تحليلات سياسية
معضلة بوتين في إفريقيا بعد “دراما” بريغوجين.. كيف تحافظ روسيا على موضع قدم حفرتها “فاغنر”؟
وكالات:
حقق فلاديمير بوتين حلماً روسياً قديماً وبنى نفوذاً متصاعداً في قارة إفريقيا، لكن محاولة التمرد الفاشلة لطباخه بريغوجين دقت ناقوس الخطر، فهل تتمكن موسكو من الحفاظ على وجودها الذي أسسته “فاغنر”؟
فعندما انهار الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من 4 عقود، اضطرت روسيا إلى الانسحاب من القارة السمراء، وخسرت علاقاتها القوية مع عدد من كبار القارة مثل مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا. ومع صعود بوتين إلى قمة هرم السلطة واستعادة دور روسيا كقوة عظمى، كان من الطبيعي أن يكون بناء الوجود والنفوذ الروسي في إفريقيا من أولويات الرئيس الروسي.
حلم روسيا القديم في إفريقيا
كان الاتحاد السوفييتي السابق قد أنفق مليارات الدولارات على مساعدات عسكرية لحلفائه الأفارقة، إلا أن انهيار الحكم الشيوعي في أوائل التسعينيات أجبر روسيا على التراجع عن دورها الواسع على الساحة العالمية. لكن اليوم، عاد النفوذ الروسي في إفريقيا إلى الواجهة مرة أخرى، فبعد 3 عقود تقريباً من انهيار الإمبراطورية السوفييتية، يحمل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على عاتقه مهمةَ إعادة بناء نفوذ موسكو الدولي في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتعتمد الحملة، في جزء منها، على بناء تحالفات مع دول نامية خارج القنوات الرسمية، غالباً من خلال وكلاء مثل متعهدي شركات أمن خاصة وشركات تجارية ومستشارين.
وفي هذا السياق، أصبحت مجموعة فاغنر الروسية رقماً صعباً، ليس فقط من خلال الدور الذي تلعبه كرأس حربة الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل أيضاً كونها باتت أداة التأثير الروسي الأكثر فاعلية، فالشركة الأمنية الخاصة ليست مجرد مرتزقة، بل هي ذراع بوتين الطويلة، وخاصة في قارة إفريقيا.
إذ تعمل روسيا على تعزيز دورها في القارة السمراء، بحيث تكون لاعباً لا يمكن تجاوزه في القارة، بحيث يفرض على الغرب التنسيق مع موسكو في كل ما يخص شؤون إفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، توجد مناطق لها أهمية استراتيجية خاصة في الرؤية الروسية الأوسع، تشمل الوجود المؤثر في البحر المتوسط، ما يعطي للجزائر وليبيا ومصر أهمية خاصة، ومنطقة القرن الإفريقي التي تتحكم في باب المندب والبحر الأحمر، وهو ما يظهر في العلاقات مع السودان وإريتريا وإثيوبيا.
وفي هذا السياق، كانت روسيا قد بدأت في تعزيز وجودها الجيوسياسي في إفريقيا عقب العقوبات التي فرضها الغرب عليها جراء ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، حيث قدمت موسكو نفسها للأفارقة كقوة دولية صديقة، ليس لها إرث استعماري في القارة، تستطيع توفير بدائل عسكرية واقتصادية وسياسية.
وتزامنت تلك المقاربة الروسية مع انسحاب تدريجي للقوى الغربية من إفريقيا وتنامي المشاعر المناهضة للوجود الغربي، وتكلل هذا بعقد القمة الروسية الإفريقية الأولى في سوتشي عام 2019، لتعزيز التعاون الروسي الإفريقي، بحضور قادة 43 دولة من دول القارة البالغ عددها 54 دولة، وممثلين رفيعي المستوى من باقي الدول.
الهدف الرئيسي وراء تعزيز موسكو لدورها في إفريقيا هو أن تكون لاعباً لا يمكن تجاوزه في القارة، بحيث يفرض على الغرب التنسيق معه لمكافحة التمردات وتقليل الاضطرابات في دول إفريقيا، ما يعطي لموسكو أوراق قوة دولية إضافية، لم تبذل الكثير من أجل امتلاكها. بالإضافة إلى وجود مناطق لها أهمية استراتيجية خاصة في الرؤية الروسية الأوسع، تشمل ضمان وجود مؤثر في البحر المتوسط، ما يعطي للجزائر وليبيا ومصر أهمية خاصة، ومنطقة القرن الإفريقي التي تتحكم في باب المندب، وهو ما يظهر في العلاقات مع السودان وإريتريا وإثيوبيا.
ولتحقيق الأهداف، ارتكز الوجود الروسي في إفريقيا على الجانب العسكري والأمني، حيث تعد روسيا أكبر مورد أسلحة لإفريقيا بنسبة 44% بين عامي 2017 -2021، معظمها يذهب إلى مصر والجزائر، حيث تربط روسيا علاقات وطيدة مع الجزائر من الستينيات وهي ضمن أكبر مستوردي السلاح الروسي. كما طور الرئيسان بوتين والسيسي تعاوناً لافتاً بين روسيا ومصر منذ عام 2015، يشمل الجوانب العسكرية والطاقة النووية السلمية.
وبصورة عامة؛ صدرت روسيا أسلحة إلى 22 دولة إفريقية من أصل 54 في تلك الفترة، تليها الولايات المتحدة بنسبة 17% والصين 10% ثم فرنسا 6.1%، ولا تربط روسيا مبيعات أسلحتها بأي شروط، على عكس الدول الغربية التي تربطها بأوضاع حقوق الإنسان.
وحالياً لدى روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع 36 دولة إفريقية تتنوع بين توريد الأسلحة والتدريب وبناء القواعد العسكرية والاستشارات الأمنية والدفاعية، 6 اتفاقيات منها وقعت عامي 2021 و2022 مع إثيوبيا والغابون وموريتانيا ونيجيريا ومدغشقر والكاميرون؛ و20 خلال الفترة بين 2017 و2021، نصفها على الأقل مع دول لم تربطها علاقات سابقة مع روسيا، وهو ما يؤكد تزايد الاهتمام بالقارة، كما قدمت روسيا دعما عسكريا وأمنياً مباشراً لحلفائها عبر قوات فاغنر منذ عام 2017، في دول إفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا والسودان ومالي وبوركينا فاسو، ومؤخراً في السودان.
اعتماد روسيا على الجانب العسكري
تدرك روسيا أن فرصتها محدودة جداً لمنافسة النفوذ الاقتصادي الصيني والغربي في إفريقيا، لذلك؛ تعتمد موسكو على دعم التوجهات المناهضة للوجود الغربي، وترسي آليات للتعاون العسكري والأمني تجعل من موسكو مصدر التسليح الأول للقارة، ومزوداً للأمن الداخلي في عدة دول إفريقية عبر شركات خاصة مثل مجموعة فاغنر، كما أن استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لصالح حلفائها يجعلها ذات أهمية إضافية لبعض دول إفريقيا الخاضعة للعقوبات الغربية.
وفي هذا السياق، تسارعت وتيرة الانتشار الروسي في القارة السمراء بعد عام 2015 في القارة، حيث انتهجت موسكو سياسة مزاحمة الغرب والحضور دائماً كبديل موثوق والمدافع عن سيادة الدول الإفريقية ضد الحظر والعقوبات الدولية، إذ تستخدم روسيا عضويتها في مجلس الأمن في تعزيز علاقاتها بدول القارة التي تواجه عقوبات، فعارضت فرض عقوبات على جنوب السودان عام 2019، وإفريقيا الوسطى عام 2020، وامتنعت عن التصويت ضد أي دولة إفريقية، وهو ما عزز لدى القادة الأفارقة أن روسيا من الممكن أن تكون الحليف القوي لهم في المحافل الدولية، وكذلك في صراعاتهم الداخلية.
فمثلاً عندما أوقفت الولايات المتحدة المساعدات للسودان عقب انقلاب العسكريين وانفرادهم بالسلطة في أكتوبر/تشرين أول 2021، جددت روسيا تعاونها الأمني في فبراير/شباط 2022. وفي إثيوبيا، وقعت روسيا اتفاقية دفاعية وتعاوناً عسكرياً تقنياً عام 2021 عقب إعلان الولايات المتحدة تقييد المساعدة الأمنية لإثيوبيا وإريتريا على خلفية الصراع في إقليم تيغراي.
وبينما قطعت الولايات المتحدة مساعدتها العسكرية عن الكاميرون عام 2019، جددت روسيا اتفاقية التعاون العسكري معها؛ وعلى نفس المنوال في إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو دخلت روسيا كبديل لفرنسا الفاعل التقليدي في هذه الدول.
ومن ناحية أخرى، استخدمت روسيا سياسة تقديم خدمات أمنية وعسكرية مقابل عقود مربحة في مجالي التعدين والطاقة، و/أو مقابل التغلغل في المنظومة الأمنية المحلية داخل دولة معينة ثم الانطلاق منها ولعب دور إقليمي أوسع. فعلى سبيل المثال؛ حصلت روسيا على عقود استخراج الذهب في السودان مقابل تقديم خدمات أمنية وتدريبية للقوات العسكرية في نظام عمر البشير، وعقب سقوطه ورث العلاقة قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بفعل سيطرته على مناجم الذهب.
كما تكرر الأمر في إفريقيا الوسطى مقابل الحصول على الذهب والماس، وفي موزمبيق للحصول على الأحجار الكريمة والغاز الطبيعي، وفي مالي للحصول على الذهب، وفي ليبيا للسيطرة على مناطق النفط فضلاً عن حاجة روسيا الجيوسياسية التقليدية للوجود في البحر المتوسط.
وتدرك روسيا أن فرصتها محدودة جداً لمنافسة النفوذ الاقتصادي الصيني والغربي في إفريقيا؛ حيث لا يمكنها مجاراة صادرات الصين السلعية ولا إنفاقها الواسع على المنح ومشروعات البنية التحتية، كما لا يمكنها مجاراة مبادرات الغرب التنموية التي تمولها مجموعة السبع. وبينما تطمح روسيا لزيادة التبادل التجاري مع القارة إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2024، فإن هذه طموحات، بافتراض تحقيقها، ستبقي روسيا متراجعة خلف الهند.
أي إنه من الناحية الاقتصادية، ما زالت إفريقيا تمثل أولوية متراجعة بالنسبة إلى روسيا، رغم امتلاك القارة بعض الموارد الطبيعية، وأنها سوق كبيرة يمكن أن تساعد روسيا في تجاوز العقوبات الغربية.
إذ لا يزال التبادل التجاري بين الطرفين – باستثناء تصدير الأسلحة – ضعيفاً إذا ما قارناه بالاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة، ففي عام 2020؛ بلغت واردات روسيا من إفريقيا 13.3 مليار دولار مقابل صادرات روسية للقارة بلغت 8.1 مليار دولار بمجموع نحو 21 مليار دولار، بينما بلغ التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي 275 مليار دولار يليه الصين بـ200 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة بـ63 مليار دولار.
قاعدة روسية في القارة السمراء
أحد أهم الأهداف الروسية من التوغل في إفريقيا هو امتلاك قاعدة عسكرية دائمة، تكون مكافئة لقواعد فرنسا والولايات المتحدة والصين واليابان وإيطاليا في جيبوتي المطلة على باب المندب. بدأت المساعي الروسية لإنشاء قاعدة في جيبوتي مبكراً عام 2013، ولكن الولايات المتحدة ضغطت على جيبوتي للرفض، فتقدم الروس بطلب لإنشاء القاعدة في 6 دول إفريقية أخرى، هي: السودان، مصر، إفريقيا الوسطى، إريتريا، مدغشقر، موزمبيق، وكانت الأولوية للسودان وإريتريا لموقعهما الاستراتيجي على باب المندب والبحر الأحمر.
وفي عام 2017؛ وقعت روسيا بالفعل اتفاقية مع السودان لإنشاء قاعدة استراتيجية في بورتسودان على البحر الأحمر كنقطة إمداد لوجستية للقوات الروسية، واتخذت خطوات متقدمة عام 2018، ولكنّ سقوط البشير عام 2019 ودخول السودان في اضطراب سياسي وأمني، كما أن سعي قادة الجيش لتطبيع العلاقات مع واشنطن والغرب حال دون التنفيذ حتى الآن، حيث تذرع قادة الجيش بضرورة عرض الاتفاق على أول برلمان منتخب قبل تنفيذه، وهي خطوة غير مرجحة في المستقبل القريب بالنظر لتدهور الأوضاع في السودان واندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.
يفضل الروس الوجود في بورتسودان؛ لأن الاتفاق مع السودان مكتمل ويعطي صلاحيات واسعة منها الحق في استخدام مطارات السودان في نقل الأسلحة والذخيرة والمعدات اللازمة لدعم القاعدة. كما أن وجود قاعدة في الميناء الاستراتيجي يسهل من قدرة موسكو على توفير الإمداد اللوجيستي لعملياتها ومقاتليها في أجزاء أخرى من القارة. والأهم من ذلك؛ أن هذا الوجود يربط الوجود الروسي في شرق المتوسط في اللاذقية السورية بالبحر الأحمر مجدداً بعد أن فقدت روسيا وجودها البحري الاستراتيجي مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ويوفر ميزة استراتيجية تتمثل في خط بحري روسي يمتد من البحر الأسود، مروراً بالبحر المتوسط، ومنه إلى البحر الأحمر، الذي يعني الوصول إلى المحيطين الهندي والهادئ؛ حيث تتركز الجهود الأمريكية للسنوات العشر المقبلة.
وفي ظل تعثر المشروع في السودان؛ من المحتمل أن تبحث روسيا بشكل جاد إنشاء القاعدة في إريتريا التي تتمتع بموقع استراتيجي مماثل، فقد تعززت علاقات إريتريا مع روسيا عقب انتهاء الحظر المفروض عليها من الأمم المتحدة عام 2018، وطلبت من روسيا إمدادها بالسلاح، وبدأت مباحثات حول الإمكانيات اللوجيستية لميناء مصوع المطل على البحر الأحمر وتطوير مطار المدينة لاستخدامه من قبل الروس.
لكن على الرغم من عدم ممانعة الإريتريين، فإن الروس لم يتخذوا خطوات متقدمة حتى الآن، ولكنّ روسيا واصلت حماية إريتريا من إجراءات مجلس الأمن الدولي رداً على تورط القوات الإريترية في الصراع بإقليم التيغراي الإثيوبي، في المقابل؛ كانت إريتريا هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي صوتت ضد قرار الأمم المتحدة لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”.
وفي نفس الوقت؛ تدرس روسيا بدائل أخرى غير بحرية حيث كشف وزير دفاع إفريقيا الوسطى، في مايو/أيار 2023، عن محادثات تجريها بلاده مع روسيا بشأن إنشاء قاعدة عسكرية لدعم جيش بلاده والمساعدة في حل المشكلات الأمنية وتنمية البلاد.
دور فاغنر الأساسي في بناء النفوذ الروسي
اعتمدت الاستراتيجية الروسية لتنفيذ أهدافها في إفريقيا على الشركات العسكرية الخاصة بدلا من الاعتماد على الجيوش الرسمية؛ حيث لم تقم موسكو بأي عمليات انتشار عسكري في إفريقيا خلال نصف قرن، ونفذت أنشطتها العسكرية والأمنية حصريًّا بمساعدة المرتزقة. وتشير التقديرات إلى أن شركات روسيا العسكرية نفذت على الأقل 34 عملية في 16 دولة إفريقية منذ عام 2005.
وخلال السنوات الأخيرة، تصدّرت فاغنر المشهد؛ حيث لعبت “الدور الرئيسي في تلك العمليات، حيث بدأت منذ عام 2017 بالعمل كمستشارين في عدد من الدول الإفريقية، ثم تطورت المهام لتقديم خدمات حراسة للرؤساء والمسؤولين بجانب التدريب وتقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن المحلية، وحتى المشاركة مباشرة في القتال، وتعتمد قوات مجموعة فاغنر على التمويل الذاتي المرتبط بمموليها الخاصين والعقود الاقتصادية التي تجريها في الدول المعنية، ولا تكلف الإدارة الروسية أي أعباء مالية.
وتنشط فاغنر بصورة خاصة في السودان، حيث كان الظهور الأول لها عام 2017، عقب زيارة زيارة البشير إلى موسكو وطلبه بشكل علني من بوتين المساعدة ضد التدخلات الأمريكية في الشؤون السودانية، فبدأت مجموعة فاغنر تدريب عناصر الاستخبارات السودانية وقوات الدعم السريع على التصدي للتظاهرات مقابل عقود للتنقيب عن الذهب في عدة مواقع في جبال النوبة ودارفور وولاية نهر النيل، ولكنها لم تستطع تقديم الدعم اللازم لمنع سقوط البشير في أبريل/نيسان عام 2019، ونظراً لسيطرة الدعم السريع على معظم مناجم الذهب توثقت علاقة قوات الدعم السريع بفاغنر، وتم الاتفاق على الشراكة بينهما في تجارة الذهب والسلاح.
وأنشأت فاغنر معسكراً قرب حدود السودان مع جمهورية إفريقيا الوسطى، استخدمته في نقل الأفراد والسلاح لدعم حكومة إفريقيا الوسطى ضد المتمردين، وفي ديسمبر/كانون أول الماضي ساهمت قوات الدعم السريع بجانب فاغنر في معارك مع المتمردين داخل حدود إفريقيا الوسطى، وفي القتال الحالي بالسودان تُقدم فاغنر دعماً لوجستياً وفنياً أساسياً لقوات الدعم السريع في معاركها بالخرطوم.
أما جمهورية إفريقيا الوسطى، التي تشهد حرباً أهلية منذ عام 2013، فقد وافقت الأمم المتحدة عام 2017 على قيام روسيا بمهمة تدريب عسكرية رسمية واستثنائها من حظر الأسلحة، فأقام الروس معسكرات لتدريب قوات الجيش والشرطة على مواجهة التمرد، وسيطر الروس على مناطق واسعة ضمَّت مناجم الماس والذهب واليورانيوم، كما هيمنت على كل المهام الأمنية الحساسة في البلاد، وقاد ضابط الاستخبارات الروسي، فاليري زخاروف، المفاوضات مع المتمردين بعد تعيينه مستشاراً للأمن القومي للرئيس.
وفي عام 2018؛ توسع النشاط الروسي، وبدأت مشاركة قوات فاغنر في القتال وحماية المسؤولين، فضلاً عن استخدام العنف والترهيب لاحتكار صناعة الماس المربحة للغاية في البلاد.
أما في ليبيا، فقد بدأ الدور الروسي في مرحلة مبكرة من خلال التعاون مع مصر في تدريب قوات شرق ليبيا التي يقودها خليفة حفتر، وبرز وجود فاغنر في ليبيا خلال عام 2018، ولعبوا دوراً مهماً في هجوم قوات حفتر الفاشل على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، حيث شاركوا في القتال فضلاً عن قيامهم بأعمال الحراسة لحقول النفط الواقعة ضمن مناطق سيطرة حفتر.
ومنذ ذلك الحين؛ تتمركز فاغنر بقاعدة القرضابية الجوية في سرت ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا، وبحسب تقرير أممي في مايو/أيار 2020، بلغ عدد مقاتلي فاغنر في ليبيا قرابة 1000 مقاتل، لكن مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية سحبت روسيا معظمهم للمشاركة في العمليات بأوكرانيا.
ومع بداية عام 2022؛ بدأت قوات فاغنر بالانتشار بشكل رسمي في مالي من أجل تقديم الدعم العسكري واللوجستي للجيش، وفق اتفاق ينص على نشر 1000 مقاتل نظير 10 ملايين دولار، والسماح لفاغنر بالتنقيب عن الذهب، ومع مغادرة القوات الفرنسية والأوروبية حلت محلها قوات فاغنر، وعدد من المدربين الروس، وتلقت مالي مساعدات عسكرية روسية تنوعت بين رادارات مراقبة حديثة وطائرات هليكوبتر وأسلحة أخرى، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي؛ إذ استلمت مالي 6 طائرات حربية روسية.
ماذا تعني دراما فاغنر إذاً؟
لكن الآن توجد عوامل ثلاثة من المتوقع أن تجعل وتيرة تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا بطيئة وغير مستقرة. أولاً: تأثير حرب أوكرانيا على مواصلة روسيا إمداد إفريقيا بالسلاح وتوفير المرتزقة. ثانياً: الضغوط الغربية على دول القارة للحد من تطوير التعاون العسكري مع روسيا. ثالثاً: حالة الاضطراب والهشاشة التي تعاني منها بعض دول القارة، والتي تجعل من إقامة تحالفات طويلة الأجل عملية مشكوك فيها.