مقالات
أخر الأخبار

ظلال السفر – هشام المغربي

بقلم: هشام المغربي

بيتسبرج 2024

لم تزل رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية الشهر الماضي تلقي بظلالها على تفكيري حتى اليوم.

رغم كونها الرحلة الرابعة لي في بلاد العم سام إلا إنها ربما المرة الأولى التي شغلت تفكيري إلى هذه الدرجة، ربما لم تكن أسفاري السابقة لها مثل تلك السفرة، حيث كانت أسفار مكوكية للعمل سواء لحضور مؤتمر أو زيارة معرض أو غير ذلك من رحلات لها علاقة بعملي وكنت دائماً ما أن أفرغ مما قدمت من أجله حتى أتجه فوراً إلى المطار ممتطياً طائرة العودة إلى مصر.

اختلف سبب زيارتي هذه المرة فهي زيارة من الممكن أن نطلق عليها زيارة عائلية مع زوجتي وليس هناك ما يدفعنا للعودة سريعاً كعادتي في أسفاري السابقة فنحن في إجازة صيف وقد قررنا أن نخلد قليلاً للراحة من العمل خلال تلك السفرة وأن نهنأ برحلة ليست متعجلة كما اعتدنا كل مرة.

توقفنا عدة أيام في العاصمة الأمريكية واشنطن قبل أن نصل لمدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا التي وصلنا لها بعد رحلة طويلة من الإسكندرية وتوقف سبع ساعات في مدينة زيورخ السويسرية، مدينة تكتسي باللون الأخضر الذي يحيط بنا من كل جانب …عندما جاء إلينا شقيق زوجتي ليصطحبنا معه بسيارته من واشنطن إلى بيستبرج حيث يقيم، لم نرى حولنا سوى مساحات خضراء وجبال يكسوها الخضار على طول الطريق حتى وصلنا إلى تلك المدينة الجميلة الهادئة.

تعتبر بيتسبرج ثاني أكبر مدينة في ولاية بنسلفانيا وتقع على تقاطع نهر مونونجاهيلا ويطلق عليه سكان بيتسبرج نهر (مونو) مع نهر الليجني ونهر أوهايو، تتميز بتضاريس جبلية تميزها عن كثير من المدن الأمريكية وبها عدد من الجامعات ولعل أهمهم جامعة بيتسبرج وهي واحدة من أقدم الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وتأسست عام 1787 ويأتي بعدها جامعة كارينجي ميلون.

مدينة بيتسبرج صغيرة مقارنة بسائر المدن الأمريكية الأخرى من حيث تعداد السكان ولكنها مدينة مميزة بها عدد من المكتبات العامة ولفتني أن بها أقسام لبيع الكتب بمحلات ليس نشاطها الأساسي بيع الكتب مثل ملابس الأطفال ولعب الأطفال والصيدليات والأدوات المنزلية وبعض محلات المفروشات والمولات التجارية.

كعادة الأمريكان دائماً ما يحتفون بأي أثر تاريخي لديهم فوجدنا صروحاً معمارية عمرها لا يتجاوز المائتي عام منها مبنى الجامعة ومبنى مكتبة كارينجي والحديقة العامة التي وضع بها بعض تماثيل لشهداء الحرب الأهلية الأمريكية وغيرها، كان اندهاشي من حفاوتهم بهذا التاريخ القصير جداً لدولتهم الذي لا يتعدى تاريخها كله عدة سطور في كتاب تاريخ مصر ذات السبعة آلاف عام.

منطقة (هارتمان فارم) التي أقمنا بها تبعد عن وسط المدينة قرابة 25 دقيقة بالسيارة منطقة تحيط بها الأشجار والمسطحات الخضراء من كل جانب ويتناثر بها مجموعات منظمة من الفيلات روعي في تصميمها أن تكون ذات اتساق واحد من حيث الارتفاعات والتقاطعات والتباعد بينها البعض.

دعينا من أحد جيران شقيق زوجتي لحضور حفل تخرج ابنته الكبرى هو هندي الجنسية يسكن في الفيلا المقابلة له مباشرة, أكد لي شقيق زوجتي عندما تلقى الدعوة لحضور الحفل أنه أخبره أن لديه ضيوف من مصر وقد لا يستطيع تلبية الدعوة لذلك، فأصر الجار الهندي على دعوتنا قائلاً له أرجوك أن تأتي بهم معك إلى الحفل سأكون سعيداً باستقابلهم لاتحرمني هذه الفرصة!

كانت تجربة مثيرة بالنسبة لنا…. الحفل به عدد كبير من الهنود والباكستانيين وبعض الأمريكان البيض، استقبلنا عند باب شقته بترحاب شديد هو وزوجته، وقمنا بخلع أحذيتنا جميعاً عند الباب كما طلب منا.

قام بإعداد طاولة مفتوحة وقام بنفسه بسكب الأطباق لنا، جرت العادة لديهم أن تبدأ تناول البوفيه بالدجاج المشوي المتبل بنكهات مختلفة كفواتح للشهية، ثم بعد ذلك يمكن أن تتناول الأطباق الهندية الشهيرة مثل التندور بالكاري، أو الفلفل المقلي بالدقيق، والأكلات المطبوخة بالكاري من الخضروات والأرز أو أكلات الزبادي المخلوط بالصلصة الحريفة والبهارات الهندية ذات النكهات المميزة والخضروات واللحوم .

تفرقنا نتحدث كل منا مع بعض الحضور فرادى، ثم بدأ الضيوف بالانصراف تباعا، وغادرنا الحفل وقام بتودعينا حتى الباب وكانت السماء تمطر بغزارة بالخارج فقام بإحضار مظلة لنا حتى لا نغرق من الماء المنهمر، على الرغم أننا سنصل إلى البيت فور عبورنا الشارع في أقل من دقيقة واحدة إلا أن إصراره عكس مدى كرمه وطيب أخلاقه وحسن ضيافته، وكانت تجربة لاتنسى.

في أحد الأيام قررنا أنا وزوجتي أن نخرج من البيت صباحاً على غير هدى أن نسير قدر ما نستطيع، السير في هذه المدينة في حد ذاته متعة لأننا نسير بين المروج الخضراء والأشجار المثمرة على طول الطريق, ومن الطريف أن سقطت فوقنا ثمرتين من ثمار اليوسفي الشهية!

وبما أن للمدينة طبيعة جبلية فكان السير منهكاً بعض الشيء لأننا نصعد مرتفعات ثم نهبط حتى مستوى الأرض ثم نعاود الصعود مجدداً وهكذا لم نكترث بكل ذلك… وإذ بنا سرنا خمسة كيلومترات دفعة واحدة دون أن نشعر ومثلهم للعودة للبيت.

حذرنا شقيق زوجتي قبل خروجنا أن نحترس من الغزلان التي تعبر الطريق مسرعة كالطلقة حتى لاتصطدم بنا، حيث تكثر في هذه المنطقة ( هارتمان فارم ) الغزلان الشاردة، وحدث بالفعل أن شاهدناها تعبر الطريق مسرعة وتختفي بين الأشجار.

عند انتهاء إجازتنا وقرب موعد إقلاع طائرتنا للعودة إلى واشنطن عدة أيام ثم العودة مجدداً إلى مصر شعرنا بحنين غريب يجذبنا إلى الولايات المتحدة مزحت زوجتي معي قائلة:

إذا كان الحل الوحيد للحصول على إقامة هنا أن تتزوج فلتفعلها! بشرط أن تكون زنجية شمطاء تتقاضى أجر هذا الزواج وترحل بعد حصولك على الإقامة الدائمة…

قلت لها إذا كانت ستحسب علي زيجة وفي كل الأحوال سترحل لم لا تكون أمريكية صغيرة السن جميلة الشكل؟ ههههههههههههههه

وضحكنا معاً ونظرت إلي قائلة:

لا صرفت نظر عن هذا الحل البغيض .

الحياة في الولايات المتحدة ليست مفروشة بالورود وقرار الهجرة من مصر ربما تأخر كثيراً إلا أنني أؤمن بالمثل الإنجليزي القائل (ليس هناك وقت متأخر أبداً) والمقصود أن تبدأ ما دمت قادراً على العطاء أي كان العمر.

نحن لم نفكر أبداً طيلة حياتنا أن نترك مصر إلا بعد أن ساءت الأحوال إلى درجة لم نعد نقوى على مواجهتها.

ربما يأتي اليوم الذي نقرر فيه أن نبدأ من جديد حياة جديدة ليست بالضرورة في بلاد العم سام ربما في مكان آخر حيث بلاد الله واسعة.

وإلى رحلة جديدة ربما كانت قريبة.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق