مثلت الدعوة التي وجهها المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى اليمن «مارتن غريفيث» إلى طرفي الحرب الأهلية للاجتماع في جنيف مطلع سبتمبر القادم، لعقد لقاء تشاوري هو الأول منذ ما يقارب العامين، مثلت كسرا لحالة الجمود الذي اتصفت به منذ انتهاء اخر مفاوضات استضافتها الكويت منذ أكثر من عامين، وسبقها جولة تفاوض في مدينة بييل في سويسرا ، وأصيبت جميعها بالشلل في المسار السياسي الذي تدعو له القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وكذا الدعوات المتكررة من كافة الأطراف الإقليمية -بما فيها دول التحالف العربي – لجلوس الجميع على طاولة مفاوضات تبحث كافة الإجراءات والالتزامات المطلوبة من الجميع لإنهاء الحرب التي سقط فيها اليمنيون ضحايا الصراع الحالي، كما تسببت بالكثير من التخريب والتمزق الاجتماعي وارتكبت فيها ابشع انتهاكات لحقوق الإنسان ، وكذا صاحبها انشغال الإقليم بها والانغماس في تفاصيلها.
وبحسب محللين متابعين للملف اليمني ، فإنه من المهم ألا يرتفع منسوب التفاؤل حول ما ستخرج به مشاورات جنيف القادمة التي قد تبوء بالفشل لعدة اسباب ، نظرا لاستبعاد عدد من القوى السياسية الوازنة داخليا منها (حزب المؤتمر الشعبي العام + المجلس الانتقالي الجنوبي) ، ناهيكم عن أن اللقاءات التي سيعقدها المبعوث الخاص وفريقه مع الطرفين لن تتطرق في البداية إلى القضايا السياسية والعسكرية ، حيث ستركز المفاوضات فقط على محاولة بناء الثقة بين الطرفين في مسعى لتوسيع نطاق التباحث حول القضايا الإنسانية وإطلاق الأسرى وتخفيف المعاناة القاسية التي يتعرض لها المواطنون الأبرياء المحاصرون بين الطرفين، وهي تستدعي إجراءات تجنيب هؤلاء ويلات الحرب، وسيكون من ضمن قضايا التفاوض رفع الحصار عن مدينة تعز (وسط اليمن) وإعادة فتح الطرقات داخلها كأهم خطوة ستسهم في تخفيف حدة المعاناة التي ترزح تحتها هذه المدينة منذ بدايات الحرب، وسيكون ذلك مؤشرا على استعداد الحوثيين في الفصل بين العقاب الجماعي والمعارك العسكرية، وهو أمر صارت الميليشيات المحلية جزءا منه بعد عجز السلطة المحلية عن الحصول على الوعود التي تلقتها بالمساندة والدعم .
مدينة وميناء الحديدة.
طرح كثيرون فكرة الإشراف الخارجي على الميناء للتحقق من عدم استخدامه لغير الأغراض التجارية والإنسانية وكي يساعد في سرعة تدفق المساعدات الطبية، وأيضا تسليم المدينة لسلطة محلية من أبنائها مع ضمان خروج كافة المسلحين القادمين من خارجها الذين لا يتبعون الحكومة الشرعية ، من محيطها ومن داخلها، وستشكل في حال نجاحها نموذجا يحاكي إدارة محافظة مأرب التي تنعم بالحد المعقول من الهدوء والتنمية بعيدا عن تعقيدات الإدارة المركزية.
سيواجه لقاء جنيف -كما حدث في بييل والكويت- وما قد يتم بعده، عقبة أن الرغبة الحقيقية لدى الأطراف المحلية والاقليمية في التوصل إلى اتفاق صلب ومستدام تحتاج ارتفاعا كبيرا في مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية لاطراف الصراع المحلي والاقليمي الذي يدعمون كل طرف ، وتستوجب منهما تقديم تنازلات جادة وكبيرة وهم ليسوا جاهزين حاليا لاتخاذ مواقف تعرض مصالحهم للخسارة، ومن الطبيعي أن الفوائد التي تنتجها الحروب الأهلية الطويلة وشبكة المنافع الشخصية التي تنشأ وتربط بين عدد من أصحاب المصالح تجعل مهمة الخروج منها صعبة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك بروز مليشيات تدور في مدارات خاصة غير مرتبطة بالأطراف الرئيسية وتتخذ مساراتها الخاصة بعيدة عن الإطار العام، فإن كل هذ العوامل تجعل من التفاؤل مسألة عصية على القبول، ويعلم الجميع أنه بدون توافق داخلي يجعل المصلحة الوطنية العامة وارتفاع منسوب المسؤولية الأخلاقية لدى القوى المحلية الكبرى فإن أي جهد يبذله أي مبعوث لن يصل إلى النتيجة التي يتمناها اليمنيون في الداخل والخارج، وقد تكون إحدى الفرص الكثيرة التي ضاعت لوقف النزيف والدمار.
الواقع يقول ان هناك عن غياب تام للبعد الإنساني في كل المفاوضات السابقة بسبب استمرار خلاف الاطراف الاقليمية كايران والسعودية ، كما انه خلقت الأشهر الأربعة عشر الماضية قطيعة نفسية ومادية لا أتصور أن مشاورات سياسية وإجراءات أمنية ستتمكن من إنهائها ومطلوب من الطرفين والمجتمع الدولي بذل جهد إنساني وأخلاقي أكبر ، ولا أعلم مدى قدراتهم في هذا المجال.
واليوم بعد مرور عامين آخرين، على الجميع إدراك أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لن يكونوا أحرص على اليمن من اطراف الصراع الذين سيشاركون في لقاء جنيف، وعليهم أن يشعروا في ضمائرهم باستحضار مأساة الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت فيها وما يحصل لإخوانهم اليمنيين العالقين والمحاصرين الذين يحتاجون منهم التعاطف مع محنتهم.