لا تذكرني رئاسة ترامب بشيء أكثر من الحروب التي شهدتها يوغسلافيا في التسعينيات
؛ ففي أوج الأحداث العنيفة آنذاك، قال لي صديق صربي: “أنا لا أحب سلوبودان ميلوسوفيتش. لا أحب طريقة عمله وعنفه وفقدانه للمهارة وميوله لتعذيب الآخرين، ولكنه على الأقل يقوم بشيء ما”.
إن الجملة الأخيرة تلخص الصراع بأكمله؛ فصديقي كان مستعدا لغض النظر عن كل ما يقوم به ميلوسوفيتش من خروق واعتداءات عنيفة، إذا كان ذلك يعني أن صربيا لن تكون ضحية من جديد.
وحسب ما قيل في هذه الرواية القومية؛ فقد أجبِرت صربيا على القبول بأنها جمهورية واحدة ضمن ست دول، رغم أن الصرب -الموزعين في جميع أنحاء يوغسلافيا- يشكلون نصف ساكنة يوغسلافيا تقريبا.
“أقنع ترامب مناصريه بأن بلدهم يتعرض لغزو من طرف أشخاص ذوي هويات وتوجهات عرقية مختلفة، مفسرا السبب في ذلك بأنه راجع إلى نظام الامتيازات العرقي. وبالتالي؛ فقد حشد مناهضي الهجرة في صفوف من يقاسمهم نفس الهوية. وهو لديه -على الأقل الآن- ما يكفي من المناصرين للفوز”
وبالطبع؛ كانت فكرة أن صربيا ضحية أمرا يناقض آراء الجمهوريين الآخرين. إذ بالنسبة لهم يوغسلافيا أبعد من أن تكون مجرد مخطط سري للحد من قوة صربيا، بل هي مخطط للقضاء على مركزها كأول النظراء. وفي كل الأحوال؛ كانت صربيا تتحكم في الجيش والشرطة السرية والحزب الحاكم.
وبطرق شتى؛ ظهر نفس النموذج في الولايات المتحدة الأميركية منذ تولي ترامب الرئاسة. فترامب شخص وقح وغالبا ما يكون عنيفا، والعديد من مناصريه أدركوا أنهم لا يرغبون في أن يقوم أولادهم بتقليده.
ورغم ذلك؛ فإنه يتحدث عن الأمور التي تحزنهم وتلك التي تقلقهم. وفي 2016؛ نال ما يكفي من الأصوات لتحقيق الفوز، ويمكن لهذا السيناريو أن يعيد نفسه من جديد عام 2020.
لقد استهدف ترامب ومناصروه مواضيع ليست في علم أغلبية الأميركيين ولكنها تجبر المصوتين على اتخاذ قرار واحد. وغالبا ما تسبب هذه “المواضيع التي تسبب انقسامات” ردةَ فعل موازية ومضادة من الحزب المنافس. وبما أن كل جانب يحاول حفر حفرة يهاجم منها الآخر؛ فقد أصبح الطرفان يتجاهلان التعقيدات والاختلافات الدقيقة في هذه المواضيع.
والهجرة هي الموضوع الرئيسي الذي يعتمد عليه ترامب لجذب الأصوات. فبينما يتحمس الأميركيون لفكرة أن التكلم باللغة الأمهرية -عوض اللغة الإنجليزية- في سيارات الأجرة بواشنطن العاصمة سيُجدي نفعا؛ حوّل ترامب موضوع الهجرة إلى استفتاء لدى الأميركيين. وبالتالي؛ فإنه أثناء جولته الأخيرة في أوروبا أصدر بلاغا تحذيريا يقول فيه إن الهجرة “تغير ثقافات” المجتمعات الغربية.
ومن وجهة نظر مناصريه؛ فإن ترامب حقق نجاحا فيما يتعلق بالهجرة فقط لأنه “يفعل شيئا”. وأما بالنسبة إليه هو؛ فليس هناك فرق بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية، كما أنه عقد محادثات غير فعالة بشأن حاجة البلاد إلى اليد العاملة في بعض القطاعات المحلية.
وإذا كنت تظن أن ترامب يعترف بفضل المهاجرين في بناء البلد؛ فيمكنك التفكير مجددا. فكل شيء اختُصر في مسألة الهوية الأميركية التي صُنفت على أساس العرق.
وبدعمه لموضوع الهجرة؛ أقنع ترامب مناصريه بأن بلدهم يتعرض لغزو من طرف أشخاص ذوي هويات وتوجهات عرقية مختلفة، مفسرا السبب في ذلك بأنه راجع إلى نظام الامتيازات العرقي. وبالتالي؛ فقد حشد مناهضي الهجرة في صفوف من يقاسمهم نفس الهوية. وهو لديه -على الأقل الآن- ما يكفي من المناصرين للفوز.
ولكن تلك المواضيع تخلق ردة فعل لدى كلا الطرفين؛ فالشعار الجديد لمعارضي ترامب هو “اقضوا على الوكالة الأميركية لتنفيذ القوانين المتعلقة بالجمارك والهجرة”، وهي وكالة فدرالية مكلفة بتنفيذ سياسات الإدارة الأميركية المتعلقة بالهجرة.
“استطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية الأميركيين تريد مراقبة الحدود. ومن المؤكد أن سياسة تفريق أطفال المهاجرين عن ذويهم -التي تبنتها إدارة ترامب- ذهبت إلى أبعد مما سيقبله معظم الأميركيين. ولكن إذا ظن المصوتون أن الحل البديل هو عدم مراقبة الحدود، أو موجة من مطالب اللجوء المشكوك فيها؛ فسيقفون في صف ترامب في النهاية”
ومن بين ما تشمله الهجرة أصبحت عبارة “غير شرعي” تعبيرا جارحا واحتقارايا لكل شخص على قيد الحياة. وبالطبع؛ فالمصطلح لا يشير إلى الشخص ذاته، بل إلى وضعه المتعلق بالهجرة في حدود اختصاص معين، أي في الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى غرار ما قام به معارضو ترامب؛ فإن القوات المساندة للهجرة نددت بأولئك الذين يدعون إلى مراقبة الحدود، رغم أنهم لا يطالبون إلا بهجرة قانونية.
وبينما يناقش البعض القوانين التي قد تضع حدا لنزوح المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد؛ يبدو أن مؤيدي الهجرة الراديكاليين يشكّون في ضرورة أن تكون هناك أية قوانين تحدّ من تنقلات الأشخاص.
ولا داعي للقول إن هذا يصب في مصلحة ترامب؛ فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية الأميركيين تريد مراقبة الحدود. ومن المؤكد أن سياسة تفريق أطفال المهاجرين عن ذويهم -التي تبنتها إدارة ترامب- ذهبت إلى أبعد مما سيقبله معظم الأميركيين.
ولكن إذا ظن المصوتون أن الحل البديل هو عدم مراقبة الحدود، أو موجة من مطالب اللجوء المشكوك فيها؛ فسيقفون في صف ترامب في النهاية.
إن المحادثات بشأن الهجرة دليل على أن مراكز السياسة في أميركا تختفي بسرعة
. إلا أنه يجب عدم التصدي لراديكالية ترامب بالمزيد من الراديكالية.
لقد اختار ترامب ومناصروه مواضيعهم بعناية، وإن أحسن طريقة للرد عليه هو عدم الانضمام إلى لعبته التهكمية واستهداف شريحة كبيرة من الأميركيين بدل ذلك؛ فهذا أمر ممكن.