أخبار العالمتحليلات سياسيةعاجلمركز الدراسات
بوتين يُفاجئ الجميع “بحذر” على مدار عقود.. والاتحاد الأوروبي يُسيء فهمه
خاص: رؤية نيوز
نشر موقع focus تحليلًا للخبير “فون توماس جِجير von Thomas Jager” أكد فيه أن الغرب قد أخطأ في الحكم على بوتين وروسيا لفترة أطول مما ينبغي وقد حان الوقت للاعتراف بروسيا على حقيقتها بأنه لن يكون هناك تعاون كامل كما كان قبل الحرب مرة أخرى.
وأوضح جِجير أن التعاون الروسي مع الدول الأوروبية والتوصل لاتفاقيات مشتركة بشأن الأمن والتجارة قد تغير بشكل كبير في الأعوام الأخيرة وانتهى مع الحرب الشاملة ضد أوكرانيا، مُشيرًا أنه عندما يؤخذ هذا التغيير في النظام في الاعتبار سيتبين أن الردع والابتعاد عن روسيا هو السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن والازدهار في أوروبا لأن روسيا تحولت الآن من دولة استبدادية إلى دولة فاشية.
تغير السياسية الروسية في الداخل والخارج خلال العقود الأخيرة
ويُشير التحليل إلى تغير تقييم النظام السياسي الروسي على مدى السنوات العشرين الماضية، بعد تولي بوتين منصبه، حيث رأى بعض المراقبين والسياسيين أن البلاد تسير على الطريق نحو الديموقراطية وأنها بحاجة إلى الدعم، ولكن المجتمع المدني في روسيا قد أصبح مُقيّدًا بشكل متزايد في حين أن روسيا تتصرف بعدوانية تجاه العالم الخارجي، بل وتقوم بشن الحروب منذ عام 2008.
وكان الخوف من استفزاز بوتين سببًا في تحديد القرارات الحذرة في الغرب، ولكن المسؤولين فشلوا في بناء قدراتهم الذاتية، حتى لا يردعهم الخوف من وتين، وسرعان ما أصبح من الواضح للآخرين أن التنمية في روسيا كانت تسير في اتجاه مختلف، وأن بوتين وحاشيته كانوا يبنون حكومة فاسدة حيث استولت النخبة السياسية على ثروات البلاد.
وبالعودة للتاريخ فنجد أن بوتين قد جاء من بيروقراطية الدولة وانتقل إلى موسكو في مناصب مختلفة قم إلى قمة الكرملين، فلم يأت إلى الرئاسة كزعيم يتمتع بشخصية كاريزمية، ولم تكن هناك حركة جماهيرية دعمته ولا رموز ميزت الحركة منذ رئاسته الأولى، حيث طوّر بوتين الفاشية لاروسية وتطورت من الأعلى انطلاقًا من جهاز الدولة.
بدون بوتين لن تكون روسيا اليوم!
وأشار التحليل أنه إذا كان الهجوم على كييف في فبراير 2022 قد أدى إلى استسلام أوكرانيا لكان من الممكن أن يستمر تمويه التطور الفاشي، ولكن مع الفشل العسكري لم يكن أمام بوتين خيار سوى تشديد شروط الحكم في الداخل وفرض نواياه العنيفة في الخارج بشكلٍ أكثر قوة.
فلم يعد من الممكن إخفاء الاتجاه الذي يركز على الحرب في المجتمع الروسي وتدمير الحياة المدنية في أوكرانيا، حيث تطور النظام السياسي في روسيا الآن بشكلٍ أكثر تماسكًا من خلال التركيز الواضح للسلطة في يد شخص واحد، والوعد باستعادة العظمة الوطنية القديمة بعد الإذلال، وتمجيد شعب الفرد كحامل لحضارة معينة، وارتكاب المجتمع بالعنف ضد كل شيء آخر، والقمع الذي لا هوادة فيه.
تكاثفت كل هذه الأمور في الأشهر الثمانية عشر الماضية حتى أصبحت متشابكة على نحو متزايد وحدد مسار روسيا نحو التحول إلى دولة الفاشية.
وبالنظر إلى السابق يمكن القول أن بوتين لم يكن يحظى بدعم حركة جماهيرية واسعة كزعيم لهذا التطور، وكان عليه أن يفعل ذلك بنفسه عبر السيطرة على وسائل الإعلام وتحقيق التوازن بين الفصائل المختلفة في النخبة الأساسية والاقتصادية في روسيا حتى يخضعوا له ويسحق المعارضين.
