دقَّق الكوريون الجنوبيون في كلِّ تفصيل تَرَافق مع القمة التاريخية التي عُقدت في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، مذهولين من التصرفات الودية غير المسبوقة التي بدرت من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
وكان ظهور كيم العلني الذي بُثَّ على الهواء مباشرة أمام الملايين في كوريا الجنوبية، مناسبةً أتاحت لهم رؤية هذا الشخص المستبد المُهاب الجانب عن كثب.
ولَطَالما نظر إليه الكوريون الجنوبيون والعالم بأسره بمزيج من السخرية والخوف، حيث اعتادوا على مشاهدته وهو يشرف على عمليات إطلاق الصواريخ والعروض العسكرية. لكن كيم الذي ظهر إلى العالم الجمعة كان مختلفاً للغاية.
ابتسم مراراً
ومارس الزعيم الكوري الشمالي، وهو في الثلاثينيات من عمره أرقى سلوكيات الود، حيث ابتسم مراراً وعلَّق بعبارات تحمل روح النكتة، فيما ربَّت على الأطفال بحنان، شأنه شأن أي سياسي في الغرب يسعى للفوز في الانتخابات.
وفي هذا السياق، قال منظم حفلات يبلغ من العمر 24 عاماً، ويدعى شوي هيون-اه، لوكالة فرانس برس “سمعت كيم يقول نكتة، وهو ما جعلني أدرك أنه إنسان أيضاً”.
وأظهر كيم لحظات قصيرة من الارتباك والضعف، حيث بدا يلهث قليلاً بعض الوقت، كما واجه بعض الصعوبات أثناء محاولته وضع مجرفة في التراب خلال المراسم الرمزية لغرس شجرة قرب خط الحدود الفاصلة.
وأشارت صحيفة “كوريا تايمز” إلى أن كوريا الشمالية “تؤلّه كيم بأسلوب صارم ومعد مسبقاً ومنضبط”، لكن “كل شيء فيه بما في ذلك ملامح وجهه وطريقة مشيه وإيماءاته وصوته وبزته السوداء من طراز “ماو” (نسبة إلى زعيم الحزب الشيوعي الصيني الراحل ماو تسي تونغ)، وتسريحة شعره المميزة، تم نقلها على الهواء مباشرة من قبل وسائل الإعلام العالمية”.
وعنونت الصحيفة بالقول، إن “كيم لم يعد ناسكاً”، مضيفة أنه أكد قدرته على “الاستعراض”، عبر دعوته المرتجلة للرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن لعبور الحدود لمدة وجيزة إلى الشطر الشمالي.
“شخصية كرتونية”
وازدادت ثقة كيم بنفسه سريعاً، حيث أضحك الوفد الكوري الجنوبي أثناء مزاحه عن طبق “النودلز” من بلاده، وكشف عن روح الدعابة في بعض الأحيان فيما بدا جدياً للغاية في أحيان أخرى.
ولمدة 30 دقيقة، تركَّزت عدسات الكاميرات على كيم لدى حديثه مع مون أثناء تناولهما كوباً من الشاي في الهواء الطلق في الغابات، بالمنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بلديهما.
ولم يكن من الممكن سماع كلمة واحدة باستثناء أصوات العصافير على الأشجار في المنطقة. ومع ذلك، كان لا بد من متابعة المشهد، حيث بدا كيم يستمع باهتمام شديد لنظيره الأكبر سناً، ويهز رأسه، ويقوم بإيماءات صغيرة بين فينة وأخرى.
وقامت صحيفة “كوريا هيرالد” حتى بفحص كتابة كيم على سجل الزوار، بغية تحليل خط يده، الذي يحاكي كجوانب أخرى من شخصيته العامة، خط جده وسلفه مؤسس كوريا الشمالية الراحل كيم إيل سونغ.
وأعلن خبير في الخط أن لدى كيم “شخصية سريعة الانفعال وأنانية”، مشيراً إلى أنه كان “متحمساً ومبتهجاً بشكل كبير عندما كتب الرسالة”.
وحتى صوته الخشن لاقى إعجاباً من قبل كثيرين.
وقالت كيم كيونغ-اه، وهي أم في سيول تبلغ من العمر 32 عاماً “كان سماع صوت كيم جونغ-أون على التلفاز أمراً غريباً جداً”.
وقالت لصحيفة “كوريا هيرالد”، “أعني لَطَالما علمت أنه موجود. لكن اليوم كانت المرة الأولى التي أشعر فيها أن كيم جونغ أون شخص حقيقي”.
وأضافت “حتى اليوم، لطالما شعرت وكأن كيم شخصية كرتونية. كانت مشاهدته يتحدث عن أمور عادية كالنودلز الباردة لا الأسلحة النووية والحروب أمراً مريحاً”.
“جميلة بطبيعتها”
وأعجب الكوريون الجنوبيون كذلك بزوجة كيم، ري سول جو، وشقيقته ذات النفوذ كيم يو جونغ، التي قضت معظم اليوم إلى جانب شقيقها.
وانطبعت ابتسامة عريضة على وجه شقيقة كيم التي كانت مبعوثته إلى الألعاب الأولمبية الشتوية، التي جرت في الشطر الجنوبي، في فبراير/شباط، لدى لقائها مون، حيث كشف مسؤولون لاحقاً أنها احمرّ وجهها خجلاً عندما قال لها الرئيس الكوري الجنوبي إنها أصبحت شخصية مشهورة.
وتصدَّرت ري مواضيع البحث على الإنترنت في كوريا الشمالية، حيث وصفها المستخدمون بأنها “جميلة بطبيعتها”، مشيرين إلى أنها “متواضعة وحسنة السلوك” و”رشيقة”.
لكن هناك مَن لم تغرهم الابتسامات والعناق، في وقت تتهم كوريا الشمالية بلائحة طويلة من الانتهاكات الحقوقية.
وقال رئيس إحدى المجموعات المناهضة لكوريا الشمالية، التي احتجَّت على قمة الجمعة مين جونغ-هونغ، إن على سيول عدم الانخراط مع بيونغ يانغ، التي “تواصل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والتعذيب والسجن”.