مركز الدراسات
“رجل التوازنات” الذي نأى ببلاده عن الأزمات المحيطة.. من هو أمير الكويت الراحل صباح الأحمد الصباح؟
أعلن تلفزيون الكويت الرسمي، الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول 2020، عن وفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، عن عمر يناهز 91 عاماً، وقد كان الصباح الأمير الخامس عشر لدولة الكويت، والخامس بعد استقلال البلاد عن بريطانيا العظمى. وإليكم في هذا التقرير لمحة عن حياته وتاريخ حكمه للكويت.
من هو الشيخ صباح؟
ولد الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح، في 16 يونيو/حزيران عام 1929، وهو الابن الرابع من الأبناء الذكور لأمير الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح، من والدته السيدة منيرة العيار، وهو الأخ غير الشقيق لأمير الكويت السابق الشيخ جابر.
وتلقى الشيخ صباح تعليمه في المدرسة المباركية، وهو أوّل وزير إعلام في الكويت، وثاني وزير خارجية في تاريخها، كما أنه ترأس وزارة الشؤون الخارجية للكويت طيلة أربعة عقود من الزمن، ويعود له الفضل خلالها في توجيه السياسة الخارجية للدولة، والتعامل مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
المناصب والمسؤوليات
تولّى الشيخ الراحل العديد من المسؤوليات، بدءاً برئاسة دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل ودائرة المطبوعات والنشر، وانتهاء بإمارة الكويت، وبين المنصبين تولّى وزارات مختلفة، كُما عين وزيراً للإرشاد والأنباء سنة 1962، وتولى منصب وزير الإعلام بالوكالة مرتين، الأولى في الفترة بين 1971-1975، والثانية بين 1981-1982، إضافة إلى منصبه وزيراً للخارجية، وبين الفترتين عُين نائباً لرئيس مجلس الوزراء مطلع عام 1978.
ورغم تعدد الوظائف والمسؤوليات التي تولاها فقد كان المنصب الذي عرف به فترة طويلة هو وزارة الخارجية، التي تولاها ابتداء من 28 يناير/كانون الثاني سنة 1963، واحتفظ بها في جميع الوزارات التي تلت ذلك التاريخ، وجمع معها مناصب أخرى في بعض الفترات. وفي عام 1992 تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، ثم أصبح في 13يوليو/تموز 2003 رئيساً لمجلس الوزراء.
وتولى الصباح مقاليد الحكم في الـ29 من يناير/كانون الثاني 2006، بعد نقل مجلس الأمة سلطات الأمير سعد العبدالله السالم الصباح، إلى مجلس الوزراء بسبب أحواله الصحية، وبايعه أعضاء مجلس الأمة بالإجماع، بعد اختياره من مجلس الوزراء لهذا المنصب عقب تسلمه السلطات الأميرية.
مهندس السياسة الخارجية للبلاد
يعرف الشيخ الصباح بأنه هو من شكَّل السياسة الخارجية للكويت التي اتَّسمت بالإصلاحية والتوازن بعد الغزو عام 1991، وشهدت سنوات حكمه استخدام الشيخ الصباح الدبلوماسية لحل القضايا الإقليمية، مثل المقاطعة المستمرة لقطر من قبل السعودية والبحرين والإمارات بالإضافة لمصر، واستضافة مؤتمرات رئيسية من أجل توفير المنح لصالح دول مزقتها الصراعات مثل العراق وسوريا.
وبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق في عام 2003، أعاد الشيخ الصباح العلاقات الخارجية للكويت، إلى توازنها المعهود بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع العراق وجميع “دول الضد” العربية.
وقام الشيخ الصباح الأحمد بالتوسط بين الإمارات وعُمان في الأزمة التي ظهرت بين البلدين في عام 2009. كما تحدثت تقارير عديدة عن محاولة الصباح قيادة وساطات بين السعودية وإيران حتى العام 2014، كما استضافت الكويت في عهده مؤتمراً لتسوية الصراع في اليمن في عام 2016.
