مقالات
أخر الأخبار

الشعب الإيراني يكره الديكتاتورية الدينية! – عبدالرحمن کورکي

بقلم: عبدالرحمن کورکي (مهابادي)/ کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

إيران اليوم، ولأسباب متعددة، تُعتبر “نقطة هدف” على المستويين الإقليمي والدولي. وعلى المستوى الداخلي، خصوصًا من جانب المقاومة الإيرانية والشعب الإيراني، يُعد إسقاط الديكتاتورية في إيران الهدف الأساسي الذي يجب تحقيقه. هذا التركيز ليس بسبب الموقع الجغرافي فحسب أو الموارد الطبيعية الغنية، بل يعود بشكل رئيسي إلى الطبيعة السياسية للنظام، وأدائه الإقليمي والداخلي، والتهديدات الاستراتيجية التي يمثلها النظام الديني الحاكم في إيران. السؤال الأساسي هو: لماذا أصبحت إيران “هدفًا”؟ ومن يقف وراء هذا الاستهداف وما هي دوافعه؟

يمكن تحليل الأسباب على عدة مستويات سياسية وأمنية وإيديولوجية:

  1. الأهداف السياسية والجيوسياسية

تقع إيران في نقطة التقاء ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويسيطر النظام الديكتاتوري الحاكم على ممر الطاقة العالمي، ألا وهو “مضيق هرمز”. بعبارة أخرى، إيران، بموقعها في قلب الشرق الأوسط وقربها من مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يُعد شريانًا رئيسيًا لنقل جزء كبير من طاقة العالم، لعبت دائمًا دورًا محوريًا في المعادلات الاستراتيجية العالمية.

هذا الموقع الجغرافي جعل التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية داخل إيران تؤثر بشكل مباشر على أمن المنطقة والسوق العالمية للطاقة. ومن ثم، أصبحت إيران “نقطة مركزية” في المعادلات الدولية.

وعلى الرغم من أن النظام الديني الحاكم في إيران سعى إلى توسيع نفوذه من خلال وكلائه في العراق (الحشد الشعبي)، ولبنان (حزب الله)، واليمن (الحوثيون)، كما كان الداعم الرئيسي لديكتاتورية بشار الأسد المنهارة في سوريا، إلا أن هذا الأمر أثار حساسية ومواجهة من دول المنطقة والقوى العالمية، وخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة.

تدخلات النظام الإيراني في شؤون دول الشرق الأوسط لم تؤدِ فقط إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، بل شكّلت صورة للنظام الديني الإيراني تتعارض بشكل مباشر مع مبادئ السلام والتعايش وسيادة الدول.

  1. الأبعاد الأمنية والعسكرية

إن أنشطة النظام الإيراني وذراعه القمعية والحربية، أي قوات الحرس التابعة لخامنئي، في تطوير برامج الصواريخ والنووية، أثارت قلقًا واسعًا في منطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي.

يعتقد الكثيرون أن هذه الأنشطة ذات طابع عسكري وتشكل تهديدًا خطيرًا للسلام العالمي والإقليمي. يُنظر إلى النظام الإيراني من قبل العديد من الحكومات على أنه أكبر داعم حكومي لـ”الإرهاب”، حيث يقف وراء العديد من الهجمات الإرهابية بشكل مباشر أو من خلال وكلائه.

على الرغم من توقيع النظام الإيراني على اتفاقيات دولية، بما في ذلك الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)، فقد خرق التزاماته مرات عديدة وواصل أنشطة مشبوهة في مجالات حساسة. يعتقد العديد من الخبراء أن الجمهورية الإسلامية لم تتخلَ أبدًا بشكل حقيقي عن السعي لامتلاك “سلاح نووي”، وتعتبر أي مفاوضات مجرد أداة لكسب الوقت وتعزيز قدراتها. تؤكد تجربة المفاوضات النووية على مدى العقدين الماضيين هذه الحقيقة المريرة.

  1. الأسباب الإيديولوجية والداخلية

إن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران، كنظام ثيوقراطي (حكم ديني)، يمثل نموذجًا متعارضًا مع الديمقراطيات العلمانية، مما تسبب في فجوة عميقة مع المجتمع البشري المعاصر. إن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القمع العنيف للانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، والإعدامات الواسعة، خاصة إعدام السجناء السياسيين، والاعتقالات والتعذيب، والتمييز ضد الأقليات والنساء، ومنع الحريات الأساسية للشعب، جعلت إيران الحالية دائمًا على طاولة الدول والمؤسسات الحقوقية.

