مقالات
أخر الأخبار

كيف أثّر الكاريكاتير في التاريخ… وما دوره في التنمية ونشر السلام اليوم – سيد فودة

بقلم: سيد فودة

الولايات المتحدة الامريكية

لطالما كان فن الكاريكاتير أكثر من مجرد رسم ساخر؛ فهو أداة سياسية واجتماعية خطيرة، قادرة على تحريك الجماهير، وتوجيه الرأي العام، وحتى التأثير على مجريات الأحداث الكبرى في التاريخ. ففي العديد من المناسبات، تسبب رسم بسيط في تغيير الحكومات، وإثارة الحروب، وتحريك الشعوب. وقضية دريفوس التي وقعت عام 1898 اكبر مثال فعندما كشف فن الكاريكاتير الظلم تم إسقاط الحكومة الفرنسية فا في أواخر القرن التاسع عشر، شهدت فرنسا واحدة من أشهر القضايا السياسية التي قسمت المجتمع الفرنسي وأثارت جدلاً واسعاً، وهي قضية دريفوس. وكان الضابط الفرنسي اليهودي ألفريد دريفوس قد اتُهم بالخيانة في عام 1894، بعد أن زُعم أنه سرب معلومات حساسة إلى ألمانيا. ورغم الأدلة الواهية، أدين دريفوس وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في جزيرة الشيطان بالمحيط الأطلسي.

ولعب رسام الكاريكاتير الفرنسي الشهير كاران داتش دورًا محوريًا في الدفاع عن دريفوس، حيث نشر رسومات ساخرة هاجمت المؤسسة العسكرية والسياسية، ووضعت الجمهور في مواجهة الحقيقة. واحدة من أشهر رسوماته كانت تُظهر مجموعة من الأشخاص جالسين حول طاولة العشاء، وحولهم كلمة “دريفوس”، مع تعليق ساخر: “لن تتحدثوا عن ذلك!”.

وأثارت هذه الرسومات موجة غضب شعبية دفعت السلطات الفرنسية إلى إعادة النظر في القضية، مما أدى لاحقًا إلى تبرئة دريفوس واستقالة الحكومة التي تورطت في التشويه المتعمد للحقائق.

 

واذا رجعنا الي فترة الحرب العالمية الثانية، فسنجد ان خلال تلك الفترة أدرك الحلفاء قوة الكاريكاتير في التأثير على الرأي العام وتحفيز المقاومة. وبالفعل بدأ الفنانون في إنتاج رسومات تسخر من أدولف هتلر، حيث ظهر في العديد من الكاريكاتيرات بصفات مبالغ فيها مثل الشارب القصير والتعابير الغاضبة، وكان يصور كطفل متقلب المزاج يلعب بخريطة أوروبا وكأنها لعبته الشخصية.

وقد استخدمت هذه الرسوم في الملصقات والمنشورات التي تم توزيعها سرًا في المناطق الخاضعة للاحتلال الألماني، مما ساهم في تحفيز المقاومة وزعزعة ثقة الشعب الألماني بنظامهم الحاكم.

وكان واحدة من أشهر هذه الرسومات نشرت في صحيفة بريطانية، حيث أظهرت هتلر جالسًا على كرسي ضخم يحمل شعار “أنا الحاكم الأعلى”، في إشارة إلى غروره وديكتاتوريته، ما جعل هذه الرسوم رمزًا للسخرية من الفوهرر.

أما إذا تحدثنا عن الشرق الأوسط فسنجد ان الفنان ناجي العلي وايكونته الشهيرة حنظلة كان يستخدم الكاريكاتير كسلاح قوي للمقاومة والذي كلفه حياته. فا في العالم العربي، لا يمكن الحديث عن تأثير الكاريكاتير دون ذكر الفنان الفلسطيني ناجي العلي، الذي جسدت رسومه واقع الشعب الفلسطيني وأصبحت رمزًا للمقاومة.

كان العلي يستخدم شخصية “حنظلة”، الطفل الفلسطيني الذي يظهر في معظم رسوماته يدير ظهره للعالم، كتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني وإهمال القضية على الساحة الدولية. رسوماته كانت تنتقد الاحتلال الإسرائيلي وكذلك الأنظمة العربية التي وصفها بالعاجزة أمام القضية الفلسطينية.

وفي عام 1987، دفع العلي الثمن الأغلى لفنه، حيث تعرض لعملية اغتيال في لندن برصاصة غادرة، وما زالت الجهة التي تقف وراء اغتياله غير معروفة حتى اليوم، لكن إرثه الفني لا يزال حيًا في قلوب محبيه ومحبي القضية الفلسطينية.

