مقالات
أخر الأخبار

أمل الجيار.. ذاكرة مدينة ومرايا زمن – أحمد محارم

بقلم: أحمد محارم

بين الصحافة والأدب، وبين شوارع الإسكندرية وروحها الخالدة وأهلها، نسجت أمل الجيار قصتها بحبر من ذاكرة لا تنطفئ. لم تكتفِ فقط بتدوين الأحداث، بل جعلتها تنبض بالحياة، تعيش في القلوب كحكاية تُروى على ضوء القمر. هي امرأة صنعت من كلماتها جسراً بين الماضي والحاضر، لترى المدينة بعين لم يرها أحد من قبل، وتحكيها بصوت صادق يحمل أصداء الزمان.

وحين التقيت بها في مكتبها بجريدة الأهرام بالإسكندرية، رفقة الصديق العزيز الكاتب والناشر هشام المغربي، لم يكن اللقاء مجرد حوار عابر، بل كان تجربة تستحضر ذاكرة المدينة وروحها، تكشف عن أسرار مخفية في طيات الحكايات والوجوه، فكان لقاؤنا انعكاساً لتلك المدينة التي تعيش بداخلها أمل بكل تفاصيلها، بين ضجيجها وهدوء شواطئها، بين تاريخها الذي لا يموت وحاضرها الذي يتجدد.

لم تكن هذه الزيارة الأولى، ولن تكون الأخيرة، ففي حضرة أمل الجيار، تشعر كأنك داخل الإسكندرية ذاتها: بتاريخها، وأهلها، وحكاياتها، وتناقضاتها الجميلة، امرأة كتبت ليس فقط عن الناس، بل من داخل الناس، عاشت تفاصيلهم، نقلت وجعهم، واحتفت بإنسانيتهم بحس مرهف وقلم يعرف إلى أين يذهب.

أمل الجيار ليست شاهدة على زمن، بل صانعة له، عاشت الحياة بامتدادها الكامل: طولًا وعرضًا وعمقًا، لم تكن مجرد صحفية تكتب، بل كانت ذاكرة تمشي، ومرايا تعكس وجوه المدينة، وتوثّق نبضها في مقالات وحوارات وكتب ستظل شاهدة على مرحلة كاملة من تاريخ المجتمع السكندري.

قدمت للمكتبة العربية أعمالاً ذات طابع توثيقي وأدبي فريد، من أبرزها الموسوعة الرائدة “يوميات الإسكندرية 1882” التي احتفت بها مكتبة الإسكندرية، إلى جانب روايتها “بدأنا ولن ننتهي”، والمجموعة القصصية “هي وحكاياتها: أمينة والحاج ديمتري”، فضلًا عن سلسلة قصصية موجهة للأطفال، تغرس فيهم حب الحضارة المصرية وترسخ جذورهم في قالب فني تربوي راقٍ.

ولأن التجربة لا تكتمل دون انفتاح على الآخر، خاضت أمل الجيار رحلة فكرية وإنسانية إلى الولايات المتحدة، خرجت منها بكتاب يعكس مشاهداتها وانطباعاتها عن المجتمع الأميركي، مقدمة رؤية نسوية شرقية مثقفة، لا تكتفي بالانبهار ولا تقع في التعميم، بل تكتب بتأمل ونضج.

إن الحديث عن أمل الجيار ليس مجرد احتفاء بسيدة أثرت المشهد الثقافي، بل هو احتفاء بمدينة بأكملها، تجسّدت في قلم امرأة، تنحني لها اللغة احترامًا، ويصفق لها الزمن عرفانًا.

لقائي بها لم يكن محطة عابرة، بل لحظة فارقة في الوعي. معها أدركت أن بعض النساء لا يكتبن عن المدن، بل يُصبحن هنّ المدن ذاتها

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

إغلاق