مقالات

ثقافة الحوار… الهادف !! أحمد عبد المطلب – مترجم/ صحفي مهجري الإثنين 21 يوليو 2014

حيث أننا نعيش في أمريكا بلد الحوار على المستوى العام (برامج حوارية وحلقات عمل وعواصف ذهنية (Brain Storming) وغير ذلك، وعلى المستوى الخاص (مناقشات وحوارات في أي موضوع من مواضيع الحياة بين فردين أو أكثر في أي وقت وفي أي مكان)، لا يَسَع المرء إلا أن يُقَارِن بين أسلوب الحوار بين الأمريكان وبين العَرَب. فالناظر إلى مجموعة عرب “يتناقشون”، يُعْتَقَد – بحق – أن هناك معركة دائرة أو تَشَاحُن ليس أمامه إلا دقائق معدودات وينقلب إلى تنابز بالألقاب وربما تشابك بالأيدي والعصي وأسلحة أخرى أيضاً. وهذا ليس رأيي وحدي، إنما كان هذا رأي كثير من الأمريكان الذين لفتوا نظري إلى هذه المسألة بقولهم: “لماذا كلما تحاوَرْتُم تَشَاجَرْتُم؟”. إذن ما هو الفرق بين مناقشاتنا ومناقشاتهم؟ الفرق ليس إلا ثقافة الحوار التي يتعلمونها منذ نعومة أظافرهم. فلنبحث معاً في عُجَالةٍ وإختصارٍ غير مُخِل: كيف نُهَذِّب حواراتنا ونجعلها هادفة، وينطبق عليها فعلاً المقولة غير المُطَبَّقَة أن “الإختلاف في الرأي لا يُفْسِد للود قضية”؟. إبدأ بأن تسأل نفسك: ما هو هدفي الأسْمَى من الحوار؟ هل هو إثبات أنني على حق على طول الخط أو كسب نقاط حتى ولو بالضرب تحت الحزام؟ أم أن هدفي هو النقاش الهادف وأن أخرج من أي مناقشة حول أي موضوع إما وقد إسَتَفَدْت من غيري أو أفَدْته بوجهة نظر أو رأي مخالف أو معلومة جديدة؟ دعنا نبدأ بخطأ شائع وهو أن تَدْخُل الحوار متناولاً في البدء نقاط الإختلاف. إفعل العكس وإبدأ بكل النقاط التي تبدو لك كأنها يتوفر فيها من الإلتقاء الفكري ما يكفي لتجاوزها بسرعة، بل ويفيد ذلك أيضاً في بناء جو من الثقة والألفة المبدئية بينك وبين محاورك وكسر الثلج كما يقولون. وتأكد عزيزي أن أول مبادئ الحوار الهادف هو حتمية أن يدور في جو من الهدوء، والإحترام المُتَبَادَل، والصوت المنخفض، والأعصاب الهادئة، مهما كانت نقاط ودرجات الإختلاف. فمن المهم ألا تفقد أعصابك ويعلو صوتك فَيَصِل إلى درجة الصياح؛ واتَّفِق مع محدثك على أن يُذَكِّر كل منكما الآخر عند حدوث ذلك بهدف العودة للحالة الأولى.

أيضاً، تَعَلَّم ألا تُسَفِّه مُحَدِّثُكَ أو أي جزء من آراءه، إنما اظهر له بهدوء مجانبته للصواب بالمنطق والحُجَج، فربما يتبين لك من خلال ذلك أنه هو الأصْوَب وأنت المخطئ في نقطة أو أكثر؟! ومن الوسائل الناجحة في إدارة الحوارات أن تقوم بإشراك محدثك في حوار تفاعلي أكثر من أن تكون مُحَاضِراً وتريد من محاورك أن يكون مجرد أذُن أو متلقياً فقط، فربما سَرَحَ أو غالَبَه النعاس من الضجر. إسأله أسئلة ذكية محسوبة وغير مُبْهَمَة لكي تتعرف على رؤيته ومدى علمه بالموضوع محل النقاش. ولا تتوانى أن تسأله السؤال تلو الآخر بتركيز، وكن مصراً على أن تحصل على إجابة، ولكن إياك أن تتكهن أو تَبْنِي رأياً على تخمين بأن هذا هو رأي محاورك، لأنه عند نقطة ما سيقول لك: “وما أدراك أنني قلت بذلك؟! أو أن هذه هي قناعتي”؟.

والأكيد أنك خلال أي نقاش أو حوار يجب أن تُعَامِل بمثل ما تحب أن تُعَامَل. في قول آخر، لا تكن “هَجَّاماً” على محاورك بشكل دائم، إنما اعط له مساحة كافية للرد عليك، وتفنيد وجهات نظرك، على الأقل لكي تتمكن من تجميع أفكارك والرد موضوعياً على تساؤلاته واستفساراته، بل وأن تستمر في نقده أيضاً ولكن على أساس قوي من واقع كلامه وليس بالتكهنات. واحتفظ دائما بورقة وقلم أمامك لكي لا تقاطع محدثك ولكي لا تتوه منك النقاط التي أثارها. وتَأكَّد أنه إذا كنت تريد أن تكون محاوراً جيداً يجب أن تكون أيضاً مستمعاً جيداً. فلا تتكلم بما لا تَعْرِف أو ما ليس لك به علم أكيد لمجرد إثبات الوجود وقَوْل أي شئ. فسوف تكسب إحتراماً أكبر إذا ما ظللت مستمعاً أغلب الوقت بدلاً من أن يَتَمَخَّض الجبل فَيَلِد فأراً. وعلى ذكر الإحترام، تَعَلَّم ألا تُكابِر عندما يظهر لك الحق جلياً أو يتبين لك موضع خطأ في رأيك أو قناعاتك. فالتراجع أمام الحق يزيد من إحترام الناس لك ولن يُعِيبُك إلا الإصرار والكبر والعند.

وضَعْ نصب عينيك دائماً مبدأ “ممنوع القفز” من مسألة إلى أخرى في الحوار. فهناك من تتشعب معهم المناقشات إلي أمور فرعية تتوه بك عن القضية الأصلية بدون داع مما يجعل المناقشة مرهقة وغير مثمرة. كما يجب أن تتذكر أن من أصعب النقاشات هي تلك التي تدور بين إثنين فقط. قد يكون الطرف الذي يحاورك من الصنف الذي يُلْقِي في وجهك بكثير من “اللامعقوليات”، ولكن لكونكما محاوران لا ثالث لكما، ينقسم إمتلاك الحقيقة بينكما بالتساوي. بمعنى أنه لو قال لك خلال الحوار – على سبيل المثال – :”إن الشمس تشرق يومياً من المغرب وهذه حقيقة علمية معروفة وثابتة”!! فما الذي يجعل لردك بأن: “العكس هو الصحيح وأن مسألة شروق الشمس من المغرب لن تَحْدُث إلا مرة واحدة عند إنتهاء هذه الدنيا وقيام القيامة” عُلوَّاً على رأيه؟ إن هذا المُجَادِل يُمْكِنُه أن يقول لك: “لماذا تُعْطِي لنفسك الحق في أن يكون ردك هو الأصح والأصْوَب فوق رأيي”؟ إنما لو حرصت على أن يكون هناك طرفاً ثالثاً أو أكثر يشاركون في هذا الحوار فسوف تكون الحالة أيسر. ذلك لأن هذا الثالث سيلعب دور الحَكَم بينكما في مثل هذه الأمور والكثير غيرها، ويُشْعِر محاورك بمدى سفاهة رأيه إن إحتاج الأمر، ويَكْفِيك مَشَقَّة أن تقوم أنت بذلك أو أن يُؤْخَذ عليك قيامك أنت بهذا الأمر.

ومن الأمور المفيدة لتصحيح مسار النقاش إذا إحتدم واستشعرت بأن المسألة ستتحول إلى تشاحن، أن تَعْرِض على محاورك تَنَاوُل مشروب، أو أن تَرْوِي له أو يَرْوِي لك طرفة أو نكتة تَخْرُج بكما عن الموضوع الأساسي لعدة دقائق وتلطف الأجواء، ثم تعود بعدها لإستئناف الحوار، مُقَدِّماً لمحاورك موجزاً موضوعياً عما توصلتما إليه خلال فترة المناقشة السابقة على هذه الإستراحة السريعة، ونقاط الإلتقاء ونقاط الإختلاف، وأفضل السبل للتلاقي فيما هو مُقْبٍل من نقاط التحاور.

وفي النهاية، أدْرِك أنه من المهم أن تُنْهِي النقاش فوراً بكل دبلوماسية إذا إستشعرت أن محاورك مُجَرَّد شخص جَدَلي لمجرد الجدل، أو سوفسطائي متفلسف بدون داع، أو غير مُلِم بجوانب الموضوع محل النقاش، أو جاهل وكثير الفتوى بهواه، أو تنطبق عليه مقولة المفكر ستيفن هوكينج: “إن أسوأ عدو للمعرفة ليس الجهل، إنما هو الوهم بالمعرفة  illusion of knowledge””، أو لديه قناعات شاذة غير مُتَعَارَف عليها بين بني البشر، أو إنك لن تخرج من النقاش بأي فائدة أكثر مما وصلت إليه، أو إذا اكتشفت أن محاورك مُشَوَّش في خواطره وليس لديه قدرة على سَلْسَلَة أفكاره وسردها، أو أن يصبح محاورك عدوانياً ويترك المناقشة الموضوعية لتصبح المسألة شخصية يُدْخِل فيها لدغتك الخفيفة في حرف الراء، أو عدم تماشي لون قميصك مع جوربك، أو أنك تُتَهْتِه في الكلام، وغير ذلك من نفس العَيِّنَة التي لا تَدُل إلا على فراغ الجعبة من الحجج. إذا وَصَلَ بك النقاش، أو دعني أقول إنْحَدَرَ بك النقاش إلى أي حالة من تلك الحالات المذكورة عاليه، فاعلم عزيزي إنك إن لم تنجو بجلدك وتَفِر فِرَار الفارِّين من الزحف، فلن تكفيك ضعف كمية حبوب الضغط التي صَرَفَهَا لك الطبيب!! abdelmotaleb1@gmail.com

رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق