أخبار العالم
ما الذي دفع ترامب “للاستسلام” وإنهاء الإغلاق الحكومي .. رغم عدم تحقيق مطالبه؟
قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ذات مرة إنَّه لا يمكن أن يكون هناك تبييضٌ للصورة في البيت الأبيض. لكن سيكون عادلاً القول إنَّ هناك الآن رايةً بيضاء. بهذا النص، بدأت صحيفة The Guardian البريطانية تقريرها الذي رصدت فيه رفع الرئيس دونالد ترامب، مَجازياً، الراية البيضاء في حديقة الورود، التي كانت باردة لكن مشمسة، بالبيت الأبيض أمس الجمعة 25 يناير/كانون الثاني، حين أعلن نهاية الإغلاق الحكومي الجزئي بعد 35 يوماً مليئة بالمنعطفات. فلم يحصل الرئيس الأمريكي على جداره. وكان عدم حصول كل أولئك الموظفين الفيدراليين على رواتبهم، واصطفافهم أمام بنوك الطعام، وأيضاً تلك الصفوف الطويلة في المطارات والمخاوف بشأن أمن المسافرين، وكل تلك القمامة المتكوِّمة في الحدائق الوطنية، وكل الألم السياسي الذي لحق ترامب والجمهوريين، كل هذا كان للا شيء. فالرئيس كان يريد 5.7 مليار دولار لتمويل الجدار، لكنَّه لم يحصل على أي دولار.
لماذا الاستسلام الآن إذاً؟
ترى الصحيفة البريطانية أن هناك 3 احتمالات مُرجَّحة: أولاً، كان هناك ضغطٌ سياسي. عند سؤال إحدى شخصيات رواية الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي The Sun Also Rises عن كيفية إفلاسها، ردَّت الشخصية: «تدريجياً، ثُمَّ فجأةً». وهذا ما حدث فعلياً مع ترامب، فقد تراكمت الأنباء السيئة تدريجياً عشية عيد الميلاد ورأس السنة، ثُمَّ فجأةً يوم الجمعة بعد تسبُّب النقص في مراقبي الحركة الجوية في تأخيراتٍ كبيرة في الرحلات، وصلت رودود الفعل التي تقول: «أنا نادمٌ على انتخاب ترامب»، وصلت أوجها. ثانياً، إن كان ترامب يرغب في تقليص خسائره، فإنَّه ربما يفعل ذلك الآن حتى يتسنَّى له إلقاء خطاب «حالة الاتحاد» كما هو مُخطَّط له يوم الثلاثاء 29 يناير/كانون الثاني، أو على الأقل بعد ذلك التاريخ بفترة قصيرة. إذ يمثل الخطاب ذلك النوع من اللحظات التلفزيونية المهمة التي بلا شك كان يحلم بها منذ الوهلة الأولى لترشّحه للرئاسة. لكنَّ رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أخبرته بأنَّها ستؤجل الخطاب حتى إعادة فتح الحكومة. وباستسلام يوم الجمعة، باتت النتيجة: بيلوسي 2 وترامب 0. وغرَّدت جاكي أليماني، الكاتبة بصحيفة The Washington Post الأمريكية، قائلةً: «كتب أحد موظفي البيت الأبيض السابقين: (أفترض إذاً أنَّ نانسي بيلوسي الآن ستلقي خطاب حالة الاتحاد، لأنَّها مَن يدير البلاد)».
ثالثاً، ترامب خبيرٌ في الإلهاء واختلاق الأمور لتشتيت الانتباه. إذ بدأ اليوم بالاعتقال الكارثي ربما لمستشاره لفترة طويلة روجر ستون كجزءٍ من تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر في التواطؤ المزعوم مع روسيا. وأي شيءٍ لإبعاد عناوين الأخبار عن هذا الموضوع أفضل من إنهاء أطول إغلاقٍ حكومي في التاريخ الأمريكي؟ لكن الحقيقة أنَّ ترامب استبدل مجموعة مريعة من عناوين الأخبار بأخرى مريعة أيضاً.
إخفاء الهزيمة
إذ باتت السردية المتداولة هي أنَّ ترامب الذي نصَّب نفسه صانعاً للصفقات قد أذعن، وخضع، واستسلم، وخسر. حاول منع هذا التصور عن طريق ملء خطابه بحديقة الورود بادعاءاته البيانية المُضرجة بالدماء المعتادة عن تدفق المخدرات والمجرمين العنيفين عبر الحدود الأمريكية المكسيكية. وأصرَّ ترامب، الذي خرج في بعض الأحيان عن الخطاب المُجهَّز على المُلقِّن ليُكرِّر مشاعره الداخلية: «لا يجب أن تكون الجدران أمراً خلافياً. بَنَتَ بلادنا 654 ميلاً (1052.5 كيلومتر) من الحواجز على مدى السنوات الـ15 الماضية، وأخبرني كل شخص تحدَّثتُ معه ممن عملوا في حراسة الحدود إنَّ الجدران تنجح. وهي بالفعل تنجح. فمهما ذهبت، تنجح الجدران. بَنَتَ إسرائيل جداراً، وهو ناجح بنسبة 99.9%. ولن تختلف النتيجة في حالتنا أيضاً». وحذَّر من أنَّه في حال لم يحصل على اتفاقٍ عادل من الكونغرس، فإنَّه سيغلق الحكومة مجدداً يوم 15 فبراير/شباط أو سيلعب ورقته الأخيرة: إعلان حالة الطوارئ الوطنية للحصول على التمويل بطريقةٍ أخرى. وهدَّد بعد ذلك في لقاءٍ بالبيت الأبيض قائلاً: «سنعمل مع الديمقراطيين ونتفاوض، وإن لم نستطع عمل ذلك، فإنَّنا بوضوح سنلجأ إلى الطوارئ لأنَّ هذه هي الحال فعلاً. إنَّها حالة طوارئ وطنية».
ترامب سحق على أيدي النساء اللاتي لا يحترمهن
لكن على الأرجح بحسب الصحيفة البريطانية، فإنَّ أياً من ذلك لن يرضي اليمين المتطرف، الذي كان يحضّ ترامب على القتال من أجل الجدار حتى النهاية. فقد غرَّدت آن كولتر، مؤلفة كتاب «In Trump We Trust – نثق بترامب»، قائلةً: «أخبار جيدة للرئيس جورج هربرت واكر بوش (جورج بوش الأب): اعتباراً من اليوم، لم يعد هو أكبر رئيس ضعيف يحكم الولايات المتحدة». وهكذا إذاً وجد ترامب، الرجل الذي لا يُعرَف عنه إظهار الاحترام للنساء، نفسه قد سُحِق على يد بيلوسي من يساره وكولتر من يمينه. ويمكن إعادة صياغة إحدى العبارات التي وردت في فيلم «A Man for All Seasons» لتصبح: لا ينتفع المرء بشيءٍ من التضحية بروحه من أجل العالم برُمّته.. لكن أن يضحي من أجل جدار؟
https://www.theguardian.com/us-news/2019/jan/25/trump-raises-white-flag-government-shutdown