مقالات

الجولان لنا… وفلسطين قضيتنا! – مصطفى قطبي

أحيا أهلنا في الجولان السوري المحتل الذكرى الـ38 لانتفاضتهم بوجه الاحتلال الإسرائيلي، والجولانيون يسجلون يوماً بعد يوم صفحات من الانتماء والوفاء للوطن الأم سورية، الانتماء الذي تجسد بكل تفاصيل حياتهم اليومية وشمل كل شرائح المجتمع وكافة الأعمار. ورغم مرور ثمانية وثلاثين عاماً على قرار كيان الاحتلال الصهيوني المشؤوم، فلم تفتر مقاومة الاحتلال لحظة واحدة وما زال أهلنا في الجولان يزدادون صموداً وصلابة بوجه العدو الغاشم ويرفضون قراراته ويتمسكون بهويتهم الوطنية السورية وعيونهم تشخص للتحرير والعودة إلى كنف الوطن وقدموا ويقدمون يومياً في سبيل ذلك تضحيات خارقة ويتصدّون لممارسات المحتل الوحشية ببطولات أسطورية أثبتت أن عين المقاومة أقوى من مخرز الاحتلال الإسرائيلي وسطوته.


لم يُفاجأ أبناء الجولان المحتل بالقرار الباطل الذي صدر في 14/12/1981، فقد قامت سلطات الاحتلال حتى قبل صدوره بإجراءات ”الضمّ” التعسفية والقسرية منذ اللحظة الأولى لاحتلال الجولان السوري عام 1967، حيث عمدت إلى تدمير وتجريف ما يقارب 200 قرية ومدينة ومزرعة كانت آهلة بالسكان الذين تم تهجيرهم قسراً بفعل العدوان الصهيوني لتبدأ بمخططات إقامة مستوطنات على أنقاضها، كما اتخذت إجراءات لتكريس ضمّها التوسعي عبر الاستيلاء على جهاز التعليم من خلال إلغاء المنهاج الدراسي السوري في محاولة لفصل أبناء الجولان السوري المحتل عن هويتهم الوطنية.

 عندما تدعو الأمم المتحدة، على استحياء، إسرائيل للامتثال لقرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 الذي يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وإدارتها على الجولان ملغياً وباطلا وليس له أي أثر قانوني، يُفهم أن الشرعية الدولية الحالية في ظل نظام القطبية الواحدة لن تجبر إسرائيل على إعادة الأراضي العربية المحتلة عبر قراراتها التي صدرت وقضت بإعادتها.‏

 ويعتبر التصويت على قرار الأمم المتحدة حول الجولان الذي يتكرر سنويا جزءا من منظومة القانون الدولي، وإن تأييد الأغلبية العظمى لصالح هذا القرار في الأمم المتحدة باستثناء ”إسرائيل” والولايات المتحدة يمثل خير دليل على أن كليهما يشكل جزءاً واحداً من منظومة سياسية واحدة وأن ثمة توافقا للرؤى الأميركية-الإسرائيلية، إذ يتعذر التفريق بين السياسة التي تنهجها واشنطن وسياسة تل أبيب، ذلك لأن اللوبي الصهيوني يلعب دورا أساسيا ومؤثرا في توجهات السياسة الأميركية. وقد بدا ذلك جليا في استمرار الالتزام الأميركي تجاه ”إسرائيل” بخاصة من حيث دعمها وتأييدها في المحافل الدولية لتحقيق أهدافها التوسعية بالمنطقة. يضاف إلى ذلك، أن الإدارة الأميركية تعتبر الكيان الصهيوني الشريك الإقليمي القادر على تحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط الأمر الذي ظهر بشكل واضح فيما يكنانه من عداء لمحور المقاومة المتمثل بسورية والعراق وإيران وحزب الله في لبنان.

 لا ريب بأن القرار المتخذ في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يقف مع الحق السوري ضد إسرائيل التي امتهنت الصلف والعربدة، لكنه كشف مدى الحماية التي تقدمها واشنطن لربيبتها تل أبيب بغية وضعها فوق القانون الدولي الذي ينص بوضوح إلى أن هذه الأراضي محتلة من قبل إسرائيل التي تعتبر الجولان يمثل ذخرا جيوسياسيا ولاسيما أنه لا يبعد عن دمشق سوى مسافة 60 كيلومترا، الأمر الذي يجعله نقطة ممتازة للتجسس الإسرائيلي على سورية. كما تعتبر مرتفعات الجولان نقطة استراتيجية تقع على خط الفصل وتتمتع بأرض خصبة وتاريخ طويل إذ احتلت إسرائيل الجولان عام 1967 وسيطرت على مساحة 1200 كلم مربع، وفي شهر تشرين الأول عام 1973 اندلعت حرب تشرين التحريرية حيث تمكن الجيش العربي السوري من استعادة مساحة قدرها 684 كلم مربع، بيد أن جيش الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة أعاد الاحتلال لها قبل نهاية الحرب. وفي عام 1974 تم التوقيع على هدنة ووضعت الأمم المتحدة مراقبيها على خط وقف إطلاق النار. ومنذ ذلك الحين باشرت إسرائيل باستيطان المنطقة، لكنها بما عرف عنها من صلف وعنجهية عمدت إلى الإعلان عن ضم الجولان السوري عام 1981 تلك الخطوة التي لم تحظ حتى هذا اليوم باعتراف دولي.

 عشرات القرارات الأممية أكدت سورية الجولان المحتل، وبطلان كل الإجراءات والمخططات الصهيونية، ولكن ما محل هذه القرارات من الإعراب الميداني؟ ولماذا لم تُترجم سلوكاً وممارسة على الأرض لردع المحتل الإسرائيلي، ووقف عربدته، هو وربيبه الأميركي؟.

 مما يؤسَف له أن هناك تاريخا طويلا لهذا النوع من العبث بالقرارات الدولية. ودول العالم تقول لا للاحتلال الصهيوني وقرار الضَّم، لكنها لم تسِر خطوة واحدة جادة وحاسمة، باتجاه تنفيذ أيٍّ من تلك القرارات، وبقيت الأمور في تفاقم مستمر، والاحتلال الصهيوني والاستهتار الأميركي بالحقوق في تطاول ومستمر، وبقي الطلب إلى أهل الحق ”العرب”، أن يتنازلوا ويتفاوضوا، مستمرا أيضا… ولم يجدِ تنازل ولا تفاوض، بل شجع ذلك كلُّه المعتدين والعنصريين على التمادي في عدوانهم وطغيانهم وجشعهم… إن عودة الجولان لسوريا ووضع حد للاحتلال لم يتم، ومثل هذا حصل للقدس وللضفة الغربية، ولحصار غزَّة، و.. وبقيت قرارات مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين وما نتج عنها وتم في إطارها… حبرا على ورق، وبقي الاحتلال العنصري قائما يتوسع ويقتل ويفتك بالحقوق والحقائق والناس، ويلقَى دعما وتشجيعا…

والسؤال لماذا هذا التراخي العربي المذل في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، وهل من خيار لدى العرب سوى خيار المقاومة؟

 واقع الحال يقول: إن علينا ألا نستهين بقرارات ترامب وتغريداته الحمقاء التي لا يمكن فهمها إلا في إطار التحالف الأمريكي الاسرائيلي الاستراتيجي لتصفية القضية الفلسطينية، إنها تكتيك ترامب- نتنياهو اليوم لقيام الدولة اليهودية تحت شعار صفقة القرن، والذي بدأ بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، واليوم الجولان السوري، وغداً غزة، وبعد غزة الضفة الغربية، وبعدها تفكيك الدول العربية قطعة قطعة، حفاظاً على أمن الكيان الصهيوني. خطورة سياسات ترامب وإدارته أنه وصل إلى مرحلة تعيين رئيس لبلد ذي سيادة هو فنزويلا، وتجميد أموال الحكومة، ومنحها لطرف آخر غير الحكومة الشرعية، وهكذا دواليك، ولأن الأمر خطير جداً بدأ الجميع يتحسس رأسه، إذ إنه ضمن هذا المسلسل يمكن لترامب أن يوقع قراراً يعتبر فيه أن جنوب شرق تركيا أرضاً للأكراد، ويمنحهم إياها! أو أن يقول إن لليهود 300 مليار دولار لدى الدول العربية كتعويض عن عملية تهجيرهم لليهود من بيوتهم كما يدعي كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويعد لذلك مشروع قرار سوف تدعمه الولايات المتحدة، أي إن أميركا سوف تجمد أموال الكثير من الدول العربية وتسطو عليها، وتعطيها لإسرائيل ضمن إطار سياسة البلطجة الحالية.

 علينا ألا نستهين بتصرفات ترامب، وألا نكتفي بالقول: ”إن هذا لا قيمة قانونية له، ويعتبر باطلا ولا مفعول له وكأن لم يكن، وأن الشرعية الدولية ترفضه”، فالشرعية الدولية وقراراتها وقوانينها وسلطتها وسطوتها و… لا تحكمها ازدواجية معايير فقط، بل يرسمها وينفذها ويتسلط عليها أصحاب القوة والنفوذ والمصالح من مزدوجي المعايير، والوجوه الأقنعة أو الأقنعة الوجوه. ومن ثمَّ فهي ذات وجوه وأحوال وتقلبات… فهي ذات أنياب ومخالب عندما يشاء الساسة المنافقون الكبار أن تكون كذلك، إذ يُشهر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد دول وشعوب مُستهدَفة دوما، منها نحن العرب والمسلمين، فتزحف جيوش وتدمر المعنيَّ بالأمر، متجاوزة هيئة الأمم المتحدة وميثاقها ومؤسساتها وقراراتها كليا، وتفعل فعلها مطمئنة إلى قوتها وإلى سكوت نظرائها الأقوياء، “في ادعاء حماية الأمن والسلم الدوليين”، ويغدو الكل شركاء… فالكبار لا يصطدمون من أجل ”الضعفاء والصغار؟!”

 ولذا فالمؤسسة الدولية ”الأعلى” ذات سيف مزدوج الماهية والحد والقدرة، فهو من فولاذ مُحَمَّى آنا، ومن خشب نخره السوس في أحايين… وهكذا تصبح المنظمة الأممية، شاءت ذلك أم أبت، ذات تواطؤ ضد دول وشعوب وقضايا، إذ تصمت صمت القبور، أو تلغو بما لا قيمة له من كلام، وتترك العدوان والاحتلال والقوة الغاشمة والظلم يسرح ويمرح في أرض البشر، يبيد ما يشاء من دول وبشر… وتسكت عمن يُمِدُّ القوي المعتدي بما يعزز قوته ويفاقم خطره وعدوانه…

إن دونالد ترامب يوزع ملكنا وأوطاننا وحقوقنا ومصائرنا على بني صهيون وكأنها ميراث أبيه… الجولان العربي السوري، ومن قبله القدس، والعمل على اتباع الضفة الغربية بحالة كونغرس كهذه… فترامب ينتهك القانون الدولي والقرارات والمواثيق الدولية، إنه يفعل ذلك باسم الولايات المتحدة. وإنني بكل ثقة أؤكد أن ترامب لا يعرف أين هي الجولان؟ مثلما أكد يوما الملك الأردني حسين أنه حين جلس للتباحث مع الرئيس الأميركي الأسبق ريجان اكتشف أنه لا يعرف أين يقع الأردن… ومن المؤكد أن ترامب لا يعرف الجولان، وربما تعرف بالصدفة على سوريا وعلى موقعها، هو لا يعرف من منطقة الشرق الأوسط سوى إسرائيل، أما أنها فلسطين فليس على علم بأنها كانت، ثم ما هي حدود فلسطين؟ وهل لبنان في شمالها أم في جنوبها؟ وهل الأردن على كتف نهر الأردن، وغيره من المعلومات التي أؤكد ثانية أنه لا يعرفها ولن يعرفها ولا يهم إن عرفها لأنه مغرم بالصهاينة وحدهم ولهم كل مواثيقه.


ولعل عدم الاستغراب من رفع درجة العدوانية الأمريكية على سورية وتوقع الأسوأ من إدارة ترامب هو لأن واشنطن نفسها شريك أساسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي في حروبه وعدوانه على المنطقة وفي حمايته من أي مساءلة في مجلس الأمن على جرائمه على مدى عقود، وتشارك كما قال مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري في نهب ثروات الجولان عبر شركات أمريكية مثل ”جيني” و”افيك” و”أي إي إس” للتنقيب عن النفط في الجولان بشكل يخالف كل الأعراف والقوانين الدولية كما أن الولايات المتحدة نفسها تمارس الاحتلال بوجود قواتها على بعض الأراضي السورية وتحمي إرهابيي ”داعش” في منطقتي التنف وشمال دير الزور.

