ترمب هو البطل الذي انتظره هؤلاء اليمينيون زمنا طويلا، والذي سيمزق إمبراطورية الشر الأخرى “دولة الرفاه والضبط الأميركية الحديثة” التي تركها ريغان والرئيسين بوش واقفة على قدميها

مقدمة المترجم

يعرض المقال الضرر الذي أحدثه ترمب في أجهزة الدولة الأميركية ومؤسساتها، وهدفه من وراء ذلك، والحال الذي انتهى إليه الحزب الجمهوري والدولة الأميركية التي تسير في طريقها لتصبح دولة مافيا على غرار روسيا.

نص المقال

برغم انتكاستها التشريعية العام الماضي، كانت إدارة ترمب فعالة بشكل مذهل في تحقيق مهمتها الرئيسة: تفكيك الحكومة الأميركية الحديثة التي نشأت منذ عصر بداية القرن العشرين التقدمي. ورغم أن بوادر الحرب الأهلية تحوم فوق الحزب الجمهوري، فإن زعيم الأغلبية ميتش مكونيل، والمتحدث باسم الكونغرس باول ريان، وحتى شخص كثير الانتقاد للرئيس مثل بوب كروكر، دعموا أغلب أجزاء برنامج ترمب. لا يجب أن يكون هذا الأمر مفاجئا، إذ إن أجندة الإدارة تتوافق في العديد من جوانبها مع الخط الرئيس للمحافظين الجمهوريين الذي وضعه رونالد ريغان قبل ثلاثين عاما. الضغط من أجل خفض كبير في الضرائب على الأغنياء وإلغاء الضوابط التشريعية على التمويل والتجارة.

إيمان ترمب بمقولة ريغان الحاسمة “الحكومة ليست الحل لمشكلاتنا. الحكومة هي المشكلة” هو ما يجعل ماكونيل والآخرين يدعمونه باعتباره مركبة معطلة ولكن مفيدة يحملون عليها سياساتهم الخاصة. ولكن بطريقة لا يمكن اختزالها، فإن ترمب المعادي للحكومة هو أيضا مناهض لريغان. في الوقت الذي يعزز فيه ترمب شعبيته الراسخة بين صفوف الجمهوريين وقياداتهم، لم يعد من الممكن إنكار أن رؤيته السياسية المظلمة قد زحزحت رؤية ريغان المحافظة ذات الابتسامة التي تزين الوجه باعتبارها المرشد الأعلى للقوى داخل الحزب الجمهوري.

يؤمن الرئيس ريغان بقوة أن مهمة الولايات المتحدة المتجردة والإلهية هي أن تكون منارة للديمقراطية والفرص في العالم، فقد تحدث عن الولايات المتحدة مرات عديدة باعتبارها “المدينة المضيئة أعلى التل”، إذ تضاعف ارتفاع هذا التل بفضل أجيال المهاجرين الذين وصلوا إليها حجيجا. اعتنق ريغان الفضائل التقليدية للالتزام وضبط النفس والعمل الجاد والعفو الكريم باعتبارها الدعائم الروحية الجوهرية للأمة. ورغم أنه شدد مرارا أن أيام أميركا الأفضل لم تأت بعد، لم يشكك يوما في عظمة أميركا في الحاضر أو في الماضي.

ترمب على العكس من ذلك لا يرى لأميركا مهمة في العالم، بل مجرد منافسة وحشية لبسط السيطرة يجب أن تنتصر فيها الولايات المتحدة عبره هو وحده. يصف أميركا ليس باعتبارها مدينة مضيئة بل غابة مليئة بالأشلاء، موبوءة بالجريمة والمخدرات ومغمورة في المهاجرين غير الشرعيين المتوحشين. على الرغم من أن ريغان لا يمكنه تذكر أنه خرق الدستور في قضية إيران-كونترا، لم يظهر أبدا ازدراء لدور القانون كما فعل ترمب بعفوه عن مأمور أريزونا العنصري جو أربايو المدان بارتكاب جناية عبر رفضه الانصياع للقانون.

GRAND JUNCTION, CO – OCTOBER 18: Republican presidential candidate Donald Trump (L) jokes with retired Gen. Michael Flynn as they speak at a rally at Grand Junction Regional Airport on October 18, 2016 in Grand Junction Colorado. Trump is on his way to Las Vegas for the third and final presidential debate against Democratic rival Hillary Clinton. (Photo by George Frey/Getty Images)

يدين ترمب واشنطن دائما باعتبارها مستنقعا من الفساد حتى وهو يتربح من تحويل البيت الأبيض إلى صنبور أموال لعملياته التجارية البعيدة مخالفا البند الدستوري المتعلق بالتربح من المنصب. جعل نفسه قائد حركة عظيمة تسمى “الأشخاص الذين لم ير العالم مثلهم يوما”، ثم حرَّض هذه الحركة على مهاجمة جمهوريٍّ ريغانيٍّ محافظ متفاخر مثل جون مكين، بينما يمتدح أمثال روي مور الذي طُرد مرتين من محكمة ألاباما التي حضر فيها لرفضه الامتثال للقانون بعدم قول شيء عن اتهامات الاعتداءات الجنسية الموجهة ضده. ليس لدى ترمب إيمان بلوم الذات، ناهيك عن ذكر الفضيلة أو ضبط النفس، وبدلا من ذلك يدير الشؤون الرسمية وحتى الدبلوماسية الخارجية بسيل من الإهانات المندفعة المتفلتة. قدم إلى الرئاسة ما وصفه السيناتور الراحل دانيال باتريك يوما بـ “الانحراف إلى الأسفل”.

ومن بين السياسات التي انتهجها ريغان اتخذت معاداته الصارمة للشيوعية، التي تركزت على “إمبراطورية الشر” الاتحاد السوفيتي، موقع القلب من هذه السياسات. كان تقزز ريغان مما اعتبره تقاربا ليبراليا مع الشيوعية في الداخل والخارج بالإضافة “إلى عائدات الضرائب المرتفعة” هي التي دفعته لقطع علاقاته القديمة مع برنامج “الاتفاق الجديد” لروزفلت. ريغان الذي انساق تجاه اليمين باعتباره متحدثا رسميا لجنرال إلكتريك المعادية لاتحادات العمال، اعتبر أن دولة الرفاه هي حصان طروادة لسيطرة شبه سوفيتية للدولة على المجتمع. أشاد بخفض الضرائب وتقليل الضوابط باعتبارها نوعا من تعزيز الحرية الفردية ضد استبداد الدولة وكذلك باعتبارها منصات وثب لاقتصاد مزدهر يستطيع تعزيز جيش لا يقهر وإخضاع السوفييت.

ترامب وبانون

تبنى ترمب بالفعل الأجندة الريغانية المعادية للحكومة وأعاد شحنها، ولكن دون أيديولوجيا معينة بل عبر مجرد رغبة في تدمير السياسات والبرامج القائمة، وقبل كل شيء تدمير أي شيء يرتبط بباراك أوباما. يدين ترمب بنجاحه السياسي إلى درجة ما لمؤامرات ضابط الكي جي بي السابق فلاديمير بوتين الداعمة، والذي سبّب نظامه السلطوي خسائر سياسية فادحة في كل الجبهة الغربية. بوتين هو الزعيم العالمي الأبرز الذي دافع عنه ترمب بطريقة مريبة وأبدى إعجابه به، واصفا بوتين خلال حملة 2016 الانتخابية بأنه زعيم قوي “أقوى بكثير من رئيسنا”. القومية الشعبوية الكارهة للأجانب التي يهيج بها ترمب أنصاره ليست أيديولوجيا بقدر ما هي كتلة مركّزة من الكراهية والتي تشبه الميول الانعزالية ليمينيين متشددين أصدقاء لروسيا أيضا من بينهم نايجل فاراج في بريطانيا ومارين لوبان في فرنسا (كان فاراج تحديدا مناصرا قويا لترمب، ونظرا لعلاقاته الشخصية بجوليان أسانج وويكيليكس فإنه يُعدّ شخصا مثيرا للاهتمام في تحقيقات الـ FBI بشأن الاتصالات بين حملة ترمب والاستخبارات الروسية). تحت حكم ترمب وصلت المحافظة ما بعد الريغانية إلى هذه الصيغة: مهاجمة الحكومة الفيدرالية ليس لأجل الخشية من طغيان شبيه بروسيا، بل من أجل محاكاته.

  

هجوم ترمب المعادي للحكومة يحقق من ناحية الحلم الذي رعاه اليمين المتشدد لعقود. لم يتحقق هذا الحلم، من وجهة نظر اليمين، لأن مؤامرات الأعداء أجهضته: وهم الديمقراطيون بالطبع، والإعلام الذي يصفه ترمب بأنه “عدو الشعب”، ومؤسسة الحزب الجمهوري الخائنة، والتي يصفها اليمين بأنها “جمهورية بالاسم فقط”. ترمب هو البطل الذي انتظره هؤلاء اليمينيون زمنا طويلا، والذي سيمزق إمبراطورية الشر الأخرى “دولة الرفاه والضبط الأميركية الحديثة” التي تركها ريغان والرئيسين بوش واقفة على قدميها. تشمل خطواتهم الأيديولوجيا والمال، مجتمعة في أقطاب مثل روبرت وربيكا ميرسر والإخوة كوخ الذين يمثلون الطمع والدوغمائية المتطرفة بمعايير متقاربة. عندما تحدث ترمب عن إزالة الضوابط وتجفيف المستنقع، تلقت طبقة ممولي الحزب الجمهوري إشارته وشجعته مهما كان سلوكه مشينا. شجعوا أكثر مقترح الضرائب الذي قدمه الرئيس والكونغرس معا رغم فشل مقترح إلغاء أوباما كير، هذا المقترح يتجاوز المكاسب التي حققها ريغان وجورج دبليو بوش من خلال آليات مثل إلغاء كامل للضرائب الفيدرالية، وهو ما سيمهد الطريق لأوليغارشية (حكم الأقلية) وراثية أميركية جديدة.

حتى الآن تبدو المسألة برمتها جمهوريّة، لكن الترمبية في الحقيقة ليست دافعا كاذبا معتادا عن فاحشي الثراء. لا يهتم ترمب في الحقيقة سوى بقليل من السياسة والأفكار السياسية أو ربما لا يهتم بأية أفكار على الإطلاق، حتى لو كانت أفكارا زائفة أو وهمية. يهتم فقط بتلميع ذاته وبمجده الشخصي، إذ إن غروره الذي يبلغ عنان السماء هو مفهومه الوحيد. لكن جنون العظمة لديه يتجاوز نرجسيته الذاتية، كما تمتلك ثروته وثروة عائلته ومعاييره القيادة القوية روابط عميقة وقديمة مع الجريمة المنظمة.
 

دونالد ترمب مبتز لا يُكنّ ولاء لشخص أو مبدأ، لا لشركائه التجاريين ولا للرجال الذين ساعدوه ولا لزوجاته السابقات. يضم سجله الطويل، الذي أعده صحفيون استقصائيون من أمثال ديفيد كاي جونستون والراحل واين باريت، شبكة علاقات مع زعماء عصابات مشهورين مثل أنتوني “توني السمين”، وساليرينو، وباول كاستيلانو، وهو ما يظهر أن ترمب سيطعن أي شخص من الخلف وسيقطع علاقته بأي شخص لم يعد يغذي تفوقه ويخدم حقده. لكن شخصية ترمب المنحرفة لها نموذجها السياسي، وهي نسخته الخاصة من نظام بوتين السلطوي، وهو ما تسميه الصحفية ماشا جيسين دولة المافيا مع أوليغارشية راسخة تدين للزعيم وعشيرته، ووسائل إعلام تابعة تعيق كل معارضة سياسية وتخلط النقد بالتشتيت والكذب الصفيق، وهو ليس كذبا لتجنب الانكشاف أو لتحقيق مآربه، بل بحسب تعبير جيسين: “لتأكيد السلطة على أنقاض الحقيقة نفسها”.

ولعل شخصيات اليمين المتطرف العقائدية داخل إدارة ترمب، المتمثلة في طاقمه الغريب المدمر، تتبع الأسلوب المحافظ التقليدي، حيث يفعلون ما بوسعهم لتخريب الحكومة وتحقيق المصالح الخاصة لصناعات النفط والأدوية. ولكن تحت حكم ترمب فإنهم يخدمون أهدافا أخرى كذلك. إنهم أولا يجعلون من بارونات الحزب الجمهوري المنتصرين مدينين أكثر بانتصارهم لترمب زعيم جميع الزعماء الذي نجح في تحقيق ما فشل فيه الرؤساء الجمهوريون العاديون. وثانيا يرضون ترمب نفسه، فعلى ما يبدو يؤدي تحطيم الأشياء التي بناها الآخرون، مثل “أوباما كير”، إلى إشباع رغباته السادية. وثالثا يرضون بوتين الذي يأمل في عرقلة وتمزيق المؤسسات الأميركية محولا ترمب وعصابته إلى “أغبياء مفيدين”. لم يكن الخراب الذي أحدثوه ظاهرا دائما، خصوصا بالنسبة لصحافة سياسية ركزت على الصراعات التشريعية وعلى ثورات تويتر ومعارك الحرب الثقافية الجانبية. ولما كانت تُظهر هزيمة أوباما كير، فإن هذا يعني أن الرئيس ما زال مبتدئا في فن عقد الصفقات في واشنطن، وهو ما قد يخدع البعض للاعتقاد بأنه مجرد متنمر أحمق. ولكن داخل السلطة التنفيذية، حيث لا يوجد ما يقيد ترمب، تبدو الأضرار التي أحدثها بليغة للغاية.

بدأ ترمب عملية التخريب عندما اختار إدارته، حين نشرت اختياراته كان قد أحاط نفسه بمجموعة من الوزراء الطيعين الذين كانوا وفقا لفوربس “الأغنى في تاريخ الولايات المتحدة الحديث”، وهو طاقم الإدارة التي قدرت المجلة ثروتهم الكلية في (يوليو/تموز) الماضي بما يقارب الـ 4.3 مليار دولار. وكانت إدارته تضم بالتأكيد بعض أقدم أصدقاء ترمب وداعميه. تملقهم الجماعي اللافت للنظر الذي ظهر للعالم في اجتماع لمجلس الوزراء (يونيو/حزيران) الماضي كان عبارة عن رقصة مخجلة من تقبيل الأيادي لا تشبه شيئا أكثر من خدم ستالين الذين يغنون بمدحه، وهو ما يمثل حنينا لدى دولة المافيا التي أسسها ترمب.

لكن أكثر ما لفت الانتباه كانت مؤهلات الوزراء الجدد أو عدم وجودها. اختار ترمب لوزارة التعليم مليارديرا دعا لخصخصة التعليم واصفا المدارس الحكومية بأنها طريق مسدود. وزير خارجيته هو المدير التنفيذي لإيكسون موبيل، وتعد أبرز إنجازاته حصوله على “ميدالية الصداقة” من بوتين والتفاوض لأجل توقيع صفقة تنقيب عن البترول تبلغ مئات المليارات من الدولارات في القطب الشمالي في روسيا والتي توقفت بسبب العقوبات الأميركية. لإدارة وكالة حماية البيئة اختار ترمب أحد منكري التغير المناخي. واستمر على هذا النحو: حاكم تكساس السابق الذي اقترح إلغاء وزارة الطاقة اختاره ترمب وزيرا لها، جراح الأعصاب الذي اعتبر الفقر “حالة ذهنية” تولى مسؤولية وزارة الإسكان وتطوير التجمعات الحضرية.

على مستوى واضح جدا تدفع اختيارات إدارة ترمب أجندة الجمهوريين اليمينيين قدما إلى الأمام في ملفات الضرائب والرعاية الصحية والبيئة والتعليم والحقوق المدنية وأكثر، بعضهم دعمه ترمب أثناء الحملة الانتخابية. لكن من ناحية أخرى تعبر إدارته عن ازدراء غير مسبوق للحكومة الأميركية نفسها، حيث سلم مسؤولية الوكالات الحكومية القوية والكبيرة الضرورية لتحقيق الرفاه العام في أيدي أشخاص يعارضون بشدة مهمة الوكالات التي سيقودونها. ليست اختيارات ترمب مسألة تغير درامي في المسار، بل تشير إلى الاعتقاد بأن هدف هذه المؤسسات التي تشكل السياسة القومية -المؤسسات التي بنيت بسواعد أجيال متتابعة- هو هدف فاسد. خرج ترمب من البداية بهدف نزع الشرعية عن أجزاء من الحكومة التي انتُخب لإدارتها.

اتخذت ميزانية الإدارة الأولية، التي أعلن عنها في (مايو/أيار) الماضي، مقاربة أكثر تدميرية. في حين زادت ميزانيات وزارة الدفاع ووكالات الأمن وشؤون المحاربين القدماء كما هو متوقع، خُفِّضت النفقات المقترحة لبقية الهيئات التنفيذية الفرعية، فيما يشبه الانتقام. إذا تمت الموافقة على بعضٍ من أكبر هذه الاستقطاعات في الميزانية سيلحق ضرر بالغ بوزارات مثل الزراعة والصحة والخدمات البشرية، والعمل والإسكان والتطوير الحضري. يبشر الخفض المقترح لميزانية وكالة حماية البيئة، الذي يبلغ 31.4{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10}، بالقضاء التام على هذه الوكالة. كما أن انعزالية سياسة أميركا أولا التي يتبعها ترمب ستفرغ أجزاء كبيرة من وزارة الخارجية، إذ إن الخفض المقترح في ميزانيتها (يبلغ 29.1) يقارب الخفض الكبير في ميزانية وكالة حماية البيئة. من يحتاج الدبلوماسية في ظل وجود ترمب المغرد من موقع المسؤولية؟

  

تزيد الإدارة من ضعف وزاراتها بتجاهل وعزل الموظفين المهنيين وفشلها في ملء المناصب الحساسة. وبالفعل بعد خمسة أشهر من رئاسة ترمب، وافق مجلس الشيوخ -مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون- على 33 تعيينا فقط من الأسماء الـ 96 التي اقترحها ترمب لشغل المناصب العليا، وهو أبطأ معدل في التاريخ. ولكن ما زال هناك 1000 وظيفة مهمة لم يرشح لها أحد، وهو عدد خطير من الأماكن الشاغرة. يصف ماكس ستاير، المدير التنفيذي لشراكة الخدمات العامة، الأمر وصفا لطيفا بأنه “فشل في إدراك الحاجات التشغيلية للحكومة”.

فوق كل هذا وبعيدا عن هذا العجز، لدينا هنا غرور الرئيس السلطوي وعدم احترامه للخبرات المهنية. عندما ضغطت عليه فوكس نيوز بشأن فشله في تعيين أشخاص في مناصب حيوية رد ترمب قائلا: “أنا الوحيد المهم”. أضاف ستاير أن هناك ما يقرب من 4000 وظيفة سياسية في الحكومة الفيدرالية لا داعي لها، لكنه اتهم ترمب بتجاهل العديد من المناصب الحساسة “ومن بينها المناصب التي تؤثر مباشرة على أمننا القومي والاقتصادي والصحة العامة والسلامة الغذائية ودعم الهجرة”، على حد تعبيره.

بدا الوضع أكثر تفاقما في وزارة الخارجية المحاصرة. بعد وقت قصير من أداء ترمب لليمين الدستوري، كما أشارت جوليا لوفي في مجلة الأتلانتيك، واجهت الوزارة أزمة إدارية بسبب استقالة عدد من المسؤولين الكبار أو فصلهم. انخفضت معنويات العاملين لأن صناعة القرار انتقلت فجأة إلى جناح الغربي الفوضوي والأخرق. (هم يريدون حقا تفجير هذا المكان) قال أحد مديري الأقسام “لا أظن أن الإدارة تعتقد أن وزارة الخارجية يجب أن تبقى. يظنون أن جاريد كوشنر بإمكانه فعل كل شيء”.

بعد يوم من انتخاب ترمب، وفقا لمايكل لويس من مجلة فانيتي فير، انتظر موظفو وزارة الطاقة المهنيون وصول مبعوثين من الرئيس المنتخب لبدء عملية الانتقال. ولكن لم يظهر أحد. تقدم أخيرا توماس بيلي، رئيس الاتحاد الأميركي للطاقة والممول من الإخوة كوخ، ولكن بعد فترة قصيرة استبدلت به مجموعة من الشباب الأيديولوجيين اليمينيين الذين سموا أنفسهم “فريق بيتش هيد”، وتبين لاحقا أن القادمين الجدد لم يعلموا سوى القليل ولم يهتموا بعمل وزارة الطاقة في عدد من المساحات الحساسة والصعبة، ابتداء من تطوير شبكة الكهرباء الوطنية إلى التخلص من النفايات النووية. “كل ما فعلوه بالأساس هو الجري في أرجاء المبنى موجهين الإهانات للناس” حسبما قال مسؤول سابق في إدارة أوباما للويس عن فريق بيتش هيد. وقال مسؤول آخر “العقلية التي تقف خلف كل ما تفعله الحكومة غبية وسيئة، والأشخاص أغبياء وسيئون”. 

كانت تعييناتُ القضاء الفدرالي المساحةَ الوحيدةَ بين جميع المساحات الأخرى التي عملت فيها الإدارة بحرص، لكن هذا لا يتطلب مجهودا شاقا، ابتداء من سنوات ريغان بنى المحافظون شبكة توظيف وتدريب وفحص مذهلة تبدأ من كليات القانون مرورا بمراكز اليمين البحثية وصولا إلى البيت الأبيض، بغرض تزويد المشرعين الجمهوريين بإمداد ثابت من الفقهاء القانونيين. كان الهدف بسيطا، حسبما أشار إليه من قبل المدعي العام في عهد ريغان إدوين ميس: مأسسة هجوم اليمين على الدولة التقدمية “حتى لا يُستبعد مهما كانت نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة”.

على مشارف نهاية العام الأول لترمب في الرئاسة، يبدو أن تعيين القاضي المتشدد أيديولوجيا نيل جورزوش في المحكمة العليا هو نجاحه الوحيد. بيد أن الأمر كان خادعا حين وافق مجلس الشيوخ الجمهوري ببساطة على أكثر من عشرات الأسماء التي رشحها ترمب لتعيينات مدى الحياة في المحاكم الفيدرالية الحساسة الأقل درجة، وعشرات غيرهم في أماكن أقل شأنا.

 

أربكت نوعية بعض مرشحي ترمب في محاكم الدرجات الأقل موقف الجمهوريين باتجاه أقصى اليمين، مثل السيناتور جون كورنين من تكساس (أحد الأشخاص الذين اختارهم ترمب وصف طفلا متحولا جنسيا علنا بأنه جزء من “خطة الشيطان”). وأيما يكن الأمر مع وجود 144 مكانا شاغرا في السلك القضائي الفيدرالي بإمكان ترمب تقليل الرقابة القضائية التي أعاقت حتى الآن تنفيذ أجندته ابتداء من حظر المسلمين إلى قوانين ميثان في التنقيب عن النفط والغاز. ومهما كانت نتيجة الانتخابات القادمة فإن الضرر الذي أحدثه تخريب ترمب المتعمد سيبقى لجيل على الأقل.

في الوقت الذي يستمر فيه ترمب في تفكيك ما يسميها مستشاره السابق ستيف بانون بنوع من الغطرسة “الدولة الإدارية”، فإن أكبر انتصاراته خلال السنة الماضية كانت سياسية في الحقيقة: إنه تغيير الحزب الجمهوري. يعتبر ترمب مكروها بشكل فريد، وهو شخصية محتقرة في الداخل والخارج. في واقع الأمر، أدى شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجددا” إلى تقزيم أميركا في كل مكان في العالم، حتى أمام معظم حلفائها الغربيين. فوفقا لاستطلاع أجراه مركز بيو في 37 دولة في (يونيو/حزيران) الماضي، هبطت الثقة في الرئيس الأميركي والإعجاب بالولايات المتحدة الأميركية في الفترة ما بين نهاية إدارة أوباما وبداية إدارة ترمب. وبين الأميركيين انخفض مستوى قبول ترمب وفقا للاستطلاع الأسبوعي لمؤسسة غالوب، وهو الذي لم يزد يوما عن الـ 40{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10} إلى 34{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10} في (أغسطس/آب)، وتحسن بشكل طفيف من حينها، وهي أسوأ أرقام في التاريخ لرئيس لا يزال حتى الآن في فترته الرئاسية الأولى.

  

تعتبر القصة مختلفة كليا بين الجمهوريين الذين استقرت نسبة قبولهم لترمب عند أوائل الـ 80{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10}. ولكن في نفس الفترة بين الجمهوريين باستثناء الكونغرس المنبوذ، انخفض مستوى قبوله بين الجمهوريين من 50{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10} في وقت حلف اليمين إلى 16{2c289d7b2659ab6207670dd8e4d34cd2c245bfab6e6da19450a4f50a7bbfcf10} بعد الفشل في إلغاء أوباما كير. من الواضح أن صفوف الحزب وكوادره يقفون مع ترمب، مهما كانت فضائحه -وعلى الأرجح بسببهم- وهم يلومون قادة الحزب في الكونغرس بشكل أساسي (إلى جانب الديمقراطيين ووسائل الإعلام) على إخفاقاته. على الأقل في الولايات الحمراء، يجب على أولئك الجمهوريين الذين يجرؤون على معارضة الرئيس أن يتوقعوا دفع ثمن باهظ: النائبان جيف فليك وبوب كوركر شهدا انخفاض شعبيتهما في ولاياتهما بين الجمهوريين بعد أن تحدثا بقوة عن شر ترمب. واحد من الرئيسين الجمهوريين السابقين وهو جورج بوش الأب كشف أنه صوّت لهيلاري كلينتون العام الماضي، بينما ألقى جورج بوش الابن خطابا هاجم فيه كل ما يمثله ترمب، لكن الأثر الكلي لهذا الأمر على قاعدة الجمهوريين لم يكن شيئا يذكر. أصاب عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا عن الرئيسين بوش عين الحقيقة: إنهما آخر الجمهوريين. أصبح حزبهما، رغم أنه يحمل اسمه القديم، حزبا لترمب واكتسب صفات أشبه بصفات الطائفة الدينية.

فيما عدا ترمب، بدا الحزب الجمهوري في 2016 كما لو كان على وشك التشقق بسبب التوترات الداخلية الناتجة عن عقود من زيادة التطرف داخله. وبدلا من ذلك، استغل ترمب هذه التوترات وفاقم منها واستحوذ على قلوب الأغلبية العظمى من الجمهوريين، مُظهرا عقيدة محافظة ما بعد ريغانية، وهي ليست محافظة على الإطلاق، بل شعبوية يمينية تخدم مصالح المبتزين. من الناحية التاريخية، يصعب تغيير اتجاه هذا النوع من تحولات الأحزاب، وأصبح الأمر أكثر صعوبة مع وجود قائد ذي جاذبية تزيد كل هبّة من هبّاته الغاضبة من قبوله داخل الحزب. وإذا نجح ترمب في بناء نسخته الخاصة من دولة المافيا فإن أميركا التي كانت يوما منارة للعالم، وهي مدينة ريغان اللامعة، ستصبح أكثر شبها بموسكو بوتين.

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version