وسط هذه القصص المثيرة التي توضح كيف لعب الكاريكاتير دورًا محوريًا في تشكيل الوعي، سعدت مؤخرًا بمكالمة هاتفية مميزة مع أحد أبرز رموز فن الكاريكاتير في العالم العربي، الفنان المصري الكبير عمرو فهمي. وقد جاءت هذه المكالمة بمحض الصدفة من خلال صديقي العزيز، الكاتب والمحلل السياسي أحمد محارم، الذي كان له الفضل في ترتيب هذا اللقاء الفريد.

عمرو فهمي شخصية مرموقة في عالم الكاريكاتير، حيث يُمتع المصريين يوميًا برسوماته الساخرة التي تحتل الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار حيث يعمل بمؤسسة أخبار اليوم منذ عام 1994. بأسلوبه النقدي الذكي وروح الدعابة الراقية، يعكس فهمي قضايا المجتمع المصري والسياسة بأسلوب يفهمه الجميع، ويصل به إلى قلوب القراء دون مواربة.

أثناء حديثي معه، غمرتني السعادة عندما علمت أنه سيزور الولايات المتحدة قريبًا، وسنتشرف باستقباله في نيويورك عبر مؤسسة بيكسولوجي. ستكون هذه الزيارة فرصة ذهبية لاستكشاف كيف يمكن لهذا الفن العظيم أن يكون أداةً قويةً لدعم قضايا التنمية وحقوق الإنسان، وهي الرسالة التي تسعى مؤسسة “بيكسولوجي” إلى تحقيقها من خلال برامجها المختلفة.

تعمل مؤسسة بيكسولوجي منذ أكثر من عقد على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي للفئات المستهدفة، بما في ذلك النساء المتأثرات بالعنف، والمهاجرين، واللاجئين. خلال لقائنا المرتقب مع الفنان عمرو فهمي، سنناقش كيف يمكن دمج فن الكاريكاتير في مبادرات المؤسسة لتوعية الفئات المستهدفة بقضاياهم، وإيصال أصواتهم إلى المجتمع بشكل جذاب وسهل الفهم.

سنتناول خلال اللقاء عدة محاور، أبرزها دور الكاريكاتير في تعزيز الوعي المجتمعي وكيف يمكن استخدام الرسوم الساخرة لنشر رسائل حقوق الإنسان والتنمية بطريقة غير تقليدية.

وكيف يكون الفن وسيلة للتمكين النفسي وأن يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر والمخاوف لدى الفئات المستهدفة، خاصة النساء المتضررات والمهاجرين.

كما سنعمل علي مناقشة سبل التعاون بين الفن ومنظمات المجتمع المدني واستكشاف فرص التعاون بين الفنانين والمؤسسات الإنسانية لنشر الوعي حول القضايا الاجتماعية الملحة.

ومن خلال حديثي مع الفنان عمرو فهمي شعرت انه إرث ثقافي وتأثير ممتد فلم يقتصر إبداعه على الصحافة المطبوعة فحسب، بل أسس متحفًا مخصصًا لفن الكاريكاتير في مكتبة الإسكندرية، حيث يحتفظ بإرث هذا الفن ويحتفي برواده. كما أنه صاحب فكرة “يوم الكاريكاتير المصري”، الذي يحتفل به سنويًا في 7 نوفمبر لتكريم هذا الفن العريق.

مع تأليفه لـ 18 كتابًا عن الكاريكاتير، تمثل أعمال فهمي مرجعًا هامًا لكل المهتمين بفن الرسوم الساخرة، ما يؤكد دوره الكبير في إثراء الثقافة المصرية والعربية.

اللقاء المرتقب مع هذا الفنان المتميز في نيويورك سيمثل لحظة هامة لمناقشة كيف يمكن تسخير الفن لخدمة التنمية ودعم حقوق الإنسان. فالكاريكاتير ليس مجرد فن ساخر، بل أداة قوية يمكن استخدامها لنقل الرسائل المجتمعية المهمة وإحداث تغيير حقيقي في حياة الناس.

نحن في مؤسسة بيكسولوجي متحمسون لاستضافة هذه القامة الفنية العظيمة، ونتطلع إلى تعزيز التعاون بين الفن والمجتمع المدني لتحقيق أثر إيجابي ومستدام.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق