اعتبرت صحيفة The New York Times الأميركية أن مقتل جمال خاشقجيمثل أزمة كبيرة للعائلة الحاكمة في السعودية والتي تحاول الآن المحافظة على سمعة آل سعود بعدما وصلت إلى مستوى كبير من النقد والسخط بسبب الصحافي السعودي الراحل.
وقالت الصحيفة الأميركية إن التحركات الأخيرة التي قامت بها الرياض كانت بأمر الملك سلمان نفسه من أجل الحفاظ على ما تبقى من سمعة قوية للمملكة بعد وقوع الجريمة، فيما يعد الأمير خالد الفيصل مستشار الملك هو الوحيد القادر على إقناع الأسرة الحاكمة بضرورة التغيير للحفاظ على مستقبلها.
وأضافت فيما تزايد الغضب الدولي تجاه السعودية على خلفية مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في مدينة إسطنبول التركية، أرسل الملك سلمان القَلِق أحد كبار أعضاء العائلة الملكية لمعالجة المسألة مع الرئيس التركي.
عاد الأمير خالد الفيصل إلى بلاده قادماً من أنقرة برسالة قاتمة للأسرة المالكة. فوفقاً لما ذكره أحد أفراد الأسرة هذا الأسبوع، قال الأمير لأقاربه بعد عودته: «الخروج من هذا الموقف سيكون بالغ الصعوبة. كان (الرئيس التركي) منزعجاً من الأمر حقاً».
ثاني أكبر أزمة دولية للرياض بعد 11 سبتمبر
تواجه السعودية ربما أزمتها الدولية الأكبر منذ الكشف عن مسؤولية مواطنيها عن تخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
ويشعر أعضاء الأسرة الحاكمة بقلقٍ متزايد حيال اتجاه البلاد تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (33 عاماً)، الابن المُفضَّل لدى الملك سلمان والذي يدير شؤون المملكة اليومية.
لكن بخلاف عام 2001، حين تكاتفت الأسرة لحماية مصالحها الجماعية، قد لا يكون هذا ممكناً هذه المرة. وفي المقابل، هناك قلقٌ عميق، في حين يبحث الأمراء بلا جدوى حتى الآن عن سبيلٍ لاحتواء ولي العهد الذي بسط سلطته تماماً لدرجة أنَّ كل الآخرين باتوا مُهمَّشين تقريباً.
كان الشخص الوحيد الذي يمكنه التدخُّل هو الملك نفسه، لكنَّ أمراء كباراً وجدوا إيصال مباعث قلقهم إلى الملك أمراً شبه مستحيل. إذ يُذكَر أنَّ الملك يبلغ من العمر 82 عاماً، وهناك بعض الشكوك بشأن إدراكه الكامل لما يجري أو استعداده لتغيير هذا المسار.
وقال موظف لدى أحد الأمراء الكبار، تحدث مثل غيره في هذا المقال شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من التداعيات: «لا يملك الملك القدرة للتعامل مع الأمر». وأضاف، مُتحدثاً عن ولي العهد: «إنَّه الرجل الأول، وهو أيضاً الرجل الثاني».
الخلافات في الأسرة الحاكمة
ومنذ تأسيس الدولة السعودية عام 1932، مزَّقت الخلافات الأسرة المالكة في بعض الأحيان، بل ووصل الأمر إلى حد الاغتيال حتى. لكنَّ آلافاً من الأمراء والأميرات الذين يُشكِّلون أسرة آل سعود تمكنوا في نهاية المطاف من التوصل إلى سبل للحفاظ على الأسرة الحاكمة. فببساطة، كان يوجد الكثير للغاية على المحك بما يجعل من غير الممكن ترك الخلافات داخل العائلة تقف عائقاً في وجه أنماط الحياة المترفة، والمخصصات الكبيرة، والامتيازات التي لا مثيل لها.
ثُمَّ ظهر ولي العهد، الشاب المندفع والمتحمس الذي فكك على نحوٍ ممنهج نظام التوافق الذي أبقى على السلام داخل الأسرة لعقود.
وتخلى ولي العهد الذي بات يجمع كل السلطات في يديه أيضاً عن نمط السياسة الخارجية السعودية التقليدي الذي كان يعتمد على دبلوماسية دفتر الشيكات، وعقد الصفقات الهادئة خلف الكواليس. وعوضاً عن ذلك، تحرَّك محمد بن سلمان بعدوانية، فشنَّ تدخلاً عسكرياً كارثياً في اليمن، واختطف رئيس الوزراء اللبناني، وقطع العلاقات مع قطر وكندا. وفي الوقت نفسه، سوَّق لسعوديةٍ جديدة بالخارج، يزدهر فيها اقتصادٌ نشط ويُسمَح للنساء داخلها بقيادة السيارات، بحسب الصحيفة الأميركية.
حازت حملة الإقناع هذه على بعض الجماهير الذين رأوا في ولي العهد السعودي بالضبط نوع القائد الذي تحتاج إليه المملكة للتخلص من ماضيها المُحافِظ. ومن بين تلك الجماهير كانت إدارة ترمب، التي جعلته ركيزةً لسياستها في الشرق الأوسط.
لكنَّ صعوده أثار غضب الكثيرين من أبناء عمومته، الذين يخشون الآن حدوث الأسوأ فيما يراقبون بلا حول لهم ولا قوة سُمعة المملكة وهي تُلطَّخ.
إذ قال المسؤولون الأتراك إنَّ فريق اغتيال من 15 فرداً من السعودية كانوا بانتظار خاشقجي، وقطَّعوا جسده داخل القنصلية. ويبدو مستبعداً أن تكون عمليةٌ كهذه قد تمت دون علم ولي العهد.
مشكلة لا يمكن الخروج منها
خلق هذا الاحتمال شيئاً لم يظن أقارب ولي العهد أنَّهم سيشهدونه أبداً: مشكلة لا يمكنهم الخروج منها بالمال. ولا يبدو أنَّ هناك أحداً مستعداً أو قادراً على مجاراة الأساليب الميكيافيللية للأمير الشاب.
وقال شخصٌ آخر مقرَّبٌ من الأسرة المالكة منذ زمنٍ طويل، متحدثاً عن بعض الأمراء: «إنَّهم ليسوا حفنة من القُساة»، ووصف فلسفتهم بأنَّها: «لا نريد إلا أكل شطائر البرغر وقضاء العُطلات في البلدان الأجنبية».
يقول مُقرَّبون من الأسرة المالكة إنَّ الأمراء الكبار لا يملكون سبيلاً للوصول إلى الملك سلمان كما كان الحال مع الملوك السابقين، الأمر الذي يجعل التعبير عن مباعث قلقهم للملك صعباً. وشكا أحد أفراد الأسرة المالكة من أنَّ بعض الأمراء لا يمكنهم دخول البلاط الملكي أو قصر الملك ما لم تكن أسماؤهم موضوعة عند الباب مسبقاً، بحسب الصحيفة الأميركية.
وعدا ذلك، فإنَّهم يرون الملك في المناسبات الرسمية، حيث تُعَد إثارة القضايا الشائكة شكلاً سيئاً للتعبير، أو يزورونه ليلاً عندما يلعب الورق، والذي يكون وقتاً سيئاً كذلك للحديث في موضوعاتٍ جادة.
في الوقت نفسه، يتحرك الأمير محمد حثيثاً لتخفيف الضرر. وقال أحد المستشارين الغربيين إنَّه حتى ولي العهد فُوجئ بالغضب الناجم عن الحادثة.
فقال المستشار: «كان في صدمة حقيقية من حجم رد الفعل».
انعكست فوضى القصر على التفسيرات السعودية المتغيرة لما حدث لخاشقجي. فعلى مدى أسابيع، أصرَّ مسؤولو الحكومة على أنَّه غادر القنصلية في إسطنبول بعد فترة قصيرة من وصوله، وأنَّهم لا يملكون أي فكرة عن مكان وجوده.
السعودية تعترف
وفي وقتٍ مبكر من اليوم السبت 20 أكتوبر/تشرين الأول، قالت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة إنَّ خاشقجي قُتِل في شجار بالأيدي داخل القنصلية، وإنَّ 18 سعودياً لم تُحدَّد هُوياتهم احتُجِزوا على صلةٍ بوفاته. كان ذلك أول اعتراف من المملكة بموت خاشقجي.
ورفض ولي العهد بثبات دعوات مسؤولي وول ستريت التنفيذيين لتأجيل مؤتمرٍ استثماري من المقرر أن يستضيفه في الرياض الأسبوع المقبل، حتى في الوقت الذي يلغي فيه الضيف تلو الآخر مشاركته في المؤتمر بسبب الفضيحة، بما في ذلك وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن.
وعوضاً عن ذلك، شكَّل ولي العهد لجنة أزمة تضم ممثلين عن أجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية والأجهزة الأمنية لإمداداه بآخر التطورات في فضيحة خاشقجي طوال اليوم. واستدعى شقيقه الأصغر، السفير السعودي لدى واشنطن خالد بن سلمان، وسرَّع خططاً لتعيينه مستشاراً للأمن القومي بصورةٍ ما من أجل إضفاء طابع النظام على ما يُنظَر إليه على نطاقٍ واسع باعتباره عملية سياسة مؤقتة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وهدَّد الديوان الملكي بالرد على أي خطواتٍ تُتَّخذ ضد المملكة، وأشار إلى أنَّ المملكة قد تستخدم نفوذها على أسواق النفط كورقة للضغط على الاقتصاد العالمي. وأشار أحد المحللين الموالين المقربين من ولي العهد إلى أنَّ فرض عقوباتٍ على المملكة قد يدفعها هي والعالم الإسلامي «إلى أحضان إيران».
استراتيجية الرياض للاعتراف
وبدا أنَّ البيان المُقتَضب الذي صدر في وقتٍ مبكر يوم السبت حول وفاة خاشقجي داخل القنصلية أثناء عراكٍ بالأيدي كان جزءاً من استراتيجية للاعتراف بموته، لكن مع إبعاد المسؤولية عن ولي العهد.
وخرجت معلومات تفيد بأنَّ المسؤولين كانوا يفكرون في تحميل مسؤولية الحادثة للواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة وأحد المُقرَّبين من الأمير الشاب. وقال أشخاص مُطَّلعون على الخطة أنَّها ستتهم اللواء العسيري بتدبير خطة كانت تهدف لاعتقال خاشقجي، لكنَّها انتهت بمقتله، وهو تفسيرٌ يأمل السعوديون أن يحمي ولي العهد من التعرُّض لمزيدٍ من الاتهامات، بحسب الصحيفة الأميركية.
وذكرت وسائل الإعلام الحكومية أنَّ اللواء العسيري عُزِل اليوم السبت من منصبه، إلى جانب ثلاثة مسؤولين كبار آخرين على الأقل. ولم يتضح ما إن كان للإقالات أي صلة بقضية خاشقجي.
في حين كانت السعودية تُحكَم عادةً من جانب أمراء كبار تقاسموا المناصب الوزارية الكبرى، واتخذوا قرارات السياسة الكبيرة بالتوافق تحت قيادة الملك، شهد الكثير من أولئك الأمراء الذين كانوا نافذين في السابق نفوذهم يتقلَّص. فعُزِل البعض من المناصب البارزة. واحتُجِز آخرون بفندق ريتز كارلتون العام الماضي 2017 بسبب اتهاماتٍ بالفساد من جانب ولي العهد. ولا يزال آخرون وأسرهم ممنوعين من السفر وخائفين بشدة من إمكانية إلقاء القبض عليهم في حال رفعوا أصواتهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
ولا يزال الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق وقطب محاربة الإرهاب، قيد الإقامة الجبرية العملية. وقال أحد الأقارب إنَّ بن نايف وزوجته وابنتيه اكتشفوا في وقتٍ سابق من هذا العام أنَّ حساباتهم المصرفية السعودية استُنزِفَت.
وحُيِّد أبناء الملك السابق عبد الله، الذي توفي عام 2015. فعُزِل أحدهم من قيادة قوات الحرس الوطني واتُّهِم بالفساد وجُرِّد من أصوله، بما في ذلك مسار سباقات الخيل الذي ورثه عن والده، وأخوه أمير منطقة الرياض السابق مُحتجَز، وكذلك الحال بالنسبة لابن أحد الملوك السابقين الآخرين. لكنَّ هناك أخٌ آخر يختبئ في أوروبا يخشى التعرُّض للاختطاف وإعادته إلى البلاد.
وهذا لا يترك إلا والده الملك سلمان لكبح سلطته.
الملك فقط هو من يستطيع التصدي لولي العهد
وقال جوزيف كشيشيان، الباحث بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض: «يوجد شخصٌ واحد داخل السعودية بإمكانه تحدي محمد بن سلمان، وهذا الشخص هو الملك».
وأضاف كشيشيان أنَّه على الملك ألا ينظر فقط في آثار قضية خاشقجي على سمعة ابنه، بل وكذلك في كيفية مواصلة برنامج الإصلاح المعروف باسم «رؤية 2030» الذي بدأه ولي العهد.
لكنَّ آخرين يثيرون التساؤلات حول ما إن كانت صحة الملك تسمح له بإدراك كل ما يجري.
فقالت مضاوي الرشيد، الأستاذة الزائرة بكلية لندن للاقتصاد ومؤلفة عدة كتب عن السعودية: «يشعر المرء بالقلق على الحالة العقلية للملك سلمان. هل هو حقاً في موضعٍ يُخوِّله اتخاذ تلك القرارات في هذا العمر الكبير؟».
عزل ولي عهدٍ قوي كهذا قد يثير الكثير من الاضطرابات، وأمراء قليلون فقط قد يرغبون في المنصب مع علمهم أنَّ محمد بن سلمان الساخط سيحيك الخطط ضد بديله. لكنَّ دبلوماسياً غربياً له خبرة طويلة في المملكة أشار إلى أنَّ الملك ربما يُقيِّد الأمير الشاب بتقليص سلطته، وربما إعادة توزيع السيطرة على الأجهزة الأمنية على أمراء آخرين يحظون بالاحترام، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال الدبلوماسي: «لُطِّخت الصورة على نحوٍ يتعذَّر إصلاحه، إنَّهم على الصعيد المحلي بحاجة فعلاً لعمل شيءٍ ما لكبح جماح محمد بن سلمان. عليهم عمل شيءٍ ما للجمه».
خالد الفيصل يمكنه فعل ذلك
وبحسب الصحيفة الأميركية أحد القلائل أصحاب المكانة التي تمكنهم من حضّ الملك على الإقدام على مثل هذا التغيير ربما يكون الأمير خالد الفيصل، الذي زار أنقرة لرؤية الأتراك. الأمير خالد (78 عاماً) هو ابن الملك الراحل فيصل وحاكم منطقة مكة حالياً، ويحظى بتقديرٍ داخل الأسرة باعتباره ذكياً ومُتعقِّلاً. وأن يرسله الملك في مهمةٍ حساسة كتلك هي إشارة على أنَّه يحظى بثقة الملك فعلاً. كان أخوه غير الشقيق، الأمير تركي الفيصل، صديقاً وراعياً منذ زمنٍ طويل لخاشقجي خلال العقود التي عمل فيها جمال داخل المؤسسة السعودية، قبل أن يتحول إلى مُنتقِدٍ لولي العهد.
وراود بعض خصوم ولي العهد الأمل في أن يتحداه شقيق الملك، الأمير أحمد بن عبد العزيز. الأمير أحمد (73 عاماً) هو أصغر الأبناء السبعة للملك الراحل عبد العزيز آل سعود من زوجته حصَّة بنت أحمد السديري. شكَّل السديريون السبعة كما يُعرفون كتلةً قوية داخل العائلة ومرَّروا العرش من الأخ إلى الأخ، وهو النمط الذي كان ربما سيمتد لأحمد لو لم يُعِد الملك سلمان توجيه خط خلافة العرش إلى ابنه محمد.
لذا تحمَّس منتقدو محمد بن سلمان الشهر الماضي سبتمبر/أيلول حين وجَّه الأمير أحمد كلامه للمحتجين الذين كانوا يهتفون ضد الأسرة المالكة في الشارع بلندن بسبب حرب اليمن.
قال الأمير أحمد في تصريحاتٍ التُقِطَت في مقطع فيديو: «ما علاقة هذا بآل سعود؟ أولئك المسؤولون هم الملك وولي عهده».
وحين سُئِل عن الحرب في اليمن، رد قائلاً: «آمل أن ينتهي الوضع، سواء في اليمن أو في أماكن أخرى، اليوم قبل غدٍ».
ونشر منتقدو ولي العهد مبايعاتٍ للأمير أحمد على الإنترنت، لكنَّ تحوله إلى قائدٍ معارض لم يستمر طويلاً. إذ أصدر بعد فترة قصيرة بياناً يقول فيه إنَّ تصريحاته أُسيء تفسيرها. لكنَّه لا يزال في لندن يخشى العودة إلى المملكة.
العسيري والقحطاني.. متهمان مثاليان في رواية غير مثالية قبل ساعتين
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يرى أن الرواية السعودية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي“موثوقة”، وإنه يفضل ألا يلغي الكونغرس صفقات الأسلحة مع السعودية، وذلك بعد إقرار الرياض بمقتل الصحفي داخل قنصليتها في إسطنبول ولكن بسبب شجار ودون علم ولي العهد محمد بن سلمان.
وأضاف للصحفيين في أريزونا أنه يعتقد أن الإعلان الذي أصدرته السعودية بشأن خاشقجي “خطوة أولى جيدة وخطوة كبيرة”، وأن اعتقال المشتبه بهم مهم للغاية.
وعرض موقع شبكة “سي إن إن” بالإنجليزية الخيارات التي يمكن لترامب التعامل بها بعد إعلان الرياض عن وفاة خاشقجي، خصوصا بعد أن صرح أنه سيمضي في الأمر حتى نهايته.
في البداية أعلن الرئيس الأميركي أنه سيبحث بعمق مع الكونغرس في تحديد ما يجب القيام به، مؤكدا أن العواقب المترتبة على الجريمة البشعة “يجب أن تكون قاسية للغاية”
مجموعة قيم وجريمة نكراء
ويرى التقرير أن ترامب يواجه معضلة، فعليه أن يوازن بين مجموعة قيم ضد جريمة شنعاء، بالإضافة إلى مشرعين غاضبين يطالبون باتخاذ إجراء، رأى بعضهم أن الرواية السعودية ما هي إلا “تبرئة للنظام السعودي”، ورأوا أن تكليف ولي العهد بالتحقيق يعني أنه “تسلم زمام الأمور”.
ويرى آرون ديفد ميلر نائب رئيس مركز ويلسون أن ترامب في أولويات سياسته الخارجية يحتاج السعودية، لكن الروابط المالية المحتملة بين عائلته والعائلة المالكة تعقّد الصورة، مما يثير التساؤلات حول رغبة الرئيس في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرياض.
وقال ميلر إن من المرجح أن يهدف البيت الأبيض إلى تحقيق توازن بين العقاب العام، والتفاهم بأن العلاقة ستستمر كما كانت من قبل في نهاية المطاف.
ويضيف “إنهم يحاولون التوفيق بين أمرين غير قابلين للمصالحة، إنهم بحاجة إلى الحفاظ على العلاقة في ظل هذا العمل المروع”.
وأشار إلى أن الرئيس قد يلجأ إلى عقوبات متفق عليها، عبر مجموعة من التفاهمات مفادها “أن هذه هي الإجراءات التي سيتعين على الولايات المتحدة اتخاذها”.
ويقول التقرير: من الناحية النظرية، فإن ما في جعبة ترامب يتراوح بين الخطوات الدبلوماسية إلى العقوبات الاقتصادية، غير أن “بعض الخيارات ستبقى بالفعل خارج الجدول”.
عقوبات دبلوماسية
وربما تلجأ الولايات المتحدة إلى إظهار استيائها عبر استدعاء سفيرها في الرياض أو الإعلان عن أن السفير السعودي فيواشنطن شخص غير مرغوب فيه، لكن هذا أمر طبيعي ويظهر في كثير من النزاعات السياسية بين الدول.
ويشار هنا إلى أنه بمجرد أن بدأت الشكوك حول اختفاء خاشقجي تتزايد، استدعت السعودية سفيرها في الولايات المتحدة خالد بن سلمان، وهو ابن الملك وشقيق ولي العهد.
الاحتمال الآخر، أن تصعّد واشنطن إجراءاتها عبر إغلاق القنصليات السعودية والمواقع الدبلوماسية الأخرى، أو أن تلجأ إلى تقليص عدد الدبلوماسيين السعوديين في الولايات المتحدة، كما فعلت مع روسيا في عام 2017.
ويقول سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن جيرالد فيرشتاين إن “كل هذه خيارات متاحة إذا كان هناك نية حقيقية لفرض عقوبات على الرياض”، مضيفا -على سبيل المثال- أنه يمكن تعليق التعاون مع وكالات الاستخبارات السعودية بشكل مؤقت “على الرغم من أن هذا سيف ذو حدين”، مشيرا إلى المكاسب الأميركية في تلقي المعلومات بهذا الصدد.
وأوضح أن بالإمكان اللجوء إلى تجميد الاتصالات مع وزارة الداخلية أو أي أجهزة أمنية متورطة في وفاة خاشقجي، وقد يشمل ذلك “بعض المنظمات الأمنية الخاصة التي أنشأها محمد بن سلمان”، حيث يبدو أن بعض أعضاء الفريق الأمني الذين قتلوا خاشقجي كانوا يعملون فيها، ويرى أن الإدارة تحاول صياغة العقوبة بعناية.
قانون ماغنيتسكي
ويحاول مشرعون أميركيون تفعيل “قانون ماغنيتسكي” الذي يمكن أن يسفر عن فرض عقوبات على أفراد سعوديين، ويلزم هذا القانون الرئيس الأميركي بفتح تحقيق بعد طلب من الأعضاء البارزين في اللجنة، إذا كان أجنبي مسؤولا عن جريمة قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا بحق شخص يمارس حريته في التعبير.
كما يلزم قانون ماغنيتسكي الرئيس بإصدار تقرير خلال 120 يوما من الرسالة، يتضمن قرارا بشأن فرض عقوبات على أي شخص يعتبر مسؤولا عن انتهاكات حقوقية خطيرة، مثل التعذيب والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة أو قتل شخص خارج نطاق القضاء لممارسته هذه الحرية.
واقترح السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي أن من الممكن أن “تقلل واشنطن من بعض أعمالها المصرفية وتأشيراتها، وبالتأكيد لدينا القدرة على منع مبيعات الأسلحة”.
وأضاف ليهي أنه “كان ينبغي أن نفعل ذلك بعد أن كذبوا علينا بشأن الضحايا المدنيين في اليمن”، كما اقترح آخرون وقف تزويد الطائرات السعودية التي تقصف اليمن بالوقود.
اللجوء للهدوء
وفي المقابل، يرى المدير في مؤسسة هيريتيج جيمس كارافانو أن أفضل إجراء هو التوقف عن مناقشة العقوبات والعقوبات المحتملة، والسماح للأمور أن تهدأ وإحالتها إلى المحققين والقضاء.
وأضاف أنه “كان يجب أن يرسلوا مدير مكتب التحقيقات الفدرالي إلى تركيا والسعودية، وليس وزير الخارجية”.
وتعتمد واشنطن على الدعم المالي الذي تقدمه السعودية لتمويل إعادة إعمار سوريا، ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وخطة السلام في الشرق الأوسط.
والأهم من ذلك، أن البيت الأبيض يحتاج إلى السعودية للحفاظ على استقرار أسواق النفط الدولية في مواجهة إيران، وفرض عقوبات جديدة على الطاقة ضد الدول التي تشتري النفط الإيراني ابتداءً من 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبهذا الصدد يقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن الإدارة “ستدرس مجموعة واسعة من الردود المحتملة، لكني أعتقد أن الشيء المهم الذي يجب القيام به هو العمل على إظهار الحقائق جميعها”.
المصدر : سي إن إن
خصصت أسبوعية دير شبيغل الألمانية قضية الصحفي السعودي الراحل موضوعا رئيسيا لعددها الجديد الصادر السبت، ووضعت على غلافها صورة رئيسية مظللة بالسواد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى جوار عنوان “الأمير والقتل”، وفي الخلفية صورة للرئيسين التركيرجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب.
ونسبت الصحيفة للمحقق السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف بي آي) علي سفيان، قوله إن خاشقجي اختلف عن كل المعارضين السعوديين في الخارج بمعرفته لنظام بلاده من الداخل، وامتلاكه مصداقية كبيرة في الغرب وداخل بلده، وهو ما مثل خطرا كبيرا على شخص محمد بن سلمان.
ورأى سفيان أن محمد بن سلمان أراد لخاشقجي نهاية دموية مروعة كالتي حدثت، وتمنى في الوقت نفسه أن يخرج من هذه الجريمة بأي طريقة.
وتساءل: لماذا يأمر بقتل جمال؟ فأجاب بأنه أراد إرسال رسالة مفادها أنك “إذا عارضتني فسوف أصلك مهما كنت وأينما كنت، لقد أرادها وحشية لأنه كان يرى أن خاشقجي اعتقد أنه سوف يفلت من العقاب”.
خاشقجي مختلف
واعتبر المحقق أن ولي العهد السعودي استهدف خاشقجي لأنه كان -خلافا لغيره من الشخصيات السعودية المعارضة في الخارج- “نتاج النظام، إنه ليس شخصية معارضة، فقد كان يعمل في القيادة السعودية، وكان يحب السعودية ويعرف النظام من الداخل، وكانت له مصداقية كبيرة في كل من المملكة العربية السعودية والغرب. كان محترما من قبل وسائل الإعلام الغربية والعديد من آل سعود”.
وتابع سفيان أنه إذا ثبت أن ابن سلمان أمر بالقتل، فسيكون الضرر كبيرا، سيفقد مصداقيته على المسرح العالمي وتضيع الملايين من الدولارات التي أنفقت على شركات العلاقات العامة ومجموعات الضغط لصياغة صورته كمصلح.
وفي تحليل لأبعاد هذا التعامل الدموي المروع مع خاشقجي، أوضحت الباحثة السعودية مديرة معهد الشرق الأوسط في مؤسسة ديل كارنيغي الأميركية لؤلؤة الرشيد أن ولي العهد السعودي كسر كل ما تعارف عليه ملوك السعودية السابقين من النأي بأنفسهم عن الوحشية.
واعتبرت دير شبيغل أن القتل المروع لخاشقجي بدافع سياسي يثبت صحة اتهام وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل لسياسة ولي العهد السعودي بالمغامرة، بعد احتجازه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض.
مصر والإمارات
كما ألمحت الأسبوعية الألمانية لدور ما لمصر والإمارات في قضية مقتل الصحفي السعودي، مشيرة إلى أن من اللافت أن الطائرتين الخاصتين اللتين حملتا فريق الأمن السعودي توقفتا في رحلة العودة من إسطنبول في القاهرة ودبي، بدلا من السفر مباشرة إلى الرياض.
ورأت دير شبيغل أن هذا التوقف الليلي الملفت بدا فيه أعضاء هذا الفريق السعودي كأن عليهم توضيح أمر ما عن مهمتهم في تركيا لزملائهم في الاستخبارات المصرية والإماراتية.
وعرضت المجلة في تقريرها الموسع لجوانب جديدة في القضية، ونقلت عن الصحفي البريطاني جون برادلي رفيق خاشقجي لسنوات طويلة، قوله لها “إن أسرة آل سعود تماثل عصابات المافيا وتخلصت من زميله الراحل بلا رحمة مثلما تتعامل المافيا مع الخارجين عليها”.
كما تطرقت لدور الطبيب الشرعي السعودي صلاح الطبيقي، وقالت إنه سبق أن تباهي في مقابلة سابقة مع صحيفة عربية بقدرته على تشريح الجثث في وقت قياسي.
وقالت إنه كان من المفترض أن يطور الطب الشرعي في بلاده، “لكنه أدخل مع رفاقه من فريق إعدام خاشقجي أسرة آل سعود في أسوأ أزمة تواجهها منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011″.
وخلصت دير شبيغل إلى أن قصة السائحين الخمسة عشر الحاملين لمنشار عظام في إسطنبول -التي تريد الأسرة السعودية الحاكمة ترويجها- لن تنطلي على أحد في الغرب.