة جديدة، قال إنَّ الحاجة لمنع البرنامج النووي الإيراني عسكرياً هي أمر يتفق عليه معظم الإسرائيليين، بصرف النظر عن الانتماء الحزبي. وقال في خطاب لطياري سلاح الجو الإسرائيلي الجدد إنَّ شن هجوم على إيران هو أمر قد يقترن بمستقبلهم.
الأمريكيون والإسرائيليون يخططون لتوجيه ضربة لإيران
وتجنَّب المسؤولون الأمريكيون التنبؤات بشأن احتمال وقع حرب بين إسرائيل وإيران، لكن لم يطعن الخبراء في التسريبات الإسرائيلية بشأن التخطيط الأمريكي الإسرائيلي لتوجيه ضربة ما لإيران.
السؤال هو: ما هو شكل الضربة؟ فالولايات المتحدة وحدها تملك القدرة لتدمير أجهزة الطرد المركزي المدفونة عميقاً دون وضع قوات على الأرض.
وقد وُضِعَت الخطط لفعل ذلك في عهد إدارة أوباما، ويجري تطويرها بصورة جيدة. يمكن لإسرائيل الانضمام بالطبع، من خلال إطلاق صواريخ هجومية برية من غواصاتها لتنضم إلى الولايات المتحدة في ضرباتها الجوية، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، وشن عمليات تخريب واغتيال يمكن أن تعيق الرد الإيراني.
بالتالي، يواجه العالم الآن إيران التي تملك حوافز قوية للمضي في التخصيب وسُمعة دولية تُقلِّص التكلفة الدبلوماسية لتحرك مَن يهاجمها، ولديها خصم إقليمي استراتيجي –إسرائيل- أعلن نيته استخدام القوة وأظهر إجماعاً وطنياً لصالح استخدامها، وإدارة أمريكية جعلت دعمها للعمليات المشتركة ضد إيران واضحاً تماماً، وجيش أمريكي لديه القدرة على تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية. وهذه التطورات تفعل أكثر من مجرد الإيحاء بأنَّ الولايات المتحدة تدخل مرحلةً جديدة محفوفة بالمخاطر.
قد يكون نهج التوجيه والدعم الأمريكي مرتبطاً أكثر بطمأنة إسرائيل بأنَّ الولايات المتحدة متفقة معها، في حين ينقل في الوقت نفسه رسالة بأنَّ إسرائيل لا يمكنها النجاح وحدها.
وربما يكون الحديث عن عمل عسكري في واشنطن وتل أبيب أيضاً مرتبطاً بنفس الدرجة أيضاً بتشجيع إيران على إعادة دخول المباحثات النووية وتأجيل تخصيب اليورانيوم للدرجة المطلوبة للأغراض العسكرية.
بعبارة ملطفة، لا يجب أن يتوقع بايدن الكثير من الأنباء الجيدة الآتية من الشرق الأوسط خلال العام القادم أو نحو ذلك. وتقتصر قدرة واشنطن على تشكيل الأحداث، ناهيكم عن التحكم فيها، على التحديين اللذين يواجههما: كيفية تجنُّب الانفجار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكيفية كبح برنامج إيران النووي. وتتراوح خيارات بايدن بين السيئ والأسوأ.
وقد يكون المرء معذوراً إذا ما استشعر أنَّ الولايات المتحدة تنجرف دون إحساس واضح بما ينبغي أن تفعله في ما يخص كلاً من إيران والقضية الفلسطينية. قد يوفر التحول إلى موقف ردعي أكثر حزماً من خلال التهديد الموثوق بالحرب إذا ما تمادت إيران بعض الوقت، لكنَّ الوقت ينفد في نهاية المطاف. وحتى لو لم تُمرَّر أسوأ ممارسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإنَّها فقط مسألة وقت قبل أن يؤدي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى انفجار كبير. باختصار، من المرجح أن يتدهور الوضع الذي يواجهه بايدن قبل أن يسوء أكثر.