مركز الدراسات
حسابات حزب الله تجاه التصعيد في غزة – رحاب الزيادي
منذ اندلاع أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، أثيرت تساؤلات عن موقف حزب الله ودوره في ظل التصعيد الذي تقوم به إسرائيل تجاه قطاع غزة، إذ لم ينخرط الحزب بالصورة المتوقعة منه كونه عنصرًا أساسيًا لدى محور المقاومة أو الممانعة، وأثيرت الشكوك نحو إيران ووقوفها وراء العملية التي قامت بها حماس خاصة أنها تدعم ماليًا كلًا من حماس وحركة الجهاد الإسلامي بنحو مائة مليون دولار سنويًا، ويقوم حزب الله بتقديم التدريب لحركة حماس، وبالرغم من ذلك نفت إيران وحزب الله أي صلة وراء حثّ الحركة على القيام بهذه العملية، لكن مع تطور الهجمات الإسرائيلية، بدأ الحزب ينخرط بشكل محسوب، لكن لم يرقى إلى مستوى حرب لبنان في عام 2006، واقتصرت الهجمات على مزارع شبعا وتلال كفر شوبا في المنطقة الحدودية التي تسيطر عليها إسرائيل، إذ أطلق الحزب في 8 أكتوبر صواريخ على قاعدة عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، وفي 9 أكتوبر كانت بعض محاولات التسلل من قبل جماعات فلسطينية بإطلاق النار على المناطق المجاورة على الجانب اللبناني من الحدود، ونتيجة لهذه الغارات قُتل اثنان من حزب الله، وكان القتال مقتصرًا على جانبي الحدود بعمق حوالى 5 كيلومترات، وهو النطاق المحدد للذخيرة الموجهة المضادة للدبابات التي يستخدمها الحزب، وردًا على ذلك قصفت إسرائيل برج مراقبة لحزب الله، أي اتسم الاشتباك بين الطرفين بالردع المتبادل.
كذلك، انخرط وكلاء إيران بالعراق باستهداف قواعد أمريكية في قاعدة عين الأسد، وقاعدة حرير في أربيل بهجمات بطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى استهداف القوات الأمريكية في قاعدة التنف في سوريا، ونتج عن هذه الهجمات إصابة بعض الجنود الأمريكيين، وتعهدت (عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب حزب الله، ومنظمة بدر) بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة إذا تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب. كما أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل أسقطتها السفينة البحرية الأمريكية “يو إس إس كارني”، وردًا على ذلك قامت الولايات المتحدة بإرسال قوات بحرية إلى شرق البحر المتوسط ووصول حاملتي الطائرات “جيرالد فورد”، “يو إس إس أيزنهاور” لردع حلفاء إيران عن فتح جبهات جديدة مع إسرائيل أو تهديد مصالحها في المنطقة.
اعتبارات حاكمة
على مستوى التنسيق السياسي: جمع لقاء بين “حسن نصر الله” والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي “زياد النخالة” ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “صالح العاروري” في لبنان في 25 أكتوبر الماضي، سبقه لقاء آخر في سبتمبر الماضي بين وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” والأمين العام لحزب الله، لكن ظل الحزب صامتًا حتى خروج حسن نصر الله بخطابه في 3 نوفمبر الجاري، ومباركته لجهود المقاومة وتأكيده في أكثر من مرة أن عملية طوفان الأقصى فلسطينية خالصة، كمحاولة منه لنفي أي تكهنات عن مسئولية إيران عن اندلاع الأحداث في غزة، وعدم جر حزب الله أو إيران إلى حرب أوسع نطاقًا في الوقت الحالي بما لا يتناسب مع حساباته. وبالرغم من تلميح حسن نصر الله بأن كل الخيارات مطروحة، لكن يظل الانخراط محدودًا في الوقت الحالي، وفي تقدير الحزب أن التضحيات من قبل المدنيين الفلسطينيين ليس سوى ثمن ضئيل في مقابل استمرار المقاومة ضد العدو، مع مباركته لجهود فصائل المقاومة في العراق، واليمن، وفي غزة، وسوريا، وحثها على الاستمرار، بما يخدم نفوذ حزب الله والحفاظ على وزنه كأحد أهم أقطاب محور المقاومة من ناحية، ومن ناحية أخرى كضمانة لعدم توريطه بشكل مباشر في حرب إقليمية.
وفيما يلي يتم توضيح بعض الاعتبارات الحاكمة لحسابات حزب الله اللبناني على النحو الآتي:
• الرؤية الإيرانية: ترغب إيران في الحفاظ على دور الحزب كإحدى أهم أدوات الردع ضد أي ضربات إسرائيلية، والاحتفاظ بها كورقة ضغط وتوظيفها في الوقت المناسب، وبحسب خطاب نصر الله في 3 نوفمبر تبين أن التصعيد إلى مستوى الحرب الإقليمية مرهون بقيام إسرائيل بالتهجير القسري لسكان غزة وتوسيع عملياتها لتدمير حماس، بما يمثل ذلك اختبارًا لموقف الحزب ولإيران خلال الفترة القادمة، ومن ناحية ثانية تظل الحسابات الإيرانية تراقب الجهود الإقليمية والدولية لوقف التصعيد الإسرائيلي، في ظل حرص بعدم توسيع نطاق الحرب إلا في حال تصاعد الاستفزازات الإسرائيلية. وربط الحزب أمر التصعيد بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل التي تمثل أداتها في المنطقة، وأن جميع الخيارات مطروحة وكل الاحتمالات واردة، لكن ربما يفضل الحزب في الوقت الحالي خيار تدريب حماس وتوجيه ضربات تضامنية وضد أهداف صغيرة، للحفاظ على مقاتلي حزب الله وناخبيه وتجنب تدمير أكثر للبنان في ظل ظروف متدهورة بالفعل.
• الأزمات اللبنانية: تأتي الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان ضمن اعتبارات الحزب إزاء موقفه من التصعيد، حيث تعاني لبنان من أزمات داخلية وشغور في منصب رئيس الجمهورية وحكومة مؤقتة لتصريف الأعمال، ومن ثَمّ فإن الأوضاع غير ملائمة نحو التصعيد من جبهة لبنان، بالإضافة إلى الحرص على عدم تراجع قوته الشعبية في لبنان، ومن ثَمّ يأخذ حزب الله في حسبانه انهيار مؤسسات الدولة، وضعف الاقتصاد في ضوء تراجع قيمة العملة اللبنانية، وارتفاع التضخم، إضافة إلى عدم توفر الدعم المادي لإعمار البنية التحتية في حال تصعيد الحرب على الجبهة اللبنانية. من ناحية ثانية فإن الحزب منخرط كقوة سياسية في الحكومة والبرلمان، ومن ثَمّ لديه حرص بالحفاظ على قوته السياسية التي قد تهددها، أي خطوات بعيدة لتصعيد الحرب، خاصة أن هناك تهديدات إسرائيلية من قبل رئيس المجلس القومي الإسرائيلي بأن الرد في حال توسيع الحرب بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.
• صراعات سياسية: يعاني الحزب من صراعات داخلية وتفكك في تحالفاته وعدم وجود تأييد سياسي كما كان الحال في حرب 2006، إذ كان حليفه آنذاك رئيس التيار الوطني الحر “ميشال عون”، بينما يرأسه اليوم “جبران باسيل” وبينهما توترات سياسية على مرشح منصب رئيس الجمهورية اللبناني، من ناحية ثانية هناك توترات سياسية بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية، ويرفض رئيسه “سمير جعجع” انخراط لبنان في الحرب بما يسبب في تدمير أكثر للدولة، إذ إن الأوضاع الحالية تختلف عن حرب 2006 حيث فتحت منازل اللبنانيين لاستقبال الأفراد الذين نزحوا من الجنوب بسبب القصف الإسرائيلي لمدنهم وقراهم، أما الوضع الحالي في حال اشتعال الحرب على جبهة لبنان، وفي ظل أزمة اقتصادية لن يكون مُرحبًا بنازحين آخرين.
• خسارة النفوذ: تمثل الخسائر التي تعرض لها الحزب في حروبه السابقة سواء بمشاركته في سوريا وخسارة نحو 2000 مقاتل، وفقدان 1000 لبناني وتشريد نحو مليون فرد في حرب 2006، عاملًا مؤثرًا قد يؤجج الشارع ضده، إذ يقع مقر الحزب وسط المدنيين في حي الضاحية في بيروت، ويتركز الشيعة في ضواحي بيروت الجنوبية وأجزاء من وادي البقاع، وهي المناطق التي ركزت إسرائيل على قصفها في حرب 2006، بما يعني أن أي هجمات على مواقع الحزب ستطال المدنيين في لبنان. وخلال الأحداث الجارية في غزة، تم اختراق الأراضي اللبنانية بالطيران والقصف الإسرائيلي، وسقط قتلى من الصحفيين والمدنيين، بالإضافة إلى وقف العمل في حفر البلوك رقم 9 في حقل الغاز البحري، وهي خسائر قد تتفاقم في حال توسيع الحرب على هذه الجبهة.
ختامًا، يظل الحذر تجاه فتح جبهة جنوب لبنان والانخراط في مواجهة شاملة مرهونًا بالاعتبارات السابقة، وبحسابات التكلفة البشرية والمادية، وتجنب ضغوط أخرى على إيران، في ظل ملفات عالقة كبرنامجها النووي ودعمها لروسيا بأسلحة في أوكرانيا، وأزماتها الداخلية، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة عليها.