في كتابه الأحدث عن السينما ( أنا والسينما )كتب الروائي السكندري الكبير إبراهيم عبد المجيد نوع خاص جداً من السيرة الذاتية التي ارتبطت بالمكان فهي ليست سيرة ذاتية بالمعنى الواضح لها, ولكنها سرداً شيقا لتاريخ السينما والأفلام السينمائية منذ منتصف الخمسينات وحتى عقدين متتاليين من الزمن يسرد فيه نبذات من طفولته وصباه مصاحبة لتاريخ دور العرض السينمائية بالإسكندرية وأفلام تلك الفترة الثرية من تاريخ مصر , حيث شكلت السينما محوراً هاماً في حياته وفي ثقافته كما أوضح من خلال سرده للأحداث ,فامتزجت السيرة الذاتية مع تاريخ السينما بالإسكندرية مزجاً يجعل القارئ لا يعرف على وجه الدقة هل هي سيرة عبد المجيد أم هي تاريخ السينما من خلاله في المدينة الكوزموبوليتانية العريقة أم هي وثيقة إجتماعية وسياسية وثقافية شاهدة على تاريخ مصر في تلك الفترة .
كانت الإسكندرية هي أول مدينة في مصر تعرض أول عرض لفيلم سينمائي وهو فيلم الأخوين لوميير الفرنسيين وهو أيضا أول فيلم في تاريخ السينما حيث اختار الأخوان لوميير أن يكون أول عرض للفيلم خارج فرنسا في المدينة العالمية – الإسكندرية – بعد أقل من عام على عرضه الأول فى باريس عام 1895.
ولعل ما سجله عن دور العرض السينمائي في تلك السنوات يعد مرجعاً هاماً للتأريخ عن تلك الفترة , حيث كانت دور العرض تنقسم إلى ثلاث درجات تبدأ بسينما الدرجة الأولى حتى الدرجة الثالثة التي تقدم فيلمين في العرض الواحد .
كما قدم على هامش سرده للأفلام العالمية والمصرية بعض الأحداث التي توقفت أمامها , ومنها تلك القصة عن الفنانة الراحلة نعيمة عاكف (بعد حركة الضباط عام 1952 ) , التي ركنت سيارتها يوماً في نادي الجزيرة في المكان الذى اعتاد أن يركن فيه صلاح سالم – عضو مجلس قيادة الثورة – فما كان منه إلا أن سجنها بالسجن الحربى ولم تخرج منه إلا بعد أن تدخل مصطفى أمين لدى عبد الناصر شخصياً.
ولا يجب أن تمر تلك الواقعة مرور الكرام فهي قصة للتاريخ تحكي كيف كانت مصر بعد حركة يوليو 52 !!!
ومن القصص التى توقفت أمامها ايضا شعارات طلبة المدارس الثانوية في الستينات بعد أن جرم قيام المظاهرات وأصبح الإعتقال العشوائي والمداهمات الأمنية سمة هامة من سمات تلك الأيام في الحياة السياسية المصرية ,فكانوا يهتفون بشعارات مثل : ( يعيش السمك فى الماء ) ( يسقط المطر من السماء ) ( سبيروسباتس خان الشعب ) (شاى الجارية أحسن شاى ) وهكذا ….
وكانت تلك الشعارات أو النداءات التي لا يعرف من خلالها أى توجه سياسي لمطلقها تلقى رواجاً كبيراً بين الطلبة حيث كانت تحول بينهم وبين بطش الأجهزة الأمنية .
ذكرتنى هذه القصة بما كتبه الصحفى الكبير مصطفى أمين رحمه الله أنه بعد القبض على سعد باشا زغلول منعت قوات الإحتلال الإنجليزي المظاهرات المناهضة للإحتلال و كانت تقبض على من يهتف باسم سعد زغلول , فخرجت جموع غفيرة من المصريين بعربات البلح الزغلول هاتفين يا بلح زغلول.. زغلول يا بلح وسط حيرة الجنود مما يفعله هؤلاء الباعة .
هذا الكتاب الوثيقة هو شهادة على العصر وهو ليس كتاباً عن السينما كما يوحي عنوانه , بل هو توثيق إجتماعي , تاريخي , ثقافي لفترة من أهم فترات تاريخ مصر .