مقالات
أخر الأخبار

باريس 1989 – بقلم/ هشام المغربي

بقلم : هشام المغربي

تفحصت وجوه كل من وجدتهم أمامي في صالة مطار أورلي بعد أن هبطت بنا الطائرة في باريس بعد رحلة قصيرة من برشلونة استغرقت ساعة وعشرين دقيقة حيث كانت بطاقة الحجز على طيران إيبيريا (الخطوط الجوية الإسبانية) وكانت محطتنا النهائية لوس أنجلوس في برنامج ترويجي قد عرضته شركة إيبيريا للمسافرين عبر المحيط إلى أمريكا أو كندا يسمى (مدريد أميجو) أو صديق مدريد وكان من مزايا هذا البرنامج أن يشمل يوماً وليلة كاملة في مدريد بالإقامة والوجبات والتنزههات أيضاً على نفقة شركة الطيران ذهاباً أو إياباً بشرط أن لا يكون هناك طيران مقابل في يوم الوصول للرحلة الذاهبة إلى المحطة النهائية، ولذا قررنا أن نقضي يومين في باريس للراحة على نفقتنا الخاصة على أن نجعل (ليلة مدريد أميجو) المجانية في العودة قبل عودتنا إلى القاهرة، و أن نستأنف رحلة لوس أنجلوس بعد قضاء هذه الراحة في عاصمة النور، خرجنا إلى صالة المطار المؤدية إلى بوابة الخروج وكل منا يدفع عربة الأمتعة أمامه، كانت الساعة تشير إلى العاشرة والربع صباحاً يوم الأثنين السابع من أغسطس عام 1989 تشابه الوجوه ذكرني بما كتبه الكاتب الفرنسي والطيار أنطوان إكزوبري في كتابه (أرض البشر) الذي يعد سيرة ذاتية مطعمة بمواقف إنسانية روائية صادفها إكزوبري ومنها قصته عندما قابل البدوي الليبي الذي أنقذه من موت محقق في صحراء ليبيا دون أن يعرف من هو وليس له أي أطماع أو مطالب، أنقذه فقط لأنه إنسان احتاج مساعدته بدوافع إنسانية، وقال له سوف تمحى من ذاكرتي ولن أتذكر ملامحك ستكون لي مجرد شخص في أرض واسعة يحمل ملامح كل البشر ولن أذكر سوى أنك أنقذتني دون أن تعرفني هذا هو الإنسان، تشابهت الوجوه أمامي واستحضرت كلمات إكزوبري ما هذه الأرض التي تحمل فوقها كل البشر من كل لون وجنس ولسان، وجدتهم أمامي في مطار أورلي .

تباينت المشاعر على الوجوه، رغم تشابه الملامح بين الفرح والبوس، بين الخوف والإقدام، بين اللهفة واليأس، ملامح تشي كل منها بما يعتمل في نفس صاحبها، وكانت بعض الأقدام تتسارع في لهفة للخروج، وبعضها يتثاقل كمن يحمل أكياساً من الرمل فوق قدميه، وبينما كانت الكلمات المتطايرة بين الفرنسية والإسبانية والإنجليزية تملئ الهواء، سارعت الأفواج الواقفة نحو باب الخروج تأخذ دورها مهرولة لعناق حبيب أو صديق أو قريب ربما بعد طول غياب، أو ربما هي لوعة اشتياق أو غير ذلك، لم أجاريهم في تلك الهرولة وأخذت دوري بتأوده أنا وصديقين كانا معي في تلك الرحلة، ليس هناك مجال للعجلة فوقفة باريس للراحة استعداداً لرحلة سوف تستغرق نحو ثلاثة عشرة ساعة طيران متصلة من باريس إلى لوس انجلوس فقط، فضلا عن ساعة ونصف من باريس إلى مدريد، حيث لابد أن تغادر الطائرة من مدريد كونها شركة إسبانية, لنصل بعدها إلى لوس أنجلوس وجهتنا النهائية في رحلة قد تمتد إلى شهر تقريباً أو هكذا قَدّرنا قبل أن تطول لأكثر من ذلك بكثير ( رغماً عنا ) كما سأروي بعد ذلك ,حيث يتخللها حضور مؤتمر في هاواي وتحديداً في جزيرة ( هونولولو ) لمدة أسبوع .

عندما خرجنا إلى الشارع ونحن في سيارة الأجرة التي ستصل بنا إلى فندق( أوبرا اكسلسيور) في وسط المدينة ويبعد حوالي خمسة وثلاثين دقيقة بالسيارة عن مطار أورلي.

لفتني خلو شوارع باريس تقريبا ً من المارة , كما بدت حركة سير العربات والمركبات هادئة للغاية, لا تنم عن عدد سكان العاصمة الفرنسية الشهيرة , قلت مازحاً أين ذهب سكان هذه المدينة الكبيرة ؟ فلم يكن يوم عطلة أسبوعية! قال أحد الأصدقاء ربما اليوم عطلة رسمية لديهم فنحن لا نعرف أيام عطلاتهم دعنا نرى.

الفندق يقع في 5 شارع دي لافاييت, كانت غرفتنا في الدور الرابع الغرفة رقم 25 اضطررنا لحجز غرفة واحدة فقط وثلاثة أسرّة لثلاثتنا حيث أنها الغرفة الوحيدة الشاغرة بالفندق في تلك الليلة .

كانت غرفة صغيرة تطل على الشارع الرئيسي, ومن شرفتها تبدو أهم شوارع وميادين عاصمة النور في صورة بانورامية جميلة , كان قد نصحنا بعض الأصدقاء أن نحضر معنا أكياس صغيرة من الشاي والسكر المعبأ , ونقوم بإعداد الشاي بمعرفتنا بالفندق , كل ما علينا أن نطلب منهم إحضار إبريق من الماء الساخن فقط , نظراً لارتفاع ثمن المشروبات جداً بالفنادق, وبما أننا نحتسي كميات هائلة من الشاي يومياً فسننفق كل ما لدينا فقط في دفع فواتير الشاي , عملنا بهذه النصيحة , وأصبحنا نطلب الماء الساخن في أغلب أوقات تواجدنا بالفندق وربما لم يعرف موظف الاستقبال ما سر طلب الماء الساخن عدة مرات كل يوم ,يرسل إلينا إبريق الماء الساخن مع أحد موظفي خدمة الغرف, الذي يضع الإبريق مبتسماً وينصرف وفي أحد المرات عند قدومنا من الخارج نسينا أن نطلب منه الماء الساخن وإذا به يذكرنا هل أرسل لكم إبريق ماء ساخن الآن أيضاً؟

فانفجرنا نضحك شاكرين له تذكرته لنا, ولسان حاله يقول ماذا يفعلون بهذا الكم من الماء الساخن عدة مرات كل يوم , ظل هكذا حتى يوم المغادرة وهو لا يعرف ماذا نفعل بالماء الساخن !

تركنا أمتعتنا ونزلنا نتجول في المدينة عندما أشارت الساعة إلى الخامسة بعد الظهر , وبعد نحو عدة ساعات من السير في الطرقات الباريسية العديدة كان قد أعيانا السير والجوع معاً فدخلنا أحد المتاجر وأشترينا بعض المأكولات منها الأكلة الإسبانية الشهيرة بايلا أو( بقية ) كما يحلو للبعض أن يقول كونها كلمة عربية تعني بواقي الأكل أو الوجبات تعلمها الأسبان منذ الاحتلال العربي لبلادهم وحرفت حتى أصبحت بايلا وانتشرت في معظم الدول الأوروبية.

   ( Paella) 

وهي خليط من الأرز الأصفر المطعم بالكاري وقطع صغيرة من الجمبري والسبيط وقلب المحار والأسماك مع الخضروات كالبازلاء والجزر معبأة في علب بلاستيكية تشبه علب الكشري المصرية الشهيرة عندنا , ويوضع معها ملاعق بلاستيكية ومحارم ورقية وعبوات صغيرة من سلطة الطحينة, كما اشترينا بضع ثمرات من التفاح الأمريكي الأحمر الماكنتوش , وبعض زجاجات المياه , ثم أخذنا هذه الوليمة وخرجنا نبحث عن مكان نجلس فيه لنأكل هذه الوجبة الشهية و بعد بحث لفترة لم نجد أمامنا سوى الدرج الرخامي لدار أوبرا باريس فجلسنا على درجات الدرج وتناولنا وجبتنا وأمامنا أسراب من الحمام افترشت الميدان ورحنا نرمي لها ببعض فتات البايلا المتبقية لدينا, والحمام يأكل في هدوء وطمأنينة لافتين .

بعد تناول هذه الوجبة كانت الساعة قد جاوزت السابعة مساء , وبدأت أفواج من البشر تملىء الشوارع والميادين وحركة السير أخذت في ازدياد ملحوظ تتضاعف أعدادها من سيارات الملاكي والأجرة أغلبها ماركات رينو وبيجو وستروين والقليل من المرسيدس والبي إم , فكان هذا الموعد هو موعد خروج الموظفين والعمال من مختلف القطاعات , وكأن المدينة الفارغة صباحاً ليست هي مدينة السادسة أو السابعة مساءً , عرفنا الآن سبب خلو المدينة من البشر صباحاً , أكملنا السير حتى أول دار عرض سينمائي صادفناه وكانت سينما أوديون وسألنا عن العروض وكان فيلم مترجم إلى الإنجليزية بعنوان فتاة عاملة .

بعد العرض السينمائي كان لابد من العودة إلى الفندق حيث داعب النوم أجفاننا ولم نجد مفراً من العودة سريعاً فلم نذق طعم النوم منذ أربعة وعشرين ساعة تقريباً أي منذ غادرنا القاهرة.

صباح اليوم التالي قررنا أن نبدأ يومنا بالذهاب إلى المتجر الشهير المجاور للفندق وهو جاليري (لافاييت ).

متجر كبير متعدد الطوابق محلات تعرض كل شيء حرفياً دون أي مبالغة من محلات إصلاح الأحذية والشنط الجلدية ومحلات بيع الحيوانات كالقطط والكلاب والأسماك والعصافير , إلى صالات بيع السيارات بأنواعها المختلفة إلى محلات العطور الفرنسية الشهيرة , من الأبرة للصاروخ في كل شيء, فضلاً عن عدد كبير جداً من المطاعم والكافيهات بكل الأدوار لكافة المطابخ العالمية الإيطالية والفرنسية واليابانية والصينية والهندية وغيرها قضينا وقتاً طويلاً بالمتجر وقبل أن نغادره استوقفنا تجمهر عدد كبير من الزوار على الباب الخارجي للمتجر, وقفت أعداد كبيرة من الجمهور في الشارع أمام شاب فرنسي يقوم باستعراض مكواة فرنسية الصنع تعمل بالماء والملح ومصنعة بالكامل من البلاستيك الذي لايتأثر بالحرارة بلا وزن تقريباً من خفة وزنها ! يقوم بعمل تجربة عملية أمامنا لكي الملابس والستائر والأقمشة بجودة فائقة دون حاجة إلى مسند يكوي فوقه , فاكتفى بمشجب أمسكه بيد والمكواة في اليد الأخرى, مرددا بالإنجليزية ذات اللهجة الباريسية أنها صناعة فرنسية بالكامل وليست مصنوعة في الصين أو تايوان يا سيدي ويا سيدتي كان يردد ذلك بفخر شديد وثقة زائدة , الحقيقة كان العرض شيقاً مما دفعنا لشراء مكوتين واحدة لي وواحدة لأحد أصدقائي , كان سعرها ثلاثين فرنكا فرنسيا فقط! وهذا العرض ساري لمدة ساعة واحدة سيعود بعدها السعر إلى مائة وخمسين فرنك وهو السعر الحقيقي قبل العرض! الفرنك الفرنسي يساوي تقريباً خمسة وأربعين قرشاً مصرياً أي أقل من نصف جنية مصري ! ورغم ذلك فلم تكن أسعار باريس بالنسبة لنا رخيصة , حيث يبلغ سعر قنينة المياه المعدنية على أي مقهى متواضع ما يقرب من ثلاثين فرنكاً أي ما يساوي خمسة عشرة جنيهاً مصرياً ! وتعتبر العصائر الطازجة باهظة الثمن فيصل سعرها على المقاهي إلى أكثر من مائة فرنك تقريباً !

بعد مغادرتنا المتجر توجهنا إلى برج إيفل ونهر السين الذي يخترق وسط باريس ويبلغ طول النهر لأكثر من سبعمائة كيلومتر فلم يكن ممكناً أبداً أن نكون في باريس ولانذهب إلى هذا المعلم الباريسي الشهير, وقد كان .

بعد ذلك , اقترح أحدهم أن نذهب إلى أحد مطاعم الشانزليزيه فيحق لنا بعد أكثر من يوم من الجلوس على الأرصفة والتصعلك في الشوارع أن نجلس في أحد المطاعم ونأخذ وجبة ساخنة محترمة كما أولاد الناس هكذا قال…. ضحكنا ووافقنا على هذا الاقتراح …

دخلنا إلى أحد مطاعم شارع الشانزليزيه وجلسنا نعيد حساباتنا فليست لدينا رفاهية الطلب دون حسابات فمازالت الرحلة في بدايتها ولا يجب أن نبدد ما لدينا بهذه السرعة وإلا سنقف أمام أحد كنائس باريس ونقول لله يا محسنين !

قررت أن أقتصد في طلباتي قدر المستطاع و لذا كانت وجبتي نباتية عبارة عن مكرونة سباجتي بالمشروم وطبق من السلطة الخضراء ومياه معدنية على عكس ما طلباه الصديقان حيث طلبا مكرونة باللحم المفروم وسلاد نسواز وهو طبق من البيض المسلوق والتونة والخضروات المسلوقة المعلبة غير الطازجة, ومياه غازية شهيرة , وانتظرنا الحساب وكانت المفاجأة التي أغرقتهما في ضحك متواصل أن ما طلبته أنا كان أغلى مما طلبا مجتمعين حيث السلطة الخضراء الطازجة والمشروم وكذلك المياه المعدنية أكثر كلفة مما طلباه !

كان ذلك كافياً لي أن أترك الشؤون المالية لأحد غيري يديرها كما يرى حيث أثبت فشلي الذريع في التدبير والتوفير .

شارع بيجال

نصحنا أحد الأصدقاء بالقاهرة قبيل سفرنا أن نزور شارع بيجال حيث قال ستجدون ما يدهشكم من حياة أوروبية قد لا ترونها في أي مدينة أخرى , دفعنا الفضول أن نفعل ذلك , استوقفنا سيارة أجرة, وكان السائق ياباني الجنسية , وما أن سمع شارع بيجال إلا وشعر كمن لدغته عقربة ! لا.. لا.. لا أستطيع أن أذهب هناك,أخذ يسوق الأعذار , الشارع مغلق الآن … الساعة الآن قد قاربت على الثامنة مساء وفي ذلك خطراً كبيراً عليّ وعلى سيارتي وغير ذلك !

ورفض وانطلق بسيارته بعيداً وتركنا ونحن مذهولون من روعته تلك !

اقترحت أنا أن نحاول مع سيارة أخرى لعل الأول لديه سبباً لا يريد البوح به , وتكرر المشهد مرة أخرى بنفس الشكل , مما دفعنا أن نستعلم من سائق آخر وكان تونسي الجنسية يتحدث العربية بلهجة فرنسية ولكنها مفهومة : قل لنا بهدوء عن سبب ذلك فقال أن هذا الشارع مليء بالصوص والخارجين عن القانون من الرجال والنساء ولا ينصح بالذهاب إلى هناك وبصفة خاصة في المساء حيث الخطف والسرقة والنهب فضلاً عن كثرة القوادين لوجود علب الليل المنتشرة في كل مكان, ضحكنا وألغينا فكرة الذهاب إلى هذا الشارع متوعدين هذا الصديق الذي اقترحه بالويل والثبور.

في صباح اليوم التالي كان برنامجنا أن نزور متحف اللوفر وبعد الإفطار وشرب القهوة , توجهنا على مهل بالسيارة إلى هناك ,عندما علم السائق أن وجهتنا هي متحف اللوفر نظر في ساعته قائلاً لقد تأخرتم كثيراً كان يجب أن تأتوا منذ السادسة أو السابعة صباحاً حيث الإقبال على المتحف شديد للغاية ! وتصورناه مبالغاً في ذلك , وقمنا بشراء بطاقات الدخول وقد تأكدت نصيحته لنا عندما نظرنا أمامنا فوجدنا طابوراً طويلاً من البشر واقفين بانتظام , شاهدنا بداية الطابور ولم نرى نهايته! وقف الجميع في هدوء إنتظاراً لدورهم في الدخول ! فماذا نحن فاعلون ؟

كان للفهلوة المصرية دوراً في الخروج من هذا الموقف ! كان لابد أن نجد مهرباً ذكياً للهروب من هذا الطابور الطويل الذي لا نعلم كم من الوقت سنمضي فيه , فليس لدينا رفاهية الانتظار الطويل لعدة ساعات وربما استغرق هذا الطابور اليوم كله , و لضيق الوقت المتاح أمامنا , اقتربنا من باب الدخول مدعيين أمام أحد القائمين على الدخول أن باقي أصدقائنا قد دخلوا قبلنا بدقائق قليلة وقد كنا خلفهم بالضبط , ولكننا تخلفنا عنهم للحظات حيث نسينا بعض متعلقاتنا الشخصية لدى بائع البطاقات فعدنا إليه سريعاً لنسترجعها , في الغالب لم يفهم من كل ما شرحناه بالإنجليزية سوى كلمات قليلة ,إلا إنه سمح لنا بالمرور وعلى وجهه ابتسامة مرحبة, متمنياً لنا مشاهدة ممتعة !

توقفت طويلاً أمام الموناليزا أو (الجيوكندا ) هذه اللوحة الأسطورية التي رسمها الفنان الإيطالي الأشهر ليوناردو دافنشي تنظر إليك بابتسامة هادئة غامضة مهما كان اتجاهك أو مكان وقوفك ومهما كان عدد من يشاهدها فيظن كل منهم أنها تنظر إليه وحده ! وضعت اللوحة خلف لوح زجاجي مقاوم للرصاص ويتم التحكم اتوماتيكيا في درجة حرارة القاعة لتثبيتها عند درجة ثابتة وفقاً لعدد زوار القاعة مما لايؤثر على اللوحة التي أصبحت ملكاً للدولة الفرنسية منذ عام 1530 حتى اليوم .

الجناح المصري باللوفر شيء مبهر,وُصف بالجناح الأسطوري , طريقة العرض والإضاءة واللوحات المصاحبة للقطع وشرح المعروضات كانت مشرفة لأي مصري تدفعه للفخر بمصريته . تبلغ عدد القطع المعروضة أكثر من خمسين ألف قطعة موزعة على عدة صالات داخل الجناح المصري , بعد الحملة الفرنسية على مصر انتقل عدد كبير جداً من القطع إلى باريس حيث قام أفراد الحملة بنقلها إلى باريس بما في ذلك حجر رشيد ولكنه لسؤ حظ الفرنسيين وقع في يد الإنجليز , وانتقل حجر رشيد إلى المتحف البريطاني في لندن حتى اليوم.

تناولنا وجبة الغداء داخل المتحف في صالة الطعام ثم غادرنا المتحف بعد مرور أكثر من أربع ساعات بين قاعاته وأجنحته المختلفة.

كان لابد لنا من العودة إلى الفندق للإستعداد لسهرة بالملابس الرسمية في الليدو كما تشترط إدارة المسرح (الفراك والبابيون للرجال وفساتين السهرة للسيدات ) .

غادرنا الفندق في التاسعة مساءً متوجهين إلى مسرح الليدو حيث ينتظرنا عرض استعراضي مبهر على خشبة المسرح , وبعد وصولنا عرفنا أن العرض سيبدأ في الساعة الثانية عشرة مساء وينتهي الساعة الثانية بعد منتصف الليل ! الليدو والمولان روج متجاوران يقدمان عرضاً شبه ثابت يومياً , ولابد من الحجز المسبق لكونه كامل العدد على الأقل لشهر قادم .

قام بالحجز لنا أحد الأصدقاء وأعطيت لنا البطاقات في القاهرة قبل السفر بفترة كافية .

جلسنا على أحد المقاهي بنفس الشارع ( الشانزيليزية ) لمدة ساعتين تقريباً بالملابس الرسمية انتظاراً لموعد بداية العرض تصورت قبل أن نتجه إلى المقهى أن نظرات رواد المقهى ستفترسنا افتراساً أو ربما ستكون نظرات الانتقاد والسخرية من أشخاص بملابس رسمية يجلسون على مقهى بسيط ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ولم ينظر تجاهنا أحد ! .

سعر البطاقات يشمل لكل فرد كأسين من الشامبانيا أو ثلاثة أكواب من عصير البرتقال أو التفاح المعبأ لمن لا يشرب الخمر أي أن العرض بالمشروبات أيضاً.

الحقيقة العرض يستحق هذا الانتظار , عرض موسيقي راقص مبهر بكل معنى الكلمة , خيال على خشبة المسرح تشاهد مشاهدة حية لبراكين وزلازل وسيول وأمطار رعدية وشلالات مياه وقاع البحر حتى تظن أن الماء سيطال وجهك وملابسك ! كل ذلك أمامك على المسرح تقنيات تكنولوجية فائقة الجودة , مع استعراضات يقوم بها عشرات الراقصات و الراقصين بأداء متناغم يفوق الخيال .

كان موعد مغادرتنا باريس صباح اليوم التالي حيث تقلع الطائرة المتجهه إلى مدريد في السابعة صباحاً , ممايستوجب أن نكون في المطار في الساعة الخامسة صباحاً , ويجب أن نترك الفندق في الرابعة والنصف على أكثر تقدير , فلم يكن ممكناً أن نخلد للنوم , جلسنا في بهو الفندق نلعب لعبة ( اسكرابيل) وهي تلك اللعبة التي تشبه الكلمات المتقاطعة وتعتمد على ذاكرة قوية في معرفة مفردات غزيرة جداً بالإنجليزية للاستمرار في اللعب , تلك اللعبة التي أدمناها في تلك الرحلة واستغرقتنا حتى موعد مغادرة الفندق .

عند وصول السيارة أمام باب الفندق , بادرنا السائق قائلاً عفوا أيها السادة لن أشّغل عداد السيارة حيث ينص القانون أنه من الواحدة صباحاً حتى السادسة من صباح ذات اليوم تكون الأجرة بالإتفاق بين السائق والراكب وليس بالعداد , ولم يكن أمامنا بديل آخر فقبلنا صاغرين , كانت المفاجأة أن ما طلبه السائق حرفياً أكثر من ضعف ما تقاضاه زميله الذي أوصلنا من المطار إلى الفندق يوم وصولنا لنفس المسافة!

في الطريق إلى المطار في هذا الصباح الباكر قبل بذوغ الفجر نظرت من مقعدي خلف السائق مودعاً شوارع باريس المضاءة ليلاً وعربات غسيل الشوارع تجوب المدينة وصوت المياه ومضخات الشفط تحدث تلك الجلبة قبل بداية زحف أفواج من البشر إلى أعمالهم في ذروة مرورية أخرى قبل ذروة المساء.

إلى اللقاء في لوس أنجلوس

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق