أخبار الجالياتالجالية المصرية في أمريكامقالات
بين الشرق والغرب ومحاولة لإحياء الأمل في قلوب المهمشين – سيد فودة
بقلم: سيد فودة
ولاية كونيتيكت، الولايات المتحدة الأمريكية
كمهاجر مصري بالولايات المتحدة الأمريكية، أعيش قصة متشابكة بين موطني الأصلي وأرض الأحلام التي استقبلتني.
أقيم على الساحل الشرقي الأمريكي، حيث تتجلى الآمال الجديدة والطموحات العريضة، وبالرغم من ذلك، لم تُمحِ الهجرة ذكرياتي عن بلادي، أو انتمائي العربي، أو حتى تلك الأوضاع المعقدة التي يشهدها الشرق الأوسط.
من تجاذب هذه الأفكار والمشاعر، نبعت فكرة إنشاء “مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان”، التي تحمل على عاتقها مهمة إنسانية وهي مساندة الفئات المهمشة والأكثر إحتياجاً، والعمل على تمكينهم اقتصادياً واجتماعياً، مع سعي مستمر لإعادة دمجهم بفاعلية في المجتمع.
بدأت مسيرتي في عالم العمل الإنساني والحقوقي منذ أكثر من 14 عامًا، وكانت الشرارة الأولى لهذه الرحلة الطويلة تجربة شخصية مؤلمة ومحورية في حياتي.
فقد كانت إصابة أخي الأصغر بفيروس أثر في النخاع الشوكي، مما تسبب في إصابته بالشلل، تجربة قاسية شهدت خلالها معاناته الطويلة والألم الذي عاشه، وصولاً إلى وفاته بعد سنوات.
هذه التجربة المؤلمة فتحت عيني على واقع صعب يعيشه الكثيرون ولا يلقون الدعم الكافي.
تلك اللحظات العصيبة التي عايشتها إلى جانب أخي وأسرتي، جعلتني أدرك العبء الثقيل الذي يحمله ذوو الإعاقة وأسرهم، أيقنت حينها بأن هناك حاجة ماسة لوجود من يقف إلى جانبهم، يدافع عن حقوقهم، ويساعدهم على التغلب على التحديات التي يواجهونها يوميًا.
كانت هذه الفكرة هي الدافع وراء إنشائي لـ”مؤسسة مجتمع مدني”، التي تهدف إلى الدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، والعمل على تمكينهم اجتماعيًا واقتصاديًا.
في المؤسسة، نسعى لتوفير تدريبات وبرامج تعليمية تمكن هذه الفئات من إيجاد فرص عمل لائقة وآمنة، وتساعدهم على الاندماج بشكل فعال في المجتمع. إن مهمتنا لا تقتصر على توفير الدعم فحسب، بل تتعداه إلى بناء منصة قوية للتوعية وتغيير النظرة المجتمعية تجاه هذه الفئات، مما يسهم في خلق مجتمع أكثر شمولية وتقبلاً.
بعد تأسيس “مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية”، وجهت اهتمامي نحو توسيع نطاق دعمنا ليشمل فئات أخرى بحاجة ماسة إلى المساعدة.
بشكل خاص، ركزت على دعم النساء، ولا سيما اللواتي تعرضن للعنف، وكذلك اللاجئين الذين فروا من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية. هذه الفئات، التي تُقدر بالملايين حول العالم، تواجه تحديات جمة وعواقب وخيمة ناتجة عن النزاعات والأزمات.
تعتبر النساء ضحايا العنف من الفئات الأكثر ضعفًا، حيث تترك تجاربهن أثرًا عميقًا يتطلب مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد للدعم والتعافي.
من جهة أخرى، يواجه اللاجئون تحديات معقدة تتعلق بالتكيف مع الحياة في بلدان جديدة وتحمل آثار الصدمات النفسية والاجتماعية. من خلال التركيز على هذه الفئات، نأمل في تقديم الدعم اللازم لمساعدتهم على التغلب على هذه التحديات والعمل على دمجهم بشكل فعال في المجتمعات التي يعيشون فيها.
إن مبادرتنا لدعم هذه الفئات لا تعتبر مجرد مساهمة في حل مشكلات فردية، بل هي جزء من جهودنا الأوسع لبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وعدالة، وتحقيق السلام والتنمية المستدامة على المستوى العالمي.
في بيكسولوجي، نحن نعمل ليس فقط على تقديم المساعدة، بل على إحداث تغيير جذري في حياة الناس. من خلال الدمج في المجالات التكنولوجية والتقنية، نحن نفتح الأبواب أمام فرص جديدة ومستقبل أفضل. نؤمن بأن العلم والتمكين يمكن أن يحطمان الحواجز ويخلقان مجتمعات أكثر تقبلاً وتعاونّا
في إطار التزامي المستمر وجهودي لتعزيز مهمة “مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان” على الصعيد الدولي، كان لي الشرف بحضور الدورة الثانية والخمسين من دورات الأمم المتحدة التي عقدت في جنيف، سويسرا، في عام 2023.
هذه التجربة لم تكن مجرد فرصة للتعلم والتبادل الثقافي، بل كانت أيضًا منصة حيوية لتقديم وجهات نظر المؤسسة ومشاركة خبراتنا مع المجتمع الدولي.
خلال هذا الحدث البارز، تمكنت من التواصل مع قادة وممثلين من مختلف أنحاء العالم، مما أتاح لي الفرصة لتوسيع نطاق تأثيرنا واستكشاف آفاق جديدة للتعاون الدولي. هذه الخطوة تعكس التزامنا بالتواصل مع الجهات الدولية لتحقيق أهدافنا المتعلقة بتحسين حياة الفئات المهمشة والمساهمة في إيجاد حلول مستدامة للتحديات العالمية.
من خلال هذه الجهود، نأمل في “بيكسولوجي” أن نكون جزءًا من حل مشكلات كبيرة مثل الهجرة غير الشرعية والتطرف. نعمل على توفير بدائل ملموسة وفعالة تمنح الأمل وتعزز الكرامة الإنسانية. فقد أظهرت السنوات الماضية أن الحلم، عندما يتحول إلى عمل وإصرار، يمكن أن يصبح واقعاً يعيشه الجميع.
وفي الختام، أتذكر دائمًا كلمات إليانور روزفلت التي تعكس جوهر عملنا في “بيكسولوجي للسلام والتنمية”: “حيث تبدأ حقوق الإنسان، هناك في الأماكن القريبة، في العالم الصغير الذي يحيط بالفرد؛ حيث يعمل الإنسان، ويتعلم، ويلعب، ويعيش مع أسرته.” إنها تذكير بأن معركة حقوق الإنسان تبدأ من الجهود المحلية، وتنتشر لتشمل العالم بأسره، وهذا ما نسعى إليه في كل خطوة نخطوها نحو تحقيق رؤيتنا وأهدافنا.