أخبار من أمريكا
العزل دخل مرحلة الجد.. ترامب تحدَّى خصومه فقرروا التصويت علناً، فهل يندم؟
لم يكن متوقعاً أن يُقدِم مجلس النواب على اتخاذ الخطوة العملية الأولى في مسيرة محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمهيداً لعزله حال إدانته قبل نهاية العام الجاري، لكن فجأة تم الإعلان عن الخطوة الأولى، فماذا يعني ذلك بالنسبة للرئيس وخصومه وللشعب الأمريكي؟
ماذا حدث؟
قرر مجلس النواب الأمريكي عقد أولى جلسات تصويت رسمي في إطار التحقيق الرامي إلى عزل ترامب، الخميس 31 أكتوبر، وأكد مسؤول ديمقراطي رفيع، في تصريح لوكالة فرانس برس، أن جلسة التصويت سوف تحدد الخطوات المقبلة للتحقيق، وذلك بعدما أبلغت رئيسة المجلس، نانسي بيلوسي، الديمقراطيين بالخطوة المقبلة.
بيلوسي وجَّهت رسالة للنواب الديمقراطيين، جاء فيها: «سنقدم هذا الأسبوع إلى مجلس النواب قراراً يؤكد التحقيق الجاري»، مضيفة أن النص «يضع آلية لكيفية إجراء جلسات الاستماع المفتوحة أمام الأمريكيين، كما يعدد الحقوق المضمونة للرئيس ولدفاعه».
وفي تصريح لشبكة «سي إن إن»، قالت بيلوسي إن قرار إجراء التصويت من شأنه نقل الأدلة إلى اللجنة القضائية التي تجري التحقيقات، كما سيضع حداً لقدرة إدارة ترامب على حجب الوثائق، أو منع شهادات الشهود، أو عرقلة مجلس النواب.
ماذا يعني ذلك؟
هذا التصويت في مجلس النواب الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بالأغلبية يعتبر خطوة رمزية إلى حد كبير، لكنها تمثل تحدياً كبيراً لانتقادات الجمهوريين للعملية برمتها، والأهم أنها ستجعل من الصعب جداً على ترامب والجمهوريين التهرب من الإجابة على السؤال الجوهري وهو: هل أساء ترامب استغلال سلطاته كرئيس أم لا؟ وفي تقرير لشبكة سي إن إن حول تلك الخطوة بعنوان: «بيلوسي أعطت الجمهوريين ما أرادوه، لكن ترامب ربما يندم»، بدأته بأن الرئيس والمدافعين عنه من حزبه ربما يندمون على أن بيلوسي أعطتهم ما كانوا يتمنونه.
كيف ستؤثر هذه الخطوة على عملية العزل؟
أعلنت بيلوسي عن البدء في عملية المحاكمة البرلمانية لترامب أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب مكالمة ترامب لنظيره الأوكراني التي طلب فيها ساكن البيت الأبيض من رئيس دولة أجنبية أن يفتح ملفات فساد تخص ابن جو بايدن، المنافس المحتمل لترامب في الانتخابات العام المقبل.
الخطوة الأولى عبارة عن قيام اللجان المعنية بالتحقيق وتقديم تقريرها، أبرزها اللجنة القضائية والاستخباراتية والخدمات المالية والعلاقات الدولية، حيث يستدعون الشهود ويدرسون الأدلة، وتكون كل تلك العملية خلف الأبواب المغلقة.
وضمن تلك الخطوة أيضاً هي قيام تلك اللجان بتقديم تقرير عما يجب إدراجه في مواد العزل التي سيقدمها رئيس اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب، جيري نادلر، قبل التصويت عليها، وإن مررت اللجنة القضائية مواد المحاكمة البرلمانية يعقب ذلك تصويت عام في مجلس النواب، وفي حال مرر مجلس النواب المواد، تكون عملية محاكمة الرئيس في المجلس قد تمت ومن ثَم تنتقل لمجلس الشيوخ، حيث المحاكمة الفعلية برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا.
الخطوة الأولى ليس لها إطار زمني محدد، ويمكن أصلاً أن ينتهي الأمر عندها إذا ما قرر الديمقراطيون عدم وجود أدلة كافية، أو وجدوا أنه لا توجد فرصة لعزل ترامب فعلياً أو لأي سبب آخر، وبالتالي لم تقدم بيلوسي إطاراً زمنياً لهذه العملية، إلا أنها قالت لزملاء إن الأمر سينجز «على وجه السرعة»، في حين قال نادلر قبل شهر إنه يأمل بالانتهاء من ذلك بنهاية العام الجاري.
الجمهوريون تحدّوهم أن يفعلوها!
طوال الشهر الماضي ركز الجمهوريون هجومهم على محورين؛ الأول هو الإصرار على أن ترامب لم يرتكب أي مخالفة قانونية واستخدام ترامب لسلطاته التنفيذية لمنع بعض الشهود من المثول أمام لجان الكونغرس، وبث حملات مدفوعة لتشويه بايدن بتهم فساد دون أدلة، أما المحور الثاني فتمثل في تحدِّي الديمقراطيين بأن يتخذوا خطوة التصويت على مواد العزل وإجراءات المحاكمة.
الآن وقد قبلت بيلوسي التحدي وحددت موعداً لجلسة التصويت، وجد الجمهوريون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، لماذا؟ لأن تصويت الخميس، رغم أنه معنيّ فقط بوضع خارطة الطريق الإجرائية للمحاكمة البرلمانية وليس تصويتاً رسمياً على إطلاق تحقيق برلماني، لكن كلمة السر هنا هي أن الإجراءات ستكون علنية، وبالتالي لن يلتفت الناخبون لتلك التفاصيل الإجرائية.
«لو أن الجمهوريين صادقون مع أنفسهم، فقد أعطيناهم ما يريدون وهو مشروع قرار لجعل المحاكمة علنية، والآن لنرَ أي عذر سوف يستخدمون،» قال النائب رو كانا، لشبكة سي إن إن.
وقد غرَّدت بيلوسي، صباح أمس الإثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول، قائلة: «مر أكثر من شهر ولا يزال الجمهوريون في واشنطن يرفضون الإجابة على السؤال البيسيط: هل من المناسب أن يضغط الرئيس على دولة أجنبية للتأثير على انتخاباتنا؟».
ماذا سيحدث الآن؟
تصويت الخميس المقبل يعني أن إجراءات المحاكمة ستكون علنية، وهذا يعني اطلاع الناخبين على أمور ومواقف تمثل إحراجاً كبيراً لترامب، كما ستمثل ضغطاً من الناخبين على نائبيهم الجمهوريين، وهو ما يعتبر مخاطرة كبيرة من جانب الجمهوريين.
وعلى الرغم من أن المسألة برمتها سياسية وإعلامية وليس من المتوقع أن تؤثر كثيراً في قاعدة ترامب الانتخابية، بل ربما يحدث العكس ويتم استنفار تلك القاعدة للوقوف أكثر بجانب ترامب في وجه «المؤامرة» الديمقراطية، وهذا بالتحديد ما يراهن عليه ترامب والجمهوريون المدافعون عنه، فإن الأمر يعتبر سلاحاً ذا حدين.
ففي هذا السياق أظهر استطلاع أمريكي قبل نحو أسبوعين أن أكثر من نصف شعب الولايات المتحدة يؤيد إقالة ترامب وتنحيته من منصبه، وهي نسبة غير مسبوقة في إطار التحقيق الذي يقوده الديمقراطيون في الكونغرس ويهدف إلى عزله عن كرسي الحكم، وهو استطلاع نشرته قناة «فوكس نيوز»، وأورد أن «51% تريد إقالة ترامب وإزالته من منصبه، بينما يعارض 40% عزله تماماً».
الأمور الآن أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات، وربما يدفع ترامب والجمهوريون ثمناً باهظاً للاستخفاف بقدرة الكونغرس على المضي قدماً في محاكمته برلمانياً ومن ثَم عزله من منصبه، حيث إن بداية التصويت في جلسات علنية سيعطي الديمقراطيين الفرصة لمهاجمة ترامب بنفس سلاح التشهير والهجوم على منتقديه، لكن في المقابل ربما يستفيد ترامب من ذلك حال نجح وفريق الدفاع عنه في تشتيت الانتباه عن الاتهام الفعلي، وهو استغلال منصبه لتحقيق مكاسب انتخابية.