حيث تم وضع جميع الأجهزة الأمنية، المنمظمات شبه العسكرية القديمة والجديدة التي تم إنشاؤها بالتوازي، تحت سيطرة الرئيس مباشرة ولم يكن هناك ثقل سياسي موازن لفترة طويلة، فقدّم بوتين نفسه على أنه “خادم لروسيا ومواطنيها”، وساوى نفسه ببطرس الأكبر من حيث أهميته بالنسبة لروسيا.
حيث أعلن بالفعل في عام 2014 “بدون بوتين لن تكون هناك روسيا اليوم!”.
أهداف بوتين الاستراتيجية الأساسية
ولفت جِجير في تحليله أن رغبة بوتين في إخراج الولايات المتحدة من أوروبا وممارسة الهيمنة السياسية على أوروبا كانت هدفه الاستراتيجي منذ البداية، حيث سعى إلى استعادة منطقة النفوذ الروسي في أوروبا وآسيا الوسطى والتي بلغت أقصى مدى لها خلال فترة الاتحاد السوفيتي.
يُعتقد أن نفوذ روسيا الحاسم ينبغي أن يمتد من فلاديفوستوك إلى لشبونة، وهذا المسار فشل في تحقيق هذا الهدف لأن الاتحاد الأوروبي كان أكثر استقرارًا مما تصور بوتين، وسرعان ما أصبح نفوذ الصين في آسيا الوسطى يعادل نفوذ روسيا.
وتركت الخطوة الأولى في استعادة العظمة الوطنية القديمة على “العالم الروسي”، وتم تحديد بيلاروسيا وأوكرانيا في البداية كدولتين كبيرتين أراد بوتين دمجهما في روسيا.
روسيا المثالية
ولكي ينجح بوتين في ذلك كان عليه المبالغة في أهمية روسيا في العالم ومطالبتها بالحضارة وتقديمها كشيء فريد من نوعه في العالم راسخ في التاريخ وفي تناقض صارخ مع العدو (الغرب الليبرالي)، وفي مواجهة القيم التقليدية “الولايات المتحدة الأمريكية الفاسدة” يتم التركيز على الأسرة التقليدية والأدوار الإنسانية الثابتة والوطنية ودين الفرد التي تعد أداة مهمة لتشكيل الهوية الوطنية.
وتستخدم المثلية الجنسية والنسوية في المجتمع الروسي لوصف العدو المنحرف الذي يريد تدمير “الحضارة الروسية” و”العالم الروسي” من خلال تحرير الحياة الاجتماعية، كما يتم تقديم الهجوم على أوكرانيا كوسيلة دفاع لأن “روسيا” مهددة.
وذكر التحليل أن تمجيد الشعب الروسي يقابله تجريد الآخرين من إنسانيتهم، وخاصة الأوكرانيين، الذين يجب محوهم لأنهم يسمحون للعدو بأن يستخدمهم ضد روسيا، ومن خلال وصفهم بأنهم نازيون، كما يتم استخدامه في الدعاية للشعوب الأوروبية وممثليها، يمكن وصف الجميع بأنهم أعداء بداية بأوكرانيا ودولًا أخرى ستتبعها لاحقًا.
ووفقًا لهذه الرؤية “الأسطورة الروسية”، فإن الثقافة الأوكرانية ولغتها ووعيها التاريخي وحتى دينها الأرثوذكسي، لابد أن تمحي إذا كانت روسيا راغبة في إنجاز “مهمتها الحضارية”، فإذا كان لأوكرانيا أن تُمحى فلابد من إعادة تثقيف شعبها أو قتله كما يُقال كثيرًا الآن.
لقد تم تعظيم “العالم الروسي” ليُصبح أسطورة روسيا، المؤسسة على أسس دينية وحضارية “إنها أسطورة شعبية تستحق حياة كل روسي يموت في المعركة من أجلها، وهذا يشمل أيضًا “التطهير الداخلي” للخونة لأن من لا يؤيد هذه الأسطورة يريد تدميرها تماما كما حاولت القوة المعادية أن تفعل من الخارج.
وعبّر بوتين عن الأمر على هذا النحو “سوف يتميز كل شعب، وخاصة الشعب الروسي، دائمًا من التمييز بين الوطنيين الحقيقيين والحثالة والخونة.
بعد فشل توقعاته باللامبالاة بوتين يستمر في إعادة تثقيف بلاده
وللقيام بذلك كان يجب على المجتمع الروسي أن يتجه نحو العنف باعتباره أقسى تعبير عن الطاقة البشرية ولا تزال هناك فجوة في روسيا الفاشية في الوقت الحالي، لآن بوتين لم يتوقع أن يضطر إلى استخدام القوة الغاشمة لسد هذه الفجوة حتى الآن.
والافتراض بالنسبة للحرب، والتي تسمى “العملية العسكرية الخاصة” في روسيا، كانت لامبالاة الشعب الروسي الروسي كافية لتحقيق كل هذه الأهداف الأخرى، وتبين أن هذا غير صحيح لأن القوات الروسية لم تتمكن من تحقيق أي من الأهداف التي أمرت بتحقيقها.
ومع ارتفاع عدد القتلى والجرحى من الجنود، والتعبئة الضرورية اللاحقة، والعدد المتزايد من هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية، تضاءلت اللامبالاة، حيث لم يتوقع بوتين فرار أكثر من مليون رجل سليم البنية من شأنها أن تضعف خطته ليصبح تجنيد السجناء وتجنيد الأجانب هو المخرج.
وكما هو الحال في العهد السوفيتي، حيث كان يتم إدخال التدريبات العسكرية في رياض الأطفال ويتم تدريس الدروس العسكرية في المدارس، تجتاح روسيا موجة تسويقية تحث “الرجال الحقيقيين” على الدفاع عن بلادهم وعائلاتهم مقابل الحوافز المالية.
وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تغلغل العنف تدريجيًا في العلاقات الاجتماعية في روسيا أكثر فأكثر ويشكل الأساس للحركة الجماهيرية الفاشية ويتزايد القمع خلال الحرب وأمن النظام الفاشي يوضعان فوق أي حسابات اقتصادية.
ومن المشكوك فيه ما إذا كان 80% من الروس يدعمون بوتين والحرب بالفعل، ومع ذلك فإن النظام سيبذل قُصارى جهده لضمان وصوله إلى 90% في المستقبل وبهذه الطريقة تبتلع الدولة المجتمع.
استمرار التوسع الإقليمي جزء أساسي من الأجندة الروسية
وأشار جِجير في التحليل أن المجتمع الروسي يتم تشجيعه بشكل متزايد على دعم العنف من الخارج وليس مجرد قبوله بلا مبالاة، وفي ظل الحرب ضد أوكرانيا يؤثر هذا الموقف على المجتمع بالكامل، حيث لا يستطيع أحد أن يتحدث ضد الحرب وضد زعيم الكرملين.
شن الحرب والتهديد بالقيام بذلك في أي وقت أصبح الآن جزءً من الحمض النووي للسياسة الخارجية الروسية ويظل التوسع الإقليمي المُتأصل في الأسطورة الوطنية هو البرنامج الروسي الذي يحتفل به باعتباره نهضة وطنية.
وتعمل الدولة على تأمين سيطرتها وتراجعت سياسة الخصخصة التي اتسمت بها سنوات “يلتسين” وتمت مصادرة أملاك حكومة النخبة أو ربطها بشكلٍ وثيق بسلطة الدولة وتطثيف السيطرة على القطاعات المهمة (الطاقة والتسليح والزراعة) للتماشي مع أهداف الدولة وأصبحت النقابات بدون أنياب.
الفاشية تتعلق بما يتبعه بوتين عمليًا
وينعكس تطور روسيا إلى دولة فاشية من خلال المعايير الأربعة عشر التي صاغها أمبرتو إيكو للاعتراف بمثل هذه الدولة، حيث تتصرف روسيا بوازع غير أخلاقي ليتم قمع الخطاب العقلاني والضعفاء محتقرون يوتم قمع تحرير المرأة وتنتهج القومية العرقية المتطرفة.
حيث تُشكّل روايات المؤامرة وصور العدو الدعاية التي تعلن عن ولادة زعيم بطولي، ولما أن روسيا دولة استبدادية ذات واجهة ديموقراطية أو دولة فاسدة، فإن بنية العلاقات بعد الحرب يجب تصميمها بشكل مختلف عما هو حاليا.
الدروس المُستفادة
وخلص التحليل إلى أنه لن يكون هناك تبادل مفتوح وواسع النظاق أو تشكيل مشترك للنظام الأمني الأوروبي، كما يجب أن تكون الأولوية لردع روسيا بشكلٍ كامل وفعّال حتى لا تتخذ قيادتها قرارًا آخر بخوض الحرب في روسيا.
ولفت التحليل إلى أنه بناءً على قرارات الحكومة الفيدرالية فلم تتوصل بعد إلى هذه الاستنتاجـ فلا تزال متمسكة بصورة روسيا من الماضي من خلال رئيس كما تحب أن تراه وليس كيف تطورت روسيا بالفعل.
وربما يكون ذلك خطأً فادحًا لأن عواقب التطورات الروسية على الدول الأوروبية، وعلى الأمن والازدهار والديموقراطية في الاتحاد الأوروبي يُساء تقديرها على الإطلاق، حيث ستتكرر الأخطاء التي ساهمت في نشوب الحرب في أوكرانيا، فقد أُسيء تقدير روسيا لسنوات.