مركز الدراساتمقالات
بعد فشل أحلامه السلطانية بسوريا… أردوغان يعتزم إقامة سلطانه الخرافي في ليبيا… *مصطفى قطبي
أينما ولى النظام التركي الانتهازي وجه أطماعه وجشعه، فثمة خراب يسعى لفرضه وفوضى إرهابية يستثمر فيها على حساب سلام واستقرار الدول ودماء أبنائها، فرئيس النظام التركي أردوغان المسكون بهاجس العثمانية البائدة وبعد احتراق أوراق مناوراته وتكشف سبل احتياله في الأراضي السورية، بدأ يبحث عن بقعة أخرى لينقل إليها مشاريعه التخريبية الاستعمارية، فوجد في ليبيا التي يدعم الميليشيا المسلحة فيها فرصة ليصطاد في بركة الإرهاب فيها غايات أطماعه الدنيئة.
وبعيداً عن نتائج ومنعكسات مؤتمر برلين حول ليبيا… فإن ثمة مفارقات تلف المشهد برمته، أبرزها والأساس فيها موقف النظام التركي… والذي لا يمكن توصيفه إلا بالموقف المنافق والدجال، وهو ذات الموقف الذي اتخذه رجب أردوغان من الحرب الإرهابية على سورية، ودعمه اللامحدود للمجموعات الإرهابية في أرض الميدان، في وقت كان ينافق فيه على منابر السياسة، ويدعي نصرة الشعب السوري، وحرصه على السيادة السورية... هو ذات المخطط يتبعه أردوغان في ليبيا، بتدخله في شؤونها الداخلية، ونصرة طرف على آخر- وبعيدا عن موقفنا من هذا الطرف الليبي أو ذاك، فجل ما يهمنا عودة الاستقرار إلى ليبيا ووقف القتال فيها- فان نفاق أردوغان يبلغ حد الاستفزاز والوقاحة عندما قال أردوغان في كلمة له الجمعة 24/01/2020 في الحرم الجديد للجامعة الألمانية بإسطنبول بحضور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: ”في حال لم يتم تحقيق التهدئة في ليبيا بأقرب وقت، فإن حالة الفوضى ستؤثر على حوض البحر المتوسط بأكمله… إذا كنا لا نريد ظهور مرتزقة ومنظمات إرهابية كالقاعدة وداعش في ليبيا، فيجب علينا تسريع عملية الحل… نتمنى ألا يكرر المجتمع الدولي في ليبيا الخطأ الذي ارتكبه في سوريا”.
ولتذكير أردوغان بتجار الدم والفوضى الذين حذر منهم، فقد كشفت شركة الخطوط الجوية الإفريقية منطقة بنغازي عن إجبار طيرانها على نقل إرهابيين أجانب إلى ليبيا بشكل غير شرعي، كما أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا رياض سلامة وصول مجموعات من الإرهابيين المرتزقة الذين أرسلهم النظام التركي من شمال سورية إلى ليبيا، وهو ذات الأمر الذي أكدته إذاعة ”ار اف” التابعة للحكومة الفرنسية. هي ذات التجارة التي فشل أردوغان فيها في سورية، يعمل على نقلها إلى الأسواق الليبية، وذات البضاعة الإرهابية يعمل على نقلها إلى هناك، عله بذلك يعوض خسارة فادحة وانتكاسة مني بها على الأراضي السورية، دون أن يعي أن بضاعته باتت مكشوفة للجميع، وهي لن ترد له ثمن بطاقات نقله إرهابييه إلى ليبيا.
وللأسف فالتاريخ يعيد نفسه، ومثلما جلب أردوغان الإرهابيين إلى سورية من تونس وليبيا وفتح لهم حدود تركيا فدمّروا البلاد وهجّروا العباد وعاثوا فساداً وجلداً وسحلاً وتقطيع رؤوس وأيدٍ، فإنه اليوم ينقلهم مثل بيادق الشطرنج إلى ليبيا للقتال تحت راية (الجهاد) الكاذبة. تركيا أردوغان التي تدعم مرتزقة التنظيمات الإرهابية السورية، أقامت قاعدة عدوان في قطر وأخرى في الصومال، وتُرسل الإرهابيين المرتزقة إلى طرابلس الغرب لتقيم هلالاً إخوانياً من ”العثمانية الجديدة”. فأردوغان، يجاهر بجريمة الإرهاب، من خلال ”شحن” مقاتلين ينتمون لجماعات إرهابية في سورية إلى ليبيا لدعم الفصائل الأخوانية الموالية له في طرابلس.
نعود بالذاكرة حينما نقرأ حالياً الأخبار التي تكشف أفعال رجب أردوغان وما يقوم به من أفعال إرهابية في ليبيا، دون خجل أو قناع، ويعمل جهاراً على نقل مقاتلين إرهابيين سوريين وأجانب من سورية عبر مراكز في ادلب، وبأجور تتراوح بين 2000 و 3000 دولار إلى العاصمة الليبية، أموال يتعهد بدفعها ممول الإرهاب النظام القطري، ويتم إرسال الآلاف من الإرهابيين إلى مصراتة عبر رحلات جوية تابعة لشركة طيران خاصة، يمتلكها عبد الحكيم بلحاج القيادى في الجماعة الليبية. وكما رشح في وسائل الإعلام، فإن التعاون العسكري بين حكومة السراج وتركيا، لن يكون عبر وحدات عسكرية تركية، وإنما عبر عناصر إرهابية تابعة لتنظيمي ”داعش والنصرة” محسوبة على المخابرات التركية، قامت أنقرة بتدريبها وتسليحها. وكما جاء في تفاصيل الأنباء المتداولة أن هوية أغلبية هؤلاء الإرهابيين تركستانية، حيث أنّ هناك اتجاهاً تركياً لغرس بذور جماعات تركستانية على الأرض الليبية بما يسمح لأنقرة التدخل والتأثير في حاضر ليبيا ومستقبلها، كما هو الحال مع العراق، حيث المكون التركماني في كركوك وغيرها، والذين أخذت توظفهم في صالح مشروعاتها وأهدافها، لدرجة التلويح بالتدخل العسكري بحجة الدفاع عن المكون التركماني، وكما هو الحال أيضًا للمكون التركستاني في سوريا الذين جعلت منهم متمردين وإرهابيين تحرضهم ضد سوريا.
ويرى مراقبون في الأسلوب الذي يعتمده أردوغان بأنه الأخطر على المنطقة بإعطائه صبغة سياسية للجماعات الإرهابية والميليشيات التكفيرية. فقد وجد أردوغان في المقاتلين المتشددين والإرهابيين ضالته لتوسيع دوره في المنطقة، وتعظيم مصالحه في بعض الدول العربية، وفي الإقليم عامة، حيث يحاول الدفع بالجماعات الإرهابية إلى واجهة الصراع في ليبيا، المطلة على حدود أوروبا المتوسطية، وذلك أملاً في تحقيق أي اختراق سياسي يمكّن حكومة الوفاق في الحفاظ على مكاسبها وسط طرابلس، ما يضمن لتركيا نصيباً من غاز المتوسط ينتشل اقتصادها من الأزمة التي يمر بها.
أطماع العثمانية الجديدة تجاه الشعوب العربية؛ كشفها متحدث الرئاسة التركية قائلاً: ”سنفعل في ليبيا مثل الذي فعلناه في سورية”، كما أكدها أردوغان، في معرض تفاخره بإرسال جنود إلى ليبيا: ”يوجد مليون ليبي من أصول تركية يستحقون دعمنا والتدخل لنجدتهم” واضعاً سبباً جديداً للتورط في مغامرة عسكرية بعيدة عن الحدود، وتقع على بعد 200 ميل بحري، ذلك يوضح هدف العثمانية الأردوغانية الجديدة، وهو احتلال جزء من الأراضي الليبية كما هو الحال في سورية، وفرض الهوية التركية عليها، بذريعة حماية مجموعة من السكان لهم أصول تركية، من فترة احتلال عثماني دامت 300 عام، أذلّ أهلها وأشاع الجهل بينهم ونهب مواردهم.
وها هو ”المرشد الروحي للإخونجية” أردوغان الذي يدّعي اليوم أنه يتدخل لحماية ما يسمى ”أحفاد العثمانيين” في سرت ومصراتة الليبيتين، ويجنّد الإرهابيين من المرتزقة في سورية، وباعتراف أممي بأنهم وصلوا للقتال إلى جانب حكومة ”الوفاق” في طرابلس. ولكن الحقيقة تقول غير ذلك، في الأمس القريب، وبالشمّاعة ذاتها، وبحجة الدفاع عن تركمان العراق، اجتاح الأراضي العراقية، وأقام معسكراً لجنوده في ”بعشيقة” منذ عام 2015، وهي التي تتمتع بموقع استراتيجي وغني بالثروات والمجاورة لكركوك الغنية بالنفط والغاز، وبالحجة ذاتها فتح حدود تركيا على مصراعيها لكل المجموعات الإرهابية من ”داعش” و”النصرة” وكل تفريخات ”الإخونجية”، وضَمِنَ لها الحماية والرعاية والإقامة، وحتى الجنسية، وسهّل لها المرور إلى عمق الأراضي السورية، لتعيث خراباً ونهباً وسرقة بثروات الشمال الشرقي، وصولاً إلى عمق الجزيرة السورية.
لم يعد رئيس النظام التركي رجب أردوغان يعرف كيف يبرر أوهامه المجنونة وأطماعه الخيالية التوسعية التي تجاوزت شرق المتوسط إلى ليبيا وشمال إفريقيا، فقال أمام أعضاء الكتلة البرلمانية لحزبه: ”إن الدفاع عن أحفاد أجدادنا في ليبيا وأيّ مكانٍ آخر من الشمال الإفريقي من أهم مسؤولياتنا التاريخية”، وأضاف مدفوعاً بنزعة إمبريالية خطيرة: إن هذا الوضع مماثل لحال تركمان سورية والعراق والأتراك في البلقان وأشقائنا في شبه جزيرة القرم وإخوتنا في القوقاز، فإننا مُهتمّون بأتراك ليبيا وهم أحفاد بربروس وتورغوت (قادة الأسطول الحربي العثماني الذي احتل ليبيا والشمال الإفريقي). ويزعم أردوغان أنه حامي حمى العرق التركي في كل مكان وأن اهتمامه بليبيا هو للدفاع عن حوالي مليون ليبي من أصول تركية وبقايا الحكم العثماني لليبيا الذي بدأ عام 1552 يعيشون بين سرت ومصراتة إخفاء هدفه الحقيقي ألا وهو مطامعه بالثروات النفطية الليبية براً وبحراً وسرقتها في وضح النهار، بعد أن دوّر الإرهابيين وأرسلهم مع جحافله العسكرية بعناوين كاذبة لحماية الشعب الليبي.
هذا يمثل خطوة كبرى، ليست فقط نحو إحياء هيمنة عثمانية كانت موجودة في نطاق جغرافي استعماري، لأربعة قرون ونيف؛ بل نحو تقويض النظام الدولي المعاصر، ولا تقل في آثارها السلبية عن محاولة تنظيم ”داعش” الإرهابي إقامة دولة للخلافة عبر أردوغان، مرات، عن رغبته باستنساخ الإمبراطورية العثمانية آخرها ما قاله أمام أعضاء حزبه ”العدالة والتنمية” من أن حكومته تخطط لما بعد عام 2022، والذي يعد نهاية معاهدة 1923 التي أنشأت تركيا في صورتها وحدودها الحالية، والتحرر من قيودها التي فرضت عليها، لاسيما التنقيب عن النفط، والتحكم في مضيق البوسفور، والمطالبة بتعديل حدودها لتتوافق مع خريطة الدولة العثمانية قبل سقوطها، باعتبار أن مدة المعاهدة كانت 99 عاماً فقط، وبعد تجاوز تلك المدة تنتهي كل القيود.
أردوغان مسكون بفكرة التمرد على اتفاقيتي سيفر 1920 ولوزان 1923 حيث أدتا إلى ”حبس” تركيا داخل حدودها، وقد ربط أردوغان التدخل التركي في ليبيا بهاتين الاتفاقيتين، عندما أعلن أن ”مذكرتي التفاهم مع حكومة السراج تغيران الوضع السيئ لاتفاقية ”سيفر”، بهذا المنطلق تأتي محاولة أردوغان لاستعادة أمجاد بائدة. واتفاق أردوغان مع حكومة فائز السراج في ليبيا وزيارته تونس، حدثان أظهرا أن أردوغان لديه خطط عدوانية؛ صراع الغاز والنفوذ في شرقي المتوسط والعالم العربي، ويسعى للبحث عن منصة أو قاعدة عسكرية لإيجاد ممر للسلاح والمرتزقة الذين ينوي إرسالهم إلى ليبيا، أردوغان يكرّر في ليبيا ما فعله في سورية بالتعامل مع قوى خارجة عن الشرعية.
إنّ الأطماع ”الأردوغانية” القديمة الجديدة في ليبيا، لم تعد خافية على أحد وهي محاولة إحياء ”الإمبراطورية العثمانية” من خلال سرقة نفط ليبيا وتوسيع النفوذ والبحث عن مصالح تركية في المتوسط. فقد بدأت أطماع رئيس النظام التركي في ليبيا تتكشف تدريجياً، إذ كشف مسؤول تركي عن محاولات أردوغان إبرام اتفاقات جديدة مع رئيس ”حكومة الوفاق” فائز السراج للحصول على تعويض مبدئي قيمته 2,7 مليار دولار، عن ما سماه أعمال تم تنفيذها في ليبيا قبل غزو ”ناتو” عام 2011. ونقلت وكالة ”رويترز” عن رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي ـ الليبي مظفر أكسوي قوله أمس: الاتفاق المشار إليه محاولة لإحياء عمليات متوقفة لشركات تركية في ليبيا، موضحاً أن مشروعات الشركات التركية تعطلت في ليبيا بسبب الفوضى التي انتشرت قبل 9 أعوام، وأنها تضررت من جديد بسبب الحرب الدائرة هناك.
وأكد أكسوي أن أنقرة اقتربت من توقيع مذكرة الاتفاق مع السراج، قائلاً: ”انتهى العمل على مذكرة التفاهم المتعلقة بالعقود القديمة، وسيجري حل مشكلة الديون التي لم تُسدد بعد، والأضرار وخطاب الضمان”، وذلك في إشارة إلى تعويضات تحصلها الحكومة التركية من ليبيا. وأشار أكسوي إلى أن الاتفاق، المقرر توقيعه في كانون الثاني الجاري أو شباط القادم، سيشمل خطاب ضمان بمليار دولار، إلى جانب 500 مليون دولار، زاعماً أنها أضرار لحقت بالآلات والمعدات، إضافة إلى ديون غير مسددة بقيمة 1,2 مليار دولار. وحسب أكسوي، أنه في ظل توقف المشروعات في ليبيا حالياً بسبب القتال، فإن قيمة تأخيرات الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا تصل إلى 16 مليار دولار، بما في ذلك مبلغ تتراوح قيمته بين 400 و500 مليون دولار لمشروعات لم تبدأ حتى الآن. وبين أكسوي أنه رغم الاضطرابات، مازالت التجارة الليبية ـ التركية نشطة، إذ تبلغ صادرات تركيا لليبيا ملياري دولار سنوياً، والواردات 350 مليون دولار، لافتاً إلى أن المتعاقدين الأتراك على مشروعات في ليبيا يعجزون عن السفر إلى هناك منذ نيسان الماضي، تزامناً مع إعلان الجيش الوطني الليبي بدء معركة الكرامة لتحرير العاصمة من قبضة التنظيمات الإرهابية.
خلاصة الكلام: إنّ تمدد طموحات أردوغان الإخوانية خارج الجغرافيا السورية إلى الجغرافيا الليبية، يوضح حقيقة لا مفر من التذكير بها، لأنّ البعض يحاول نسيانها أو تجاهلها عند مقاربة الدور التركي والحديث عن أبعاده وأهدافه في المنطقة، وهي حقيقة الارتباط الوظيفي بين النظام التركي والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر كفيل وحده بشرح الكثير من التفاصيل الخفية للتورم التركي، يكفي التذكير بأن أردوغان كان ولا يزال مجرد أداة ومطية أميركية للعبور إلى جغرافيا المنطقة وتدميرها واحتلالها ونهب خيراتها وثرواتها.
لمحة عن الكاتب:
- كاتب وصحافي مغربي.
- خبير دولي في البيئة.
- باحث في العلاقات الدولية.
- باحث في التنمية والفكر الإصلاحي.
- متخصص في الدراسات التراثية والأنثروبولوجية.