السياسة الداخلية
كان الشيخ صباح يصنف على أنه ليبرالي التوجه والفكر، حيث تمكن بعد معركة طويلة من تمرير قانون بالبرلمان يمنح النساء حقوقهن السياسية، لكنه لم يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية. وانخرط الأمير الراحل، في العمل السياسي من موقعه عضواً في الأسرة الحاكمة ومسؤولاً في الحكومة والسلطة التنفيذية، وكان جزءاً من المشهد العام للسياسة الكويتية، وأحد واجهاتها الخارجية، لكن في عهده عرفت الكويت صداماً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بسبب استجوابات مجلس الأمة (البرلمان) المتكررة لأعضاء الحكومة، فقام بحل المجلس عدة مرات.
وفي سنة 2012 أصدر مرسوماً تشريعياً مثيراً للجدل، عدّل بموجبه نظام الدوائر الانتخابية ونظام التصويت، فيما عُرف بـ”مرسوم الصوت الواحد” الذي رفضته المعارضة وطعنت فيه أمام المحكمة الدستورية.
وقد حصّنت المحكمة الدستورية الكويتية المرسوم واعتبرته دستورياً، لكنها اعتبرت مجلس الأمة المنتخب، في ديسمبر/كانون الأول 2012، في ظل المرسوم، باطلاً لعدم دستورية لجنة الانتخابات التي أشرفت على انتخابه. ونتيجة لذلك الحكم تم حل المجلس، ونُظمت انتخابات برلمانية منتصف 2013، قاطعتها المعارضة بجميع أطيافها.
وفي عهد الشيخ صباح، قامت الحكومة الكويتية بسحب الجنسية الكويتية من عدد من المواطنين الكويتيين ممن اكتسبوا الجنسية بصفة أصلية أو بصفة التجنّس، وذلك بموجب عدة مواد، منها: “الغش والتزوير والازدواجية والمصلحة العامة”. وقد وصفت المعارضة الكويتية قرار سحب الجنسية بأنّه قرار بدوافع سياسية، ويستهدف أقطاباً في تيارات سياسية ودينية كويتية. وأشهر من سحبت منهم الجنسية كل من ياسر الحبيب، ونبيل العوضي (دعاة دين)، عبدالله البرغش (نائب سابق)، “سعد العجمي” و”أحمد الجبر” (إعلاميان).
من سيتولى منصب إمارة البلاد بعده؟
يذكر أن الأمير كان قد دخل المستشفى في الولايات المتحدة، العام الماضي، خلال زيارة رسمية، بعد تعرضه لما وصفه الديوان الأميري بـ”انتكاسة صحية” في الكويت في أغسطس/آب. لكن عادت الأزمة الصحية مؤخراً، حيث انتقل إلى الولايات المتحدة مجدداً لمتابعة علاجه الطبي، بعد “إجراء العملية الجراحية الناجحة”، كما قالت وكالة الأنباء الرسمية “كونا”، دون تحديد طبيعة العملية، إلى أن تم إعلان وفاته اليوم.
وكان الديوان الأميري قد أعلن إبان فترة علاج الصباح عن تولي ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح (83 عاماً) أخيه غير الشقيق، مسؤوليات الأمير بشكل مؤقت، والذي كان قد تولى سابقاً مسؤوليات في الحكومة نيابة عن أخيه، وتشير كل الاحتمالات أن الشيخ نواف سيقود البلاد بعد رحيل الشيخ الصباح.
“الكويت أظهرت كرما استثنائيا تحت قيادة أميرها الشيخ صباح الأحمد، وعلى الرغم من صغر مساحتها، فإن قلب هذه الدولة كان أكبر من الأزمات والفقر والأوبئة”. كانت هذه كلمات الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون لدى إطلاق لقب “قائد إنساني” على الشيخ صباح.