 إن ما يمكن قوله تجاه ذلك، هو أنه أيًّا كانت طبيعة المواقف الصهيو ـ أميركية إزاء الحقوق العربية والفلسطينية، سياسية أو انتخابية أو تآمراً وعدوانًا وسطوةً فإنها لن تغير من الواقع شيئًا، ومن حقائق التاريخ والجغرافيا وضعاً، بل إن هذه المواقف والتحركات الخارجة عن القانون الدولي وعن الشرعية الدولية والمخالفة للقرارات الدولية ذات العلاقة، لن تثني شعوب المنطقة وأحرارها عن مواصلة نضالاتهم وتقديم دمائهم وأموالهم وأنفسهم رخيصة من أجل استعادة هذه الحقوق المغتصبة، وردع المعتدي والمحتل والمجرم، وإيقافه عند حده، بل إنها أيضًا ستزيد شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني والسوري والمقاومة ثباتاً وعزماً وإرادة في مواقفهم وصمودهم ومقاومتهم، كما أن هذا السطو على المكشوف يعجل بتحرك شعوب المنطقة وأحرارها ومقاومتها نحو اتخاذ ما تكفله لهم الشرعية الدولية والقانون الدولي، وكذلك الشرائع السماوية.

 فلنكف نحن العرب عن الهرب مما نحن فيه من تشتت وضعف وتبعية و”إمَّعيَّة”، ولنرفض الاستباحة، والارتماء في أحضان الأعداء وخوض معاركهم بالوكالة، واستعداء القوى الأخرى على بعضنا بعضا… ولنكف عن تعليق كل أمورنا وقضايانا ومستقبلنا بالشرعية الدولية… إنَّ علينا ألا نخسرها بل نتمسك بها، ونبقيها مرجعية دولية، سياسية وقانونية، وفي أرصدتنا الرئيسة… لكن لا نتوقف عن كل فعل يقتضيه تحرير الأرض واستعادة الحق، بانتظار أن تنجز هي ذلك… وحقائق الأمور، منذ قرنٍ ونيِّفٍ من الزمن على الأقل، مِن عُصْبَة الأمم إلى الأمم المتحدة… تشير إلى أن مَن يستند إلى الشرعية الدولية، والقوانين الأممية المرعية الاعتبار، وينتظر أن تنصره القوى المتواطئة عليه، وينصره عالم النفاق السياسي ـ العنصري ـ المَصلحي ـ اللاأخلاقي… واهم… ثم واهم… ثم واهم… وهو يعيش وهما، وينشر وهما، ويفرِّخ وهما… وأحداث التاريخ شواهد، وقضايا شعوب أخرى ومواقفها من قضاياها شواهد أيضاً.

إن علينا أن نعتمد على أنفسنا في حماية أنفسنا، وفي استعادة المحتل من أرضنا، والمُستباح من حقوقنا، وأن نحمي ما تبقَّى لنا مِنا ومما نملك ونمثل، وأن نسير في الدروب الصحيحة المفضية إلى استعادة سيادتنا وكرامتنا ومكانتنا بين الأمم، ونحتاج لتذكره اليوم، ولتربية أجيالنا عليه، تربية وطنية قومية أخلاقية… فقضية الجولان وضمه، قضية مستمرة وهي قضية وطنية سورية ستبقى مستمرة مع استمرار الأجيال، فالراحل حافظ الأسد قال لـكلينتون خلال آخر جولة مفاوضات في جنيف: ”لندع القضية للأجيال القادمة”.

 آخر الكلام: من المفيد هنا تذكير ترامب ونتنياهو ومن يعنيهم الأمر بما قاله الرئيس بشار الأسد في ذروة العدوان على سورية عام 2013: (لا تنازل عن المبادئ ولا تفريط بالحقوق، ومن راهن على إضعاف سورية من الداخل لتنسى جولانها وأراضيها المحتلة فهو واهن، والجولان لنا وفلسطين قضيتنا التي قدمنا لأجلها الغالي والثمين، الدماء والشهداء وسنبقى كما كنا ندعم المقاومة ضد العدو الأوحد فالمقاومة نهج لا أشخاص).

 

باحث وكاتب صحفي من المغرب.

مدير موقع رؤية نيوز في المغرب

رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق