أخبار العالمأخبار من مصرالحرب على غزةعاجلمقالات
أخر الأخبار

ماكرون والسيسي .. هنا القاهرة – أحمد فاضل

بقلم: أحمد فاضل

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة خلال الأيام الماضية مجرد مناسبة بروتوكولية أو زيارة تقليدية تُضاف إلى أرشيف العلاقات الثنائية بين البلدين، “لا”، .. بل كانت لحظة فارقة ومفصلية في مسار المنطقة، معلنة للعالم أن القاهرة لا تنتظر مكانها بين العواصم، بل تصنعه وتفرضه، وأنها ليست مركزا جغرافيا فحسب بل مركز قرار سياسي، ثقافي، عسكري اقتصادي.

مصر اليوم ليست رقماً في المعادلة، بل هي من يكتب المعادلات، ويعيد ترتيب الأولويات، ويحدد قواعد الاشتباك الجيوسياسي.

هنا القاهرة .. حيث لا تُصنع القرارات خلف الستار، بل تحت ضوء الشمس وبصوتٍ جهور، لا تقبل إملاءات، ولا تخضع لضغوط، ولا تُساوم على ثوابت، تقول “لا” من قلب الرمل والدم، من أرضٍ دفعت ثمن السيادة ولن تفرّط فيها تحت أي ظرف.

الزيارة جاءت في قلب العاصفة، غزة تحترق، والعالم يصرخ، وأوروبا تتخبط، وأمريكا في حرب تجارية مع العالم خصوصا الصين، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها أمريكا مع حليفتها اسرائيل ان تقبل مصر بمخطط التهجير، لكن مصر الأبية قالت بكل حزم “لا للتهجير” ولن نقبل به قيادة وشعبا وسنقف بكل ما نملك ضد هذا المخطط التخريبي في المنطقة، في هذا التوقيت بالذات، تهبط طائرتان من طراز “رافال” على أرض مصر، ليس لتجميل الزيارة، بل لتقول إن القاهرة لا تقف عارية في وجه العواصف، بل تمتلك أجنحة من نار، طائرات الرافال لم تكن صفقة، بل رسالة: من يراهن على ضعف مصر، يجهل التاريخ، ومن يراهن على سقوطها، لا يعرف حجم قوتها وسيحترق بنيران خيبته.

وحين تطأ قدم رئيس فرنسي أرض العريش، فالأمر لا يُقاس بمراسم أو صور تذكارية، بل يُقرأ كبيان استراتيجي: سيناء لم تعد مجرد أطراف جغرافية منسية، بل باتت قلب الصراع، ومركز القرار، وساحة النفوذ. حضور ماكرون في هذا التوقيت – وسط لهب غزة، وتخبط أوروبا ، ومؤامرات التهجير – كان بمثابة رسالة نارية: مصر لا تتراجع، ولا تُبتز، بل تواجه العواصف بقوة السلاح والعقل والسيادة.

من خان الخليلي إلى جامعة القاهرة.. الجغرافيا تصنع الدهشة

زيارة ماكرون إلى خان الخليلي لم تكن نزهة سياحية، بل غوصاً عميقاً في وجدان الأمة. هناك، حيث تتنفس القاهرة عبق التاريخ، بدت الأسواق القديمة كأنها تقرأ للعالم رواية عن أمة لم تمت، أمة تكتب مصير الشرق وتحدد هويته

وفي جامعة القاهرة، حيث وُلد التنوير وتسلحت العقول، أُعيد تشكيل التحالف الثقافي، وتم إحياء مشروع القوة الناعمة، لأن القاهرة تعرف أن من يمتلك السلاح لا يكفي، بل من يصنع الوعي هو الذي يحكم.

4 مليارات يورو.. رهان على عبقرية الموقع والقيادة

وحين تستثمر فرنسا أكثر من 4 مليارات يورو في الاقتصاد المصري، إضافة إلى مشاريع تنموية ضخمة وتمويلات للقطاعين العام والخاص فهي لا تفعل ذلك كمنّة أو مجاملة، بل كرِهان استراتيجي على عبقرية المكان وصوابية القرار السياسي، ماكرون يعرف أن من يربح القاهرة اليوم، يربح الشرق غدًا، وأن من يخسرها، سيظل أسير العزلة والغياب.

قمة القاهرة

لقاء السيسي وماكرون لم يكن محادثة مجاملة، بل خلية نحل سياسية حملت ملفات تفوح منها رائحة البارود: من غزة إلى ليبيا، ومن السودان إلى شرق المتوسط. الاتفاقيات شملت الطاقة المتجددة، الاقتصاد، التعليم، والتكنولوجيا، ولكن خلف الكواليس كانت هناك رسائل من العيار الثقيل، تؤكد أن القاهرة باتت عقلًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه.

في كل تصريح لماكرون خلال الزيارة، كانت هناك نبرة تقدير لا تخطئها الأذن، مصر تحت قيادة السيسي ليست مجرد لاعب إقليمي، بل مركز ثقل دولي، يفرض احترامه، ويُعيد صياغة التوازنات، وفرنسا تدرك أن القاهرة لا تُهادن في القضايا المصيرية، ولا تُساوم على سيادتها، وأنها – في زمن ازدواجية المعايير – تُصر على خطاب أخلاقي لا ينحني.

ختاما، الزيارة لم تكن فصلًا عابرًا في كتاب السياسة، بل كانت عنوانًا جديدًا لعصر عربي تتصدره مصر، وسط العواصف، وقلب الحروب، وعلى وقع الانهيارات الإقليمية، وقفت القاهرة شامخة تُعيد تموضعها كلاعب إقليمي وازن، لا يستجدي دعمًا، بل يصنع المعادلات، ويعيد تشكيل الواقع السياسي ويفرض هيبته بكل قوة على طاولة العالم، حيث لا مجال للمساومات ولا للإملاءات، هنا القاهرة.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

إغلاق