مركز الدراسات
4 ملفات شائكة تنتظر أمير الكويت الجديد الشيخ / نواف الأحمد الجابر الصباح
ينتظر أمير الكويت الجديد، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (83 عاماً)، ملفات شائكة وألغاماً عديدة، إذ يتولى نواف مقاليد الحكم في إحدى أغنى دول العالم، لكن في محيط ملتهب وسط جيران أقواء متنازعين، وفي وقت تواجه فيه بلاده أزمة مالية تفاقمت سوءاً بسبب الخلافات السياسية الداخلية، في حين سيزداد السباق على ولاية العهد والمناصب الكبرى سخونة. في وقت تواجه في البلاد ضغوطاً لإقامة علاقات مع إسرائيل، بعد أن ظلت الكويت في عهد الأمير الراحل الشيخ صباح رافضة الهرولة وراء التطبيع الذي سار عليه بعض جيرانها الخليجيين، في حين ينتظر الآخرون دورهم.
1- هل يحافظ أمير الكويت الجديد على الإرث الدبلوماسي لسلفه؟
تقول وكالة رويترز، إن أمير الكويت الجديد قد يجد صعوبة أكبر مما وجد سلفه في الحفاظ على دور الوساطة الذي لعبته بلاده بين الدول المتناحرة في الخليج، لا لشيء إلا لأنه يفتقر إلى خبرة شقيقه الراحل في التوفيق ببين الأطراف المتناحرة على مدى عقود في منطقة يعمها الاستقطاب.
ويقول دبلوماسيون لرويترز، إن من المرجح أن تواصل الكويت خلال حكم الأمير نواف (83 عاماً) العمل من أجل الاستقرار من خلال الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الدول المجاورة القوية المتنازعة غالباً، بدلاً من السعي إلى دور قيادي في المنطقة.
لكن الأمير الجديد يفتقر إلى المهارات التفاوضية للأمير الراحل الذي أمضى أربعة عقود على رأس الدبلوماسية الكويتية، والذي كسب احترام الدول المجاورة لقيامه بإعادة بناء العلاقات في الشرق الأوسط بعد الغزو العراقي في عام 1990 لبلاده الصغيرة واسعة الثراء. ولا تزال أجزاء من المنطقة غارقة في الصراعات والفتن، وتخوض السعودية وإيران حروباً بالوكالة عبر المنطقة، وتصاعد العداء الأمريكي الإيراني لمستويات تاريخية، في يناير/كانون الثاني عندما قتلت الولايات المتحدة القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة في بغداد. وحاول الشيخ صباح إلى أن لقي وجه ربه، إنهاء صراع خليجي شهد مقاطعة السعودية وحلفائها لدولة قطر منذ منتصف عام 2017.
ويقول مصدران لرويترز، قريبان من الأسرة الحاكمة وأحد الدبلوماسيين، إن من المرجح أن تستمر السياسة الخارجية دون تغيير لكن الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يمكن أن تفقد جاذبيتها على المستوى الدولي. وأضاف أحد المصدرين: “الأمير الجديد ليس لديه الخبرة أو الاستعداد للسياسة الخارجية”. وأضاف “في الداخل ستبقى الكويت قوية، لكن في الخارج ستكون أضعف”.
وبشكل كبير ظل الشيخ نواف خارج دائرة الضوء وهو ولي العهد، وأيضاً عندما كان وزيراً للدفاع وقت الغزو عام 1990 ووزيراً للداخلية. وهو معروف بأنه مؤسس الحرس الوطني، وحاول بناء تعاون أمني مع الدول العربية. وقال المصدر الدبلوماسي إن اختيار أمير البلاد في 2006 الشيخ نواف ولياً للعهد اعتبر على نطاق واسع اختياراً مفاجئاً.
2- كيف سيكون التنافس على ولاية العهد والمناصب الجديدة؟
يتوقع دبلوماسيون ومحللون أن ينقل الأمير الجديد جزءاً كبيراً من شؤون الدولة إلى ولي عهده، بسبب أسلوبه البعيد عن الأضواء وسنه. وهذا يعني أنه ستكون هناك متابعة عن قرب للشخص الذي سيسفر توافق الأسرة الحاكمة عنه ليصبح ولياً للعهد، وهو منصب يتبعه شغل منصب رئيس الوزراء.
ويتنافس عشرات من كبار أسرة الصباح على المنصب انتظاراً لاختيار ولي لعهد، وهو منصب يدير تقليدياً العلاقة الصعبة غالباً بين الحكومة والبرلمان. وتقول المصادر القريبة من الأسرة الحاكمة والدبلوماسيون إن الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح (72 عاماً) أكبر أبناء الأمير الراحل سناً، واحد من عدد محدود من المرشحين المحتملين بشكل غير رسمي للمنصب.
ودخل ناصر الذي يتركز اهتمامه على الأعمال الصفوف العليا للحكومة في عام 2017، في منصب وزير الدفاع، لكنه فقد المنصب في العام الماضي بعد استقالة الحكومة، وسط خلاف مع البرلمان المنتخب القوي ووسط خلافات طاحنة في الأسرة الحاكمة. وهناك مرشح آخر هو رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح، وهو ابن أخ للأمير الراحل، تنحى عام 2011 بعد أن هدد أعضاء مجلس الأمة باستجوابه في مزاعم فساد، لكنه ظل قريباً من الأمير الراحل. وقد ينضم أيضاً إلى السباق الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح نائب رئيس الحرس الوطني. وليس للأمير الجديد وخلفائه المحتملين الخبرة الدبلوماسية للأمير الراحل.
ويوجد في الكويت أكثر نظام سياسي انفتاحاً في الخليج، وبها برلمان لديه سلطة تمرير القوانين واستجواب الوزراء، على الرغم من أن معظم المناصب الكبيرة يشغلها أفراد أسرة الصباح. وتسبب الشقاق بين الحكومة ومجلس الأمة في تغييرات متكررة في الحكومة أو حل البرلمان، وهو ما عطّل استثمارات أساسية وإصلاحات اقتصادية. ويقول الدبلوماسيون إن أسلوب الشيخ نواف المتحفظ وانفتاحه على وجهات النظر المختلفة سيكون أساسياً في الحفاظ على التوازن. ويضيفون أنه يمكن أن يتيح مجالاً أكبر لأعضاء البرلمان لاستجواب كبار الوزراء، وأن يسمح بأن يشغل بعض المناصب الوزارية الكبيرة كويتيون من خارج الأسرة الحاكمة.
3- كيف سيتعامل الأمير الجديد مع الأزمة الاقتصادية والإصلاحات الداخلية؟
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، إن الأمير الجديد للبلاد يتولى السلطة في وقت تواجه فيه الكويت أعلى عجز بلغته ميزانية البلاد في تاريخها، على إثر الأزمة الناجمة عن انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا، لكن وعلى خلاف ما فعلته الدول الخليجية الأخرى رداً على تلك الأزمة المزدوجة، أعاقت المعارضة البرلمانية الكويتية مشروع قانون كان من شأنه أن يسمح للحكومة بالاقتراض، ورأى فيه بعض المراقبين حلاً محتملاً لأزمة السيولة النقدية التي تعيشها البلاد.
من جهة أخرى، وفي حين أنه من المستبعد أن تتغير السياسة النفطية والخطوط العامة للسياسة الخارجية للكويت، فإن المشهد السياسي الداخلي قد يشهد تغيّرات أكبر في ظل القيادة الجديدة، خاصة إذا راهن الشيخ نواف على تحقيق مصالحة وطنية في البلاد.
ويمكن لمبادرةٍ كهذه أن تساعد في كسر حالة الجمود السياسي في الكويت، وإعادة بعض التوازن بين مختلف فروع الأسرة الحاكمة. وفيما يتعلق بقوى المعارضة كان الشيخ نواف أجرى تحركات مستقلة عن سلفه، تمثلت في اجتماعه باثنين من السياسيين المعارضين المخضرمين في الكويت، أحمد الخطيب وأحمد السعدون، وسط دعوات للسماح بعودة زعماء المعارضة المنفيين.
كما تلقى الأمير الجديد مؤخراً مقترحات بخصوص إصلاحات سياسية واقتصادية جديدة طرحها سياسيون معارضون. وجاءت الاجتماعات مع المعارضة قبيل دورة انتخابية برلمانية شديدة الأهمية تشهدها البلاد في وقت لاحق من هذا العام.
كانت المعارضة أعلنت مقاطعتها للانتخابات النيابية منذ ديسمبر/كانون الأول 2012، احتجاجاً على تغيير نظام التصويت بمرسومٍ أصدره أمير الكويت الراحل في ذلك الوقت. وجاءت المقاطعة في أعقاب إحدى أكبر المسيرات الاحتجاجية التي نظمتها المعارضة في تاريخ البلاد، حيث دعا المعارضون الحكومة وقتها إلى تقاسم مزيد من السلطة مع السياسيين المنتخبين. وزعمت المعارضة في ذلك الوقت أن التغييرات في قواعد التصويت تهدف إلى تقليل فرصها في الفوز وتسهيل عملية شراء الأصوات على المرشحين الموالين، فيما قالت الحكومة إن الهدف من التعديلات هو ضمان الاستقرار وتعزيز الديمقراطية.
4- وماذا عن كيفية التعامل مع ضغوطات التطبيع مع إسرائيل؟
تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إن وفاة الشيخ صباح مهندس العلاقات الخارجية للكويت منذ فترة طويلة يترك خليفته أمام معضلة كبيرة، تطبيع العلاقات مع إسرائيل من عدمه، دون إقامة دولة فلسطينية.
وكان الشيخ صباح داعماً بثبات للفلسطينيين حتى حين ضعف دعم العرب لرؤية الفلسطينيين لدولتهم المستقلة. وأدَّى تطبيع العلاقات الذي توسَّطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل والإمارات والبحرين إلى زيادة الضغط على آخرين، بينهم الكويت، ليحذو حذوهما.
فبعد لقاءٍ في وقتٍ سابق من هذا الشهر مع أكبر أبناء الشيخ صباح، وزير الدفاع السابق الذي يُعَد منافساً رئيسياً ليكون ولي العهد المقبل، قال الرئيس ترامب إنَّ الكويت ستكون البلد التالي الذي يقيم علاقات رسمية مع إسرائيل. لكن بعد أسبوع في الأمم المتحدة، أعاد رئيس وزراء الكويت تأكيد إصرار بلاده على أن يأتي السلام مع الفلسطينيين سابقاً على التطبيع مع العالم العربي.
وعلى عكس معظم جيرانها، لابد أن توازن الكويت الضغوط من الولايات المتحدة، أكبر ضامن أمني لها، مقابل العلاقات الودية التي تحتفظ بها البلاد مع الجارة إيران، وكذلك الرأي العام الداعم للفلسطينيين، الذي يُعزِّزه الإعلام المحلي والبرلمان اللذان يُعدَّان من بين الأقوى في المنطقة.
ويقول عضو بارز بالأسرة الكويتية الحاكمة للصحيفة الأمريكية، إنَّه يتوقع أن تحاول السعودية والإمارات الضغط على الكويت لتحذو حذوهما بصورة أكبر، لاسيما في القضايا الإقليمية التي سعى الشيخ صباح لسلوك مسار وسط فيها. لكنَّه قال إنَّ الأمير الجديد كان مشاركاً بقوة في قرارات سلفه، ولا يؤيد التطبيع الأحادي مع إسرائيل، وأضاف: “الكويت تريد موقفاً محايداً. لن ندعم ما يجري ونشيد به، لكنَّنا لن ننتقده أيضاً”.
ويقول بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الكويت، إنَّه في حين قد ينكز الجيران الكويت ويدفعونها لرؤية ما يمكنهم أن يأتوا به، فإنَّنا “لسنا بلداً يتغير بين عشيةٍ وضحاها. الأمر لا يسير على هذا النحو. هناك عملية”. وأضاف أنَّه بالنظر إلى الرأي العام القوي ضد التطبيع، “لن يطلق أي حاكم قادم النار على قدميه بفعل ذلك”.
وبسبب النظر إلى الكويت باعتبارها أكثر دول الخليج العربية الداعمة للفلسطينيين، قد يسهم إبرام اتفاق مع إسرائيل في ترسيخ قبول الدولة اليهودية في المنطقة، لكن بحسب يوئيل غوزانكسي، الرئيس السابق لمكتب الخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فإنَّ السياسة الداخلية والمكانة الأقل نسبياً مقارنةً بمركزي القوة في الإمارات والسعودية تجعل الكويت ذات أولوية أقل لدى الدولة اليهودية. وأضاف: “لا أرى أنَّ ذلك سيحدث. سيكون الأمر انتحاراً داخلياً”.