دنيا الناس – أحمد محارم – نيويورك
اذا كان الطريق الى الجحيم يكون عادة مفروشا بالنوايا الطيبة فالغالب أن الطريق إلى الجنة في نظر البعض يكون متاحاً لذوى النوايا الساذجة. ما حدث بالأمس في مدينة نيويورك يعيد إلى الأذهان السؤال الذى كان وما يزال وسوف يظل حائراً بلا إجابة محددة أو تفسير لما يحدث وما هو الهدف من هذه الأعمال الإرهابية؟ وهل من الممكن أن يحلم البشر بانه من الممكن أن نعيش في عالم خال من الإرهاب؟
لا أدري لم تذكرت أنه في مثل هذا اليوم، الثلاثاء الموافق 31 أكتوبر من عام 1999، وعلى حدود جغرافية مابين ولايتى نيويورك وكناتكت، سقطت الطائرة المصرية التابعة لشركة مصر للطيران والتي كان يقودها الكابتن البطوطي وهو من أكفا الطيارين المدنيين على مستوى العالم وفى اللحظات الحرجة والظروف التي تعرضت لها الطائرة كان الصندوق الأسود يحمل صوته عندما تعامل هو ومساعديه مع الموقف فقال “توكلت على الله”. وكانت التفسيرات المغرضة بعد ذلك في محاولات لغلق الموضوع تدور حول أن الرجل كان ينوى الإنتحار. والواقع أنهم أساءوا تفسير قول البطوطي الذي كان يقصد به مانقوله في مثل تلك المواقف التي نعلم فيها أن النهاية قد أتت فنردد الشهادة.
وعلى نفس السياق، وفي يوم مشابه في التاريخ أعلاه، كانت مدينه نيويورك مثلها مثل كل المدن الأمريكية تنظم إحتفالاً بمناسبة “الهالوين” واستعد ابناءها والمقيمين بها والزائرين للإحتفال. وقد أشارت الصحف إلى أن قرابة 180 مليون مواطن امريكى قد انفقوا مبلغاً يزيد قليلاً على 9 مليار دولار تمثلت في مشتروات لأدوات وملابس وأقنعه تعودوا على ارتداءها في مثل هذه المناسبات. وتعود الأطفال أن في هذا اليوم إرتداء الثياب الزاهية ويحمل كل منهم كيساً أو صندوقاً في يده ليضع فيه الحلويات التي سوف يحصل عليها من خلال جولاته في أنحاء الحي الذى يسكن به. ووسط هذه الأجواء الإحتفالية، وفى قلب المدينة التي تسمى أيضاً “مانهاتن”، وبالقرب من مبنى مركز التجارة العالمي وحى المال والأعمال “وول ستريت” والمناطق السياحية، وفي حوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً، وهو الموعد المعتاد لزحام خروج العاملين وعودتهم إلى منازلهم، حدثت المفاجأة بأن قام أحد الإرهابيين ذو أصل أوزباكستاني بإستخدام عربة نصف نقل مستأجرة من محل “هووم ديبو” في قتل مواطنين أبرياء متعمداً عن طريق الإصطدام بهم بقيادته بسرعة جنونية لم يستطيعوا وهم يقودون دراجات او على أقدامهم أن يتفادوه. وحدث هرج ومرج وفزع شديد بين المارة واستنفر ذلك على الفور الجهات الأمنية والإستخباراتية للتعامل مع الموقف والتحقيق.
وتحدث الشهود إلى الشرطة قائلين أن المشتبه فيه بعد أن توقفت سيارته بسبب الإصدامات المتعددة، قفز خارج السيارة وهو يصيح “الله أكبر”. وبذلك، تم فتح المجال لأن تتكرر السيمفونية المعتادة – كما حدث مع البطوطي – عن الإرهاب الاسلامى، وانبرت وسائل الإعلام تتحدث عن المهاجم وانه من أصول إسلامية وله ارتباط بجماعة داعش حيث وجدوا داخل سيارته ورقة مطبوعة من كمبيوتر عليها علم داعش.
ومن العجيب أنه منذ شهر تقريباً وقع الحادث المروع في لاس فيجاس الذى راح ضحيته 50 شخص وأصيب قرابة 200 اخرين، ورغم أن التحقيقات قد أشارت إلى أن القاتل أمريكى ولديه ترسانه كبيرة من الأسلحة داخل غرفة الفندق التي اطلق منها النار على رواد الحفل، ولكنهم لم يذكر الإعلام أو الناس أو السلطات أو حتى الرئيس ترامب أى لفظ يشير إلى أن الحادث كان إرهابياً.
نحن الآن أمام تحدي كبير، وإن لم يكن هناك نية واضحة في إستخدام المسميات الصحيحة في مكانها الصحيح، فإن العالم سوف يظل يعانى من هذا الخلل الرهيب.
إن هذا الموضوع يحتاج لتضافر الجهود المخلصة من الدول ممثلة في الحكومات والشعوب والمنظمات الاهلية والمجتمع المدني وأيضاً الأجهزة الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
وأعتقد أن الوقت قد حان إلى أن نقوم نحن البشر الذين يجمعهم روابط أكثر بكثير من الخلافات بمصارحة أنفسنا بجذور تلك الآفة الدخيلة علينا، ونجيب على السؤال الصعب وهو: من الذى ساعد في خلق الإرهاب وتغذيته، وكيف يمكن أن نوحد جهودنا من أجل التغلب عليه وتحقيق مستقبل افضل للبشرية؟
*أحمد محارم – كاتب صحفي يعيش في نيويورك