اعتبرت صحيفة Financial Times البريطانية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى قص أجنحة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من خلال أزمة اغتيال الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن أردوغان كان حذراً في تصريحاته العلنية عن جمال خاشقجي، لكن سمح بتسريب المعلومات بكمياتٍ ضئيلة مرة تلو الأخرى وغذَّى موجةً من التغطية الإعلامية المفزعة الجنونية حول مقتل جمال خاشقجي.
وصدمت عملية القتل الفجة في قلب إسطنبول للصحافي البارز العالمَ، وقوَّضت إلى حدٍ كبير الرواية البديلة التي قدمتها الرياض وأنصارها لحماية حكام المملكة.
وبعد صدور تقارير تفيد بأنَّ السعودية قد تلقي باللوم في وفاة خاشقجي على نائب رئيس الاستخبارات السعودية، صدر تحذير رسمي من أنقرة يوم الجمعة 19 أكتوبر/تشرين الأول بدلاً من التسريبات. إذ صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بقوله: «لدينا معلومات وأدلة في حوزتنا.. على ما حدث لخاشقجي ومن المسؤول».
وقال مسؤول تركي على علم بالاستراتيجية: «الهدف الأسمى هو ما يمكن أن نسميه إقرار السعوديين بالذنب».
ماذا يريد الرئيس التركي؟
يقول المحللون إنَّ الهدف النهائي للرئيس التركي قد يتمثل في إضعاف ولي العهد محمد بن سلمان، ابن الملك سلمان والحاكم الفعلي للمملكة. لكن بدلاً من أن يتحمل أردوغان المسؤولية بمفرده، فقد سعى إلى إجبار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو أكبر حليف غربي للسعودية، على التدخل.
وقال أسلي أيدينتاسباس، وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «أعتقد أنَّه لم يكن يريد أن يقاتل السعوديين بمفرده، عندما لم يكن متأكداً من أنَّ هذا ما قد يفعله الأميركيون، وقد تمكّن من وضع نفسه في موقفٍ قوي إلى حدٍ ما حينما جمع بين التسريبات والنبرة الدبلوماسية الحذرة».
لكن تبقى الطريقة التي سيستخدم بها أردوغان ما في جعبته غير واضحة. إذ يمكن للزعيم التركي أن يسعى للحصول على تنازلاتٍ أو ترضياتٍ من واشنطن والرياض، بحسب الصحيفة البريطانية.
ومع ذلك، هناك ما يدل على أنَّ أردوغان يطمح إلى ما هو أعلى من الجوانب الاقتصادية، وهو تسخير الغضب الدولي تجاه السعودية للمساعدة في الترتيب لتحولٍ في اتجاهات القوة الإقليمية من شأنه تخفيف الضغط على تركيا وحلفائها.
طرفا نقيض في الشرق الأوسط
وبحسب الصحيفة البريطانية وجدت كلٌ من أنقرة والرياض نفسيهما على طرفي نقيض من الاضطرابات في الشرق الأوسط في أعقاب ثورات الربيع العربي، فقد عارض أردوغان ومازال إطاحة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في انقلابٍ عسكري كان يُنظر إليه على نطاقٍ واسع على أنَّه مدعوم من السعودية. وعندما وجدت قطر نفسها في مواجهة الحصار الذي تقوده السعودية، أرسلت تركيا قواتٍ إضافية إلى الدوحة، وبدأت في شحن اللحوم ومنتجات الألبان لملء أرفف المتاجر الفارغة بها.
ويُنظر إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الشاب، على أنَّه القوة الدافعة وراء سياسات الرياض الإقليمية الأكثر عدوانية. وهو الآن يجد نفسه متهماً بإصدار أوامر بقتل خاشقجي، وهدفاً للانتقادات الحادة من مستشاري الرئيس التركي، بحسب الصحيفة البريطانية.
إذ كتب برهانتين دوران، وهو رئيس معهد أبحاث عُيِّن مؤخراً في لجنة السياسة الخارجية الجديدة التي شكلها أردوغان، مقالاً في صحيفة Daily Sabah القريبة من الحكومة، وهي جريدة تصدر باللغة الإنكليزية موجهة إلى الرأي العالمي، للتحذير من أنَّ ولي العهد «الجشع في موقفٍ أكبر من قدراته».
وكتب إلنور تشيفيك، وهو مستشار رئاسي آخر، في نفس الصحيفة مقارناً بين «المواقف السلبية» للأمير محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان الأكثر حكمة، الذي قال إنَّه «يقدر جهود» تركيا لتعاملها الحَذِر مع القضية.
تقليم أجنحة ولي العهد السعودي
وقد تأمُل تركيا أن يكون لتقليم جناحي محمد بن سلمان تأثيراتٌ غير مباشرة. إذ قال بولنت أراس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي في إسطنبول: «قد تستخدم تركيا قضية خاشقجي لتشجيع العناصر الأكثر اعتدالاً في القيادة السعودية، وفي المقام الأول لتنشيط دور الملك سلمان، وسيكون من المفيد لتركيا كذلك تراجع السعودية بدرجة معقولة عن مسارها الحالي. إذ أنَّ عدم الاستقرار الإقليمي وانعدام الأمن يضران بالمصالح التركية ككل».
خوض الرئيس التركي بمفرده في نزاعٍ مباشر مع دولة مهيمنة إقليمياً سيحمل مخاطر كبيرة عليه. بالإضافة إلى أنَّ ذلك قد يتباين بشكلٍ عام مع رغبات ترمب في الوقت الذي بدأ فيه التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا يتلاشى بعد إطلاق سراح أندرو برونسون، القس الأميركي المعتقل منذ عامين في تركيا.
لذا سعت أنقرة إلى مواصلة الضغط على واشنطن. ويساعد ذلك في توضيح سبب اتباع الإشارات التي أبداها الرئيس الأميركي بشأن إمكانية قبوله لإنكار الملك السعودي، واقتراحه القائل بأنَّه من الممكن إلقاء اللوم على عملاء «مارقين» في موت خاشقجي، بوابلٍ جديد من التسريبات لإعلام الولايات المتحدة.
لقد وجدت أنقرة نفسها على نحوٍ غير متوقع في صف الصحف الأميركية مثل صحيفة The Washington Post، التي ضمت خاشقجي إليها العام الماضي حيث عمل كاتب عمود. وأبدت جانسو شامليبل، المراسلة الأميركية في صحيفة Hurriyet التركية، دهشتها في مقال يوم الجمعة من الوضع الجديد الغريب، إذ كتبت: «للمرة الأولى منذ فترة طويلة، لم تكن تركيا «البطل الشرير» في القصة بالنسبة واشنطن».