مقالات
أرقام صادمة حول العنف ضد النساء بالمغرب – مصطفى قطبي
تتباين مظاهر العنف المنتشرة في المجتمع المغربي، ويعتبر العنف الأسري من أكثر أشكال هذا العنف انتشاراً، علاوة على أنَ النساء في أغلب الأحيان هنَ ضحايا ذلك العنف الأسري، أيَا كانت الأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، وحتى إذا لم يكن أنفسهن طرفاً فيها فهنَ دائماً اللاتي يدفعن الثمن الأكثر فداحة، والمقصود بالنساء ضحايا العنف الأسري، النساء اللواتي تعرضنَ لاعتداء جسمي أو جنسي أو تمَ استغلالهن من أحد الأشخاص الذين تربطهن به علاقة حميمة.
كشفت المندوبية السامية للتخطيط بـالمغرب، وهي هيئة حكومية مختصة بتوفير المعطيات الإحصائية الرسمية، أن سبعة ملايين ونصف مليون امرأة مغربية تعرّضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف خلال عام 2018. وأوضحت المندوبية في بيان أصدرته بمناسبة الحملة الوطنية والدولية للتعبئة من أجل القضاء على العنف ضد النساء، أنها قامت ببحث ميداني شمل جميع جهات المغرب في الفترة ما بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2019، وشمل عيّنة تضم 12 ألف فتاة وامرأة، إلى جانب 3 آلاف فتى ورجل، تراوح أعمارهم بين 15 و74 سنة.
وقد خلص البحث الميداني إلى نتائج مثيرة حول انتشار العنف ضد النساء في 2019، خصوصا في ما يتعلق بالعنف الجنسي والزوجي والإلكتروني، وعدم انشغال كبير بهذه القضايا في المجتمع المغربي. وأظهرت النتائج الأولية، أن أكثر من نصف النساء والفتيات المغربيات اللواتي يفوق سنهم 15 عاماً، والبالغ عددهن الإجمالي 13 مليونا ونصف المليون، تعرّضن لأحد أنواع العنف خلال العام السابق، أي تحديدا نسبة 57 بالمائة. ومع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة وتوسيع الشبكات الاجتماعية، برز شكل آخر من أشكال العنف يسمى ”العنف الإلكتروني” يطاول ما يقارب 1.5 مليون امرأة. وأوضحت المندوبية أن ممارسة هذا العنف تتم من خلال البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية القصيرة. ويرتكب هذا النوع من العنف في معظم الحالات من قبل شخص مجهول.
وأكدت المندوبية أنه ورغم هذه المعطيات، فإن العنف تراجع خلال السنوات العشر الماضية، وبخاصة في المجال الحضري (المدن)، إذ انخفض بنسبة 10 بالمائة. وشمل الانخفاض بشكل رئيسي العنف النفسي، فيما ارتفعت نسبة العنف الاقتصادي والعنف الجنسي. وسجّلت المندوبية وجود اتجاه عام نحو انخفاض العنف في المدن، مقابل ارتفاعه في القرى. ويظل العنف الممارس في الفضاء المنزلي الذي يشمل العنف المرتكب من لدن الشريك والأسرة (بما في ذلك أسرة الشريك) الأكثر انتشارا بنسبة 52 بالمائة، حيث اعترفت أكثر من 6 ملايين امرأة بتعرّضهن لهذا النوع من العنف، في حين شهدت مجالات الحياة الأخرى تراجعا في نسبة انتشار العنف خاصة في الأماكن العامة.
ونحن نقرأ هذه البيانات الإحصائية، لابد أن نعترف أنّ العنف الأسري يعدّ عنفاً ذو طبيعة خاصة، وذلك لامتداد أثره على المحيطين بالمرأة، سواء كانوا أبناء أم أقرباء، مما يعكس آثار سلبية على حركة تقدم المجتمع، من خلال الخلل في قيام المرأة بأدوارها، بخاصة دورها في تنشئة الأجيال نظراً للاضطرابات النفسية التي تفرزها التنشئة الخاطئة للأم المقهورة والمعنَفة المحبطة، فهي تلجأ إلى أبنائها للتنفيس عن حالتها النفسية مما قد يدفعهم إلى خيارات فاسدة، لا نتوقع معها تقدم أو تطوير يقوم به أجيال المستقبل، بالإضافة إلى الأثر السلبي للعنف على المدى القصير على تعليم وصحة ومشاركة المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يؤثر مباشرة على تقدم المجتمع، وبالتالي فإنَ التمييز ضد المرأة سواء في الأسرة أو المجتمع يحرمها من المساواة في جميع مجالات الحياة ويعتبر مظهراً لعلاقات غير متكافئة بين الرجل والمرأة، ويعتبر العنف ضد المرأة انتهاكا لحقوقها كإنسان.
ويجب أن ننوه أنَ مظاهر العنف تتداخل وتتشابك مع بعضها في العديد من الجوانب، فما يكون عنفاً بدنياً يخلق بالضرورة عنفاً نفسياً واجتماعياً، بل وسياسياً، وبالتالي فإنَ رصد هذه المظاهر يقبل دائماً التعديل، كما أنَ الفصل بين مظاهر العنف مقبولا في حدود الطرح النظري فقط، نظراً لتشابك العوامل التي تؤثر على الانسان وتأثيرها وتأثرها المتبادل.
فالشريحة المستهدفة أكثر والتي تعاني هي الطبقة المتوسطة والفقيرة حيث يختلف أشكال الاعتداءات الممارس في حقها وفي طليعتها الاعتداء الجسدي، أمَا الطبقة الغنية فالعنف النفسي يبقى السمَة البارزة. وبلغ معدل انتشار العنف في الفضاء الزوجي خلال سنة 2019. 46 بالمائة، أي أنه مسّ أكثر من 5 ملايين امرأة تراوح أعمارهن ما بين 15 و74 سنة، واللواتي قالت المندوبية إنهن ضحايا العنف المرتكب من طرف الزوج أو الزوج السابق أو الخطيب أو الشريك الحميم.
وتظل النساء المتزوجات الأكثر عرضة للعنف الزوجي، إذ تبلغ نسبة المعنفات منهن 52 بالمائة، ثم الشابات اللائي تراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، إذ تعرّض 59 بالمائة منهن للعنف، ثم فئة النساء ذوات المستوى التعليمي المتوسط 54 بالمائة، والعاطلات من العمل 56 بالمائة. وعن مواصفات الشريك الذي يُقدم على ممارسة العنف ضد المرأة، قالت المندوبية إن معدل انتشار العنف يرتفع بشكل خاص بين النساء ذوات شريك عاش في بيئة يسودها العنف المنزلي أو شاب يراوح عمره بين 15 و34 سنة أو حاصل على مستوى تعليمي ثانوي إعدادي. وصرحت 22 بالمائة من التلميذات والطالبات بتعرضهن للعنف في مؤسسات التعليم والتكوين. وترتكب حالات العنف من طرف زملاء الدراسة للضحايا أو من طرف الأساتذة أو من طرف أشخاص غرباء عن المؤسسة.
إنَ أسباب العنف ضدَ النساء المغربيات، يرجع إلى الموروث الثقافي السائد في المجتمع المتمثل في نسق القيم والعادات والتقاليد والأعراف السائدة، والتي تؤكد المكانة الاجتماعية المتدنية للمرأة مقارنة بمكانة الرجل، ويتجسد ذلك في الأمثال الشعبية وما أكثرها في مجتمعنا المغربي، فيقال (ضرب الحبيب زبيب، واقطع رأس القط من ليلة العرس، والعصا من الجنة)، وهناك من الأمثال التي تهمش دور عقل المرأة وكأنها شيء جامد بلا شعور وإحساس مثل (المرأة الصالحة خرسا طرشا… وقال إبليس: أنا أعلم الرجال وأتعلم من النساء، واسأل المرأة واعمل العكس… يندم دائما من يطيع المرأة… اسمع للمرأة ولا تطاوعها… أكسر للبنت ضلع يطلع ليها 24 ضلع، يا الوالدة البنات يا الحاملة الهموم حتى الممات)… وغيرها الكثير من الأمثال الشعبية التي تحط من قيمة المرأة…
وعن الأسباب والدوافع الاجتماعية وراء انتشار ظاهرة العنف بين الأزواج، لا بد أن نؤكد أن غياب التناسب والتوافق النفسي والاجتماعي والاقتصادي بين الزوجين هو الدافع الأساسي لتولّد العنف بينهما، فقد يكون الزواج بين رجل وامرأة يختلفان في البيئة التي نشأ بها، وظروف النشأة الأولى ومراحل الحياة والتعليم والثقافة والقيم والطباع وأسلوب الحياة، هذا الاختلاف يخلق تنافراً بين الشخصيتين، والتنافر يخلق بدوره العنف، ولعل ذلك يعود إلى النزعة المادية التي أصبحت تسيطر على الأفراد داخل المجتمع المغربي.
فالرجل والمرأة في الوقت الحالي ينظران للزواج على أنه صفقة، أي أن كلا منهما يقدم على هذه التجربة بدافع المصلحة، لذا تأتي النتائج غير محدودة في أغلب الأحيان، والعنف بين الأزواج يتدرج من مجرد السب والشتم إلى التعذيب النفسي والبدني، إلى الفشل الذي يصل إليه أحد منهما في حالة غياب كامل للقيم والدين والأخلاق، وقد افترض علماء الاجتماع أن العنف بين الأزواج يقل كلما ارتفعت ثقافتهم، إلا أن الواقع أثبت من خلال الدراسات الميدانية أن هناك حالات متعددة من المثقفين يلجأون إلى العنف الذي قد يصل إلى القتل، كذلك هناك رجال أعمال وأفراد من أرقى الطبقات يلجأون أيضا إلى أقسى صور العنف.
تنبع خطورة العنف، من الآثار السلبية التي قد لا ينجو منها أي عضو في الأسرة بحيث يصبح جميع أفراد الأسرة ضحايا لهذا العنف بصور ودرجات متباينة ممَا يعيق الأسرة ككيان اجتماعي على القيام بواجباتها. ويلعب الموروث الثقافي الذي تعكسه رؤى النخبة والجمهور دوراً بارزاً في استمرار الترويج لممارسات العنف ضدَ المرأة، وعلاوة على أنَ المرأة تستحق أن يقع عليها العنف بكل أشكاله، وأنَ معاقبة الزوج لزوجته لا تعدُ عنفاً.
وقد أشارت إحدى الدراسات التي تناولت العنف ضدَ المرأة أنَ هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الموافقين على ذلك حتى بين النساء أنفسهن، وهو ما يرجع إلى البعد الديني الحاكم، كما اتجهت أصابع الاتهام في جرائم الاغتصاب إلى الضحية بسبب سلوكها غير الملائم، أو ملابسها غير المناسبة، دون النظر إلى المتغيرات الأخرى من بطالة ومخدرات… وبهذا نجد أنَ السياق الثقافي يحمل عوامل محرضة على العنف ضدَ المرأة ومبررة له أيضاً، نتيجة فهم خاطئ للدين يختلط بالموروثات والتقاليد التي تكرس التمييز ضدَ المرأة.
ومن ناحية أخرى أجمعت الدراسات على أنَ انخفاض المستوى المعيشي والاقتصادي لكل من الجاني والضحية والنشأة في بيئة تمارس العنف وضعف احتمال المسائل القانونية للجاني كلها عوامل مدعمة للعنف، فالمرأة الأميَة وغير العاملة أكثر احتمالا للتعرض للعنف نظراً لفقدانها القدرة على حماية نفسها وإدارة شؤونها واحترامها لذاتها.
وأخيراً وليس آخر، أتمنّى من المرأة المغربية الفاضلة، ألا تصمت بعد اليوم عن حقوقها السّليبة، فهي ليست المخلوق الأدنى، ناقص العقل و الحقوق، بل هي المخلوق الأجمل و الأغلى و الأسمى، و المجتمع الذي يعامل الأنثى على أنها المخلوق الأرقى هو مجتمع اكتسب النمط الفكريّ الأرقى بلا أدنى شك. فالمستقبل دائماً أجمل و لا بدّ من إطلاق النداء عالياً في كلّ وقت وحين لتسليط الضّوء على كلّ ما يعيق حصول المرأة المغربية على حقوقها في كافة مناحي الحياة كاملة، ورفع شعار لا ظلم ولا غبن بعد اليوم، و كلّ يوم بعد اليوم هو يوم المرأة المغربية العظيمة.