  1. الشعب الإيراني ضد الديكتاتورية

على الرغم من وجود مقاومة شعبية ضد ديكتاتورية الشاه، التي أطاح بها الشعب الإيراني، فقد ازدادت موجات الانتفاضات الشعبية والاحتجاجات الواسعة في ظل الديكتاتورية الدينية الحاكمة.

فالشعب الإيراني لم يحقق مطالبه الأساسية فحسب، بل إن نظام ولاية الفقيه فرض ديكتاتورية أسوأ على إيران. يواجه النظام الديني الحاكم الآن “أزمة وجودية” أساسية.

لقد أظهر الشعب الإيراني، خاصة في أعوام 2017 و2019 و2022، رغبته في تغيير النظام بشكل جذري. كان رد النظام الحالي على هذه الاحتجاجات الشعبية قمعًا وحشيًا، واستخدام العنف المميت، والاعتقالات الواسعة، والتعذيب، والإعدامات، ونهب الثروة الوطنية والشعبية.

هذا الأداء زاد من تساؤلات حول شرعية النظام الديني، ليس فقط داخل البلاد، بل على المستوى الدولي أيضًا.

الشعب الإيراني يكره أي نوع من الديكتاتورية، وسيواصل احتجاجاته حتى إنهاء الديكتاتورية في بلاده. إن استشهاد ما يقرب من 120 ألف شخص من الشعب الإيراني هو دليل لا يمكن إنكاره على حقيقة المقاومة التي تشكل قوتها الرئيسية “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”.

يتمتع هذا المجلس الآن بشبكة واسعة من “وحدات الانتفاضة” داخل إيران ودعم دولي على المستوى العالمي، وتمثله السيدة مريم رجوي.

في المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، تم إدانة النظام الإيراني مرات عديدة بسبب انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان (من الإعدامات الواسعة، خاصة مجزرة السجناء السياسيين في صيف 1988، إلى حرمان النساء والأقليات من حقوقهم الأساسية). لذلك، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل غير مبالٍ بأوضاع حقوق الإنسان في إيران.

  1. وجود بديل ديمقراطي في مواجهة النظام الديني

إلى جانب كل ذلك، فإن وجود مقاومة منظمة وشاملة مثل “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” وشبكات “وحدات الانتفاضة” داخل البلاد، قد وفر آفاقًا لتغيير حقيقي في إيران.

على عكس النظام الذي يرى بقاءه في العنف والتوسع والتشهير بالمعارضين وكذلك الإرهاب والكذب، فإن هذه المقاومة مبنية على مبادئ الديمقراطية، فصل الدين عن الدولة، حقوق النساء والقوميات، والتعايش مع العالم. هذا الأمر دفع النظام الإيراني إلى بذل كل جهوده لتشويه سمعة هذه القوة البديلة.

الخاتمة

إن نظام ولاية الفقيه في إيران يقف في أضعف نقاط حياته. لقد تم تدمير قواعده الوكيلة في المنطقة أو أُضعفت بشكل كبير. كما فشلت سياسات الاسترضاء التي اتبعتها القوى الغربية، ولم يعد هناك من يثق بوعود هذا النظام الفارغة. مع فشل المشاريع الخارجية وتفاقم الأزمات الداخلية، فإن السبيل الوحيد للسلام والاستقرار في المنطقة هو دعم الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.

لقد أصبحت إيران “نقطة هدف” بسبب نظامها الذي يتعارض بشكل مطلق مع السلام، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعايش.

هذا الاستهداف لا يأتي فقط من الحكومات، بل من شعوب المنطقة والعالم أيضًا. فالمستقبل بدون نظام ولاية الفقيه سيكون مستقبلًا أكثر أمانًا وسلامًا واستدامة للشرق الأوسط والعالم.

المقاومة الإيرانية تقاتل من أجل هذا المستقبل، وستواصل نضالها. نعم، إيران الحرة غدًا ستكون نذير السلام والأمن لكل الشرق الأوسط والعالم.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

إغلاق