غابت القامات الكبرى عن قصر الاليزيه في باريس منذ عقود، وخلت كرسي الرئاسة فيه من الرجال العظام الذين تمثلوا فكر الثورة الفرنسية ونهجها الذي قلب مفاهيم السياسة في أوروبا وانطلق في فضاء الحرية والمدنية وحقوق الإنسان في دولة انفصلت عن الدين وحررت العقل الفرنسي من قيوده التي خنقت فيه الإبداع وعطلت طاقات الفكر والاختراع والبحث والارتقاء نحو الحداثة، منذ أن اختفت قامة الجنرال ديغول عن مسرح النهضة السياسية الفرنسية، وانزوى مع قبعته ونياشينه في حي باريسي قديم، منذ ذلك الوقت والفرنسيون يتعثرون تدريجياً في خياراتهم يميناً ويساراً.
لقد انطفأت الأنوار وأنزلت الأستار على دولة فرنسا، هذه الدولة الاستعمارية العتيدة وهي تحشد الحشود، من أجل تأييد قرار الرئيس الأميركي ”باراك أوباما” بشن العدوان على سوريا وأخذ موافقة الكونجرس عليه، فبدا الأمر كمزاد تفوح منه رائحة الخيانة والعمالة، مزاد من أجل حفلة دم مجنونة تسلية للراقصين من ميليشيا ”جبهة النصرة” وأخواتها الإرهابيات على جثث الضحايا الأبرياء السوريين والمدعومين من قوى التآمر والتخريب.
فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي ”لوران فابيوس”، أن بلاده ستقدم في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار تحت البند السابع بشأن الأسلحة الكيميائية السورية. وأشار ”فابيوس” إلى أن ”باريس تنظر بحذر إلى المبادرة الأخيرة التي طرحها وزير الخارجية الروسي ”سيرغي لافروف” بشأن وضع الأسلحة الكيميائية في سوريا تحت رقابة دولية كي لا يتم استخدامها كمناورة”،
وأوضح ”فابيوس” أن ”مشروع القرار الفرنسي سيتضمن قبل كل شيء إدانة المجزرة التي وقعت يوم 21 آب بريف دمشق، كما سيلزم القرار دمشق، بالكشف عن جميع مخازن الأسلحة الكيميائية في البلاد، وسينص على وضع برنامج أممي للمراقبة على حظر السلاح الكيميائي”، حسب ”فابيوس”. وأضاف أن مشروع القرار الفرنسي سيحدد أيضاً عقوبات جادة في حال فشل النظام السوري في الاستجابة للمطالب الدولية.
لا نستغرب أن تتخذ فرنسا الامبريالية الاستعمارية الغربية هذا المنحى المشين، فماضيها يزكيها وتاريخها حافل بالشواهد والأدلة على هذا الحضيض الأخلاقي لسياساتها، ومما يضاعف هذا الانحطاط السلوكي والانحدار الأخلاقي أنه يوظف نفسه دائماً كخادم مطيع وعبد ذليل لكيان الاحتلال الصهيوني الذي غرسوه خنجراً مسموماً في خاصرة الجسد العربي، كيان خارج القانون الدولي والشرائع الدولية، وخارج الأعراف والأخلاق، كيان مَنبَت الرذائل والعهر السياسي وغير السياسي، ومخزن الدسائس والمؤامرات، ومنبع للفتن والأكاذيب ضد المنطقة وشعوبها، وفي ذلك لا نجد مثقال ذرة من تَجنٍّ.
ولما كانت الضرورات الاستعمارية تفرض بقاءه لتلويث المنطقة به، كان من الضروري أن تمهد المنطقة وتصاغ خريطتها ليكون قادراً على نفث كل الموبقات والشرور والفتن الطائفية والتشاحن السياسي، وليكون بلطجياً على المنطقة، ولذلك وجب قطع رأس كل دولة تعترض على سياسات هذا الكيان المحتل وترفض قذاراته، فكان العراق أولى الدول العربية يدفع ثمن رفضه هذا الاحتلال وقذارته، وثمن تمسكه بالقيم وبالعزة والكرامة وبنصرة الشعب الفلسطيني، لتأتي فيما بعد المقصلة على رؤوس كل رافض، فتبعت ليبيا العراق، ويراد أن تتبع سوريا العراق وليبيا، ومن ثم مصر تتبع العراق وليبيا وسوريا، في متوالية لا تتوقف إلا برؤية المشروع الصهو ـ أميركي المسمى ”الشرق الأوسط الكبير”.
الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته المهيمن عليهما صهيونياً وماسونياً سيخربان فرنسا ويضربان مصالحها من حيث يدريان أو لا يدريان، حتى غدت فرنسا رأس الحربة في جبهة العدوان على سورية ومصر والعراق، كما كانت مع بريطانيا خلال تدمير ليبيا، ولا يخجل ”فرنسوا هولاند” عندما يعترف بأنه يجب تحميل سورية مسؤولية السلاح الكيميائي الذي استخدمته العصابات المسلحة ضد المدنيين وضد جنود الجيش العربي السوري، علماً بأن البعض يجزم أن أمر عمليات استخدام الكيماوي الإرهابي جاء من فرنسا مباشرة وتلقفته تركيا اللتين زودت الإرهابيين به مسبقاً ثم أوعزت بضرب المدنيين به لاتهام الدولة السورية باستخدامه وإيجاد الذرائع اللازمة للقيام بضربة محدودة لسورية لرفع معنويات الإرهابيين التكفيريين المنهارة إثر انتصارات الجيش العرب السوري.
الواقع اليوم، أن فرنسا والمختصة منذ اندلاع الأزمة في سورية بالحديث عن التقسيم و”المناطق العازلة” وإطلاق الهيئات المتعددة تحت تسميات مختلفة وإعادة تفعيل القوى الاستعمارية بأشكال جديدة منيت بهزيمة كبيرة ووضعت عالمياً في قائمة الدول الداعمة للحركات المتطرفة، كما أنها وجدت نفسها خارج سرب المؤتمر الدولي المقترح حول سورية، وأنها كدولة أوروبية لن يسعها أن تقف وحيدة حتى لو دعمتها بريطانيا إلى حد ما. إنها بحاجة لإكمال مخططها بعد هزيمة أدواتها على الأرض، وعليه تستمر بالبحث عن البديل من دون جدوى حتى الآن رغم أن مكاسبها في مالي يجب أن تجعلها تشعر بالاكتفاء، لكن نزعتها الاستعمارية في الشرق الأوسط تظل الأقوى كما هو واضح.
لقد راق ل ”فرانسوا هولاند” أن يضع ولايته للسنوات الخمس القادمة أثناء حفل تنصيبه، تحت رعاية شخصية اشتراكية تاريخية، جول فيري (1832-1893). غير أن منجز ”فيري” لا يمكن فهمه إلا كمحاولة تهرّب البرجوازية الفرنسية من مسؤولياتها التاريخية، حين تخلت عن قضية تحرير منطقتي الألزاس وموزيل المحتلتين من قبل الألمان، عبر انخراطها في حملات التوسع الكولونيالي المزين بأرق المشاعر الطيبة. لذا لم يفاجىء الرئيس ”هولاند” أحداً، حين بدا منسجماً مع أنموذجه الخاص… فبعد أن طمأننا بأنه لن يفعل أي شيء يخرج بلده من تحت الوصاية الأمريكية، كشف لنا عن طموحاته الخاصة في سورية.
يحدث هذا لفرنسا والفرنسيين منذ أن ظهرت في السياسة الفرنسية علة الالتحاق الأعمى بالسياسة الأميركية، ونزوع صاحب الاليزيه لرهن القرار الفرنسي بيد رجالات البيت الأبيض، والنزعة الإمبراطورية التي طبعت سياسات واشنطن في العقود الأخيرة، الأمر الذي جعل من الاليزيه والمتعاقبين على مكتبه الرئاسي فرعاً أوروبياً للخارجية الأميركية التي أطلقت في العالم منذ مطلع هذا القرن نظرية الحرب الاستباقية، التي جددت شباب الاستعمار القديم ولكن هذه المرة بحصان من تكساس وقبعة كاوبوي من شيكاغو لا يجهلها أحد في الأرض، وإذا كنا في وقت من الأوقات وتحديداً فـي مطلع عام 2003 كدنا نعتقد أن فرنسا بدأت باسترداد قرارها من القبضة الأميركية، عندما ضرب ”دومنيك دوفيلبان” الشاعر ووزير الخارجية الفرنسية وقت ذاك على طاولة مجلس الأمن عشية الغزو الأميركي للعراق رافضاً الذرائع الملفقة التي أطلقها كولن باول ناظر الخارجية الأميركية يومها، لتبرير الغزو وتشريعه، فإننا لم نلبث أن عثرنا على جاك شيراك مختلياً ب”جورج دبليو بوش” على ضفاف النورماندي مستسمحاً من طيش ”دوفيلبان”، وقصر نظر السياسة الفرنسية التي عارضت الغزو، وباسطاً كفه لجليسه لإبرام صفقة استكمال رحلة الغزو نحو سورية وفق خطة وبرنامج زمني يعيدان للتحالف الفرنسي ـ الأميركي مجده الغابر!
في زمن المسخ العربي، نصّب ”هولاند”، نفسه متحدثاً بالشرعية وعلى الطريقة الأمريكية واللا شرعية في سورية، ووضع بكل استفزاز نفسه قيماً يعطي الشرعية في البقاء لمن يريد، ويسحبها عمن يريد، دون اعتبار لخيارات الشعوب وكرامتها، متناسياً أن الشعب السوري هو صاحب الكلمة الفصل في تحديد شرعية من يحكمه، وليس أحد آخر يعمل خدمة لأهداف تصب أولاً وأخيراً في مصلحة الكيان العنصري الصهيوني الإلغائي والقوى الامبريالية العدوانية الأخرى في الولايات المتحدة وقوى الغرب الأخرى.
فسورية الوطن والتاريخ والموقف والدور والموقع تواجه أخطر حرب من نوعها يمكن لدولة ما أن تواجهها ثمناً لمواقفها في مواجهة الهيمنة والتدخلات الخارجية، ودفاعاً عن حقوقها وعن عدالة القضية العربية الأساس، قضية فلسطين وحقوق شعب فلسطين في وطنه وعلى أرضه، وكذلك ثمناً لدعمها حركات المقاومة العربية، لاسيما في لبنان والعراق، ذلك هو أساس هذه الحرب واضحة السياسات والممارسات والأهداف.
إن فرنسا بموقفها من الأحداث في سورية لا تفعل شيئاً أكثر من إظهار وجهها الاستعماري، متنكرة لمبادىء ثورتها الأولى التي داعبت أحلام البشر في كل مكان تقريباً، والتي قامت في عام 1798 بشعاراتها البراقة في الحرية والمساواة والعدالة لتنشر القمع والظلم والعدوان في كل مكان حلت فيه، ولو اختلفت التسمية والمبررات كترجمة لفهمها لقضية الحرية والعدالة والمساواة.
ففرنسا ذات التاريخ العريق بالعدوان والظلم والتدخل بشؤون الشعوب، هي فرنسا الراهنة في تدخلاتها في تشاد والعراق ولبنان وليبيا واليمن وساحل العاج… و… و… وغيرها الكثير من دول العالم!
فرنسا سايكس ـ بيكو وسان ريمو، والعدوان الثلاثي، وحصار لبنان وغزوه إبان الاجتياح الصهيوني عام 1982، والحرب على العراق عام 1991 وحصار شعبه، ذلك هو وجه فرنسا التي تتحدث عن القيم الإنسانية وحقوق الشعوب، بينما تمارس ولا تزال العدوان والاعتداء ودعم الديكتاتوريات الحليفة لها في إذلال شعوبها.
فهل يحق لباريس بعدها أن تتحدث عن شرعية نظام او حرية شعب …؟!
إن ذاكرتنا الوطنية، سواء أكانت فردية أم جماعية، تفيض ليس بعشرات الأمثلة بل بالمئات عن ممارسات الغرب بعامة وفرنسا وديمقراطيتها التي تتيح الاعتداء على الشعوب، سبق لها أن أقرت قانون غيسو لعام 1995 الذي يحاكم بموجبه أي فرنسي يعبر عن رأي لا ينسجم ولا يتفق مع أكذوبة ”الهولوكوست” والمحرقة، ذلك القانون الذي حوكم بموجبه الكثير من الفرنسيين، وربما كان أشهرهم المفكر الشهير ـروجيه غارودي ـ فقط لأنه شكك بعدد اليهود الذين طالتهم تلك المحرقة الأكذوبة التي لا يزال العالم الغربي، يخضع بسطوتها لابتزاز الحركة الصهيونية العالمية.
كل شيء يدل على مكر وحقد ”فرانسوا هولاند” ومساعده الصهيوني ”لوران فابيوس” في هذه الحرب الشرسة، وذلك أن الهدف التالي بعد سورية هو إيران البلد الآخر من البلدان غير الحليفة للغرب.
ف ”هولاند” يلوح اليوم بخطاب الحرب ضد سورية، مجازفاً بالتضحية بسياسة فرنسا الخارجية كلها على مذبح استرضاء إسرائيل وتحت تأثير الدولارات القطرية، ويستفيض ”فابيوس” في الحديث عن الضحايا الأبرياء ولا تزال يداه ملطختين بدماء عشرات الفرنسيين في فضيحة الدم الملوث.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ”فابيوس” هذا يستقي معلوماته عن الأحداث في سورية من المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن الذي يعمل تحت إمرة الاستخبارات البريطانية السرية، على الرغم من أن هذا المرصد لا يتمتع بأية كفاءة مهنية، ولا يعد مصدراً موثوقاً للمعلومات والأخبار، ومع ذلك تعتمد عليه وسائل الإعلام الغربية ليزودها بالأخبار الكاذبة والملفقة، وبمقاطع الفيديو المفبركة، وبخاصة حول أعداد القتلى، بعد أن أصبحت وسائل الإعلام هذه جزءاً من البروباغندا الغربية…
ف ”هولاند” عمل على تحريك ودعم وتمويل قطعان المرتزقة، وسلح المعارضة لإشعال نار الفتنة، ونيران الحرب الأهلية، إلا أن كل جهوده باءت بالفشل الذريع، بفضل وحدة ووعي السوريين ووقوفهم إلى جانب قيادتهم. أما وزير خارجيته الفرنسي ”لوران فابيوس” فقد اعترف بأن فرنسا استجابت للمطالب الداعية إلى تسليح المجموعات الإرهابية: ”لقد تم تسليم الأسلحة للمتمردين من قبل قطر والسعودية وتركيا وفرنسا”.
فقد اختار ”هولاند” وشركاؤه وحلفاؤه الخيار العسكري منذ بداية الأزمة السورية، مع العلم أنه يدرك تماماً أن هذا الخيار لا يستقطب أدنى درجة من الشعبية.
ف ”هولاند”، عندما تخلى عن العمل من أجل حل سياسي للأزمة السورية، وعندما ترك مصير سورية مرهوناً بمصير السلاح، فإن هذا السلاح هو الذي يحدد نهاية المعركة. بالتالي أطلب من العمال والموظفين الفرنسيين أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: من هو ”هولاند” حتى يصدر أوامره ويتدخل في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة وسيادية، بل يطلب من رئيسها الرحيل؟
لقد نسي ”هولاند” أوتناسى، أن زمن الوصاية الفرنسية قد ولى. فأمريكا هي التي كلفت فرنسا ومنحتها تفويضاً جديداً غير رسمي، تفويضاً من ”باراك أوباما” لتتصرف فرنسا وتتحدث بإسمه وبإسم الامبريالية الأنغلو ـ أمريكية.
في هذه المسألة ومنذ بداية ما أسموه بـ”الربيع العربي”، لم تتوقف واشنطن لحظة عن إحاكة الدسائس والمؤامرات ضد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها تفادت الوقوف في مقدمة المشهد، في محاولة منها للحفاظ على صورتها لدى الرأي العام بخاصة فيما يخص التدخل العسكري. وهذا ما دفعها إلى إيداع هذا الدور إلى ”ساركوزي”، ومن ثم خلفه ”هولاند”.
هكذا منح الغرب لنفسه الحق في تقرير مصير بلاد وشعوب، كما يفعل الآن مع سورية ضد رغبة أكثرية الشعب السوري ويفوض نفسه للتدخل في أي مكان يكون فيه نظام الحكم لا يلائم سياساته ولا يخضع لإملاءاته وهذا بحد ذاته تغيير جذري في تاريخ البشرية، كل قواعد القانون الدولي حرِّفت وسيادة الدول أصبحت هشة… وهذا يعني أننا دخلنا في مرحلة جديدة إزاء انحطاط الديمقراطية.
من جهة أخرى قوى الغرب المجرمة تحتل جزءاً كبيراً من عالمنا هذا، لاشيء يفلت من رقابته وهمينته: خبث ودهاء الغرب لا حدود لهما: هذا الغرب، وأزلامه العرب هو الذي هيأ وشكّل، ودرب المعارضين السوريين، سلّحهم، مارس التعذيب، نفذ الاغتيالات، ارتكب المجازر، وحرّض على الهجمات الإرهابية ضد المدنيين وعناصر الجيش، مارس كافة أشكال انتهاكات حقوق الانسان، وهاهو يصرخ معلناً وقوع الفضيحة عندما يدافع الرئيس السوري عن شعبه، علماً أنه هو الذي يدمر العالم، ويفلت من أي عقاب على جرائمه ليس هذا فحسب بل ينصب محاكم لمحاكمة جرائم الآخرين… يجب أن يعلم الجميع أن الغرب هو أكبر خطر يهدد البشرية فيما ينشر الناتو شبكته العسكرية الحربية في كل أرجاء العالم، بغية إحكام السيطرة عليه. بكل الأحوال مع الأزمة السورية بدأت الحرب العالمية الثالثة.
في الديمقراطية الغريبة لا يسمعون رأي أو وجهة نظر الفريق الآخر ولم نرَ يوماً منذ بداية الأزمة السورية لقاء أو حواراً مع ممثلي الحكومة السورية أو مع أحد المؤيدين لها، بل على العكس وسائل الإعلام الغربية، واقعة في قبضة صناعيي التسليح تحرض على الحروب يومياً من خلال بث صور مفبركة وأخبار كاذبة مضللة عن ضحايا القصف الذي تنفذه القوات الحكومية، وفي اليوم التالي تعرض هذه القنوات صوراً لمجازر أو لقاءات مع أشخاص تعرضوا للتعذيب على أيدي عناصر الجيش، كما يزعمون أو عن آلام ومآسي المدنيين في حين أن كل هذه الجرائم والأعمال الإرهابية إنما ترتكبها المجموعات الإرهابية الوهابية المسلحة. لذلك فوسائل الإعلام الغربية مجردة من أية مهنية أو حرفية بل هي مجرد أدوات فعالة في حرب البروباغندا، حرب المعلومات والتضليل والأخبار الملفقة والموجهة للرأي العام العالمي ضد هذا البلد.
إن فرنسا تتعامل مع الحركات التكفيرية الوهابية من منطلق براغماتي، يتناغم مع الموقف الأمريكي لحد ما، والتفهم الذي تبديه فرنسا، ومعها الولايات المتحدة، لبروز التيار الإسلامي التكفيري في إطار ما عرف بالربيع العربي، يُفصح عن رغبة فرنسية غربية للتعامل مع الحراك الذي فوجىء به الغرب، وبشكل يتيح للغرب أن يسهم في توجيه هذه الحراك، والمشاركة في قطف ثماره، وحرف مساره، ذلك أن العداء للسياسات الغربية كان، كما رفض الأنظمة الاستبدادية الموالية للغرب، سبباً رئيسياً في هذا الحراك.
وفي هذا السياق، اعتبر الشاعر السوري أدونيس في حديث لمجلة ”إفريقيا آسيا” أن فرنسا خانت مبادئ الثورة الفرنسية بتقديم الدعم لـ”جميع الحركات الأصولية الرجعية” في العالم العربي.
وقال أدونيس الذي يعتبر من أشهر الشعراء العرب الحاليين والمعارضين العلمانيين: إن ”من يراقب السياسة الحالية لفرنسا إزاء العالم العربي يلاحظ أنها تخون مبادئ الثورة الفرنسية”. وبحسب فرانس برس قال أدونيس: ”بدلاً من العمل على دعم التيارات المدنية والديمقراطية والمتعددة القادرة على إرساء أسس ثورة شاملة من شأنها إخراج المجتمعات العربية من تخلف القرون الوسطى إلى الحداثة، فإن فرنسا وعلى العكس من ذلك تدعم كل الحركات الأصولية الرجعية .
في تقديري، اليوم يتعالى النعيق الفرنسي وذلك راجع الى أن فرنسا ذات التاريخ الاستعماري الطويل في المنطقة تريد أن تكون جزءاً من المشروع الصهيو ـ أميركي الهادف إلى تقسيم المنطقة على أساس الثروات، عبر الجعجعة الإعلامية ونعيق البوم الذي تحدثه لضمان ـ كما تتوهم ـ حصة من كعكة الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة المكتشفة حديثاً على السواحل السورية، وجزءاً من مشروع محاصرة كل من روسيا والصين وإيران، من خلال المخطط القائم بتحويل سوريا إلى أرض عبور لأنابيب الغاز عبر تركيا ثم إلى أوروبا، وبالتالي تهميش روسيا وخلع إحدى أوراق قوتها ألا وهي ورقة الغاز الذي تمد به أوروبا، مما سيترتب عليه إبعاد الدب الروسي من المناطق الدافئة، كما ستكون الصين خارج المنطقة وفق هذا المخطط.
أما الدولة السورية فلن تتهيب كل هذه الإيقاعات العنيفة، وستبقى واقفة أمام مثل هذه الاستعراضات المسرحية الدموية والقبيحة، سوف تمضي في الحوار طالما أنّ الحوار يبقي على نافذة الأمل مفتوحة ومشرّعة، ولكنها لن تضحي بأمن السوريين واستقرارهم، ولن تتخلى عن مسؤولياتها في حماية مواطنيها الذين يعلقون عليها وحدها مهمة القيام بهذا الواجب المقدّس.
فسورية لن ترتجف كما يتهيأ لهم، ولن تخالف قناعاتها المثبتة، ولن تتنكر للحقائق التي جمعتها على امتداد شهور الأزمة، وسوف تبني على أساس ذلك موقفها، ذلك أن هذا الموقف هو وحده الكفيل بحماية شعبها.
إن قدر سورية عبر تاريخها أن تكون المدافعة عن الكرامة والعزة في الفضاء القومي والإقليمي، والمدافعة عن الحقوق العربية، سواء رضي عنها الغرب بنزعاته الاستعمارية أم لا.