بقلم: هشام المغربي
جلس الحمار فوق كومة التبن الكبيرة يحكي لصديقه الحصان الجالس بجواره عن أمنياته عندما كان جحشاً صغيراً يعيش مع والديه قبل أن يصبح حماراً كبيراً ويعرف معنى الحياة.
استمع الحصان باهتمام كبير قائلاً: أريد أن أعرف منك هذه القصة لابد أنها قصة طريفة يا صديقي تفضل أكمل….
الحمار: كنت أشاهد كل يوم في ذهابي إلى الإسطبل مع والدي حماراً وحشياً جميلاً، وكنت أنظر إلى هذه الخطوط العرضية السوداء التي تلف جسده كله بإعجاب شديد وتمنيت أن أصبح مثله…
صهل الحصان ضاحكاً: أنت غير معقول في حكايتك أكمل… أكمل ..
أكمل الحمار حديثه: صارحت والدي برغبتي هذه، نظر إليّ نظرة لازلت أذكرها ثم سخر مني وقال هذه تخاريف من المستحيل أن يحدث ذلك، عندما تكبر وتصبح حماراً ستعرف قيمة (أن تكون أنت كما أنت).
أكملت السير بجواره صامتاً ولكن من داخلي كنت غير مقتنع بما قاله لي.
ذهبت إلى أمي (الأتان) الجميلة وقلت لها ما قلته لأبي
ربتت عليّ ثم قالت: مستحيل أن يحدث ذلك عندما تكبر ستعرف قيمة (أن تكون أنت كما أنت).
كنت أذهب كل يوم إلى حيث يعيش الحمار الوحشي وأقف أمامه معجباً به، وذات يوم قال لي الحمار الوحشي:
ماذا بك أيها الجحش الصغير تنظر لي كل يوم هكذا دون أن تتحدث ثم تنصرف دون أن أعرف ماذا تريد.
نظرت له خجلاً وأطرقت رأسي للأرض قائلاً:
الحقيقة أنا معجب بشكلك لأنك مختلف عن باقي الحمير، وهذه الخطوط حول جسدك تزيدك جمالاً… ثم أضفت: أريد أن أصبح مثلك يوماً
أطلق الحمار الوحشي نهقه عالية صائحاً من المستحيل أن يحدث ذلك.
تركته وانصرفت حزيناً ولكن ظلت الفكرة تداعب خيالي.
كل ما في الأمر أن أجد من يخطط لي جسدى الأبيض الباهت ليصبح مخططاً بهذا اللون الأسود الجميل!
كنت مقتنعاً أن هذا الشكل سيجعلني جميلاً حقاً ويجعل كل الحيوانات تحبني، وربما بعد ذلك قلدتني بعض الحمير، وربما أصبحت مثلاً أعلى لهم …
ذهبت إلى بعض أقربائي من الحمير والبغال وصارحتهم جميعاً برغبتي هذه، ربما أجد بينهم من يساعدني، ولكن سرعان ما رفضوا جميعاً هذه الفكرة وقالوا مستحيل أن يحدث ذلك…
تركتهم وأنا غير مقتنع لماذا يرفض الجميع ذلك؟
ذات يوم جاء إلى الحديقة المجاورة لنا أحد عمال الدهانات حيث كان يعيد دهان سور الحديقة الحديدي باللون الأسود الجميل الذي أحببته، وجدتها فرصة سانحة!
جريت نحوه لاهثاً: هل من الممكن أن تساعدني؟
نظر إليّ بتعجب قائلاً كيف أساعدك أيها الجحش الصغير؟
نظرت إلى علبة الدهان الأسود اللامعة بين يديه وقلت له:
أريدك أن ترسم جسدي بهذا اللون لأصبح مثل الحمار الوحشي مخططاً، أنا أكره لوني الأبيض الباهت هذا…
ضحك الرجل كثيراً قائلاً: إذا كانت هذه رغبتك فلا مانع لديّ ولكني أراك أجمل كثيراً (أن تظل كما أنت).
قلت له متوسلاً: إذا لم يكن لديك مانع أرجوك أن تفعل فهذه أمنيتي وليست رغبتي فقط…
ضحك ثانية وقال: سأحقق لك رغبتك ولكن تذكر أنني حذرتك أن تفعل ذلك ولا تندم بعد ذلك.
قلت له: لا لن أندم … تفضل أنا الآن أمامك…
وبدأ فعلاً في رسمي بالخطوط العرضية حتى أصبحت كثير الشبه بالحمار الوحشي
شكرته وانصرفت سعيداً …. كنت أرقص من الفرحة…
كانت شمس الظهيرة بدأت تشتد وبدأ الدهان حول جسدي يجف ثم بدأت أشعر بجسدي وكأن شخصاً يجذبني من جلدي وصرت أتألم وكلما مررت على أحد من الحيوانات كان يسخر مني ويضحك …
بكيت لسخريتهم مني، وقد تصورت أنهم سيحبون شكلي الجديد!
عندما ذهبت إلى البيت كنت قد بلغت من الألم أقصاه، ولم أعد أحتمل هذا العذاب الشديد، وبكيت بكاءً شديداً…
عندما شاهدني أبي بهذا الشكل، صرخ صائحاً:
من الذي فعل بك ذلك؟
حكيت له ما حدث … ومن كثرة بكائي أخذني أبي إلى أحد الأطباء البيطريين الذي يعرفهم.
قام الطبيب بإزالة الدهان الأسود من فوق جسدي بمادة لا أعرفها، شعرت بعدها بتحسن كبير نسبياً، ولكن أثر الدهان قد سبب لي بعض الالتهابات، قال الطبيب ستأخذ بعض الوقت وتزول، وأعطى أبي بعض الأدوية لتسرع في شفائي، كما طلب أن أذهب إليه كل يوم لبضعة أيام ليضع بعض الدهانات الطبية المرطبة فوق جسدي.
نظر لي أبي نظرة معاتبة ولم يقل شيئاً..
قلت لأبي: آسف يا أبي لم أكن أعرف عواقب ذلك، وأعدك أن لا أعود له أبداً، كما عرفت الآن أنني كما أنا أفضل، ولا يجب أن أنظر لغيري، وعرفت معنى كلامك لي منذ أيام ستعرف معنى (أن تكون أنت كما أنت) وكان درساً لي لم أنساه ما دمت حياً.
تمت
معاني الكلمات:
الجحش : الحمار الصغير
طريفة: مضحكة ومسلية
الصهيل : صوت الحصان
النهيق : صوت الحمار
الأتان : أنثى الحمار
الباهت : قليل اللمعان
البغال: جمع بغل
البغل : هو نتيجة تزاوج الحمار مع الفرس وهي (أنثى الحصان)
متوسلاً: راجياً
من الألم أقصاه: الألم الشديد
نسبياً: بعض الشيء
عواقب ذلك: نتيجة ذلك