ففي التاسع من سبتمبر/أيلول عام 2014، حصل الشيخ صباح الأحمد على هذا اللقب الذي لم ينله حاكم قبله، كما سميت الكويت “مركزا للعمل الإنساني” تقديرا لما قدمته، حكاما ومحكومين، من مساعدات وأعمال خيرية وصلت إلى جميع أصقاع العالم.
ويعد العمل الخيري إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للكويت، إذ عرفت بمبادراتها الإنسانية منذ ما قبل استقلالها، والتي استهدفت مناطق عدة في العالم، بعيدا عن المحددات الجغرافية والدينية والعرقية.
ووسع الشيخ صباح من هذا النشاط منذ توليه مقاليد الحكم عام 2006، ليزداد معه حجم المساعدات الإغاثية بشكل ملحوظ، حيث تم تخصيص ما قيمته 10% من إجمالي المساعدات الإنسانية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية أو الحروب، ثم تبع ذلك قرارات رسمية بمضاعفة المساهمات الطوعية السنوية الثابتة لعدد من الوكالات والمنظمات الدولية.
وأطلقت الكويت منذ عام 2014، فعاليات إنسانية ابتدأت بـ”منتدى الكويت الدولي للعمل الإنساني” السنوي، بمشاركة جهات حكومية وأهلية ودولية، لتحقيق أهداف مشتركة لخدمة العمل الإنساني.
مؤتمرات المانحين
كما استضافت الكويت المؤتمرات الدولية الثلاثة الأولى للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، حيث عقد الأول في يناير/كانون الثاني 2013، وتبرعت فيه الكويت بمبلغ 300 مليون دولار أميركي، فيما ارتفعت قيمة التبرعات الكويتية في المؤتمر الثاني الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2014، إلى 500 مليون دولار، وتبرعت بمبلغ مماثل في المؤتمر الثالث الذي عقد في مارس/آذار 2015.
كذلك فقد شاركت الكويت في مؤتمر المانحين الرابع لسوريا الذي استضافته لندن في فبراير/شباط 2016، وقدمت فيه الكويت مبلغ 300 مليون دولار على مدى 3 سنوات.
ولم يقتصر دور الكويت على الجانب الرسمي والمشاركات في المؤتمرات الدولية، بل ساهمت الجمعيات والهيئات الخيرية المحلية في دعم الجهود الحكومية في هذا الجانب، فعملت على إطلاق حملات الإغاثة وإيصال المساعدات للمتضررين من الشعب السوري، كما ساهمت جمعية الهلال الأحمر الكويتي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بجهود كبيرة لإغاثة النازحين في دول الجوار لسوريا.
وفي العراق، حرصت الكويت على مد يد العون والإغاثة للنازحين واللاجئين العراقيين حتى أصبحت حاليا من أكبر المانحين، مما دفع بالحكومة العراقية إلى الإشادة بالجهود الإنسانية الكويتية الهادفة إلى تخفيف المعاناة الإنسانية للشعب العراقي.
واستضافت الكويت في يوليو/تموز 2017 “مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار وتنمية العراق”، وبلغت تعهدات الدول المشاركة في المؤتمر 30 مليار دولار، عبر قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات، قدم الكويت للعراق منها ملياري دولار، وهو ما تعهدت به في المؤتمر.
كما لم يغب الاهتمام الكويتي سياسيا وإنسانيا عن اليمن، فأعلنت الكويت في عام 2015، تبرعها بمبلغ 100 مليون دولار، لتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب اليمني.
أما القضية الفلسطينية، فلا تزال تلقى اهتماما كويتيا كبيرا، وخصوصا في ما يتعلق بإغاثة الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين، وفي حين كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” تشكو باستمرار من تدني ما تتلقاه من تبرعات، كانت الكويت تقدم التبرع تلو التبرع لتغطية احتياجات الوكالة، فقدمت في 2009، مبلغ 34 مليون دولار، تبعه مبلغ 15 مليون دولار في عام 2013.
مسيرة خيرية
ويؤكد رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني “فنار” -الدكتور خالد الشطي- أن مسيرة الشيخ صباح الأحمد الإنسانية تعد امتدادا للمسيرة الخيرية للحكام المنتمين إلى آل صباح، والتي تعود لنحو 400 عام، حيث كان لهم أياد بيضاء ليس داخل الكويت فحسب، وإنما إلى المناطق والقبائل المجاورة.
ويضيف الشطي في حديثه للجزيرة نت، أنه لا يخفى على أحد دور الشعب الكويتي ومساهماته الإنسانية منذ القدم من خلال الجمعيات والمبرات واللجان الخيرية، تشهد على ذلك المبادرات الشعبية وما قدمته من دعم متواصل للكثير من المشاريع الإنسانية في قارتي آسيا وأفريقيا، والأيادي الخيرة التي امتدت للكثير من المحتاجين في أصقاع الأرض، ولا سيما أثناء المجاعات والكوارث الطبيعية.
وأوضح أن الشيخ صباح عرف عنه العمل الخيري والإنساني الذي لازم عمله الدبلوماسي الممتد لنحو 50 عاما، حيث ترأس الكثير من المنظمات الإنسانية داخل الكويت وخارجها.
كذلك فقد ترأس الشيخ صباح في خمسينيات القرن الـ20 دائرة الشؤون الاجتماعية (تعادل وزارة الشؤون الاجتماعية حاليا)، كما ترأس الصندوق الكويتي للتنمية، وهو ما خوله مد يد العون إلى كثير من الدول المنكوبة التي عانت من الحروب والكوارث الطبيعية.
وبصفته أميرا للكويت، ترأس الشيخ صباح -فخريا- جمعية الهلال الأحمر الكويتي، التي تعد الذراع التنفيذية لإيصال التبرعات والمساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، سواء داخل الكويت أو خارجها منذ تأسيسها في عام 1966.
ويروي نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية أنور الحساوي للجزيرة نت، اهتمام الشيخ صباح بالاستماع إلى شرح مفصل من مجلس إدارة الجمعية، عقب كل مهمة كنا نقوم بها في الدول التي نقدم لها المساعدات، والتي تجاوز عددها 90 دولة عبر العالم.
ويقول الحساوي إن الشيخ صباح كان يركز خلال كل لقاء على التعليم وإنشاء المدارس، وأهمية إدخال مادة العمل التطوعي في المناهج الدراسية، وتوزيع المواد التعليمية، لإيمانه بأن الطالب إذا لم يتم تعليمه ورعايته فسيتجه للتطرف بديلا.
ويضيف، استجابة لذلك كان الهلال الأحمر الكويتي يصب جل اهتمامه على محور التعليم خلال توزيع مساعداته على الدول المحتاجة، وكانت حملات التعليم داخل وخارج الكويت تعد من الأساسيات، إلى جانب المواد الإغاثية والطبية.
ودلل الحساوي على ذلك بإنشاء 5 مدارس على نفقة الهلال الأحمر الكويتي في مدينة أربيل العراقية، فضلا عن صيانة المدارس التي تحتضن اللاجئين السوريين في الأردن، إلى جانب توزيع الحقائب المدرسية في قطاع غزة.
أيضا، فإن الجمعية تتكفل بتكاليف تعليم طلبة فلسطينيين ولبنانيين وسوريين، أما داخل الكويت فتكفل الهلال الأحمر برعاية 5 آلاف أسرة فقيرة بتدريس أبنائها حتى المرحلة الجامعية، من خلال دفع الرسوم لهم.
تسخير إمكانات الدولة
بدوره، أكد رئيس مركز المدار للدراسات السياسية صالح المطيري، أن قيام الكويت بوضع إمكاناتها كافة، سواء طائرات وزارة الدفاع، أو أسطول الخطوط الجوية الكويتية في خدمة جمعية الهلال الأحمر الكويتي خير دليل على أهمية العمل الخيري الكويتي، وسرعة وصول المساعدات إلى مستحقيها في المناطق المنكوبة بشتى أنحاء العالم.
وقال المطيري في حديثه للجزيرة نت، إن خير دليل على ذلك وصول طائرة مساعدات كويتية غداة وقوع الانفجار بمرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، لتكون من أولى شحنات المساعدات التي مدت يد العون للشعب اللبناني.
وأوضح المطيري، أن فروع بيت الزكاة الكويتي منتشرة في كثير من الدول العربية، لتقديم المساعدات لمحتاجيها.
ويبين المطيري أن الهلال الأحمر الكويتي، وبيت الزكاة يعدان من أذرع الحكومة الكويتية التي تسارع إلى التبرع للدول المحتاجة، وهو ما جعل العمل الخيري نهجا أرسته الدولة، عدا عن الجمعيات الخيرية واللجان المختصة بشتى مسمياتها، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية وغيرها، وجميعها تشرف عليها الحكومة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وعن تاريخ العمل الخيري الكويتي، يوضح المطيري أن الكويت كانت سباقة ومن أولى الدول في المنطقة في دعم القضية الفلسطينية، ومساندة مصر خلال العدوان الثلاثي عليها، والوقوف إلى جانب الثورة الجزائرية، فكانت هناك استقطاعات مالية إجبارية وغير إجبارية لجمع التبرعات، ومنها على سبيل المثال ما كان يفرض على تذكرة دخول السينما.
كما سرد المطيري تاريخ إنشاء ما كان يعرف بـ”جمعية الجزيرة والجنوب”، والتي خصصت لرعاية أبناء اليمن تحديدا وتعليمهم بالدرجة الأولى.
واعتبر المطيري أن لقب “القائد الإنساني” الذي منحته الأمم المتحدة للشيخ صباح الأحمد الصباح، وتسمية الكويت “مركزا للعمل الإنساني” أمر مستحق لما قامت وتقوم به الكويت والكويتيون في هذا الحقل، بعد أن أرسى حكام البلاد هذه الثقافة لدى المجتمع الكويتي على مر الزمن، ليكونوا خير عون لأشقائهم العرب والمسلمين ورعايا الدول المنكوبة بمختلف عرقياتهم وجنسياتهم ودياناتهم.
أثار إعلان الديوان الأميري الكويتي -اليوم الثلاثاء- وفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن سن تناهز 91 عاما، تساؤل الكثيرين خارج الكويت عن آلية انتقال الحكم ومن سيخلفه.
وقبل الإجابة عن السؤال، من المهم الإشارة إلى أن نظام الحكم في الكويت يمتاز بمزجه بين النظامين البرلماني والرئاسي، فأمير البلاد يرأس الدولة عبر الدستور، في حين تناط بمجلس الأمة مهمة تشريع القوانين، والأخير يتألف من 50 عضوا ينتخَبون كل 4 سنوات بالاقتراع الشعبي الحر المباشر.
ويستمد نظام الحكم في الكويت شرعيته من الدستور، وتبين المادة الرابعة منه آلية توارث السلطة داخل الأسرة الحاكمة من ذرية الأمير الراحل الشيخ مبارك الصباح، المعروف باسم “مبارك الكبير”.
كما حدد الدستور الشروط الخاصة بممارسة الأمير صلاحياته الدستورية، وهي تتمثل في ألا يفقد شرطا من الشروط الواجب توافرها فيه، “وهي: أن يكون عاقلا مسلما، وابنا شرعيا لأبوين مسلمين”، فضلا عن ألا يفقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته كأمير.
فإن فقد أحد هذه الشروط أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، كان لزاما على مجلس الوزراء -“بعد التثبت من ذلك”- عرض الأمر على مجلس الأمة في الحال لنظره في جلسة سرية خاصة.
وفي حال خلا منصب الأمير، فإنه ينادى بولي العهد أميرا، أما إذا لم يكن ولي العهد قد عين بعد، تسند لمجلس الوزراء سلطات الأمير في رئاسة الدولة وتعيين الأمير الجديد بعد مبايعة من مجلس الأمة، شريطة أن يتم ذلك خلال 8 أيام.
الخبير الدستوري الكويتي الدكتور محمد الفيلي، أوضح أن الأمير يعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من توليه الحكم، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة، بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
تزكية البرلمان
أما في حال لم يحز من رشحه الأمير على الأغلبية البرلمانية، فإن الأمير يزكي لولاية العهد 3 أشخاص من ذرية مبارك الصباح، ليبايع المجلس أحدهم وليا للعهد، ويَصدر به أمر أميري، وهو ما يعني أن اختيار ولي العهد في الكويت مشترك بين الأمير الذي يرشح، والبرلمان الذي يزكي.
ويوضح الفيلي -في حديثه للجزيرة نت- أنه وفقا للمسار المعتاد، ينادى بولي العهد أميرا في حال خلو مقعد مسند الإمارة؛ أما الاستثناء فيتمثل فيما إذا شغر منصب الأمير ولم يكن هناك ولي للعهد، ففي هذه الحالة يزكي مجلس الوزراء أحد الأبناء من ذرية الشيخ مبارك الصباح، ويصادق عليه البرلمان، وإذا لم ينل ثقة البرلمان، لزم تزكية ثلاثة، ليختار مجلس الأمة أحدهم، على أن يجري ذلك خلال 8 أيام.
وفي حال فقد ولي العهد أحد الشروط الواجب توافرها فيه أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، أحال الأمير الأمر إلى مجلس الوزراء، وبعد التثبت من ذلك، يعرض مجلس الوزراء الأمر على مجلس الأمة فورا لنظره في جلسة سرية خاصة.
فإذا ثبت لمجلس الأمة بصورة قاطعة فقدان الشرط أو القدرة، قرر بأغلبية الأعضاء انتقال ممارسة صلاحيات ولي العهد بصفة مؤقتة، أو انتقال ولاية العهد بصفة نهائية إلى غيره.
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت فواز الجدعي، أن كل ولاة العهد الذين تم اختيارهم حازوا الأغلبية البرلمانية، ولم يحدث في تاريخ الكويت قط أن جرى رفض أحدهم.
ويشير الجدعي -في حديثه للجزيرة نت- إلى السابقة التي حدثت إبان المناداة بالشيخ سعد العبد الله الصباح أميرا للبلاد بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح. فنتيجة للعارض الصحي الذي ألمّ به آنذاك، والذي أصبحت معه القدرة الصحية المشترط توافرها في الأمير محل شك، عرض مجلس الوزراء الأمر على مجلس الأمة، لتتم تنحية الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبد الله بالإجماع، وهو ما أسفر عن شغور مقعدي الأمير وولي العهد.
وقد تولى مجلس الوزراء حينئذ الصلاحيات الدستورية، وقام بترشيح اسم الشيخ صباح الأحمد أميرا، ونال موافقة مجلس الأمة، ليصبح أول حاكم منذ وضع الدستور لم يكن وليا للعهد.
وكان الشيخ مبارك الكبير قد أرسى عرفا في العائلة الحاكمة يتم بموجبه تناوب السلطة في الكويت بين ذرية ابنيه الشيخ جابر بن مبارك والشيخ سالم بن مبارك، حيث يجري تداول الإمارة وولاية العهد بين الفرعين تباعا، لكن اختيار الأمير الشيخ صباح الأحمد للشيخ نواف الأحمد وليا للعهد -وكلاهما من فرع الجابر- ومصادقة مجلس الأمة عليه، شكل سابقة أخرى في آلية الحكم.